هل تستوي السفينة على جودي العدل؟ / الولي ولد سيدي هيبه
تصفيات الحسابات الصامتة، على خلفيات قبلية و شرائحية و عصاباتية بثوب سياسي بغيض لا تخطئه العيون و إن رمدت و الأفواه و إن كممت، تتجلى في الإقصاء بلا تردد أو حياء للقدرات المهنية المؤكدة و العلمية الرفيعة، في المؤسسات العمومية و شبه العمومية، لا لسبب إلا أن يقول أصحابها “ربنا الله و الوطن لنا جميعا”. و إن الذين يقومون بهذا الإقصاء الممنهج و العارم ليسوا بالدرجة الأولى سوى المسؤولين الأول لهذه المؤسسات و قد أطلق لهم العنان
و أغمضت العيون عن أفعالهم فتراهم يحيون موات العشائرية و العصبية غير آبهين بما يكرسون من قتل للمواهب و إضعاف و رداءة العطاء. و ليس بمُستتر عن العيون و مُستنكف عن الإدراك أمرُ هذه الخسارة الفادحة التي يمنى بها البلد حثيثا حيث الإدارة تفتقر إلى السند اللغوي (العربية و الفرنسية) الصحيح لتمرير رسائلها و تعميم فوائدها و إحكام توجيهاتها و تقنين تسييرها، و الإعلام بدرجة أكبر حيث غابت عنه الفرنسية و دِيست و أذلت اللغة العربية. و أما التسيير المالي و الإنجاز التنموي فحدث و لا حرج عن غياب المهنيين من مخططين و المحاسبين و الماليين أكفاء و الجديرين.. و كل قبيلة من الأقوى تربعت أرستقراطيتها الوظيفية على جزء من حطام سفينة البلد التي تُخرق لتغرق.. فمتى تستوي على الجودي؟ الفصل بين المواطن و صوته في كل عام بعد آخر يبدل النفاقُ السياسي جلده العفن بجديد أكثر سماكة و أشد منعا لاختراق الفضيلة، ليكسب أوجها مبتكرة من التحايل و التلاعب بقيم الجمهورية، و يزداد التنكرُ لقيم الصدق و الوطنية الضعيفين في الأساس، نَتيجة ميراث سلوكي “سيباتي” تراكمي استطاع أن يمَخُرَ عُبابَ الزمن و يملك زمان الأمور. و ما التحرك القبلي المحموم و الشرائحي المنكر و الإثني المراوغ الذي تشهده في هذه الأيام كل جهات البلد إلا تعطيلا للمسار الديمقراطي و إخلالا بقواعد سيره أمام الاستفتاء القادم حول التعديلات الدستورية التي تمخض عنها الحوار الأخير بين الأغلبية و المعارضة المحاورة. و جدير بالذكر أن محاولة الالتفاف على أصوات الشعب للتعبير عن التأييد أو الرفض، و التأثير بشتى الوسائل المرتجلة و بالأساليب الديماغوجية و الأيديولوجية، و الإغراءات المادية و المعنوية و بالترغيب و الوعود بالمكافأة أو العقاب بالحرمان و الإقصاء، و التهديد بالعصيان و التحريض على الانفجار.. و إن الجميع، معارضة متخاذلة و فاترة و أغلبية مهرولة و طامعة يقف، حائلا ـ بممارساته الشاذة عن نواميس السياسة النبيلة، و الهابطة من زمن “تصفية الحسابات” ـ أمام صوت الشعب الحر المعبر عن القناعة إلى نتائج صادقة بترجيح كفة القبول بالتعديلات أو كفة رفضها و لتطوى صفحة ليس لها أن تغير بحال مع ذلك المسار العام و إنما ستدعم حتما الديمقراطية إن مر الاستفتاءُ بشفافية و تُرك للشعب أن يُعبر عن قناعاته على قاعدة لكل مواطن صوته. يَحسمون في يوم و نُربك طول العام خلال يوم واحد، و بشفافية مطلقة و لا محل للطعن فيها من أي فرد أو جماعة أو تنظيم أو جهة تذكر، حسم الفرنسيون أمر الرئاسيات بفوز المرشح إمانويل ماكرون و خسارة المرشحة مارين لبين التي لم تضيع لحظة فأعترفت بهزيمتها و هنأت منافسها ثم شكرت الفرنسيين الذين أعطوها أصواتهم قبل أن تعلن عن انطلاق عمل المعارض. أما الفائز ماكرون فلم يكن يقل خطابة عن لبين فأعلن أن الفوز لا يكفي إذا لم يتبعه التنفيذ الفوري برنامج الانتخابي الطموح الذي يرمى إلى وضع فرنسا في مكانها الصحيح بين الأمم المتقدمة بحسب قول رئيسها الشاب المنتخب و خريج المدرسة الوطنية للإدارة الذائعة الصيت. طويت الصفحة الرئاسية على إيقاع الشفافية، و اللياقة السياسية ، والاستقامة الفكرية، والوطنية رغم سخونة الحملة، و هي جميعها السمات البارزة للسياسيين في جميع الدول الديمقراطية، و قد أثبت سياسييو فرنسا جدارتهم بهذه الخصال و شدة اتباعهم و احترامهم للقيم الجمهورية التي أسست لها ثورتهم الشهيرة بعد ما أسقطت الملكية وأسست الجمهورية. و العجيب الغريب أنك ترى بعض سياسيينا، الذين لا يملك معظمهم زمام خطابه السياسي و لا برنامجا يحمل آمال الشعب قابلا للتطبيق، لا يتوانون عن انتقاد السياسيين في فرنسا و غيرها من الدول الديمقراطية و يشككون في مستوى أدائهم… و الأمر مضحك للغاية… فمتى يفيقون و يحملون هذا الوطن المسكين على محمل الجد؟ الدين الاستقامة الدين التزام، راعي سأله ابن عمر: ” بعني هذه الشاة، وخذ ثمنها ؟ قال : ليست لي، قال له : قل لصاحبها : ماتت، وخذ ثمنها ؟ قال : والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها، ولو قلت لصاحبها: ماتت، أو أكلها الذئب لصدقني، فإني عنده صادق أمين، ولكن أين الله ؟ عجيب هو حال تعامل سوادنا الأعظم مع معتقدنا (الدين القيم) الذي لا يقبل من أحد ابتغى غيره دينا (و من يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه و هو في الآخرة من الخاسرين). و لما أن هذا القرءان ربط في الفوز في الدنيا و النجاة في الآخرة بإتباع هذا الدين من خلال الامتناع عما عنه نهى و زجر و القيام بما له شرع و به أمر، و قد بعث به دينا قيما و أرسله مبشرا الصادق الأمين، أفضل أهل الثقلين محمد المصطفى، خاتم النبيين و إمام المرسلين. و إذ لا لبس في أوْلوِية الصدق و الاستقامة و العدل و الرحمة في كل عمل دنيوي و أخروي يؤتى، فإن السمة الغالبة في المعاملات يطبعها التحايل و الجشع و تجاوز حدود الشرع بجرأة نادرة على النصوص القرآنية و ليها عن وجهتها و تأويلها بما يغطي مواضع الإخلال بأوجه الحق… و لعل في القصة الواقعية التالية ما يكشف عن هذا الوجه البغيض الذي يسوس معاملاتنا العامة و يكشف عن بعض انفصام شخصيتنا في الغالب الأعم…جماعة من رجال أعمالنا و تجارنا يصلون بعد سفر طويل إلى قرية في العمق الصيني بغية إبرام صفقات تجارية مع تاجر غني من البلدة تتعلق باستيراد أنواع من المنتجات الصينية و منها الشاي الأخضر.. يطلبون من مضيفهم طعاما و شرابا حلالين و مكانا للصلاة فيه مرفق للوضوء. يستجيب الصيني الذي يجد في نفسه حبا دفينا للإسلام و يكرم ضيوفه باحترام و تقدير. و بعد أن يستريحوا يدخل معهم في صميم المعاملات. لكنه يتفاجأ عندما يطلبون منه أمورا زعزعت ثقته و تسببت في بعض ازدراء… يقولون له : بِعنا بضائع قليلة الجودة و زهيدة السعر، و حط عليها علامات و أختام الجودة العالية، ثم أرفع مرات مضاعفة قيمة الفواتير زيفا لتبرير الأسعار التي ننوي البيع بها في أسواقنا المحلية… رد الصيني و قد صدمه الكلام و تعارضه مع الفعل مستغربا و مستفسرا: هل أن ما تبين لي من تناقض شديد بين تدينكم الذي بهرني من خلال حرصكم على حلية طعامكم و مكان صلاتكم و بين ما طلبتم من تزوير و كذب و خداع، هو السمة الغالبة على التعامل بينكم في بلدكم أم أنه تصرف شاذ منكم؟ و قبل أن يجيب القوم أضاف: الإسلام دين قيم… إن الكثير من المسلمين يأتون إلى هنا قادمين من كل القارات و يتقيدون في التعامل معي بتوجيهات الشريعة الإسلامية السمحة العظيمة، و هم مذهلون في حرصهم على الصدق و الأمانة و العهد و احترام الالتزامات التي يأخذونها على أنفسهم حتى بت أفكر في اعتناق الإسلام.. سكت قليلا ثم قال: إنكم تسيئون لهذا الدين بمثل هذه التناقضات المشينة.. و لما غادر الصيني قال أحد القوم: هو ذَ الكال شنهُ، فرد آخر: ما نعرف اتكلمنَّ إبان بالصينية… ذيك الكحله! الترويج العقيم لصناعة الآخر هل تعلمون أن كل حصص الترويج التي تعرضها صباح مساء على شاشاتها كل القنوات التلفزيونية و تبثها على أموادها كل المحطات الإذاعية و تظهرها على صفحاتها جميع الجرائد الورقية و تقدمها على واجهاتها كافة المواقع الالكترونية، لا تقدم جميعها أي منتج وطني خالص اللهم بعض العصائر الزجاجية و البلاستيكية في حالة تعبئة نهاية لموادها الأولية المستوردة… كما أن المواد التي يتكرر ترويجها تنحصر الشاي الأخضر الصيني الذي يُستقدم مقابلjجميعها هي كذلك في أولا الملايين من العملة الصعبة و لا علم لأحد بأسرار قطفه و ما بعد ذلك من التذبيل و القص و اللف و التخمير و التجفيف و الفصل قبل التعليب و الشحن و التصدير، و قد بلغ الإسفاف في ترويجه حد تعبئة كل الكوميديين لـ”رَوْزَة” في الخلاء أمام خيمة إلى جانب حظيرة بقر أو ماعز أو إبل و كأن المشهد “هوية”، و من نساء الجالية الصينية لمزيد من الإسراف في سخافة الفعل و تقديمه بعيدا عن أي تفكير في زراعة شاي محلي و الاعتماد في استهلاكه على نقاء تربته.. و أما الأكثر ترويجا و لا إنتاج منها محليا رغم سهولة فعل ذلك هيkالمادة الثانية “خفاضات” الأطفال المعروفة اصطلاحا بكوشات و التي ترمى في الأزقة والشوارع العامة من بعد استخدامها بكل سهولة و من دون أية مبالاة و حسبان للشعور العام أو مراعاة لأي اعتبار أخلاقي أو ديني أو مدني… و أما الفئة الغالبة في مادة الترويج السيئة الإخراج و الفقيرة المحتوى فهوlالثالثة نصيب شركات الاتصال المعروفة باستنزاف الملايين من جيوب المواطنين الذين لا يعرفون كيف يرشدون أرصدة هواتفهم التي يصرفون عليها أموالا طائلة… فهل حالة الترويج الشحيحة هذه التي يكشف عنها المسار القائم في جميع وسائل الإعلام تُعَبِّر عن وضع صحيح؟