عندما لا يحسن الإعلام تقدير المواقف
“أفضل أن أكون بلا دولة على أن أظل بلا صوت” إدوارد سنودن
مع ثورة الاتصالات واتساع وسائل التواصل الاجتماعي وتمددها في المجتمع، يزداد التداخل الشديد و التفاعل الكثيف بين الإعلام والسياسة يوما بعد يوم. و إذ الأمر بهذا الحجم من التداخل، فإن تحديد المواقف الإعلامية المتوازنة لم يعد بالممارسة السهلة إطلاقا، ذلك بأن الإعلام هو الصوت الذي يحتاج إلى الصدق مع الذات و التجرد
أمام الأحداث و الحياد في تناول المعطيات و استقبال تدفق المعلومات و متابعة انتشار البيانات و تجلي الحقائق؛ تجرد لا بد أن يَنبني على خلفية ثقافة محققة ترتكز على الرؤية الثاقبة بعمق ثلاثية التاريخ والحاضر والمستقبل. و معلوم أن الكيان الموريتاني لفظا و واقعا قد تأسس على خلفية جهل ساكنته مفهوم الدولة الثابت في شمولية أوجهه، و في غياب نضج الحكامة المؤهلة حتى ظلت دُولة بين الذين ما فتئت مصفاة “السياسوية” تفرزهم و يشيد بهم إعلام قُدَّ على المقاس منذ بدأت الصحف الورقية الصفراء تنتشر و من بعدها في يوم الناس هذا أغلبية المواقع الالكترونية و الصحف الرمادية و المحطات لإذاعية الخرساء و التلفزيونية الموريتانية المتعثرة في استمرار تكريسها، جميعها بالحرف و الصوت و الصورة، لانقسامات الرأي، و ضبابية التصور، و محبط و ضعيف الخطاب، و مائع التوجهات السياسية التي لم تنضج يوما من حيث تَعلم أو لا تَدري، تَتعمد أو لا تَفعل، إنما تَبث سُموم الانقسام السياسي حتى ظل محبِطا و مصدرا خطيرا للخذلان و إجهاض عملية دفع البلد الذي صنعه الاستعمار بصعوبة بالغة من شتات فوضى “السيبة” و رحِم التناقضات الكبرى التي نحتتها و أوجدتها في تضاريس الأرض الوعرة شخصيةٌ فريدة بتركيبتها النفسية التعاملية و في جَمع استثنائي بين: – المعرفة الدينية، من إرث المرابطين، أبت مع ذلك معطياتُ هذه السيبة إلا أن تُسخّرها بجسارة وعناد في عديد الأوجه لِغيرِ الاسْتقامة و لتعمدِ استمرارية تجاهل نواميس الحياة البديعة التي وضعها الله الخالق المبدع و أحاط بها علما لفائدة الأعمار، – النزوع إلى البقاء بالدهاء و المراوغة و المكر و النفاق في حالات الضعف و الانكسار، أو الغطرسة و الظلم و الاستكبار في حالات الرخاء و التمكن بالقوة العمياء، – القدرة على التدمير الهائل بمعاول الطمع و الانفرادية، و العجز الكبير ـ في المقابل ـ عن البناء بنبذ جهد التشييد و مقت اكتساب المهارة، و البعد عن مدارك الابتكار بالعزوف المرضي عن سد حاجات البقاء الكريم بالخلق و الإبداع و عرق الجبين، و إنها المواقع الالكترونية بالعشرات و الصحف و التلفزيونات التي تشكل فسيفساء متداخلة الألوان الباهتة تَغلب عليها الصفرة، متعارضة النوايا، متناقضة التوجهات، تحمل جميعها مواصفات القبلية السلبية السيئة، و الأيديولوجيات المتجاوزة، و طابع الطمعية الفاحشة بكل علامات التدهور الخلقي و الجرأة البالغة على اقتحام الممنوعات و إتيان أشد المبقيات، لا تترك للقرارات الواعية الصائبة و السياسات الناضجة البناءة حيزا للتثمين و الدعم و الدفع إلى الإنجاز، و لا تشكل منبرا للفكر النير و التوجيه الواعي، و إنما مسرحا للشحناء و البغضاء و أمراض القلوب و التدافع إلى تزكية الفساد و سوء التسيير و نهش الأعراض. و بهذا فإن التصنيف لا يخطئ جُلها و المزاجية لا تغادر ثناياها المليئة بحضور تَعَمّد الشروخ العميقة و غياب الوطن… ولرأي جريئ صواب خير من دولة ظلم و مقت و خراب. الولي سيدي هيبه