“الحضرية ” توزع مواد ضد البعوض
قبل أيام قامت مجموعة نواكشوط الحضرية بتوزيع مواد كيميائية منزلية ضد البعوض في بعض أحياء مقاطعة توجونين، وقبل ذلك طالعت خبرا يقول إن ” الحضرية ” راسلت وزارة الصحة طلبا لسجلات الإصابات بحمى الملاريا وغيرها من الحميات المنقولة بالبعوض المسجلة لدى المستشفيات والمراكز الصحية بنواكشوط، وما إذا كانت هذه المراكز والمستشفيات قد سجلت تراجعا في أعداد المعاودين المصابين بهذه الحميات، وأن وزارة الصحة ردت بعدم تسجيل أي حالة من حمى الضنك، مع تراجع ملحوظ في عدد حالات الإصابة بحمى الملاريا وذلك خلال السنتين الأخيرين، وأرجعت ” الحضرية ” هذا التراجع إلى عمليات الرش والإبادة التي باشرتها منذ سنتين بعد ظهور حمى الضنك التي لم تكن معروفة في البلاد سابقا، وإن كانت حمى الملاريا من الحميات المستوطنة في البلاد منذ عقود حتى أصبت مرضا مألوفا ( banale ) ينتظره سكان مناطق عديدة من البلاد، حتى أن السؤال عن السلامة منه أصبح مفردة من مفردات التحية والسلام المعروفة في مناطق عديدة ” أشحالكم أمع الحمه ” رغم مضاعفاته وخطورته.
وإذا صحت هذه الرسالة وهذا الرد بتراجع الإصابات بهذه الحميات، مع أنني أخذت رأي بعض الأصدقاء العاملين في الميدان من صيادلة وأطباء فأكدوا لي تراجع الإصابات بحمى الملاريا خلال السنتين الأخيرتين، فإن ذلك سيكون عاملا مشجعا على الاستمرار والتوسع في عمليات مكافحة البعوض، وعن الاستمرار في العملية فإن ” الحضرية ” قد أعلنت أنها أعدت برنامجا مستديما للقيام بعمليات الرش الدوري كل بداية شهر من السنة ولمدة عشرة أيام، لكنني أعتقد أن العملية لا زالت في حاجة للتوسع حتى تشمل كل مناطق وأحياء العاصمة بحيث تكون في كل مقاطعة بل وكل حي إن أمكن فرقة قارة ( brigade ) جيدة التدريب ومجهزة بالوسائل تقوم بعمليات الرش طبقا لبرنامج محدد تلقائي ودقيق. فخلال بداية تدخل ” الحضرية ” وقيامها بعمليات الرش قبل سنتين لاحظنا علامات لغياب التنسيق وضبط العملية، حيث كانت سيارات الرش تجوب الشوارع وقد نفد المبيد من خزانات الرش مثلا، كما لوحظ عدم الأخذ في الاعتبار للأوقات التي ينتشر فيها البعوض في الجو بعد الغروب مباشرة، وبدا أحيانا أن هدف القائمين على عملية الرش من سائقين ومراقبين هو فقط نفاد المبيد والانتهاء من العملية بأقصى سرعة.. وقد أرجعنا ذلك لنقص الخبرة وإكراهات البدايات التي أرجعنا إليها أيضا تركيز عمليات المكافحة على مكافحة البعوض الطائر وإهمال مكافحة اليرقات الموجودة في المستنقعات، ونبهنا لضرورة الاستعانة في هذا المجال بخبرات وتجربة المركز الوطني لمكافحة الجراد، وقم تم التعامل مع هذا المركز وهو ما أعطى للعملية نتائج ملموسة، ذلك أن عملية المكافحة هي عملية متكاملة وإلا فلا تكون مجدية، وفي هذا الإطار يأتي توزيع مبيدات البعوض المنزلية التي تقوم به ” الحضرية ” من حين لآخر وإن كانت هي الأخرى لا زالت جزئية ومتباعدة وغير عامة، فالسرعة التي يتكاثر بها البعوض ودورة حياته القصيرة من البيوض إلى اليرقات إلى الحشرات الطائرة، وتوفر البيئات المشجعة على تكاثره كلها عوامل تتطلب مكافحة محكمة، علمية، متكاملة ومتزامنة.. أي عمليات للرش في الشوارع وعلى الأشجار والمكبات متزامنة مع عمليات معالجة وتطهير للمستنقعات للقضاء على اليرقات، وتوزيع للمبيدات المنزلية وعدم ترك الأمر للأهالي لقلة وعيهم بالموضوع والاهتمام به. ندرك أن العملية معقدة وقد تكون مكلفة، لكن النتائج التي حققتها من خلال تراجع الإصابات بالحميات المنقولة بواسطة البعوض جديرة بأن لا يُدخر أي جهد أو مصاريف في سبيل ديمومتها وتطويرها، فلا شيء ولا عمل يضاهي أهمية صحة المواطنين وراحتهم وادخارهم للتكاليف الموسمية لعلاج هذه الحميات بما فيها الملاريا، وأثر ذلك كله على نشاطهم وقدرتهم على العمل والإنتاج، دون أن ننسى أيضا راحة وصحة الزوار والمقيمين وتغيير السمعة المنطبعة في أذهانهم عن الظروف الصحية في العاصمة. وقد قلت لرئيسة المجموعة الحضرية مرة أنها حتى ولو تخلت عن كل مجالات تدخلها وركزت جهود وموارد مجموعتها للقضاء على البعوض في العاصمة فإنها بذلك ستحقق هدفا عظيما، وسيكون سكان نواكشوط بخلاء إذا لم يقيموا لها نصبا تذكاريا في ساحة مجموعتها كأول رئيس للمجموعة وفر الراحة للمواطنين، عبر القضاء على كابوس ظل يشكل لهم مصدر إزعاج وسبب معاناة وأسقام وعطالة واستنزاف للدخل في العلاجات. ونوصي هنا بأهمية الانطلاق والتركيز في هذه العملية على الجانب العلمي والبحثي، كإنشاء مركز مختص للبحث والإمداد بالخبراء والمكوَنين تكون عملية المكافحة على هدي بحوثهم وخبراتهم، ويكون مشرفا على تقييم وتطوير عمليات المكافحة، وتمتد تدخلاته لمناطق أخرى موبوءة ليعم التخفيف من انتشار الأوبئة المنقولة بواسطة البعوض.
محمدو ولد البخاري عابدين