من يعيرني عقلا رياضيا لأفهم به!!/ محفوظ ولد حنفي

altلست رياضيا البتة، وكثيرا ما أجد صعوبة في فهم الكثير من طلاسم الرياضيات، وحل العديد من معادلاتها؛ غير أن أصعب المعادلات التي واجهتها في حياتي وأكثرها تعقيدا على كل العقول الرياضية (حسب فهمي المتواضع) هي تلك التي واجهتني قبل يومين عندما كنت أحضر مهرجان “بشائر النصر” الذي نظمه حزب تكتل القوى الديموقراطية في ساحة مسجد ابن عباس بقلب العاصمة..

تقول المعادلة الأولى ما يلي:

العجز + الشغور = الاستبداد

لم تكتب المعادلة بهذه الصيغة على إحدى اللافتات الكبرى للمهرجان؛ لكنها كتبت بصيغة أخرى تحمل نفس المعنى؛ وشرحها المتحدثون بشكل غير مباشر في مداخلاتهم المتعددة؛ حيث أكدوا أن موريتانيا تعاني من مشاكل الشغور، وعجز الرئيس، واستبداده أيضا!!

اسعفونا يا أصحاب العقول!! وعلمونا كيف يجتمع العجز والاستبداد، وكيف يكون الإنسان عاجزا ومستبدا في آن؟؟. ولقد علمونا في المدارس من حِكَم العرب قول الشاعر:

ليت هندا أنجزتنا ما تعد

وشفت أنفسنا مما تجد

واستبدت مرة واحدة

“إنما العاجز من لا يستبد”

لكن منسقية المعارضة “الديموقراطية” تقول لنا بكل ثقة: إن العاجز هو الذي يستبد و”إن محمد ولد عبد العزيز عاجز ومستبد معا”!!!!

ثم؛ معادلة أخرى تقول: “يا ولد عبد العزيز أنت عاجز؛ فارحل”!!

وهل يستطيع العاجز أن يرحل أو أن يمتنع عن الرحيل؟؟؟

إن العاجز يُرحَل فقط؛ شاء أم أبى؛ فماذا ينتظرون بفرض ترحيله وهو “العاجز” صاحب “المنصب الشاغر”؟!!

(ثلاثون عما من الانتظار.. نُعد لقاء.. ونُدني انتزاحا

ونعلن عند اقتراب الجنين بأن المضاجع كانت سفاحا)

ثم؛ ما معنى وكيف يمكن لنخبة من السياسيين والمنتخبين وقادة المجتمع أن يقول قائلهم: “إن ولد عبد العزيز أصيب في حادثة غير أخلاقية”، ثم يضيف: “هذا ما حدثني به البعض؛ وأتمنى أن لا يكون صحيحا”!!

كيف تتمنى أن لا يكون صحيحا وأنت تذكره دون أن يكون لك عليه من الله برهان؟ ألم تسمع بالقول المأثور: “لا تنطق بما كرهت”؟..

الواقع أنهم يتمنون أن يكون صحيحا؛ وإلا ما غامروا برمي عرض رئيس جمهورية منتخب يساوي رميُ عرضه رميَ أعراض جميع المواطنين الذين يحق لأي منهم أن يبادر برفع دعوى قضائية ضد مرددي تلك الشائعات الغبية؛ بحجة الإساءة لشعب بأكمله ودولة بأسرها من خلال التجني على رئيسها وقذفه دون برهان ولا بينة.. فأي منطق وراء هذه المعادلات السياسية الغريبة؟؟

اسعفونا يا أصحاب العقول.. إننا لنحن المغفلون.!!

ثم أخيرا لا آخرا.. عنوان المهرجان البارز: (مهرجان بشائر النصر).. لم أفهم معناه، ولا أظن أحدا ممن حضروا فهموا معناه، كما لم يورط الخطباء أنفسهم في محاولة شرح دلالاته ومقاصده!!

كيف يكون النصر دون أن تكون معارك.. لا سياسية ولا عسكرية؟

كيف ينتصر السياسيون الديموقراطيون في غير المعارك الانتخابية، وكيف ينتصر الآخرون في غير المعارك الميدانية؟؟ ألم يزعموا أن “دونكيشوت” رجل غابر ولى زمانه، وانتهى أوانه؟

يعلم الله (وهو على ما أقول شهيد) أنني أحب جميع قادة المعارضة، رغم اختلافي معهم سياسيا، بل أحب كل الموريتانيين وأحترمهم.. ومن ضمن الذين أحترمهم وأحبهم أكثر من غيرهم: القائد السياسي والرجل التقي الطيب الزعيم أحمد ولد داداه.. ولكنني أحب موريتانيا أكثر من الجميع.. لكن لأجل مصالح الجميع..

وإنني لأشعر أن مصير موريتانيا أصبح في خطر حال جراء بعض أخطاء نخبها القائدة.

إني أجزم بأن أي نظام سياسي لا بد أن تكون له أخطاء وأغلاط وزلات؛ حتى لو كان نظاما يقوده الراشد العادل المتفرد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.. أخطاء وزلات وتجاوزات إن لم يقم بها (سهوا أو عمدا) رأس النظام؛ فستصدر عن بعض أعوانه: وزراء أو ولاة، أو حكام.. أو أي مسئول عمومي..

وإن خير وقاية من تلك الأخطاء هي الصدح بالحق للسلطان، والجهر بحقيقة ما يدور في البلدان؛ حتى يعلمه ذاك السلطان؛ فيعالجه أو يكون مسئولا عن تبعاته..

ولأجل ضمان فعالية هذه الوقاية ابتكر عباقرة من البشر فكرة الديموقراطية وأدواتها ومؤسستها، وحرية التعبير والإعلام والإخبار.. وحرية الصحافة والممارسة السياسية؛ فأبدعوا ما لا يكاد الحصر يطاله من المؤسسات لمساعدة الرئيس أو الحاكم على أن يظل على بينة مما يجري في بلده رغم انشغالاته الجمة ومسئولياته الجسام..

لكن فعالية وقيمة كل هذه المؤسسات تظل مرتبطة بقدرتها على الإعلام ومدى صدقها في الإخبار..

إنها مجرد قصة؛ لكن لو تعلمون!!

رجل كاذب أخبر أهله أن عدوا يريد غزوهم رآه على مسافة قريبة من ديارهم؛ فاستنفروا وتأهبوا للقتال؛ قبل أن ينكشف لهم أن الأمر مجرد كذبة؛ وظل الرجل يكذب على قومه حتى كتب عندهم وعند الله كذابا.. وذات يوم رأى العدو حقيقة على مشارف قومه؛ فأسرع مذعورا يخبرهم ويناشدهم أن يتحركوا؛ فلم يفعلوا ولم يعيروا قوله أي اهتمام حتى نزل العدو بساحتهم وأهلكهم!!

ما علاقة هذا بموضوعنا؟

إن أعظم مسئوليات رئيس الجمهورية في النظام الديموقراطي هي أن يستمع جيدا لانتقادات وملاحظات الصحافة الحرة والخصوم السياسيين، وأن يخذها ويحملها على محمل الجد ويستفيد منها في تصحيح الأخطاء وتجاوز الأغلاط والثغرات، وهذا مطلوب من الرئيس محمد ولد عبد العزيز.

لكن؛ إن على الرئيس أن يدرك جيدا أن حرية التعبير تعني أن يعبر الجميع بحرية دون استثناء: الصادق والكاذب والناضج وغير والناضج.. وأن لا يعمل إلا على أساس نقد الصادقين الناصحين.

ولنفرض الآن أنه استمع لنقد لهؤلاء، فهل سيعمل به تلقائيا؟.. لا.. إن عليه أولا أن يسأل عن القائل وعن مدى صدقه، وهل سمع منه قولا كاذبا قط..

لا نستطيع أن نلوم الرئيس إذا تذكر أن القائلين قد قالوا من قبل:

 إن الرئيس استهدفه تنظيم القاعدة في حادثة “اطويلة”؛ وهو غير صحيح..

 وإن أحد حرسه الشخصي أطلق عليه النار؛ وهو غير صحيح..

 وإن المخابرات الفرنسية أو المغربية هي من استهدفه؛ وهو غير صحيح..

 وإنه استهدف في حادثة تخص الشرف؛ وهو غير صحيح..

 وإنه مات في فرنسا سريريا؛ وهو غير صحيح..

 وإنه أصيب بالشلل؛ وهو غير صحيح..

 إنه لن يعود إلى ممارسة السلطة؛ وقد عاد..

 وإنه عاد في طائرة طبية رفقة فريق طبي فرنسي؛ وهو غير صحيح..

 وإن جناحا خاصة لمعالجته تم تشييده في المستشفى العسكري؛ وهو غير صحيح..

 وإن انقلابا عسكريا نفذ ضده؛ وهو غير صحيح..

 وإنهم سيرحلونه عن السلطة؛ وهو غير صحيح..

 وإنهم اعترفوا به رئيسا منتخبا للجمهورية؛ ثم نكصوا عليه!!

وإنه؛ وإنه…

ثم؛ إنه على رئيس الجمهورية أن يسعى باستمرار لتطوير برنامجه السياسي؛ مستفيدا من البرامج السياسية لباقي الأحزاب؛ خصوصا المعارضة منها؛ لكنه حينما يحاول ذلك سيصدمه أن يجد أن البرامج السياسية لأغلب الأحزاب المعارضة لا يتضمن إلا نقطة واحدة وفكرة واحدة هي: “ارحل”… وهذه ليست برنامجا؛ وليست شيئا على الإطلاق..

قد لا يجد المعارضون في هذا خطرا عليهم؛ لكننا نحن المهمومين بمصالح هذا البلد قد وجدنا فيه خطرا عليهم وعلينا؛ أقله وأبسطه أننا نعلم أن المعارضة مليئة بالكفاءات، وأنها تقدم انتقادات كثيرة موضوعية، وتكشف حقائق عديدة غاية في الأهمية؛ ولكنها أفسدت عليها وعلينا بكثرة خلطها الحق بالباطل، والصح بالخطأ.. ولا نريد….

وإن من مسئولياتنا الجسام أن نحمي المعارضة الديموقراطية كي تتمكن من القيام بدورها وواجباتها، ونعتقد أن هذه الحماية متوفرة لها دستوريا وقانونيا وسياسيا وأمنيا؛ حيث رأيناها تعبر بكل حرية، وتتظاهر بكل حرية، وتستخدم وسائل الإعلام الخاصة والعامة بكل حرية.. بل وتقذف الناس وتكيل لهم الشتائم والسباب بكل حرية!!..

فلا يبقى إلا أن نعمل على حماية هذه المعارضة من نفسها، ومن أهوائها، ومن شهوات القول والفعل عندها.. وهذا ما كنا نسعى للمساهمة في تحقيقه بهذا المقال؛ راجين أن لا يحرمنا ربنا من الأجرين إن كنا من المصبين، وأن يتفضل علينا بالواحد إن كنا مخطئين.

ولست أملك لنفسي – ولا لأحد غيري- إلا الصدق في النصح واتباع الأسباب؛ “تبصرة وذكرى لأولي الألباب”..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى