“تواصل”…رؤية نقدية
الحركة الإسلامية بالمعنى الشامل لا تعني سوى كل نشاط بشري ملتزم بالخط الإسلامي الصحيح، يبتغي أصحابه الوصول إلى رضا الخالق عبر تكريس واقع دعوى أو اجتماعي أو اقتصادي أو سياسي، أو ما سواه في السياق الواقعي لمفهوم الحياة الأشمل.
وبهذا المعنى قد لا يدعي رفاق دربنا في خيمة “تواصل” الكبيرة، رغم نشأتها الحديثة أنهم يمثلون وحدهم الحركة الاسلامية ـ قطريا ـ أي على مستوى موريتانيا، دون ما سواهم من أصحاب السبق و الأحقية، سواء كان هؤلاء أو أولئك داخل صف النظام أو المعارضة ،أو بعيدين عن النشاط السياسي الأيدلوجي، مثل الأخوة في ساحة “جماعة الدعوة والتبليغ”.
كلهم يسعون بشكل حثيث لتذوق هذه الثمرة الربانية (التقوى ) ويقصدون شجرها الوارف، عبر باب العمل الدعوي أو السياسي أو الخيري أو غيره، فما من أهل الإسلام، إلا له باب من أبواب العمل الصالح، يفضل الولوج عبره إلى ساحة التقوى ورضا الباري والحياة الإسلامية الطيبة، تحقيقا للنداء الرباني السماوي الخالد
(يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يجيبكم)
لقد بدأ العمل الإسلامي المرتبط بالسياسة، والمتأثر بالحركة الإسلامية المعاصرة، في أواخر السبيعينات ومطلع الثمانينات أساسا.
وبلغنا هذا المد الإسلامي،يانعا حيا، في ثوب عدد من كتاب ونشر الإخوان المسلمين، سواء كانوا من مصر أو غيرها، مع رافد من مدرسة المودودي في شبه القارة الهندية و الندوي من نفس الموقع القصي المبارك، ولن ننسى بعد ثورة إيران ،صحيفة “الشهيد” وبعض كتب “الشيعة” المتراوحة بين الاعتدال النسبي و الإثارة والحرفية في بعض المواضيع الخلافية، معنا معشر أهل السنة، بالمفهوم الواسع.
وكنت في مدبنة أطار وسط الثمانينات، أتعمد إخفاء بعض الكتب الخاصة، الواردة من باكستان بشكل خاص، حيث تحتوي صخبا جدليا في قضايا عقدية وتاريخية، رأيت وقتها، ومازلت طبعا على نفس التصور، أنها لا تخدمنا ، وربما تضرنا معشر الشباب الناشئ ، الأميل للجامع الواضح النقي ، الأقرب للمنبع” السلفي” الأول الصافي، وأعني طبعا ، السلف الصالح بعده صلى الله عليه وسلم، وما صح من السنة المفسرة، للكتاب الخاتم المحفوظ.
“إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون”
كنت أقود وقتها، بشكل غير مباشر، كعادتي، التيار الإسلامي في أطار، في أغلب نشاطاته، ونجحت هذه الحيلة غير المعلنة، في نجاة الإخوان ” الأطاريين” من لوثة “اليسار الإسلامي” التي ظهرت عند البعض في انواكشوط، وانتهت بهم إلى مهاوي المجون والحرية الزائدة، والتذبذب السياسي، رغم سبق في دعوة الإسلام المعاصرة، في هذه الديار،قد يغفر لهم عندالله و عند المنصفين المتسامحين، ما سوى ذلك من ” اليسار” أو “اليمين” أو غيره.
لقد أحسنوا عن قصد، بإذن الله، وربما أخطئوا عن غير قصد.
هذه دردشة خاطفة، لا صلة لها مباشرة بجوهر الموضوع، ولن أزيدها إلا بالحديث الطفيف عن التجربة الحزبية “الإسلامية” المتعثرة، قبل الوصول إلى شاطئ النجاة ـ بإذن الله ـ عبر التجربة الوليدة لحزب “تواصل” .
سبق هذا حزب “الأمة”، وكان يقوده ظاهريا، الفقيه الداعية محمد ولد سيدي يحيى،حفظه الله ذخرا للإسلام ،ثم مشروع رجل الأعمال المشهورعبد محم و الحركة الإسلامية السرية، “الجبهة الإسلامية الموحدة”على غرار الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر فقهت “الدولة العمقية” في عهد معاوية، اللعبة الذكية ،فأجهضتها قبل مرحلة الظهور الكامل و الاعتراف الرسمي، وعند مطلع التسعينات بعد سنة أو اقل من انطلاق مشروع التعددية الحزبية، قلت لاعل الشيخ ولد ابريكات، أحد شباب الاتجاه الإسلامي في أطار،تعال سنؤسس لحزب، وكنت وقتها في جولة راحة ليومين في بادية إنشيري سنة1992 ،وتابعت الملف بحذر، وعلى تمهد ومراحل ،حتى حصلنا على الوصل 14 في نفس السنة، لكن هذا المولود حاربه “الإسلاميون التواصليون” ـ طبعة التسعينات ـ بدوافع جهوية، وشكوك موضوعية أو غير موضوعية في خلفية كاتب السطور وصحبه، رغم أننا شكلنا قائمة مؤسسي الحزب وقتها ، بتوازن بين جميع الأعراق والجهات الوطنية وبين الرجال والنساء ،وكلما حصدناه ،هو العداء والكيد الشديد، السياسي والمالي، وخدع صديقي ” غير الوفي” وأدخل المجلس الوطني لتواصل في الدورة السابقة،وأبتلع عنفا وقصرا “حزب التجمع الوطني من أجل الوحدة والعدالة” حبات منومة ، وإلى اليوم، رغم أنه مازال حيا يرزق على الأوراق في وزارة الداخلية،كما أشرت سلفا، الحزب “14” على اللائحة الوطنية للأحزاب المعترف بها رسميا عند “المخزن”.
وحرصا على مصلحة العمل الإسلامي “السياسي ” في هذا البلد، تركت القافلة تمر عسى أن يؤسس لصحبي ما عجزت عنه، تحت حراب “كيد” رفاق الدرب السابقين ” والإخوة في الله” الحاليين، ووقفت وإلى اليوم أرقب المشهد المتموج نحو شاطئ الأمان والنجاح إن شاء الله، وفضلت “الكادحين” للشراكة في عمل حزبي مدني مستقر المواقف، أو أقرب إلى ذلك من غموض “زوايا” “القبلة” ، ولعلي المستغيث من الرمضاء إلى أخف منها بقليل، لكني رغم ذلك مازلت أجد في صحبي الجدد ما يرضيني من الاحترام المتبادل واستقرار المواقف ، رغم بعض علمانية أكرهها، لا تخفى في مسار مؤسسي ورموز الحزب التاريخيين “جماعة الكادحين من الأوائل السابقين”،بغض النظر عن ما يكتب على الأوراق.
فحزب اتحاد قوى التقدم خير لي وأنا الرجل الآدراري الحساس من الغموض والغدر، فقومي السابقين، أهل خير ورؤية إسلامية ناصعة متوازنة، لكنهم أبناء بئتهم.
وأقول بصراحة “تواصل” حزب جهوي المشرب بامتياز، لكنه قطع خطوة معتبرة محدودة وناقصة، نحو الانفتاح المحسوب والتعايش الحذر مع مختلف مكونات البلد، لكنه يحتاج إلى أكثر من ذلك، وتحت ضربات النقد اللاذع الصادق، أفاق على بعض “تحسسات” الآخرين، وهم كثر!!!.
وفي مجالات شتى أولها الجهوية وثانيها غموض التمويل، وتحايل البعض، ممن هو قريب منهم على أموال الهيئات الخيرية،خصوصا الخليجية، وما سوى ذلك من المآخذ والنواقص، وتلك طبيعة العمل البشري ، لكنهم أقوياء وأذكياء، ويوظفون عناصر الشطرنج بدهاء بالغ وسرعة ملحوظة، وقد انتهزوا فرصة “الربيع” فعادوا إلى حياض الرفض الصادق، تحت سقف “المنسقية”، ولكن “كروشنا كبيرة” في النصاعة التي رفع شعارها رفيق دربي العزيز محمد جميل ولد منصور، حفظه الله ووفقه وإخوته الأبرار،فإنني من منبر النصح العمري الصارم المباشر، أدعو إلى ما يلي بإيجاز مخلَ ربما :
اـ الدعوة إلى حوار داخلي على مستوى جميع أجنحة الاتجاه الإسلامي.
ب ـ الشفافية في لاحق الموارد المالية والتحالفات السياسية الخارجية والداخلية على الترتيب، مما قد يردَ على بعض الشبهات واتهامات البعض بغير دليل.
ج ـ تكريس حالة التحالف مع غير” الإسلاميين” ،ونعني هنا مدلول العبارة التقليدي المدرسي، وليس نزع عباءة الإسلام عن أحد، فالإسلاميون في مصر والإخوة في تونس، تجربتهم تستدعي توسيع البال والباع لغير الإسلاميين في أوطان العروبة والإسلام، وبغير هذا الأفق المنتظر الواسع، لن نستطيع طمأنة الساحة، من مخاوف سلبياتنا ونواقصنا الكثيرة والطبيعية، في العمل البشري، غير المعصوم طبعا،كما قلت آنفا.
عود على بدء أقول “تواصل” واصل فالطريق طويل، و”أخير قول امبكيينك من قول امظحكينك” وكلامي هنا ليس لإرضاء زيد أو عمرو، وإنما قصد تقويم المسار، وممارسة النقد الذاتي.
لقد فشلنا في “حزب التجمع الوطني من أجل الوحدة والعدالة “” RNUJ” من أجل تفادي رفضكم للإنفتاح علينا، بشكل جاد حقيقي مثمر، للشراكة والرفقة الإسلامية، المحققة لوحدة الجهود، بدل إضاعتها، في سياق النزاع والخصومة العقيمة، واليوم ـ إن شئتم ـ أقول: نجحتم على خلافنا، في تأسيس حزب، له قاعدة انتماء وتعاطف واسعة جدا، وبقي شيء واحد هو قبول النقد كله أو بعضه، بصدر واسع، ولتتذكروا أنه ما من قول إلا فيه مردود ومقبول، إلا كلام صاحب هذا القبر” إشارة من مالك ابن أنس رضي الله عنه إلى قبره صلى الله عليه وسلم، محمد ابن عبد الله خاتم الأنبياء والمرسلين.
ولتعرضوا هذا النصح والنقد علي مخبركم، لنزع الشوائب والعلائق النفسية البشرية الضارة، وهي الأكثر ربما من جانبي، ولو تواضعا، وأخذ النافع من هذا النقد الجريء أوالمسيء في نظر البعض، استرشادا وتطبيقا وتنفيذا، ولو على مراحل ومهل، وترو وتعقل، فلكم جوكم ” التواصلي” الخاص، ولنا رأينا الخاص، وحرية التعبير مكفولة قانونيا وأدبيا.
” ولله الأمر من بعد ومن قبل”.
إن المؤتمر مبهر وناجح، في نظر الأعداء قبل الأصدقاء، وله ما بعده بإذن الله، فكيف نستثمر هذا النجاح النوعي لمصلحة البلد كله، قبل تصديره، إن أمكن، وبدون تدخل في شؤون البلدان العربية والإفرقية المجاورة عبر الإعلام المسالم المحايد؟!.
سؤال أطرحه ولا أملك القدرة على الإجابة عليه، فأصحاب الاختصاص أحقَ و أجدر.
على كل حال، مشكلتنا الأولى والأساسية الانفتاح “المدروس ” بشكل زائد، أعني الانفتاح فعلا، لكن البعض يراه بحذر دون فتح كامل لباب “تواصل”، وربما يأتي البعض فلا يجد مقعدا للجلوس الهنيء ولا أعني القاعة الفوضوية، وقت افتتاح المؤتمر وتلك دواعي دعائية مشروعة خادعة ،مأذونه في نظر البعض، لكنني أعني أن البيت “التواصلي” مرتب داخليا، أكثر من اللازم، ربما ليبقى تحت قبضة ” جبل معين” وليدخل الآخرون، مراكز القرار والانتماء، دون الإخلال بقواعد “الماسونية” “الإسلامية” الجديدة ،في بلاد شنقيط ،إن جازت العبارة بنظر مفتي وفقهاء تواصل، والقصد هنا دقة التنظيم والانغلاق وليس التشبيه بوجه آخر في تجربة الماسونية المعروفة دولبا.
لا يهمني ردود غلمان بني أمية، إن الحزب فاشل في باب الإنفتاح الحقيقي، وهو فاشل مثل RDU،UFP، RFDوغيرهم من أحزاب المعارضة والموالاة والوسط في مجال التناوب.
كيف ندعو غيرنا إلى ما لا نحسنه في دائرة حزبية ضيقة، حتى الغنوشي فشل في التنازل عن قيادة حزب النهضة، كلنا أنانيون معشر العرب، إنها مشكلة “كروموزرمية” مزمنة، سببها الحماس العنتري الزائد وحياة “الفركان” والطبيعة العربية العتيقة، النائمة في الوجدان وفي كينونة الإنسان العربي، بمكوناته الطبيعية الإيجابية والسلبية ،التي لا يملك الخروج المستحيل على أسرها المرهق المعوق، والذي قتل نصرنا في الأندلس، ويهدد “ربيعنا العربي” الآن، وبخطر موضوعي واضح، لا يقرؤه إلا أولي الفهم البعيد النادر.
فهل ينجح صديقي المتحمس الشاعري العبارة في التخلي عن حكم “تواصل”، لا قدر الله، إنه عربي من “لعلب” وأخواله يمنحونه الصوت الشجي وقصص العرب الخوالي، التواقين للتفوق والظهور الدائم في الصف الأول ،المهدد أصحابه على الدوام، بداء الرياء القاتل اللهم سلم …سلم… واجعل طلبه من باب القوي الأمين، إن شاءالله، كما طلب يوسف ذات يوم تولي الخزائن لتسييرها باستقامة وحكمة.
الإنتخابات “التواصلية” إنتخابات عربية، قد يشوبها شيء غير قليل من التزوير “القبلوي” المرتب، والنتيجة معروفة، وأهل آدرار أقلية داخل حزبنا الموقر، مثل “الروهينغا” وتكفيهم بلدية دار النعيم الفقيرة، على خلاف خبرتهم في التجارة، وأهل “الشرق” يروضون دائما بالصف الثاني، لذكاء ربما أو لضعف في توحيد و توظيف الصفوف، و الخطر غير قائم على مشروع “الإنغلاق” النسبي، ومشروع حجب التناوب “التواصلي”، رغم دعوة الرحيل خارج أسوار الحزب.
وخير لرؤساء الأحزاب عندنا تداركا لدكتاتوريتهم فترتين غبر قابلتين للتمديد.
و نحن أعراب “موريتانيا” شعارنا على الدوام البقاء لنا والرحيل لغيرنا.
اللهم إني مبارك لرحيل “عزيز” و “سيد باب” و “أحمد داداه” و “مولود” و “جميل” بعد إنهاء دورته الأخيرة المرتقبة، صاحب الصوت الجميل، عسى أن تحدث المؤتمرات، خصوصا تواصل و حزب اتحاد قوى التقدم، تغييرا في الميدان الحزبي، يمهد لرحيل العنيد الغاصب للحكم، محمد ولد عبد العزيز. أما ما دمتم تحرصون على المقاعد فلستم أحرص منه، بجميع المعاني.
وكل عام و “ديمقراطية الفركان” بخير إن شاء الله.
لا أمل في التغيير الحقيقي الجوهري قريبا” في موريتانيا، ولو سقط عزيز وبقي الآخرون في مرؤوسيتهم الحزبية الوهمية الصغيرة، مثل صغر أحلام البعض.
اللهم ألهمنا الإيثار.
فقد نجح أعداؤنا في ما فشلنا فيه بسبب الإيثار.
لأن الإيثار عند أنصار المدينة المنورة كان اللبنة الأولى لتأسيس الدولة الإسلامية وقتها .
اللهم وفق الجميع إلى طريق الحق.
اللهم ما من صواب فمن الله، ومن خطأ فهو مني.
عبد الفتاح ولد اعبيدنا المدير الناشر و رئيس تحرير صحيفة الأقصى