“صاحب الحمار”/ محمد الأمين محمودي
ماكان لصاحب الحمار ان يموت بالانفجارات،ماكان له ان يموت بطلق ناري حتى،وماكان له ان يموت،والأكيد ماكان له ان يذكر في وسائل الاعلام التي اوفدت مراسليها الى من؟ الى صاحب الحمار..ماكان له ان يموت ميتة الانقلابيين وحملة السلاح والمغاوير..
لكنه رغما عنهم جميعهم مات وبهذه الطريقة الملحمية،فتحدث عنه الساسة في الأحزاب السياسية الذين لايتحدثون عادة الا لمصلحة دنيوية او اخروية موغلة في الغموض وفي عدم بدهية علاقتها بالآخرة والحساب..
صاحب الحمار الميت تحدث عنه الاعلاميون والصحافة واخيرا المبجلة وزارة الدفاع التي تحكم البلاد منذ انتهاء هجوم البوليساريو الذي كان آخر دفاع لها عنا نظريا.
لاحديث اليوم الا عنه،اما السبب فلأنه مات كما لايموت سكان العشوائيات واصحاب الحمير،(ومصاحبة الحمير هذه الصقت بهم بعد الغزو القومي الآتي من المشرق،حيث ادخلوها كما ادخلوا عبارات من قبيل تسلم ونعيما..منذ ذلك التاريخ لم يعد مول لحمار بل “صاحبه” التي تفيد الصحبة في العقل والمنطق والمستوى التفكيري وليست الصاحب التي تعني المالك او الحائز)
مات بطريقة مختلفة،لم يمت بالاسهال امام الحالات المستعجلة بعد عجزه عن دفع ثمن الدخول على الطبيب النائم ،لم يمت بالجوع او بالعطش في صحراء لابشر فيها،لم تصدمه سيارة مجنونة تريد دخول منطقة اعويفية بعد حلول الظلام بقليل.
لم يمت حزنا على واقعه وواقع اهله،لم يمت الشاب العشريني بالهم كما يموت اقاربه في سن الخمسين بسبب الحزن الدائم وانفجارات القلب الداخلية.
لقد مات بطلنا كما يموت ابناء الطبقة،بانفجار قنبلة او بطلق شارد او بحادث انتفخت فيه جميع الحقائب الحامية،مات كما يموتون فكأنه مات في مستشفى باريسي بعد ان عجز الأطباء عن علاجه وبعد ان اسدل ستارة غرفته وودع باريس بابتسامة صفراء..وسيعود بسترته وربطة عنقه كأنه نام للتو في تابوت معطر.
مات كما يموتون لهذا نقلت اخباره ولهذا اهتم بها الساسة،ففي الحالة العادية لا أحد يكترث لموتى ماوراء الخط الأحمر، فمنطقة سكنه تكاد تكون محرمة على الصحافة ورؤساء الأحزاب والساسة وزعماء القبائل اما وزارة الدفاع فلاتزورها الا لتأخذ بعض مشاريع “الشهداء” لترسلهم الى الغلاوية او تورين او الحدود مع مالي..وهؤلاء الشهداء الذين يرزقون عند ربهم، لايعلمون ان ابناءهم وزوجاتهم عرفوا البؤس بعدهم وعدم اعتناء البلد بهم،طبعا لا أقصد من خرجوا من الحياة من ساحة ابن عباس فهؤلاء المكرمون اصلا.حتى لو ماتوا بالتخمة.
القنبلة جعلت منه مادة مهمة لأنها ترتبط الى حد كبير بمصالح الجميع فالصحفي يرى فيها عملا ونشاطا وقد يكون لها مابعدها،نظرته لها كنظرة حفار القبور للجناز وهو يزحف بين القبور في ايام الشح.
المعارض يرى فيها ربما املا بأن انقلابيا ربما يكون تخلص منها حين اكتشف ليأخذ آخر أخرى في مكان آخر،من يدري فقد يكون الخلاص على يديه..
المعارضة والشيوخ معا يريدونها هكذا،المعارضة تريدها لأنها تريد السلطة والشيوخ يريدونها لأن احدا كذب عليهم ووعدهم بأمر اتضح انه غير صحيح،وهم الآن في حيرة من امرهم،هل سيقبل عزيز توبتهم،ام ان عليهم انتظار الانقلاب مع الآخرين.
الموالاة تريد جثة صاحب الحمار لفرض حالة الطوارئ بحجة ان البلاد غير آمنة،لم يصرحوا بذلك،لكن لابأس قد يستخدمون الورقة في حال اتضح ان الاستفتاء غير مضمون..اما إن اكلوا امبسكيت الدستور ببساطة فالورقة لاغية.
الانقلابي المستقبلي يريد قنبلتك لأنها ستكون ضمن اوراقه التي سيقدمها حين يتحرك،طبعا هذا الانقلابي لاينتظر للخروج الا ان يقرر مرابطه ان بإمكانه قراءة سطر من العربية ولو ببطء.
انصار معاوية مفسدو الأمس يريدونها في اطار المقارنة الدائمة بين الأمس واليوم..
انصار صاحب الأنصار يريدونها لحاجة لما تتضح وإن بلغ الترويج لها خلال الأيام الماضية مداه،رغم ان الرجل الرجل جدا غير مقنع البتة.
باختصار لو انك رحلت كما كان اهلك يرحلون لما تحدثوا عنك ولما ذكرك الاعلام والساسة،هل يمكنني ان اقول إنه من حسن حظك انك رحلت بهذه الطريقة حتى تكون محور اهتمام افراد الطبقة،سأقولها بطريقة اخرى،من حسن حظك انك رحلت الى عالمك الأخير الخالد وتركتهم لجشعهم وجرائمهم وظلمهم،فهناك حيث انت الآن رب غفور يعلم كيف عشت ذليلا يتيما في مأدبة اللئام،وهي المأدبة التي اقيمت بمال كان يجب ان يخصص لعلاجك ودراستك وشراء لبس لك..ترى ماذا أخذت معك من بيت مال المسلمين وثروة البلد الذي انت واحد من مواطنيه..
رحمك الله وادخلك الجنة فهناك سترى بأم عينك من رحمته انك كنت بين وحوش اخذك عنهم الى مكان انصاف المظلومين وانزال العقوبة بالظالمين،نم قرير العين فسوف ينضم اليك صاحب القنبلة وصانعها وحاملها والظالم بها لتأخذ منهم جميع حقوقك..رحمك الله اما الحمار فسيبقى في الحياة لأن اهلك مازالوا بحاجة الى منحة كبيرة اسمها الماء.
ولكم افراد الطبقة،ان كنتم تؤمنون بالبعث والحساب،فياويلكم من صاحب الحمار،وان كنتم تؤمنون فقط بالمادة وصراع الطبقات كمحرك فياويلكم من اصحاب الحمير.