رمضان سُلم السُمو
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر غُفر له ما تقدم من ذنبه”.
وقال صلى الله عليه وسلم: “إذا جاء رمضان فُتحت أبواب الجنة وغُلقت أبواب النار وصُفدت الشياطين”، ورُوي عنه صلى الله عليه وسلم: “ونادى مناد من قِبل السماء يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر”.
وقال صلى الله عليه وسلم: “ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك”.
وللصائمين باب خاص يدخلون منه، سُميَّ “الريَّان”، لا يدخل منه إلا الصائمون.
وفي هذا الشهر أُنزل القرآن: ” شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ “.
وفيه ليلة عظيمة الأجر والمكانة والمنزلة عند الله تعالى، هي ليلة القدر، أنزل فيها القرآن جملة غير مُفصل، من السماء السابعة إلى السماء الدنيا، عبادة الله فيها وحدها، خير من ألف شهر، أي أكثر من ثمانين سنة.
ففي ليلة واحدة، نورانية مباركة، يحصل كل هذا الأجر والفيض الرباني الجزيل.
وقد شبَّه أحدهم الشهور الإثنى عشر، بأبناء يعقوب عليهم السلام الإثنى عشر، وشبَّه يوسف عليهم السلام من بين الأبناء برمضان من بين الشهور.
إنه شهرٌ عظيمٌ فعلاً ومدرسةٌ قصيرة الوقت، لكنها عظيمة النتيجة والأثر، أجرًا وثوابًا وتزكية وصحةً، لمن أحسن استغلالها.
إنه سُلَّمٌ موصِلٌ للسُموِّ والاستقامة والأخلاق الفاضلة في وقت وجيز بإذن الله، فهل نجتهد حتى لا تفوتَنا هذه الفرصة العظيمة.
كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلَّمَ كان جوادًا كريمًا، وهو في رمضان لأجودُ من الريح المُرسَلة.
مما يؤكد ضرورة الحرص على الإنفاق والمودة والمساواة في رمضان، فأعمال الخير مضاعَفَة في هذا الشهر العظيم المبارك.
والكثير من الناس يبحثُ عن الصحة بشتى الطرق والوسائل المُضنية أحيانًا، لكن بصوم شهرٍ واحدٍ، بشَّرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصحة، “صوموا تصِحُّوا”.
حتى التوازن النفسي ومكافحة الاكتئاب، يُعتَبر رمضان فرصةً له، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “للصائم فرحتان فرحة عند فِطره وفرحةٌ عند لقاء ربه”.
إنه شهر الصبر والنصر والقرآن والصحة والفرح والسكينة النفسية العارمة، التي تسمو بصاحبها إلى آفاقٍ رحبة متنوِّعة، وقد وقعت غزوة بدر في يوم السابع عشر من رمضان، يوم الفُرقان، كما سُجِّلت انتصارات إسلامية تاريخية في هذا الشهر الكريم الميمون.
وإنه من وجهٍ آخر موسمٌ حسَّاس يستحق الحذر المُضاعَف من أعراض الناس واللغو ومحارم اللسان وغيرها من الذنوب، فكما أنَّ أعمال البر مضاعَفَةٌ في هذا الشهر فكذلك الأعمال الفاسدة شديدة الحُرمة والزجر، لأنه جديرٌ فحسب بكل ما هو طيبٌ موافِقٌ لشرع الله والوقوف عند حُرُماته.
إن الجو الرمضاني، يُكرِّسُ الصيام والقيَّام والإنفاق وأعمال البر سائرها ويُحارِبُ الغيبة واللغو والخُصومة وأعمال الشر جميعها، فلنحرص على إعمار هذا الشهر بما يُناسِبه ويُلائمُه، بإذن الله وتوفيقه.
الصيام والذِكر والإنفاق والجلساتُ الطويلة الخاشعة مع كتاب الله، طيلة هذا الشهر الكريم، كفيلة بإذن الله بمُداواة الكثير من الأدواء النفسية وحتى البدنية، فهل نُفوِّتُ هذه الفُرَص الثمينة أم نحرِصُ على اقتناصِها بإذن الله.
إنَّ من الصائمين من لا يَحصُلُ له إلاَّ الجوع والعطش، فلنتجنب الأعراض وهدر الأوقات الرمضانية الثمينة في غير ما يُلائمُها من بِرٍ وخير، لنظفر بإذن الله برمضان يُغيِّرُ ما بنا من تقصير ويرفَعُ الهِمَّة ويُشفي الأسقام.
تكثُرُ الأعذارُ الواقعية والمُفبركة في هذا الشهر، ولكن الأوْلى الصومُ للقادرِ، دون تَكَلُّفٍ أو تَخَلٍ عن الواجب رغم القُدرة.
فظهور الأعذار الزائفة، بمُجَرَّدِ اقتراب هذا الشهر الكريم، دليل تَهرُّبٍ وتَهاوُنٍ وتلاعُبٍ.
مدرسة عظيمة لا يتجاوزُ عدد أيامِها ثلاثين يومًا، فيها يُغفَرُ ما تَقدَّمَ من الذنب، وتعدِلُ طاعة ليلة واحدة منها، ليلة القدر تحديدًا، عِبادَةُ واجتهاد أكثر من ثمانين سنة “خيرٌ من ألف شهر”، حيثُ تتنزَّلُ الملائكة في هذه الليلة العظيمة، ويتخَرَّجُ الصائمُ القائمُ من مدرسة رمضان، وقد غيَّرَ حياتَه في وقتٍ وجيزٍ فعلاً.
سُلَّمُ صُعودٍ وسُموقٍ وسُمُوٍ نحو الفضيلة المتكاملة، لا أرى مُؤمنًا عاقلاً فطِنًا يُضيِّعُ فُرصتَه البتة.
فلنحرصُ على تَحَيُّنِ أعمال الخير كُلِّها في هذا الموسم الثرِّ المِدرار.
ولعل اعتزال المجالس لمن أدمن على الغيبة والتزام مجالِسِ البِرِّ وحدَها أحرى للابتعاد من كل ما قد يُحبِطُ هذا الصيَّام الثمين والقيَّام الصعب، عسى أن لا نُجهِضَ جُهدَ الخير والاجتهاد، تَقبَّلَ الله منَّا ومن الجميع.
رضيتُ بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلَّم نبيًا ورسولا. بقلم عبد الفتاح ولد اعبيدن ـ