تظليل الملامح

ينتشر في الحياة العامة في بلادنا استخدام اللثام، بالنظارات السوداء، وبدونها، لإخفاء ملامح الوجه، ويستخدم هذا النوع من التظليل، أكثر من أي تظليل آخر لإخفاء الملامح عند ارتكاب الجرائم، أو الاختفاء عقب ارتكابها، أو عند ممارسة أي مخالف للأخلاق أو القيم..

في السيارات وفِي الشوارع والأسواق والإدارات العامة والبنوك وغيرها من الأماكن نشاهد كثيرا من الأشخاص بملامح مظللة باللثام لا يمكن لأحد التعرف عليهم، وفِي الجرائم التي ترتكب نجد دائما المجرمين كانوا بملامح مظللة، ومن ذلك جرائم ارتكبت ضد بعض البنوك، تمت بسحب مبالغ بشيكات مسروقة وتوقيعات مزورة وقف الفاعلون أمام الشبابيك ملثمين، ولم يلفت ذلك انتباه الموظفين الذين مكنوهم من تلك المبالغ، ولا عناصر الأمن في البنوك، وكانت كامرات المراقبة تعمل وصورت أشخاصا ملثمين لا يمكن التعرف عليهم، لأنهم كانوا بصيغة “بَاهَا بَاهَا مَا مَعْرُوفْ أُجهَّا من أكْفَاهَا”..

تظليل ملامح الوجه بلثام مع نظارات سوداء أو بدونها متاح لكل شخص، ولا يثير في الغالب انتباها أمنيا، ولا استغرابا من طرف العامة، وهو أجدى وأنفع في التخفي، من كل تظليل غيره..

عقب أحداث الخبز سنة 1995 المشهورة، وفِي إطار اعتقالات سياسية واسعة، بحثت أجهزة الأمن عن الشيخ محمد ولد هارون ولد الشيخ سيدي رحمة الله عليه، فاختفى تجنبا للإعتقال، وكان بعد ذلك يقول إن أفضل وسيلة للاختفاء في نواكشوط هي أن تشد لثامكَ، وتضع نظارات سوداء، وتتجنب محل سكَنك المعتاد..

بالنسبة لغير الموريتاني يعتبرُ تظليل الوجه أكبر دليل على الإجرام، شاهدت من ذلك مشاهد، فقد دخلتُ ليلة محلا للحلاقة في تفرغ زينه يملكه رجل مغاربي، وأنا ملثم فصاحت سيدة أجنبية كانت جالسة، وانكبت تولولُ مذعورة على طفل كان على مقعد الحلاق، وبعد الصدمة تبين أنها ذعرت من الشخص الملثم الداخل على المحل وظنته يهم بشر..

بفعل ترددي الدائم على معارض الكتب التي تقيمها دور نشر مصرية في نواكشوط، نشأت بيني معرفة مع بعض القائمين عليها، وحدث أن زرت مرة أحد تلك المعارض باللثام، فتضايق شيخ مصري وقور من المشرفين على المعرض من ذلك، وهو يعرفني جيدا، فتحدث معي في الموضوع، ومما قاله لي إنه يتضايق كثيرا من رؤية الأشخاص الملثمين، ويظل يراقب حركاتهم لتصوره أنهم شَرَّانيون، ولم يقنعه حديثي عن البعد الثقافي والتاريخي في اللثام، لأن تظليل ملامح الوجه في ثقافته قرين الإجرام..

إن ظاهرة منتشرة بمستوى كبير، ولها استخدام سلبي كهذا، وتأثير على الأمن، وعلى تطبيق القانون، جديرة بالمحاربة، وحَرِيَّة بالتضييق والمنع في الأماكن العامة.. 

القاضي أحمد ولد المصطفى 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى