قراءة سريعة في التعديل الوزاري الأخير
الزمان انفو ـ إنه لمن الصعب جدا أن نقدم قراءة ذات قيمة لهذه التعديلات والترقيعات التي تشهدها الحكومة من حين لآخر، وذلك لسبب بسيط جدا وهو أن هذه التعديلات والترقيعات لا تخضع في العادة لأي منطق، وإنما تخضع فقط لتقلبات مزاج الرئيس. تلك هي قناعتي، ولكني وعلى الرغم من ذلك، فإني أرى بأن محاولة تهجي “الرسائل المزاجية” التي حاول الرئيس أن يبرقها من خلال هذا التعديل الأخير، بأن محاولة تهجي تلك الرسائل قد لا يكون بالجهد الضائع، ولا بالأمر العبثي.
ومن قبل البدء في تقديم هذه القراءة السريعة فإنه قد يكون من المهم أن أشير إلى أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز لم يحسم حتى الآن أمره، وبأنه لا يزال مترددا في تحديد مصيره السياسي فيما بعد انتهاء المأمورية الثانية، فهو يعلم بأن البقاء في السلطة من بعد انتهاء المأمورية الثانية يعد أمر مستحيلا، ويعلم أيضا بأن الخروج منها في ذلك الموعد ستكون له مخاطر جمة، ولذلك فهو كلما تقدم بنصف خطوة في اتجاه التمهيد للخروج من السلطة في منتصف العام 2019، عاد بخطوات إلى الوراء ليقول بأنه باق في السلطة إلى ما بعد العام 2019. إن هذا الارتباك الحاصل في تفكير الرئيس قد انعكس سلبا على كل القرارات التي يتخذها، وبما في ذلك قراره اليوم بإجراء تعديل وزاري في أول النهار، وفي شهر رمضان، وقبل ساعة أو أقل من انعقاد جلسة استثنائية لمجلس الوزراء، ومن المعروف بأن التعديلات الوزارية لا تأتي في العادة إلا في المساء، وليس من المعهود أن تكون في شهر رمضان، ولا أن يعقبها بأقل من ساعة انعقاد مجلس للوزراء. إن الرئيس لم يحسم أمره فيما يتعلق بمسألة الخروج من السلطة، ونحن ليس أمامنا إلا أن نقرأ الرسائل والإشارات التي يبعثها من خلال قراراته، وفي هذا المقام فإنه علينا أن نذكر بأن التمهيد للخروج من السلطة في منتصف العام 2019 يتطلب فتح صفحة جديدة مع الأطراف السياسية، صفحة تطبعها المصالحة والتهدئة، وهو ما يتطلب تعزيز مكانة ولد محمد لغظف في هرم النظام. أما البقاء في السلطة فإنه يتطلب فتح صفحة الصدام والمواجهة المفتوحة مع الخصوم السياسيين، الشيء الذي يستوجب الحفاظ على مكانة ولد حدمين في النظام، وتعزيز تلك المكانة. إن تعديل اليوم قد عزز من مكانة ولد حدمين في النظام، وهو ما يعني تعزيز خيار البقاء في السلطة، وتعديل اليوم يشكل امتدادا طبيعيا لكل التعديلات الوزارية التي حدثت في الفترة الأخيرة والتي ظلت تتسم بالإبعاد الممنهج لكل الوزراء المحسوبين على ولد محمد لغظف، إلى أن وصلنا في هذا اليوم إلى تعديل يطيح برأس ولد محمد لغظف. التعديل جاء بعد زيارة قام بها ولد حدمين إلى الولايات الشرقية، ويمكنكم أن تلاحظوا بأن ولد حدمين لم ينظم مهرجانا في عاصمة أي ولاية، وإنما اكتفى بفام لخذيرات من لعصابة، وبالطينطان من الحوض الغربي وبجكني من الحوض الشرقي، ويقال بأن ولد محمد لغظف كان قد اعتذر عن مرافقة ولد حدمين في هذه الزيارة، ويقال أيضا بأنه لم يكن متحمسا لتلك الزيارة، ولما تبشر به من مأموريات. إن الملاحظة الأولى التي يمكن أن نخرج بها من هذا التعديل هي أن ولد حدمين قد وجه الضربة القاضية لخصمه ولد محمد لغظف، مما يعني بأن خيار المأمورية الثالثة قد تعزز، ومما يزيد من رجاحة ذلك الاحتمال هو مصادقة مجلس الوزراء المنعقد اليوم على مشروع مرسوم يستدعي هيئة الناخبين لاستفتاء 15 يوليو. إن كل ذلك يعني بأن النظام قد عقد العزم على المضي قدما في مساره الأحادي وبدون ولد محمد لغظف الذي يُقال بأنه من أقل المتحمسين لذلك المسار. الملاحظة الثانية التي يمكن أن نخرج بها من هذا التعديل الجزئي هو أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز راض عن حكومة ولد حدمين، وبأنه لا يفكر في إجراء أي تعديل وزاري واسع على حكومة ولد حدمين، وهي الحكومة التي تعد من أفشل الحكومات، ومن أكثرها تعرضا للنقد وللانتقاد. لقد فشلت حكومة ولد حدمين فشلا ذريعا، ولقد عبرت أصوات من داخل الموالاة عن استيائها من ذلك الفشل، فلماذا يصر الرئيس ولد عبد العزيز على الاحتفاظ بهذه الحكومة؟ فهل يعود ذلك إلى أن الرئيس لم يشعر إلى حد الآن بمستوى الفشل الذي تتخبط فيه حكومة ولد حدمين؟ إن كان الرئيس لم يستشعر حجم فشل حكومة ولد حدمين فتلك مصيبة، وإن كان قد استشعره، ولكنه يصر على الاحتفاظ بها فتلك مصيبة أكبر. الملاحظة الثالثة عن هذا التعديل الجزئي تتعلق بترقية وزير التجهيز والنقل وتعيينه وزيرا أمينا عاما للرئاسة، وذلك بعد أن فشل في تنظيم حملة تحسيسية ناجحة من قبل البدء في العمل بقانون السير المثير للجدل. يبدو أن وزير التجهيز والنقل قد كوفئ على فشله، وقد تمت ترقيته بسبب ما أظهر من فشل، ولم يكن هو الوزير الوحيد الذي كوفئ على فشله، فأغلب الوزراء الذين تتم ترقيتهم في هذا العهد أو يتم الاحتفاظ بهم لفترة أطول هم الوزراء الأكثر فشلا. أختم هذه الملاحظة المتعلقة بترقية وزير التجهيز والنقل، والذي يعتبر عسكريا سابقا إلى حد ما بأن الرئاسة لن تكون أبوابها مفتوحة في الفترة القادمة، وذلك بعد تعيين ولد محمد خونا وزيرا أمينا عاما لها. الملاحظة الرابعة تتعلق بفرضية تحدث عنها البعض وتقول بأن إقالة الوزير الأمين العام للرئاسة هي من أجل تهيئته لاستخلاف الرئيس الحالي في العام 2019. لا أعتقد بصحة هذه الفرضية خاصة وأن أركان النظام الحالي ليست راضية عن ولد محمد لغظف، ويتعلق الأمر تحديدا بقائد الجيوش والوزير الأول ورئيس الحزب الحاكم. لا أحد يستطيع أن يتوقع الخطوة القادمة التي سيقوم بها الرئيس محمد ولد عبد العزيز، فقرارات الرجل لا يحكمها أي ناظم ولا أي ضابط ولذلك فربما يعاد الاعتبار إلى ولد محمد لغظف فيتم تيعينه رئيسا للحزب الحاكم أو يعاد تعيينه وزيرا أول، لا شيء من ذلك يمكن إبعاده بشكل نهائي، ولكن، وعلى الرغم من ذلك فإن كل الإشارات القادمة من هذا التعديل ومما سبقه من تعديلات تقول بأن شمس ولد محمد لغظف قد بدأت في الأفول، على الأقل في سماء الموالاة. بعد أقل من ساعة من إقالة ولد محمد لغظف تم الإعلان عن إقالة أمربيه مدير وكالة سجل الوثائق المؤمنة، وهو ما يعني بأن يوم الاثنين الموافق 29 مايو كان يوما استثنائيا بعد أن شهد إقالة اثنين من أركان النظام القائم وفي وقت متزامن. أختم بالقول بأن هناك شيئا ما يحدث، فما قبل يوم الاثنين الذي شهد إقالة اثنين من أركان النظام لن يكون مثل ما بعده. حفظ الله موريتانيا.. محمد الأمين ولد الفاضل