وثيقة كتلة “العقد الاجتماعي”
نص الوثيقة التي أصدر النقيب ولد بوحبيني باسم كتلة العقد الاجتماعي :
يجب أن يفهم الجميع، من أجل الجميع، ولمصلحة الجميع، أن وضعية موريتانيا تتسم، منذ فترة، بالتوقف عند نقطة الانطلاق: لا نقاش، لا تقدم، لا استقرار يفضي إلى العملية التنموية والإصلاحات الكبيرة.
إذن لا شيء غير ضياع الوقت وتعطيل الطاقات والشحن المستمر والتجاذبات الخطيرة والتأزيم الذي لا يعي فظاعة ما قد يترتب عليه من منزلقات خطيرة.. ذلك هو وضع بلادنا على مدى فترة غير وجيزة. غير أن طبيعة المرحلة، ومستوى الخطر المحدق، وحاجة الشعب الماسة إلى بدائل تحقق طموحاته في الديمقراطية وتصون مستقبل وحدته وتماسك مكوناته، أمور تجعلنا نتجاوز التفاصيل المتعلقة بالمسؤول عن هذا الوضع وأسبابه، لأنها متاهات لا طائل من ورائها ولا جدوائية فيها ولا مخرج لمن دخلها، إضافة إلى أن الوقت لا يسمح بها. أهم شيء إذن هو أن نعترف بهذا الوضع كواقع، وأن نعترف بأن موريتانيا متضررة منه، وأنه أصبح عائقا دون رؤية أي أفق يلوح في المستقبل، فأصبح احتمال التفكك واردا وأصبح الوضع الاجتماعي والاقتصادي والتعليمي والصحي والحقوقي والقضائي والأمني كارثيا لأنه لا أحد يهتم به في ظل أزمة سياسية خانقة باتت تغطي على كل الجوانب الأخرى. والحقيقة أن حلحلة الأزمة السياسية، وبناء نظام ديمقراطي ودولة قانون، بات اليوم شرطا أساسيا للانشغال بالبطالة والظروف المعيشية وهجرة الشباب والأدمغة والاخفاقات في مجال الخدمات العامة كالصحة والتعليم والماء والكهرباء والسكن. إن ما نعيشه من تأزم سياسي وما نفتقد إليه من حرية الاختيار يشكل اليوم عقبة دون التصدي للهموم الحقيقية للشعب، لدرجة أن المواطن أصبح يعتقد أن اللعبة السياسية تجري من فوقه وبعيدا عن مشاغله وطموحاته. ومن هنا لم يعد يرى نفسه في الصراع الدائر في الساحة السياسية، ويعتبر، مُحِقًا، أنه ليس في قلب ذلك الصراع، لأنه أكثر المتضررين منه، ولأنه يعطل حل مشاكله، ولأنه يُـغيّبه عن الساحة وعن الشأن العام، ولأنه يقضي على طموحاته المشروعة في التناوب. إذن ليس من المهم اليوم أن نهتم بالسبب والمُسبب لهذا الوضع المزري، وإنما المهم أن نتعاطى معه جديا ليزول.. هذا ما توصلنا إليه في “العقد الاجتماعي” بعد نقاشات طويلة ولقاءات كثيرة (مع فعاليات وطنية داخل وخارج البلاد) ومع المواطنين من كل المشارب والمهن: أطباء، محامين، أساتذة جامعيين، مثقفين وطلاب وغيرهم… فبدا لنا، بعد التشاور والتمحيص، أن ما نسعى إليه، انطلاقا من القراءة الآنفة، ليس مسألة معارضة أو موالاة، وليس موجها ضد أحد، وليس مناورة لصالح أحد، وإنما يمثل هدفا سياسيا ملحا وسترة نجاة لابد من ارتدائها. وعندما يتحقق مسعى الكتلة، يكون لكل منتمٍ إليها أو فاعل فيها حريته في اختيار الجهة السياسية التي يريد. وبعبارة أدق، فإننا نسعى إلى تحقيق المُلِحِّ والأهم المتمثل في أن نصنع الظروف المواتية لجعل 2019 هي الفاصل الحقيقي بين الماضي والمستقبل، بين الاحتقان والانفراج، بين التخلف والتقدم، بين التخبط والسير بالخطى الواثقة… لقد اتفقنا على أن تكون سنة 2019 فرصة لتحقيق انتقال ديمقراطي هادئ يقطع الطريق على مخاطر الانزلاق ويهيئ الظروف لبناء دولة مدنية ديمقراطية هي وحدها الضامن لاستقرار البلد والقادرة على حل مشاكله الكبرى، وذلك بجعل ما تبقى من المأمورية الحالية فرصة لنقاش وتعميق مضامين وأسس التحول الديمقراطي، مع اعتماد نهج الحوار والتشاور كآلية لتحقيق ذلك الهدف. كما سيكون فرصة لوضع موريتانيا على السكة من خلال انتخابات نزيهة وشفافة وحرة، لا تعرف الترغيب والترهيب، يمتلك الفائز فيها شرعية حقيقية لا يمكن الطعن فيها كما يمتلك صلاحيات واسعة مصدرها الشعب ومردوديتها للشعب.. هذا الانتقال السلس السلمي نحو الديمقراطية لا يمكن تحقيقه دون تحقيق المساعي المذكورة أعلاه.
إن علينا جميعا، سواء كنا حزبيين أو حقوقيين أو نقابيين أو لا منتمين، أن نبذل قصارى الجهد، في هذا الظرف العصيب والمنعرج الخطير، في سبيل نزع فتيل التوتر، وإبعاد الشوك عن قارعة الطريق، والتخفيف من حدة لهجة بعضنا تجاه البعض.. هكذا نهيئ النظام للتعقل ونبذ التعنت ونعطيه من الإشارات الإيجابية ما يُطـَـمْئنه، وهكذا تهتدي المعارضة إلى الطريق الوحيد الذي ستجد فيه موطئ قدم في تحولات المستقبل القريب. وهو أيضا ما سيسمج لها بالحضور الحقيقي في المشهد والمشاركة في تصوره وبلورته.. وإلا فمآلها القطيعة والمقاطعة وما يترتب عليهما من تقوقع وسلبية وعزلة. إذن عليها ما على النظام من ضرورة مد يد التعاطي والاستعداد، بما يلزم من مرونة، لبناء موريتانيا جديدة قائمة على ديمقراطية صلبة، وبهذا يضمنان تحولا سلسا غير مشوب بالهزات العنيفة.
لقد تأكدنا، بعد جولات من النقاش، أن انتخابات جدية شفافة هي الحل الأوحد لأزمتنا، وأن انتخابات جدية وشفافة يلزمها بالضرورة أن تكون توافقية وأن تكون هياكلها المشرفة عليها حيادية وذات مصداقية، وذلك يستحيل دون إشراك الجميع (وهو ما يعني بناء مؤسسات انتخابية ذات مصداقية يكون اختيار أعضائها بالتشاور بين كافة الفاعلين السياسيين، إعطاء اللجنة الانتخابية كامل الصلاحيات فيما يتعلق بالمسلسل الانتخابي وإبعاد وزارة الداخلية وغيرها من الأجهزة الحكومية عن كافة العملية، اختيار رئيس وأعضاء المجلس الدستوري بالتشاور مع كامل الطيف الفاعل، اختيار المسؤولين المباشرين للحالة المدنية والسجل الانتخابي بالتشاور، اختيار مديري مؤسسات الاعلام العمومي بالتشاور، تحييد وسائل الدولة عن المنافسة الانتخابية، تدقيق السجل الانتخابي وإشراك الجميع في مراجعة اللائحة الانتخابية، تفعيل بعض القوانين وسن أخرى خدمة للشفافية في المسار الانتخابي). إننا، في “العقد الاجتماعي”، جد مقتنعين أنه لا أحد يملك الحق في احتكار الانتخابات القادمة، ولا أحد من حقه وضع قواعدها، ولا أحد يمكن أن يقول بأنه سيجريها بمقابل.. تلك هي الحتمية التي تفرضها الظروف ويفرضها الواقع. وقد أظهرت الشعوب لمن يريد فرض أجندته الخاصة أن ذلك أصبح من عداد المستحيلات، وأن زمنه ولى لغير رجعة، وأنها لا تقبل المساومة فيه.. لقد تم تجاوز مبدأ التوافق لأن الشعوب لم تعد تقبل فرض الأجندات الأحادية. “العقد الاجتماعي” إذن عبارة عن هبة شعبية تضم كل أطياف شعب بات يطالب اليوم بهذه الأساسيات وبات مستعدا للتحرك من أجلها، معتمدا في ذلك أسلوبا جديدا ليس مفعولا به فيه بل فاعلا: أسلوبا لا ينتظر أصحابه مبادرة ما بغية إبداء ردة فعلهم، لكنهم يتحركون ويبادرون ويصنعون ويحيّنون نقاشا ظل غائبا تماما. وتوضيحا لما سبق، يجدر بنا أن نتقدم بمجموعة من الرسائل الموجهة إلى محطات بارزة نراها وازنة في شأن الساعة (محطة السلطة، محطة المعارضة، محطة المؤسسة العسكرية، محطة البعثات الدبلوماسية، محطة الأطر)، علما بأننا سنعرض عليها ما عندنا من رؤى. والمحطات المذكورة هي:
أولا: محطة السلطة: إن على السلطة أن تنطلق من أنه لا مجال إطلاقا لمأمورية ثالثة، وأن الاستخلاف السياسي أو التوريث السلطوي غير مقبول ولا مجال حتى للتفكير فيه لأنه يمثل نوعا من الاستخفاف بالشعب والوصاية عليه، ولأن دكتاتورية صريحة، سافرة عن وجهها، أفضل من الدكتاتوريات الملثمة برداء ديمقراطي زائف. إن على السلطة الحاكمة في بلادنا أن تسعى إلى الخروج من الباب الواسع، وإن عليها أن تحسب العواقب، وتفكر في مسؤولياتها تجاه شعبها، وتقرأ التاريخ السياسي المعاصر، وتنظر بجدية إلى ما آلت إليه الأمور في بلدان عديدة من العالم، لعلها بذلك تتريث حتى لا تسير عكس التيار في الأمور الحتمية.. إن الحكمة تقتضي منها المساهمة الفعلية والبناءة في الانتقال السياسي اللازم ومواكبته لتخرج خروجا مشرفا، ولكي يسجلها التاريخ ضمن السُّلـَـط التي جنـّـبت شعوبها الصدامات والمآسي وساعدتها في النهوض.. لقد علمتنا التجارب في عدة مناطق من العالم أن الشعوب عندما تصبح على استعداد لأخذ زمام أمورها بنفسها لا يمكن إيقافها بحال من الأحوال. والموريتانيون راكموا الكثير من الوعي السياسي، والكثير من النضالات التي خضع خلالها أبناؤهم، السياسيون والنقابيون والطلبة، لأنواع التعذيب والعزلة والتغريب والإعدامات، كما راكموا الكثير من الملل والضجر والإحباط من الأحكام الظالمة والمتعسفة والفردية والاستثنائية والدكتاتورية (الملثمة بالتعددية الخادعة)، لدرجة أنهم لم يعودوا يطيقون أكثر، ولم يعودوا مستعدين للخضوع لأي نظام لا يختارونه عبر صناديق اقتراع شفافة، ولم يعودوا يقبلون بأي نظام لا يقوم على العدالة والمساواة والإنصاف، وباختصار لم يعودوا يقبلون بغير الديمقراطية الحقة: تلك التي يحكم فيها منتخبون خاضعون لرقابة القضاء والإعلام الحر، وتعرف فيها السلطة التنفيذية حدودها الواضحة من السلطة القضائية، ويلعب فيها البرلمان دور المشرّع الحقيقي، ويُسمَع فيها صوت المظلوم والفقير والضعيف، وتلعب فيها النخبة دورها كاملا في التنوير والتأطير والتعبئة والتحليل والاستشراف، وتهتم بطاقاتها الشبابية والنسوية، وتتفهم المطالب الشعبية وتسعى لحلها بموضوعية وحياد وصرامة.
ثانيا: محطة المعارضة: مهما بلغت شرعية مطالب المعارضة، فإن منها ما هو جوهري ومنها ما هو دون ذلك. ولا شك أن مطالبها مهمة كلها. لكن يبدو لنا أن المطلب الأساسي الآن، والذي يتوجب عليها التركيز عليه، يتجسد في مسألة تهيئة انتخابات نزيهة وشفافة تضمن التحول بشكل سلس لائق.. إننا لا نريد من المعارضة أن تتخلى عن مطالبها التقليدية، لكننا نريد منها أن تركز على الانتخابات لأنها هي وحدها صمام الأمان. ونرى أن عليها أن تفهم أن مسيرتها اتسمت بمسألتين: الأولى أن نضال رجالها ونسائها خلق، بالتراكم، نوعا من الوعي جعل منتسبيها وحتى غير المنضوين تحت الشعارات السياسية، مستعدين للقيام بانتفاضة من أجل تقويم اعوجاجات المسلسل الديمقراطي.. والثانية أنها تعرضت للكثير من الاخفاقات والأخطاء وفوتت على نفسها الكثير من الفرص. والحقيقة أن الأنظمة ساعدت في ذلك بمنحها هامشا ضيقا تتحكم فيه بالتسلط والترهيب والترغيب. لكن مثل ذلك لم يمنع دولا، رأيناها تطمح بإصرار للتحول الديمقراطي، من فرض أجوائه وظروفه بالحكمة والصرامة. أي أن المعارضة تتحمل جزءا من المسؤولية في ضياع الفرص السابقة. لكن الفرصة الماثلة اليوم لا يمكن أن تضيع أو يجب أن لا تضيع، لأن ضياع فرصة انتخابات 2019 يعد ضياعا لموريتانيا بأسرها. إذن بالنسبة لنا، في كتلة “العقد الاجتماعي”، نرى أنه على المعارضة أن تركز -أكثر من أي وقت مضى- على هذه الفرصة حتى لا تشرف السلطة وحدها على العملية الانتخابية، وحتى لا تكون العملية أحادية، وحتى يكون التوافق بشأنها مبدأ لا مناص عنه. هذا ما سيحقق النتيجة المرجوة. فالبلدان التي تفتقد إلى هياكل ومؤسسات ذات تجربة طويلة تجعلها تشرف على العملية بصفة اعتيادية أوتوماتيكية، لن تكون انتخاباتها مقبولة النتائج إلا إذا كانت توافقية. وبالتالي فالمعارضة إذا أرادت أن تكون جزءا مهما وفاعلا في المرحلة، لابد أن تأخذ هذه الأمور بعين الاعتبار وتصحح ما يستحق التصحيح من مسارها، الأمر الذي يتطلب، من بين أمور أخرى، عقد مؤتمر للمعارضة، في الداخل والخارج، للتعاطي مع المرحلة وتوحيد رؤيتها واستراتيجيتها، وتجاوز خلافاتها تقديرا للمصلحة العامة. ثالثا: محطة المؤسسة العسكرية: إننا على قناعة تامة أن مؤسستنا العسكرية سيتسع صدرها لنقاش قضايا الوطن الذي ضحت، وما تزال تضحي، من أجله بالغالي والنفيس.. إننا نقول لمؤسستنا العسكرية أنها كانت حاضرة، على شتى الصعد، في المشهد السياسي الموريتاني منذ سنة 1978 من خلال الانقلابات والفترات الانتقالية والانتخابات… ومن غير المستساغ منطقيا أن تكون حاضرة بهذه الدرجة، ويكون النقاش معها وتوجيهها وتقديم النصح لها مستحيلا أو متعذرا، وهي المهيمنة المتسلطة على السلطة أو المسلطة عليها تارة. من ناحية أخرى، لا يمكن أن يكون الجيش حاضرا باستمرار في الجانب السلبي للمشهد، ولا نشركه عند البحث عن جانب إيجابي في المشهد. إن حضوره الدائم في الفترات المظلمة من تاريخنا السياسي شجعه عليه تغييبنا الدائم له كلما بحثنا عن إيجاد فترات مضيئة من تاريخنا السياسي. وإن علينا في ضوء فرصة انتخابات 2019، أن نتدارك الأمر بإشراكه في النقاش وتعبئته على لعب دور إيجابي تاريخي يجعله في مصاف الجيوش الجمهورية المؤمنة بالديمقراطية والعدالة. إن عليه أن يعي أن الانتقال السياسي مسألة حتمية، ونريد له أن يكون جزءا منه أو راعيا له وأن يَسمع ويُسمع الرأي الناضج القادر على إنقاذ السفينة، مع أن المطلوب منه أساسا أن لا يكون عائقا أمام مصالحة موريتانيا مع نفسها وولوجها عالم البلدان البالغة سن الرشد الديمقراطي. وعلى هذا الأساس فنجن نرفض فكرة أن الجيش ملك للسلطة، فالجيش جيش الموريتانيين: ضباطه وجنوده ليسوا إلا أبناء الشعب. ومن الأكيد أن مؤسستنا العسكرية ستستفيد أكثر من الانتقال الديمقراطي لأنه سيسمح لها بالخروج من معترك سياسي كثيرا ما لطخ سمعتها، ولأنه سيخلّدها في سجل تاريخ موريتانيا، ولأنه سيجعلها تتفرغ لمهمتها الدستورية النبيلة، كما ستتفرغ لتطوير ذاتها واقتناء الوسائل والخبرة والتكوين. وعندما يتحقق ذلك سيجد جيشنا مكانته اللائقة في قلوب المواطنين تماما كالجيش التونسي الذي حافظ على السلطة حتى أخذ المسار الديمقراطي طريقه السليم. والحقيقة أنه لا يوجد أمامنا اليوم غير احتمالين: مسار انتقالي سلمي سلس، أو انهيار تتمخض عنه أمور لا تحمد عقباها. وبقدر ما يستفيد الجيش من إصلاح المسار السياسي، بقدر ما يتضرر من إفساده لأنه، في حالة الانهيار (لا قدر الله) سيواجه وضعية غير مريحة في بلد هو المكلف بأمنه.
رابعا: محطة السفارات والبعثات الديبلوماسية والمنظمات الدولية: يمثل هؤلاء شركاء دائمين، كثيرا ما يشرفون ويساعدون ويدعمون الخطط والمسلسلات الانتخابية.. سوف نتوجه إلى الدبلوماسيين وممثلي المجتمع الدولي لنناقشهم ونقنعهم بأن تحركنا وجيها وواضحا. وسيكون خطابنا لهم بسيطا ومبسطا، فنحن لن نأتي لنقدم لهم مساوئ النظام، ولسنا بصدد الاتصال بهم للشكوى منه، ولا نريد منهم مشاركتنا في البكاء على واقعنا.. وإنما سنقول لهم بأن بلدانهم تميزت بنجاح تجاربها الديمقراطية، وتميزت بالمكانة اللائقة للمواطن فيها فأصبح في صميم العملية السياسية، وأن ذلك هو سر نجاحهم، وأننا نريد منهم إشراكنا في خبرتهم الرائدة خاصة في هذا المنعرج الحساس الذي تمر به موريتانيا حاليا. إننا نريد أن يسير تحركهم الدبلوماسي في هذا الاتجاه، وأن يدعموا مسارا ديمقراطيا سليما يصحح الاختلالات التي تعرفها البلاد منذ عقود. أي أن عليهم أن يشاركوا في حلحلة الأمور في اتجاه التغيير الضروري القادم لا محالة. ومن الأكيد أن دورهم في المسلسل الانتخابي التوافقي مهم على مستوى التوجيه والدعم، وحتى الإشراف إن اقتضى الأمر. خامسا: محطة الأطر: معروف أن الدولة هي أكبر مشغل، وأن أكثرية الأطر والموظفين يعملون فيها.. هؤلاء الأطر يشكلون (مع السلطة والمعارضة، والجيش والدبلوماسيين) محطة أساسية من محطات “العقد الاجتماعي”. فنحن نعول عليهم كما تعول عليهم موريتانيا بأكملها.. فالشعب الموبوء بالفقر والجهل والأمية والجريمة والمرض واختطاف السلطة والتجاذبات الصدامية، لا يمكنه إلا أن يعول على أطره وموظفيه. لكن ما يؤسف له حقا أن نخبتنا، من الأطر والموظفين، مكبلة في الإدارة وكأنها مشلولة جامدة لا تستطيع أي حراك على اعتبار أنها ملك للسلطة الحاكمة، وأنه لا يمكنها أن تتخذ موقفا خارجا عن توجهات وخيارات السلطة الحاكمة، وليس لها الحق في التعبير عن رأيها وممارسة السياسية بصفة حرة. والحقيقة أن هؤلاء الأطر يستحقون وظائفهم عن جدارة (كمستشارين ومدراء ورؤساء مصالح…)، ولا يمكن الضغط عليهم بوظائف استحقوها بشهاداتهم وخبراتهم. فأية إهانة أكبر من أن تعطي السلطة أمرا لموظفي الدولة بالوقوف تحت لفح الشمس، طوابير ديكورية، في انتظار مقدم رئيس معين؟ وأي احتقار أكبر من أن يقبل الإطار السفر إلى صندوق اقتراع معين ليصوت لشخص لم يقتنع به أبدا؟.. لقد آن لنخبتنا أن تقدر نفسها وتفرض احترامها. وإن عليها أن تحرر نفسها وتساعدنا في تحريرها من هذه الأغلال المشينة. صحيح أن الأنظمة شاركت في صياغة الأطر والموظفين على الشكل الذي يجعلهم أدوات تستخدمها لأغراضها، لكنهم شاركوا هم أنفسهم في ذلك بعدم تمسكهم بحقهم. “العقد الاجتماعي” يلتزم بأنه سيتواصل مع الأطر والموظفين، ويناقشهم، ويقدم لهم كل وثائقه وبرامجه، محاولا أن يفهموا أنهم أحرار، وأنهم يملكون الحق في ممارسة خياراتهم السياسية بكل حرية، وأن وظائفهم لا يمكن أن تكون سببا في ركوب ظهورهم. إذن سوف نسعى في “العقد الاجتماعي” لتحرير هذه الطاقات المسجونة، وعندما تتحرر ستقوم هي نفسها، انطلاقا من مستوياتها والأدوار المنوطة بها، بتوعية وتحرير طاقات شعب ما نام إلا بسبب تكبيل أطره وموظفيه.
وانطلاقا من كل ما سبق، فإن اهتمامنا يجب أن ينصب على المحافظة على بلادنا المهددة بالكثير من المخاطر الاقليمية والدولية، بدءًا بمحاولات المساس بديننا الإسلامي الوسطي المعتدل، مرورا بما تعرفه المنطقة من جريمة منظمة وهجرات سرية ورواج للمخدرات، وانتهاءً بالإرهاب والتطرف. وهو ما يستدعي منا تكاتف الجهود لنوصل بلادنا إلى بر الأمان ونهيئ أرضيتها لاستغلال خيراتها الكبيرة من خلال حكامة اقتصادية قائمة في ظل نظام شرعي قادر على رص الصفوف والانطلاق نحو آفاق سياسية واقتصادية واجتماعية واعدة تؤمّن الدولة والمجتمع من المخاطر التي تتهددها.
وأخيرا، فإننا، في كتلة “العقد الاجتماعي”، استكمالا لهذه الوثيقة، وتوضيحا لخطوطها العريضة، سنضع بين أيدي السياسيين والفاعلين والشركاء خارطة طريق لأهم مراحل عملية الانتقال الديمقراطي الذي نريده وميض أمل جديد.
عن كتلة العقد الاجتماعي الرئيس الاستاذ احمد سالم ولد بوحبيني