عن المآخذ اللغوية على الشيخ سيدى محمد بن الشيخ سيدى (الحلقة الثانية)
استشكل بعضهم استعمالَ الشيخ سيِّدى محمد لفظة “الروابع”، جمعا لرابعة، وذلك فى قوله ـــ رحمه الله تعلى ـــ : فرَعْىُ الفتى عهدَ المرابع آيةٌ / على أنه يرعى عهودَ الروابع قالوا: لم نجدها فى القاموس!!! والبيت من قطعة له مشهورة، يقول فيها: خليلىَّ هل أحرى بفيض المدامع/ من الأربُع اللائى بكِنِّ المزارع؟ أريقا بها ماءَ الشؤون وخلِّيا/ عزاليَه ما بين هامٍ وهامــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع أليس بغدر صونُنا عبراتِنا/ عن السحّ والتَّذراف بين المرابـــــــــــــــــــــــــــــــع؟ فرعْىُ الفتى عهدَ المرابع آيةٌ/ على أنه يرعَى عهود الروابــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع…
إلخ. والجواب أنه ليس كل لفظ مقيس منصوصا عليه فى القاموس، فالمعاجم لا تُعنَى بحشد تصاريف الفعل، ومشتقاته، وضروب الأبنية، والصيغ المقيسة، ولو فعل مؤلفوها لأوشك أن تضيق بها السبع الطباق، ولبطل التصريف والاشتقاق. إن الروابع جمع رابعة، وهى المرأة المقيمة بالربع، أى الدار، من قولهم: ربع بالمكان يربع: إذا اطمأن به وأقام. قال فى التاج: “رَبَعَ بِالْمَكَانِ: اطمأَنَّ وأقامَ. قَالَ الأَصْبَهانىّ فِى المُفردات: وأصلُ رَبَعَ: أقامَ فِى الرَّبيع، ثمّ تُجُوِّزَ بِهِ فِى كلِّ إقامةٍ، وكلِّ وَقْتٍ، حَتَّى سُمِّى كلُّ مَنْزِلٍ رَبْعَاً، وإنْ كَانَ ذَلِك فِى الأصلِ مُختَصّاً بالرَّبيع”. (ربع). وفيه قبل هذا: “رَبَعَت الإبلُ تَرْبَعُ رَبْعَاً: سَرَحَتْ فِى المرعى، وأكلتْ كَيفَ شاءَتْ وشَرِبَتْ، وَكَذَلِكَ رَبَعَ الرجلُ بِالْمَكَانِ، إِذا نزلَ حيثُ شاءَ فِى خِصبٍ ومَرعىً”. اهـ . وهذا آيل إلى الاطمئنان والاستقرار. ورابعةٌ وِزَان فاعلة، وجمعُ فاعلة ــ قياسا مطَّرِدا ـــ فواعلُ، صفةً كانت، أو اسما علَما، أو غيرَ علَم، كغوافلَ، وضواربَ، وفواتحَ، وفواطمَ، وعواتكَ، وعواقبَ،.. ولو لم تلحقها التاء الفارقة، كطالق، وحائض، ونحوها، كما نص عليه علماء اللغة والنحو والتصريف. وقد اضطره حالُ هؤلاء المعترضين إلى أن يذكر ذلك فى مقطوعة شعرية، شرح فيها المسألة، بل خصها برسالة علمية طريفة لا تخلو من تهكم وتندر، ودبّج فيها أيضا فُتيا لغويةً لمن سأله عن وجه استعمالها. وسننشر مقاطع قليلة من كلتا الرسالتين، فى هذا المقام، تعميما للفائدة، إن شاء الله تعلى. ومن قرأهما كاملتين، ممن له بصَرٌ بالعربية، سيدرك رسوخ قدم الرجل فيها. وقد جلب فى هذين العملين أقوال طائفة من علماء العربية على اطّراد هذا الجمع، فنقل كلام ابن مالك فى التسهيل والكافية والخلاصة، وكلامَ الدمامينىّ فى شرح التسهيل، والمرادىّ على الألفية، وكلامَ ابن هشام، وغيرهم من النحاة، وبيّن طريقة صاحب القاموس بما لا مزيد عليه؛ وعدّد كثيرا من الكلمات الجارية على وزن فواعلَ مما نطقت به الشعراء، وليس له وجود فى القاموس، ولم ينسبهم فيه أحد إلى اللحن أو الخطإ، بل لم يستشكل أحد ممن له أدنى إلمام باللغة استعمالهم لها. وقد تقدم أن صاحب القاموس وغيره ممن وضعوا المعاجم لا يحتاجون إلى أن يذكروا جميع تصاريف الكلمة أصلا. وقبل أن ننقل تلك المقاطع، نورد هنا نقولا عن أئمة الصناعة تعزز ما قاله الشيخ، وإن كان أوضح وأشهر من أن يحتاج إلى دليل. ـــ قال سيبويه، فى الكتاب: “وإذا لحقت الهاء فاعلاً للتأنيث كُسّر على فواعل، وذلك قولك: ضاربةٌ، وضوارب، وقواتل، وخوارج. وكذلك إن كان صفة للمؤنث، ولم تكن فيه هاء التأنيث، وذلك: حواسر، وحوائض”. اهـ (3/632 ــ 633). ــ وقال ابن السراج فى كتابه الأصول فى النحو: “وإِذَا أُلْحِقَتِ الهاء للتأنيثِ كُسر على فَوَاعلَ: كضَاربةٍ وضَوَاربَ، وكذلكَ إِنْ كانَ صفةً للمؤنثِ ولمْ يكنْ فيهِ هاءُ التأنيثِ: كحَائضٍ وَحَوَائض”. (3/16). ـــ وقال أبو جعفر النحاس فى عُمدة الكتاب: “وإن جَمعْتَ ناجراً قلت: نواجر، لأن فاعلاً إذا كان اسماً غير نعتٍ جمع على فواعل. وإن كان نعتاً لمؤنث جُمع على فواعل”. (ص: 105). ــ وقال ابن عقيل فى شرحه على الألفية: “وفواعل أيضا جمع لوصف على فاعل، إن كان لمؤنث عاقل، نحو حائض، وحوائض…وفواعل أيضا جمع لفاعلة، نحو صاحبة وصواحب، وفاطمة وفواطم”. (4/131). ــ وفى شرح التصريح على التوضيح للشيخ خالد الأزهرىّ: “فواعل، ويطرد فى ألفاظ سبعة”… إلى أن قال: وذلك “فى: فاعلة اسمًا كانت، أو صفة ، كـ: (نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ)، فناصية: اسم، وكاذبة وخاطئة: صفة، فيقال فى جمعها: نواصٍ، وكواذبُ، وخواطئُ”. اهـ (2/546). وهذا غيض من فيض. ولا فائدة فى الاستكثار من نقله. بل القاعدة بمفردها كافية، وكذا إجماعهم على اطرادها فيما نحن فيه. وتوضيح الواضح لا يزيده إلا غموضا ـ كما يقال. وبالله التوفيق. وقد بنى الشيخ سَيِّدى محمد ـ رحمه الله تعلى ـ توضيحه لهذه المسألة على الأصول الآتية: 1ـــ اطِّراد مجىء اسم الفاعل على وزن فاعل، من فعَل ـ بالفتح ـ مطلقا، ومن فعِل ـ بالكسر ـ المتعدى. ومجيئه على قلة من فعُل ـ بالضم ـ وفعِل ـ بالكسر ـ اللازم. ومعنى هذا أنه يجىء من كل أبنية الفعل الثلاثىّ، على تفاوت بينها فى ذلك. وربع بالمكان من باب فعَل ـ بالفتح ـ المتعدى بالحرف. فقياس اسم فاعله ـ اتفاقا ـ أن يكون على فاعل، فيقال: زيد رابع بالمكان، وهند رابعة. ولا إشكال فى هذا إطلاقا. 2ــ اطراد جمع فاعلة (رابعة ـ مثلا ـ) على فواعل، كما تقدم، فيقال: الهندات روابعُ بالدار، كما يقال: قواطنُ، وفى عكسه: ظواعنُ. ولا إشكال فى هذا إطلاقا كذلك. لكن قوما استشكلوه! والله المستعان. 3ــ بيان أن فاعلا “صالح للكل إن قصِد الحدوث”، فيقال: أنا فارحٌ الآن، وكارمٌ غدا…فإذا لم يكن اسم الفاعل آتيا على وزن فاعل من أىّ بناء من أبنية الفعل الثلاثىّ، فإنه يكون مقيسا إن قصِد تجدد الصفة وحدوثُها. ومعنى هذا أن رابعا إن لم يكن مقيسا فى ربَع ـ وهو فرض لمحال، وإنما ذكرناه من باب التنزل ـ فإنه يجوز استعمالُه إن قصِد حدوث تلك الصفة، وقيامها بالموصوف فى الحال، إجماعا. ومعلوم أن الأنثى منه رابعة، وأن جمعها روابع، وأن معنى الحدوث قد يكون مقصودا عند الشاعر. فما وجه الإنكار إذن؟ 4ــ شرح طريقة القاموس فى جلب مواد اللغة، وبيان تركه ما يُستغنَى عن ذكره، استنادا للمقاييس والموازين والقواعد المقررة فى علمى التصريف والنحو. 5 ـ أن إهمال صاحب القاموس لكلمة لا يعنى أنها غير موجودة فى كلام العرب، أو أن استعمالها لحن أو خطأ. 6ــ تَعداد كثير من الكلمات الآتية على وزن فواعل ـ جمعا لفاعلة ـ ، مما استعمله الشعراء والبلغاء، وليس مذكورا بالنص فى القاموس، ولم يستشكله أحد قط، لكونه معروفا بقاعدته واطراده. *** ولن نورد هنا كل ما كتبه الشيخ فى الرسالتين المذكورتين أو المجاميع الخاصة بهذه المسألة، ولكن سنثْبِت من كلٍّ مقاطع يسيرة، تنبئ عن المقصود: يقول فى فتياه اللغوية لمن سأله عن وجه استعماله لكلمة الروابع: “الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد، فإن لفظة الروابع التى سألتم عنها وذكرتم أن صاحب القاموس لم يذكرها فى كتابه، ظنا منكم أنه لا يترك شيئا من تصاريف الأفعال إلا ذكر مفرداتِه وجموعَه ومذكرَه ومؤنثَه ــ وليس كما ظننتم ــ وسأبين ذلك إن شاء الله تعلى لكم ـ هــــــــــــى: أى اللفظة المذكورة جمع فاعلة، من ربع بالمكان إذ اطمأن وأقام، فاسم الفاعل من ربع على وزن فاعل، وأنثاه رابعة بزيادة التاء الفارقة بين المذكر ومؤنثه. وفاعلٌ إذا كان وصفا لمؤنث فقياسه أن يُجمع على فواعلَ سواء لحقته التاء، كضاربة أو لم تلحقه، وسواء كان ذلك لأجل اختصاصه بالمؤنث كحائض ونحوه، أو لأنه مما اشترك فيه المذكر والمؤنث نحو عاقر. أما كون اسم الفاعل من ربع يأتى على رابع بوزن فاعل، فلأنه فعل متصرف ثلاثىّ على وزن فعَل بفتح العين، كمنع، كما فى القاموس وغيره، وفعَل إذا كان مفتوحا فقياس اسم فاعله المطرد فيه فاعل بلا خلاف، سواء كان لازما أو متعديا، كما نص على ذلك أئمة النحو والعربية. قال فى الخلاصة : كفاعلٍ صًغِ اسم فاعل إذا / من ذى ثلاثة يكونُ كغَذَا وهْو قليل فى فعُلت وفعِلْ // غير معدًّى … “. ((قال)) المرادىّ: “شمل قوله (من ذى ثلاثة) فعَلَ المتعدىَ، نحو ضرب فهو ضارب، واللازمَ نحو ذهب فهو ذاهب، وفعِل المتعدىَ نحو علِم فهو عالم، واللازمَ نحو: سلم فهو سالم، وفعُل نحو فرُه فهو فاره، وليست نسبته إليها على السواء، ولذلك قال: “وهو قليلٌ … إلخ . يعنى أن فاعلا قليل فى فعُل المضمومِ، وفعِل المكسورِ العين غير المتعدِّى، ففُهم منه أنه كثيرٌ، مَقيسٌ فى فعَل مطلقا وفى فعِل المتعدى”. اهـ. وقال فى اللامية: كوزن فاعلٍ اِسمُ فاعلٍ جُعلا من الثلاثى الذى ما وزنه فعُلا. قال شارحها الحضرمىّ: “أى يصاغ اسم الفاعل من الفعل الثلاثىّ الذى ليس وزنه على فعُل بالضم، بل على فعَل بالفتح، أو فعِل بالكسر، كفاعل: أى على فاعل، نحو ذهب فهو ذاهب، وضربه فهو ضارب، ونحو شربه فهو شارب، وعلمه فهو عالم؛ قال: وشملت عبارته فعِل بالكسر اللازمَ، لكن خرج بقوله بعدُ: وصِيغ مِن لازم مُوازِنٍ فعِلا بوزْنِه كشَجٍ أو مشبهٍ عجِلا”. وقال ابن هشام: يأتى وصف الفاعل من الفعل الثلاثىّ المجرد على وزن فاعل، بكثرة فى فعَل بالفتح متعديا، كضربه وقتله، ولازما كذهب وغَذَا، وفى فعِل بالكسر متعديا كأمِنه وشرِبه وركِبه”. اهـ المراد منه. وفى خاتمة المصباح ما لفظه: وأطلق ابن الحاجب القول بمجيئه ــ يعنى اسم الفاعل من الثلاثىّ المجرد على فاعل ــ وتبعه ابن مالك فقال: “ويأتى اسم الفاعل من الثلاثىّ مُوازِنَ فاعلٍ، وقال أبو علىّ الفارسىُّ نحوَ ذلك، قال: ويأتى اسم الفاعل من الثلاثىّ مجيئا واحدا مستمرا، إلا من فعُل بضم العين وكسرها، وجاء من المكسور على فاعل، بشرط أن يكون قد ذُهِب به مذهبَ الزمان. قال الزمخشرىّ: وتدل الصفة على معنى ثابت، فإن قصَدت الحدوث قلت: حاسنٌ الآن، أوغدا، وكارمٌ، وطائلٌ، فى كريم وطويل، ومنه: قوله تعلى: (وضائقٌ به صدرُك). وقال السخاوىّ: عدَلوا بهذه الصفات عن الجريان على الفعل، لأنهم أرادوا أن يصفوا بالمعنى الثابت، فإذا أرادوا أن يصفوا بمعنى الفعل أتوا بالصفة جارية عليه. فقالوا: طائل غدا، كما تقول: يطول غدا، وحاسنٌ الآن، كما يقال: يحسنُ الآن، وكذالك: ميّت، لأنه أريد به الصفة الثابتة، أى أنك من الموتى، وإن كنت من الأحياء، كما يقال: إنك سيد، فإذا أريد أنك ستموت، أو ستسود، وسيكون منك كرم، قيل: مائت، وسائد، وكارم، وفلان جواد، فيما استقر له وثبت، وجائدٌ غدا، ومريض، فيما أثبِت له، ومارض غدا ،وكذلك غضبان وغاضب، وقبيح وقابح، وطمِعٌ وطامع. وأطلق كثير من المتقدمين القول بمجيئه من المضموم على فاعل وغيره بحسب السماع. إلى أن قال: ووقع فى الشرح: راخص، أما على القول باطراد فاعل من كل ثلاثىّ، فهو ظاهر، وأما على القول الثانى فحقه أن يقول: رخيص اهـ المراد منه. فعُلم من هذا كله أن فاعلا مقيس مطرد فى فعَل المفتوح العين، متعديا كان أو لازما اتفاقا، وفى مكسورها المعدى كذلك، وفى مضمومها ومكسورها غير المعدَّى على قلة، مرجوح، وهذا كله إنما هو إذا قصِد بالصفة الاِستقرار والثبوت، أما إذا قصد به الحدوث، فإنّ فاعلا حينئذ يكون مطردا فى جميع أنواع الثلاثىّ مطلقا، كما تقدمت أمثلة ذلك ـ آنفا ـ وإليه أشار فى اللامية بقوله : (وفاعلٌ صالح للكل إن قصِد الْ // حدوث نحو غدا ذا جاذلٌ جذَلا ) ((يقول شارحها)) الحضرمىُّ: “ويصلح صوغ اسم الفاعل من كل فعل ثلاثىّ مطلقا على وزن فاعل إن قصد به الدلالة على الحدوث، كقولك: هذا غدا جاذل جذلا، فارح فرحا. قال: ومثله قول الشاعر : وما أنا من رزء وإن جل جازع / ولا بسرور بعد موتك فارح وكذا يجوز أن يقال: زيد جابنٌ اليوم أى: جبان، من فعُل المضمومِ، بل كون اسم الفاعل من الثلاثىّ مطلقا على فاعل هو الأصل، ويسمى غيرُه صفة مشبَّهة بهِ”. اهـ. وأما كون فاعل إذا كان لمؤنث فقياسه أن يجمع على فواعلَ باطراد، سواء لحقته التاء أم لا، وسواء كان وصفا أو اسما علما، أو غير علم، فقد نص عليه كل من تكلم على أوزان جمع التكسير المطردة، من أئمة النحو والتصريف واللغة. قال فى التسهيل: “ومنها فواعلُ لغير فاعلٍ الموصوف به مذكر عاقل لما ثانيه ألف زائدة”. قال شارحه البدر الدمامينىّ: “أى من أبنية جمع الكثرة: فواعل بفاء مفتوحة، وواو، فألف، فعين مكسورة، فلام، فدخل بقوله: (لغير فاعل الموصوف به مذكر عاقل) ما كان من فاعل اسما كحاجب العين، وحائط، وحاجز، وفاعَل ـ بفتح العين ـ كطابَع، و فاعِلاء كقاصعاء. ودخل أيضا نحوُ: طالق، ونحو ضاربة، ونحو نجم طالع. ونص سيبويه على اطراده، وأخطأ من نص على شذوذ نجوم طوالع، وخرج بالزائدة نحو ألف آدم، فلا يجمع على فواعل، إذ هى بدل من الهمزة الساكنة التى هى فاء الكلمة” اهـ المراد منه. وقال فى الكافية : وقسه فى كعاتق وفاعله / واجعل لها فوعلة مماثله قال فى الشرح: “وفواعلُ أيضا مطرد فى جمع فاعلة مطلقا، كضوارب، وفواطم، ونواصٍ، فى جمع ضاربة وفاطمة وناصية”. اهـ . وقال ابن هشام: “السابع عشر: يعنى من أوزان جموع التكسير فواعلُ، ويطرد فى ألفاظ سبعة: فى فاعلة اسما كانت أو صفة، كناصية كاذبة خاطئة، فناصية اسم، وكاذبة وخاطئة صفتان، فيقال فى جمعها نواصٍ وكواذبُ وخواطئُ؛ ثم ذكر بقية السبعة . وإلى هذا أشار فى الخلاصة بقوله : فواعل لفوعَل وفاعل / إلى قوله: …وفاعله) المرادىّ: “وسابعها: فاعلة مطلقا، نحو ضاربة وضوارب، وفاطمة وفواطم، وناصية ونواص”. فبان من هذا أن فواعلَ مقيسٌ مطَّرِد فى جمع فاعل، إذا كان لمؤنث اسما علَما كان، أو غير علم، أو صفة، سواء لحقته التاء الفارقة، أو لم تلحقه، وسواء كان ذلك الموصوف عاقلا أو غير عاقل. ثم إن جميع ما ذكره الناظم فى خلاصته من أوزان الجموع مقيسٌ كله باطِّراد، كما نص على ذلك شارحُها المرادىّ، إلا ما نبه فى النظم على شذوذه، أو عدم اطراده… واعلم أن كثير السماع مقدم على القياس عند غير الكسائىّ، وأجاز الكسائىّ القياس مع السماع أيضا على ما قُرر فى الدواوين الصرفية، وأما عند عدم السماع، فلا خلاف فى جواز القياس، ولولا ذلك لما كان لعلم التصريف وما اشتمل عليه من الأبنية والمقاييس والموازين فائدةٌ…”إلخ. اهـ محل الاستشهاد من الرسالة. *** مقطع من الرسالة الثانية: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلَّم “…هذا وإنى كنت قد أنشأت أبياتا على البديهة في ساعة من نهار، عند مرورى بمرابعِ دِيَار ما بها دَيَّار، وما ذاك إلا من باب تسمية الشىء باسم محله، وإنزال بدل الاشتمال منزلة بدل البعض من كله، لأن المرابع أماكن ربوع الحبائب الروابع، كما أن الطوالع أماكن طلوع الشموس الطوالع، فلذلك جنّست بين المفاعل والفواعل تجنيس الاشتقاق، الذى هو من محسِّنات الكلام باتفاق، وقدمت إحدى الكلمتين فى الذكر، لأردّ فى الثانية عجُز البيت على الصدر، وجعلت الأولى للأخرى بمرصاد، قصدا لحصول التسهيم والإرصاد، مع أن الأبيات المذكورة لا تُعَدّ عندى إلا مِن سَقَط المتاع، ومما ينبغي أن يُباع ولا يُبتاع، وأن يُكتمَ، فلا يذاع، إلا أنه كان من قضاء من لا معقِّب لحكمه، أنى أنشدتها بعض من أثِق بنصحه وفهمه، فأُعجِب بها بعضَ الإعجاب، وحدث بها الخواصَّ من الأصحاب، ظنا منه أنها من جيد الأشعار، الصالح لمناشدة السُّمَّار، ولو طواها على الغَرّ، وصان شَغاها عن الفَرّ، لكان ذلك أقرب إلى البرّ، ولو اتخذَها ظِهْرِيّا، لكانت نِسْيا منسيّا، ولو ترك ذكرها مهجورا، لم تك شيئا مذكورا، فلما سارت بها الركبان، وعزَفت بها القيان، ووردت بها التجار المياه، وجرت على الأفئدة جريانَها على الألسنة والشفاه، وعُرِضت على سُوق الاعتراض، ورُمِيت بسهام الصد والإعراض، جعل كل من بلغته من الإخوان، المنتسبين إلى معرفة علم اللسان، يسأل عن معنى أحد الأبيات، ويحوم حول إحدى الكلمات، وكأنه لم يَعْنِ إلا إيّاها، ولم يَستنشق إلا رَيّاها، وكلما أوضحتها له بعض الإيضاح، يذكر أنها ليست فى القاموس ولا فى المصباح، ففهمت حينئذ القصد، وعلمت أنه يبطن النقد، ولو كان يُظهر الضد؛ إذا رأيت نيوب الليث بارزةً/ فلا تظنن أن الليث يبتسم فما أدرى أين عزَبت عن هذه الكلمة أفكارهم، أم كيف عمِيت عنها بصائرُهم وأبصارهم؟ وكم من عائب قولا صحيحا/ وآفته من الفهم السقيم مع أنها عند كل ذى نظر أصيل أوضح من أن يستدل عليها بدليل. وتفسير الواضح ــ كما قيل ــ فاضح. وكيف يصح فى الأفهام شىءٌ/ إذا احتاج النهار إلى دليل؟ (المتنبى). وهبنى قلت: هذا الصبح ليل/ أيعمى العالَمون عن الضياء؟ (المتنبى). وما أرى هذا السائل يقنع في بيان هذه الكلمة إلا بمثل ما طلبه بكّار الشَّين من بعض الطلبة حين أفتاه ببتات زوجته، وانقطاع عصمته، أنه لا يعبأ بقوله ولا يلتفت إليه إلا أن يُريَه فى كتاب أن بنت فال زوجةَ بكار الشين حرامٌ عليه!!! وذلك أن مراد صاحب هذا السؤال، على ما يظهر من قرائن الأحوال، أن يجدَ فى القاموس وغيره من كتب اللغة من كل مادة صيغةَ الماضى من الأفعال والمضارع والأمر، واسم الفاعل، واسم المفعول، والمصدر، والتثنية، وجمع السلامة والتكسير، واسم المكان، والآلة، وأوزان المبالغة، وأفعل التفضيل، والصفة المشبهة، وصيـغ التعجب، والمفاعلة وتصاريفها، والمفاخرة، وفعَل الذى لبَذّ المفاخرة، والمَرّة، والهيئة، والتصغير، والتأنيث، والنسب، والوقف… إلى غير ذلك من جميع ما هو مشتق من المصدر، ولا يَكِل ذكر شىء من ذلك كله إلى القياس، ولا يعتمد فى ضبط شىء منه على القواعد التصريفية، وتبقى كتب النحو والتصريف لا فائدة لها. فهذا الذي يقنع به هذا السائل…”. إلخ.
الرأي المستنير