سعيد ولد حبيب يكشف المزيد من اسرار التلفزيون
توقفنا في الحلقة الماضية عند حقبة السيدة الدكتورة خيرة بنت الشيخاني المديرة الحالية للتلفزيون وهي شابة حيوية ونشطة تتمتع بشخصية اجتماعية وإنسانية لافتة تحكم عليها ملابس محتشمة ، وتتدثر في غطاء يشبه البرقع ..
منذ توليها مسؤولية إدارة التلفزة، تراجعت مساحة البرامج والسهرات الموسيقية والأدبية كما تراجعت مساحة البرامج الهادفة المؤسسة على قاعدة مهنية بالمقابل،
ظهرت تجارب لبرامج مباشرة تطبعها الرتابة والتقليد والاجترار فهي عبارة عن جلسة داخل “الاستديو” بين اربعة جدران تشكل “إضاءتها” نشازا في فن الإضاءة ، فتظهر الشخوص بألوان مختلفة أثناء برنامج واحد مع خروج المقدم والضيوف بين الفينة والأخرى عن “اطار الصورة”،قد يكون المصور أمضى يوما طويلا واقفا امام الكاميرا وربما كان يفكر لو كان في وضعية اخرى ، يجني منها “إكراميات” من خارج القناة لقاء خدمات أخرى ، ولم لا يكون نفس الهاجس هو ما يجعل المخرج متذمرا ، ويقوم بعمله على مضض ، أما فكرة البرنامج فقد تقدم بها هاو لم ينل حظا من التدريب والتكوين وإنما دلف الى التلفزيون عن طريق واسطة بحكم علاقة دم او نسب او إرضاء لحليف سياسي او طمعا في ود خصم سياسي، ليجد المذيع نفسه أمام جوقة تعزف ذات “السمفونية” ، لا شيء يحملك على بذل جهد سوى الخوف من عقاب المسؤول الأرفع منك درجة وهو الذي قد لا يتورع عن نقل صورة سلبية عنك الى إدارته،
في النهاية قروش تقبضها نهاية الشهر خير من البقاء دون عمل ، أنين الأطفال في المنزل يفرض عليك قدرا من الرضوخ والاستكانة وتحمل عذاب العمل خارج اوقات الدوام ، وبعد سنوات سوف يكون عليك زيارة طبيب الجهاز الهضمي ليشخص حالة “بواسير”في قناتك الهضمية اما قناتك التلفزيونية ، فإنها تواصل عملها بنفس الطريقة وهي لما تجد بعد علاجا من حالة “عسر” الإنتاج و”انيما” التقارير المهنية ، و”نقص حاد” في “الاضاءة” ، و”قصور” في الرؤية الاعلامية..
برنامج يوم جديدة فكرة جيدة من الاساس لكن تنفيذه وديكوره وافكاره متبلدة لا جديد فيها و””مساء الخير ” مثل يوم جديد ، مجهود عشوائي يرهق ولا يفيد .. من الواضح ان القائمين على هذا القطاع اما انهم لا يريدون او انهم لا يعرفون ..
قطاع الاخبار احسن حالا … فجيش من الصحافيين والفنيين يقضي بياض نهاره جريا وراء نشرة اخبار من نصف ساعة ،وبرنامج اباري .. تنجز بوسائل شحيحة ، وفي حقيقة الامر ان معظم العاملين في القطاع تنقصهم الخبرة والتكوين وكثير منهم ينجز تقارير الورشات الحكومية ويحفظ عن ظهر قلب استمارة ثابتة يعبؤها كل يوم بنفس المضمون مع تغيير طفيف في الاسماء والعناوين ..
لا تحتاج الموريتانية الى وسائل انتاج ولا الى عناصر بشرية بل تحتاج الى رؤية استشرافية وارادة متجردة للعمل ودورات تكوين مستمرة لطاقمها الذي يحتاج بكل طواقمه القديمة والجديدة للتكوين حيث ان معظم الصحافيين والفنيين يقومون بعمل اقرب الى الهواية والتقليد ، خزائن الموريتانية تحوي احدث كاميرات التصوير مع “اكسسواراتها” ،بعضها تقول ادارة التلفزة انها اشترته وبعضها والذي تقارب قيمته مليار اوقية جاء في شكل هبة من دولة الامارات العربية المتحدة ، ابان القمة العربية في نواكشوط، اما أجهزة البث المباشر المعروفة بال “ال ا س ان جي” فيوجد منها على الاقل اثنان .. فلماذا لاتحرك القناة ماكينتها وعناصرها لنقل واقع الداخل عبر تقارير وبرامج وحوارات بالاعتماد على كل هذه التجهيزات ولماذا يقتصر دورها على مهرجانات رئيس الجمهورية دون غيره ..أليست القناة خدمة عمومية …؟ ثمة مشكلة جوهرية تواجه أي مدير تسند اليه عملية تسيير التلفزة الموريتانية الا وهي الموازنة بين اداء مشروعه الاصلاحي ـ ان وجد ـ والتعامل مع تركة ثيقلة من التراكمات ، حاولت المديرة الحالية ان تقوم “بدور المصلح” ، تقدمت بخطوات جريئة حصلت على زخم اعلامي ، وقطفت ثمارا سياسة ، عندما تاتي السياسة ، تنسحب الاخلاق ، فهما لا يلتقيان على راي بعض الفلاسفة عدم فهم الاعلام وخاصة التلفزيون يجعل تسيير المؤسسة لا يختلف عند البعض عن تسيير دكان .. في حين ان الانتاج التلفزيوني يتطلب موارد ضخمة بينما تتراجع ميزانية التلفزيون لأقل من ميزانية الاذاعة والبون شاسع بين المؤسستين في المصاريف ، اما حين نسير القناة بدماغ صاحب الدكان او السياسي لبراغماتي فقد حكمنا عليها بالفشل. يمكن ان نتقبل تسييرا يجلب منافع لأشخاص معينين، ولكن لا ينبغي ان يكون ذلك على حساب الدور المنوط بالتلفزيون ، قد يكون استرداد مبالغ ضخمة من ميزانية القناة امرا مفيدا من ناحية استرضاء السلطة وتبيان “حسن التسيير” ولكن احيانا يكون ذلك دليل فساد ، فالنفقات يجب ان توازي الانجازات دون ميل للنقص او الزيادة ، لقد دفعت التلفزة ثمن “حسن التسيير” حتى صار من الصعب عليها الحصول على رواتب عمالها الشهرية ، أما مسالة الإنتاج فكبر عليها سبعا يجب ان لا نخدع الرأي العام وان نتحلى بالشجاعة كي نعترف بأننا نواجه مشكلة حقيقية، فمنذ ان قررت القناة إجراء مسابقة واكتتاب موظفين ،بات الموظفون يعيشون وضعية صعبة ، فبالرغم من انهم يقومون بعمل مضني ويتولون اصعب المهام واكثرها حساسية فانهم لم يستفيدوا من حقهم في الترسيم ، بل واكثر من ذلك يتعرضون للتهميش والظلم وعدم الاستماع اليهم ، يجدر بمدير مؤسسة من هذا النوع ان يستمع الى الناس،وان يقترب منهم .. لا أتذكر انه خلال اربع سنوات قامت ادارة التلفزة بزيارة قاعات التحرير إلا لماما .. بطبيعة الحال يوجد مقربون من الادارة العامة ينصحونها بالاختفاء بعيدا عن من يسمونهم “الغوغاء” في قاعة التحرير وبقبولها لنصائحهم خسرت الشيء الكثير وساهمت في ظلم صارخ ،وبما انها زرعت كاميرات مراقبة في كل مكان فقد شكل ذلك مادة مفيدة للتندر وملء الفراغ بالحديث في “المطحونين” الذين يتم رصدهم من قبل الادارة التى تجتمع كل يوم في غرفة مكيفة للتنكيت وقتل الضجر بمتابعة عمال القناة عن طريق كاميرات المراقبة ..والضحك من حالهم ، كثرة الاجتماعات هي العنوان الابرز لإدارة التلفزيون اجتماعات .. لم تخرج قط بنتيجة مفيدة تحرك المياه الراكدة ، لان المحيطين بالادارة العامة لا يريدون فعل أي شيء انما يعملون على بقاء الامور على حالها ففيها مارب لهم ، ولطمأنة الإدارة العامة يظهرون الولاء ويصورون العمال الاخرين .. على انهم “يحسدون و يغبطون المديرة العامة على ما حباها الله به ” والانسان ميال بطبعه الى تصديق مثل هذه الامور فينشا لديه تضخم الانا ويدخل حالة من النشوة تحول بينه وبين الحقائق .. الادهى في كل ذلك ان الإدارة العامة تصنف الناصح لها عدوا وحاسدا … وتضعه في خانة المغضوب عليهم .. طاقات كبيرة من الصحافيين والفنيين مهدورة ، بعضهم ماتت في دمه هرمونات نمو وتطور الافكار والابداع وذلك لانهم استبعدوا واستعبدوا .. اسماء كثيرة منهم خريجو اعلام من معاهد وجامعات واصحاب تجارب مهنية مات فيهم الاحساس … وتحولوا الى هياكل في القناة ، ولو ان التلفزيون استغل قدراتهم مع قدرات الوافدين الجدد عبر المسابقة لكنا امام تلفزيون يؤدي دوره كاملا زار رئيس الجمهورية التلفزة الموريتانية وفهم عن قرب كل المشاكل المطروحة وامر بانفتاح على كل الاطياف ، هنا مربط الفرس ، هل اراد سيادته فعلا الانفتاح على كل الطيف السياسي وكيف يمكن لشابة حديثة السن والتجربة المهنية ان تتعامل مع رسائل الرئيس الذي اختارها من بين اخرين لتسيير المؤسسة ..؟ دعت التلفزة الموريتانية الى مسابقة لاكتتاب صحافيين ومنتجين جدد للقسمين العربي والفرنسي ، كان ذلك في نهاية مواسم ما كان يعرف بالربيع العربي ، مئات الشباب المتخرجين من الجامعات لا يجدون عملا وببساطة يمكنهم احتلال ساحات مثل “ابلوكات” او على الاقل صفحات “الفيسبوك ، سوف يقوم مسيروا عدد من القطاعات بمحاولة امتصاص النقمة .. قامت التلفزة الموريتانية بفتح الباب امام دماء جديدة ، ونظمت مسابقة شفافة ..بشهادة الجميع ، المعضلة الكبرى حين يدخل الشيطان في التفاصيل ، بعض افراد الجيل القديم، في القناة لم تتقبل بعد سنة التطور وقانون المجايلة ، وكثير منهم ينظر الى هذه المؤسسة كبقرة حلوب على مدى ثلاثة عقود شيدت من مداخيلها المنازل العصرية واشتريت السيارات الفارهة والقطع الأرضية والحسابات البنكية ، هل يقبل هؤلاء دخلاء .. بطبيعة الحال لا .. صراع القوى يطفو على السطح ، فالمدير المعين لمهمة محددة زائل لا محالة اما الموظفون فانه باقون، هي معركة لي اذرع اذن بين مدير مؤقت قد يعين في موقع اخر او يعزل وموظفون اكتسبوا حماية قانونية بطرق مختلفة ، لاغرابة اذن في ان نلاحظ استئثار مسؤولين في القناة العمومية بموارد القناة ومنقولاتها وسياراتها بينما يتم تحييد الكفاءات واذلالهم والعبث بواقعهم ومستقبلهم ، انجزت التلفزة نظام “استاتي” وصرفت عليه مالا وفيرا ، حيث يحصل الرجل الذي قام باعداده على راتب شهري مجزي لكن اين ذلك النظام هل أكلته الارظة.. كصحيفة قريش ؟ كل خطوة للاصلاح يتم وأدها في المهد فالعمل يجري على طريقة “ديونكيشوت مع الطواحين” ثم أين نظام المغادرة الطوعية الذي من شانه ان يهيئ الارضية لوضعية سليمة ادرايا …؟
مديروا القناة يصطدمون بهذه الوضعية فلا يجدون بدا من مسايرة “روح الاستحواذ” والابتذال ،ومن يظهر لديه ميل للشذوذ عن القاعدة يتعرض لحرب ضروس وضغوط من كل مكان حتى وان حظي بكل الصلاحيات والظروف التى تمنحه سلطة واسعة ليتبين فيما انه ليس الا من بني “غزية”، التراكمات ولدت خريطة من العلاقات حبالها السرية توجد في دهاليز السلطة والقبيلة والعرق فمن اين سيأتي الإصلاح ؟ يتواصل .. اقرأ أيضا: مقاربات من اجل إصلاح التلفزة الموريتانية / سعيد ولد حبيب