الاتحاد المهني للصحف المستقلة في موريتانيا uppim يقاطع الاحتفالات الرسمية لليوم العالمي لحرية الصحافة

 

بيـــــــــــــــــــــان تخلد الصحافة في العالم هذه الأيام العيد الدولي لحرية الصحافة الذي يصادف الثالث مايو من كل عام. وهي ذكرى عزيزة وغالية تشكل مناسبة لاستعراض أهم المكاسب والإخفاقات التي واجهتها الصحافة والصحفيون على مدى سنة كاملة.

ولأننا هيئة صحفية وطنية موريتانية تهتم أكثر بواقع الصحافة والصحافيين في موريتانيا وخاصة الصحافة المكتوبة، فإننا سنركز في هذه الإطلالة على الواقع الذي تعيشه صحافة بلدنا عموما والورقية منها على وجه الخصوص، وذلك بغية تغيير هذا الواقع نحو الأفضل خدمة للتنمية والديمقراطية التعددية في بلدنا. مكاسب هامة سحقتها معاناة تتفاقم بعد المكاسب العديدة التي تحققت خلال السنوات الأخيرة، بدءا بإطلاق الحريات الفردية والجماعية، وحرية التعبير على وجه الخصوص والتي أصبحت تتجاوز الخطوط الحمر أحيانا بفعل غياب الالتزام والمسؤولية لدى البعض، وبعد ما تحقق من مكاسب فيما يتعلق بتحرير الفضاء السمعي البصري وتقنين دعم عمومي، ولو كان محدودا ولا يستجيب لأبسط احتياجات المؤسسات الصحفية المهنية، وكذلك تنظيم صرفه لفائدة أغلب المؤسسات الصحفية بغثها وسمينها، يبقى الولوج لمصادر الأخبار مطلبا أساسيا وجوهريا في ظل تجاهل السلطات في البلد لدعوات الهيئات الصحفية بفتح تلك المصادر توخيا للمهنية والموضوعية فيما يتم نشره من أخبار قد تكون في غاية الحساسية والأهمية، حيث يرفض كل المسؤولين بما في ذلك رئاسة الجمهورية إجراء مقابلات مع وسائل إعلام محلية مستقلة إلا في مناسبات ترى السلطات أنها تريد فيها توجيه رسائل محددة للرأي العام، بينما لم يعد بإمكان وزارة الوصاية “وزارة العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني” ولا الخلية الإعلامية لرئاسة الجمهورية أن تعتمد قائمة ثابتة بمنتسبي الهيئات الصحفية من مؤسسات مهنية للتناوب على تغطية نشاطات رئيس الجمهورية الخارجية والداخلية، حيث تتم تلك التغطية بزبونية مطلقة وبعيدا عن الشفافية والمسؤولية، بل لقد أصبحت تغطية نشاطات رئيس الجمهورية والوزير الأول وبعض كبار المسؤولين في الدولة مناسبة لتكريس الزبونية والمحاباة على حساب كل قيم دولة القانون والمؤسسات والشفافية المتوخاة في دولة ديمقراطية تعددية. وهكذا ظلت أهم مصادر الخبر مغلقة في وجه أغلب المؤسسات الصحفية التي تتطلع إلى نشر الأخبار الصحيحة اعتمادا على مصادرها، معاينة للحدث وقطعا لطريق الشائعة التي لا يخدم نشرها سوى الأنظمة البوليسية المفلسة. في حين يجري رئيس الجمهورية وأعضاء الحكومة عشرات المقابلات في شهر واحد مع صحف غربية أو دولية، بل وبمقابل باهظ غالبا يتم دفعه من المال العام لبعض وسائل الإعلام الأجنبية تلك ؟! فأين هي وسيلة الإعلام الخاصة، صحيفة أو إذاعة أو موقعا إخباريا أو تلفزيونا خاصا، الذي تمكن القائمون عليها من استضافة رئيس الجمهورية أو أي من وزراء الحكومة أو كبار المسؤولين فيها لإجراء مقابلة شاملة توضح للرأي العام بعض ما يلتبس عليه من شأنه بعيدا عن تلك الإطلالات المناسباتية النادرة التي يريد رئيس الجمهورية أو النظام أن يبعث من خلالها رسائل محددة. ولعل تلك الإطلالات النادرة لفخامة رئيس الجمهورية عبر وسائل إعلام خصوصية ودولية منتقاة تشكل مناسبات سنوية أو أكثر لتوجيه أسئلة تهم الرأي العام قد يتم تجاهلها، لكنها إطلالات تتم بطرق وآليات غير مهنية ولا تخدم قيم التعددية، وأحيانا تتنافى وأخلاقيات المهنة الصحفية؛ حيث يتم التحكم فيها منذ البداية عبر رجال السلطة الذين يوجهون الحوار والمحاورين بطرقهم الخاصة. إننا في موريتانيا اليوم بحاجة فعلية إلى تعزيز المكاسب التي تراجعت منذ أكثر من سنتين وأولها الانفتاح على الصحافة الخاصة ومنحها الامتيازات التي تمكنها من أداء رسالتها النبيلة في ظروف مهنية بعيدة تماما عن التوجيه والابتزاز والزبونية والمحاباة التي أفقدت كثيرا من وسائل الإعلام الخصوصية مهنيتها وأفرغتها من محتواها وجردتها من مصداقيتها. وبدون فتح مصادر الأخبار أمام الصحفيين وتمكينهم من الولوج إلى القطاعات الحكومية بكل حرية ومسؤولية فلن تكون لدينا صحافة خاصة تكتب وتنشر وتبث بموضوعية وبمصداقية. وتقع المسؤولية في ذلك على عاتق الحكومة التي تعيق العمل الصحفي وتمنع الصحفيين من أداء دورهم التنموي في ظروف مشجعة، بل وتجفف مصادر تمويلهم. تجفيف منابع الدعم المادي للصحافة الخاصة منذ انطلاقة العمل بالديمقراطية التعددية في بلدنا في عام 1991 والصحافة الخاصة تحظى ببعض الدعم الذي مكنها من مواصلة مسيرتها في ظروف أقل من مأساوية عكس ما تعيشه اليوم؛ حيث أصدرت السلطات العمومية منذ قرابة السنتين، وبتعليمات مباشرة من الوزارة الأولى، وبإيحاء من رئاسة الجمهورية؛ تعميمات إلى كافة القطاع العام ومؤسساته تقضي بمنع كافة أشكال الإشهار والاشتراك والدعم لفائدة الصحافة الخاصة، وذلك بحجة أن “بعض المدونين وبعض المدونات تحصل على أموال هائلة تحت يافطة العمل الصحفي”؛ وكأنه لا قيمة ولا أهمية للتقارير السنوية للسلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية التي تقوم بجرد سنوي لواقع الحقل الصحفي في موريتانيا وتقدم تقاريرها وملخصات منها إلى رئاسة الجمهورية والوزارة الأولى ووزارة الوصاية وغيرها من الجهات المهتمة. إن هذا الواقع يفرض علينا التساؤل: كيف لنظام في بلد ديمقراطي تعددي أن يتوقع المهنية والمصداقية من صحافته الخاصة وقد أغلق في وجهها مصادر الخبر وجفف منابع دعمها المحدودة أصلا؛ حتى أنه جردهم من عُرف تحمل أعباء نقلهم لتغطية نشاطات رئيس الجمهورية في الولايات؛ حيث يتم في المقابل منح (أصحاب الحظوة) من الصحفيين بطاقات (ولوج) لا تخولهم حتى الدخول لميدان الحدث للتغطية الميدانية؟ أحرى أن يتم التكفل بإقامتهم وإعاشتهم طيلة أيام الحدث كما جرى العرف بذلك !!! إن مثل هذا السلوك لا يمكن تصوره في الأنظمة التي تحظى الصحافة فيها باحترام حقيقي باعتبارها سلطة رقابية لا غنى عنها تحظى بالدعم المادي والمعنوي الذي يخولها الاستمرار وأداء دورها بمهنية عالية بعيدا عن ضغط “الحاجة” وكافة الضغوط المادية أو المعنوية، وهو ما لا يتوفر في حده الأدنى في موريتانيا اليوم. فالسلطة في بلدنا تخاطب الصحافة قائلة: “اكتبوا ما شئتم وانشروا ما شئتم ولكننا لن نوفر لكم أي دعم ولن نخولكم الولوج إلى مصادر الأخبار؛ بل وسننافسكم بأدعياء يشوهون صورة الصحفي والمؤسسة الصحفية الخاصة، وسنضايقكم في ما تحصلون عليه من القطاع الخاص”.. في ظاهرة غريبة وفريدة وغير مسبوقة في تاريخ البلدان الديمقراطية. بل وأكثر من ذلك تم فرض رقم تعريف ضريبي على كل مؤسسة صحفية حتى إذا حصلت على اشتراك أو إشهار من القطاع الخاص يتم خصم 4% منه لصالح الخزينة العامة من المصدر، وذلك دون أدنى مقابل أو تسهيلات.. إنها باختصار مهزلة تعيشها الصحافة الخاصة في بلدنا وتتفاقم منذ 2015 من سيء إلى أسوأ. ورغم أهمية فكرة تقنين وتنظيم الدعم العمومي للصحافة الخاصة، إلا أن رصد مبلغ 200 مليون أوقية سنويا يتم تسليم 64 مليونا منها لمؤسسة عمومية هي المطبعة الوطنية مقابل فرضية تخفيض تكاليف السحب الرديء أصلا، وتسليم حوالي 10 ملايين أخرى لفائدة أعضاء لجنة التسيير والتوزيع، و20 مليونا لتكوين وهمي لا يقدم ولا يؤخر، وتوزيع البقية بين مؤسسات القطاع السمعي البصري والمواقع الإخبارية والصحف الورقية والمنظمات الصحفية؛ هي مجرد مهزلة ومسرحية رديئة الإخراج لتلميع صورة قطاع يحتضر بفعل مواقف سلبية يتبناها بعض رموز النظام من الصحافة الخاصة التي يريدون لها أن تختفي تدريجيا؛ لأن أداءهم المتواضع لا يتحمل تسليط الأضواء عليه حتى ولو تم ذلك بمهنية وموضوعية !!. إن تجفيف منابع الدعم التقليدي ومنع الصحافة من كافة أشكال الدعم والتسهيلات المعنوية والمادية المعتبرة ليعكس خوف بعض كبار المسؤولين في الدولة من وجود صحافة مهنية جادة قوية ومسؤولة؛ حيث عمل أغلب هؤلاء على تمييع الحقل ليفقد مصداقيته لدى الرأي العام ويتخلى القائمون على المهنة عن مهنتهم بفعل مواجهة جملة التحديات آنفة الذكر؛ وخاصة الصحافة الورقية التي هي أم الصحافة في العالم، وكذلك الإذاعات والتلفزيونات الخاصة.. ولهذه الأسباب توقفت أغلب الإذاعات والصحف الورقية الجادة وتعثرت أخرى في تقديم خدماتها المهنية للبلد وللرأي العام بفعل مضاعفة تكاليف الإنتاج مقابل غياب كافة أشكال التسهيلات والدعم المادي، وتجفيف منابع الدعم التقليدية. وللأسف فإن أغلب مسؤولي الإعلام والخلايا الإعلامية في رئاسة الجمهورية والوزارة الأولى وأغلب القطاعات العمومية الكبرى ليسوا من أهل الاختصاص، وكذلك كبار القائمين على الوزارة الوصية، مع استثناءات قليلة لا تؤثر في التوجه العام الذي يرسم ملامح القضاء على الصحافة المهنية في عصر يوجه فيه الإعلام القوي الرأي العام الوطني والدولي ويغير مواقف الدول والحكومات؛ بل ويطيح بالأنظمة ويزلزل أركان الدول الوازنة عبر العالم، ناهيك عن دوره التنموي الذي (ينتشل) الأمم من قاع التخلف إلى مصاف الدول المتقدمة !! حتى لا يظل الصحفي مجرد ديكور في حفل سنوي باهت في الـ 3 مايو إن (الاحتفالات) السنوية التي تنظمها وزارة الوصاية على الإعلام، ستظل مجرد لمسات باهتة ومساحيق خافتة ما لم يتغير واقع الصحفي والمؤسسات الصحفية، لأنه لا معنى للتذكير بمعاناة الصحفيين سنويا دون أن يحصل أي تغيير على أرض الواقع يرفع من قيمة صاحبة الجلالة وسدنتها، وما لم يحصل ذلك فإن كل صحفي يشارك في تلك الاحتفالات الباهتة سيظل مساهما في تعميق معاناته ومعاناة الحقل وإنجاح سياسات القتل البطيء التي يمارسها بعض رموز النظام بحق الصحافة الخاصة في بلدنا. وعليه فإننا في الاتحاد المهني للصحف المستقلة في موريتانيا نعلن ما يلي: – دعوتنا لمصادقة الحكومة على توصيات الملتقيات العامة لإصلاح الصحافة المنظمة مؤخرا وتجسيد مخرجاتها في الميدان. – تأكيدنا أن واقع الصحافة المأساوي لن يتغير بإرادة النظام وحده؛ بل بعمل جماعي جاد ومسؤول تقوم به النخبة الإعلامية الوطنية ومؤسساتها من أجل إصلاح جذري وعميق، ولفرض احترام سدنة مهنة السلطة الرابعة الذين ضحوا على مدى أزيد من عشرين عاما من أجل بلوغ واقع أفضل، خدمة للبلد أولا، وللرأي العام الوطني، وللديمقراطية التعددية، ثم للصحفيين أنفسهم. – غياب متلازمة المسؤولية مع الدعم المعنوي والمادي غير المشروط؛ والذي يمكّن المؤسسات الصحفية من أداء دورها على أكمل وجه؛ لا يخدم الديمقراطية ولا التنمية، ويترك الحبل على الغارب لأولئك الذين امتهنوا نهب المال العام بكل الوسائل حتى استشرى الفساد بمختلف عناوينه وتجلياته. – لا إصلاح للصحافة في ظل إشراف مسؤولين على الحقل لا علاقة لهم بالمهنة وليسوا من أهل الاختصاص والتجربة، ولن يؤتي أي جهد خيّر ثماره ما دام هؤلاء في مواقع لا يفقهون فيها. – مقاطعتنا للاحتفالات الرسمية للعيد الدولي للصحافة هذا العام التي تنظمها وزارة العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني؛ ذلك أنها تقليد سنوي لا يغير شيئا من الواقع المأساوي للصحافة وللمؤسسات الصحفية الخاصة؛ وإنما يشكل مناسبة متميزة لتبذير المال العام دون أن يعود بالنفع على الصحافة التي تعاني شح الموارد الإخبارية والمالية بإرادة رسمية ؟! – دعوتنا جميع الهيئات الصحفية المهنية والنخب الإعلامية الوطنية إلى مواجهة هذا الواقع المأسوي بحكمة وعقلانية وروية وبعد نظر، والبحث في آليات ناجعة للرفع من المستوى المادي والمعنوي للصحفي وللمؤسسات الصحفية بما يضمن الاستقلالية ويصون الكرامة ويسهم في الدفع بأداء الحقل ومهنيته. – تأكيدنا على أنه ” لا ديمقراطية بدون تنمية، ولا تنمية بدون صحافة مستقلة”. المكتب التنفيذي نواكشوط بتاريخ  2 مايو 2017

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى