النقيب الأستا ذ يبعث رسالة إلى أطر ومثقفي وساسة نواذيبو
إخوتنا أطر ومثقفي وساسة نواذيبو، يزوركم رئيس الجمهورية كما زاركم في السابق. نفس الأوضاع التي عاشت مدينتكم خلال زياراته السابقة ما زالت تعيشها خلال زيارته الحالية: منطقة حرة تعاني فقدان الرؤية والتخبط في المشاريع والعجز عن تحقيق الأهداف المنشودة أصلا من المناطق الحرة، صيد لا يخضع لأية رقابة، مصطادات ثمينة يتم نهبها باستمرار، بُـنى تحتية متهالكة، وخدمات لا تساعد المواطن في حياته اليومية البائسة…
إنني، والحال هذه، أدعو أطر نواذيبو، ومن خلالهم جميع ساكنة العاصمة الاقتصادية، إلى تحويل كرنافالات الزيارات الرئاسية، وما يرافقها من ملتمسات التأييد المتخلفة، إلى فرصة للتنديد بالظروف القاسية التي يعيشها المواطنون هناك، ولفت الانتباه إلى ما يعانون من بطالة في صفوف الشباب وإلى ما يعيشون من غياب التغطية الصحية وتدهور التعليم.
إن على الأطر في مدينة نواذيبو أن يعبروا، أمام ضيفهم عن استيائهم من اتفاقية الصيد مع الاتحاد الأوربي التي يُزعم أنها نموذج للشفافية، بينما السكان المحليون وقطاع الصيد الخصوصي والصيادون التقليديون لا يستفيدون منها كبير شيء، فالسمك أصبحت كمياته أقل بكثير، وأصبح على الصيادين المحليين قطع مسافات كبيرة للحصول على ما يسدّون به الرمق، إضافة إلى ما يعانون، مع ضعف إمكانياتهم، من تمزيق البواخر الأجنبية لشبابيكهم ومعداتهم. إن السكان المحليين هم من يدفعون ثمن اتفاقيات الصيد لأنها لا تدر عليهم أية مردودية. إن سفن الصيد العملاقة تهدد مصالح الصيادين لأنه بمقدور الواحدة منها أن تصطاد 250 طن من السمك يوميا، وبالمقارنة نجد أنه لابد من 56 زورق صيد تقليدي، تصطاد على مدى سنة، لتحصيل نفس الكم.
إن على الإخوة الأطر في مدينة نواذيبو أن يفكروا أيضا في الاتفاقية المجحفة الموقعة مع شركة بولي هوندون بيلاجي فيشيري الصينية.. فهذه الشركة تسبح على طول وعرض البحر لمدة 25 سنة، تنهب خلالها 100 ألف طن من السمك سنويا مقابل 100 مليون دولار فقط. لقد أعطت هذه الاتفاقية الغريبة للجانب الصيني شروطا غير منطقية سواء على مستوى المدة الزمنية (25 سنة!) أو على مستوى الضرائب التي أعفيت منها لأسباب تظل مجهولة. كما خولت للصينيين تجاوز كل إجراءات التسويق الرسمية المعتمدة من قبل شركة تسويق منتجات الصيد الموريتاني، فهي، حسب نص المادة 8 من الاتفاقية، تبيع بالسعر الذي تحدده هي وللزبون الذي تختار دون أي تدخل من الدولة الموريتانية. لقد تعهد الصينيون، سنة 2010، ببرنامج استثماري يضعون من خلاله أسطولا كبيرا قادرا على خلق 2500 فرصة عمل للموريتانيين من بينها 800 فرصة عمل في مصنع التحويل، مع بناء مصنع تحويل حقيقي وخزان تبريد وورشة لصناعة الزوارق ومركز للتكوين. والحقيقة أن فرص العمل إلى اليوم لم تزد على 1300 فرصة من ضمنها 600 في مصنع معالجة الأسماك، كما بقيت جل التزاماتها ناقصة. لقد منحت السلطات للجانب الصيني عددا من التراخيص غير الشفافة. والحقيقة أن أسطوله يبلغ اليوم 100 باخرة من بينها 50 من سفن الصيد السطحي تقبض على 5 إلى 10 أطنان بعد كل ثلاثة أيام من الصيد الذي يستنزف أساسا الأخطبوط، وقرابة 30 من سفن صيد الأعماق يبقى منها اثنان على الأقل بصفة دائمة في المياه العميقة.
إننا نرجو من سكان نواذيبو أن يستفسروا الرئيس وأن يسائلوه حول هذه القضايا الملحة طبقا طبقا للوثيقة التي نشرناها مؤخرا والتي عولنا فيها على الأطر، فالشعب الموبوء بالفقر والجهل والأمية والجريمة والمرض واختطاف السلطة والتجاذبات الصدامية، لا يمكنه إلا أن يعول على أطره وموظفيه. غير أننا نلاحظ، كما يلاحظ العالم من حوالينا، أن أطر الدولة وموظفيها مكبلون، للأسف، في الإدارة وكأنهم مشلولون لا يستطيعون أي حراك على اعتبار أنهم ملك للسلطة الحاكمة، وليس لهم الحق في التعبير عن رأيهم وحمل هموم المواطنين وإبلاغها بنزاهة وحرية وشجاعة إلى هرم السلطة.
لقد آن لنخبتنا أن تقدر نفسها وتفرض احترامها. وإن عليها أن تحرر نفسها من هذه الأغلال المشينة. إن على أطر نواذيبو، شأنهم في ذلك شأن أطر موريتانيا بأسرها، أن يفهموا أنهم أحرار، وأن وظائفهم لا يمكن أن تكون سببا في ركوب ظهورهم ومنعهم من إسداء النصح، والتعبير عن واقع شعبهم، ومواجهة السلطة بالحقيقة، والتخلي عن مسيرات التأييد وملتمسات المساندة لأنها تعود إلى منطق عقود استثنائية متخلفة وفترات زمنية بائدة، ولأن شعبهم في أمس الحاجة إليهم، مما يستدعي منهم نزع ضمادات التكميم عن أفواههم و التركيز على وضعهم الصعب بدل الخوض فى متاهات التعديلات الدستورية محل الخلاف و الغير قانونية فى اجراءاتها