في مقابلة مثيرة.. دداهي ولد عبد الله يبرر تسليمه ولد صلاحي للامريكيين
“انتظار العذاب أشد من وقوعه”.. مثل عربي قديم، استشهد به محمدو ولد صلاحي في مذكراته “يوميات اغوانتانامو”، التي تحكي قصة 15 سنة من الاعتقال والتحقيق..
يمكنني فقط أن أؤكد هذا المثل الذي كتبه ولد صلاحي، حيث انتظر العذاب وجرّبه..
المثل استشهد به في مقطع من كتابه، شرح فيه ما حصل عقب تسليم موريتانيا ـ بلده الأمـ إياه..
وُلِدَ محمدو ولد صلاحي في موريتانيا، وأقام فترة في كندا، وتم توقيفه بداكار (السنغال) في يناير 2000، بطلب من المخابرات الأميركية عندما كان عائدا إلى بلاده..
المخابرات السنغالية رحلته إلى موريتانيا، حيث بقي إلى نوفمبر 2001، ومن ثَمَّ رحلته “سي آي إيه” إلى الأردن، التي قضى فيها 8 أشهر من أسوأ أيام رحلته حول العالم، والتي انتهت به في اغوانتانامو..
أين أنت؟.. سأل دداهي محمدو ولد صلاحي عبر الهاتف، بعيد إقامة جبرية في بيته عقب التحقيق الأولي.. أريد أن أراك..
فزعا قاد محمدو سيارته بنفسه، وتوجه إلى السجن السري والمعروف جيدا بدوره في زمن التحقيقات..
أخيرا دداهي لم يعذب محمدو أبدا.. الأميركيون هم من فعل ذلك عندما اقتادوه إلى اغوانتانامو..
لحظات قبل تسليم محمدو إلى ضباط الاستخبارات الأردنية في المطار.. دداهي جثا على ركبتيه ليطلب الصفح من محمدو، ويقول له: متى ستعود؟!
مايكل برونز : في العام 2000 كنت مدير أمن الدولة، واعتقلت محمدو ولد صلاحي، حينما وصل إلى نواكشوط عائدا إلى بلاده من كندا.. من أمرك بذلك؟
دداهي : كنا نقوم بحملة ضد القاعدة. وأجرينا بحثا معمقا حول الحركة الإسلامية في البلد..حددنا عناوين وأعضاء.. وحققنا مع كل الذين لهم صلات بتلك الحركة وقدمناهم إلى العدالة.. وقد أطلقنا كل الذين هم أبرياء.. وكان محمدو أحدهم.. وحينما عاد من كندا “استقبلناه”.. قمنا بتحقيقاتنا الواسعة الخاصة.. وهذه التحقيقات تقود أحيانا إلى لا شيء، وأحيانا أخرى إلى الذين لهم صلات بالجماعات الارهابية.. وكان محمدو تحت المتابعة من مصالح الاستخبارات الألمانية والكندية والسنغالية والأميركية.. ويعرف الكل أنه بعد أحداث 11 سبتمر تغيرت علاقات التعاون الدولي في مجال حركة الأشخاص حيث أصبح من السهل تسليم أي مشتبه به إلى بلد آخر… اكتشفنا في العام 1994 وجود شبكة إرهابية هنا ومن أعضائها كان هناك ليبيون ومغاربة وتونسيون بعضهم عائد من الجهاد ضد السوفييت في أفغانستان.
سؤال : هل تعتقد أن محمدو كان إرهابيا حينما اعتقلته للمرة الأولى؟
جواب: كانت لدينا معلومات تقول إنه على صلة بالقاعدة، ومن شأن مثل هذه المعلومات أن يجعلنا نشك في أنه من الجهاديين أو المتطرفين، وهذا ما اعتقدناه..و بعد تحقيق مطول أخلينا سبيله.. لقد تمت تبرئته واشتغل مع شركات تكنولوجية مختلفة.. وكانت الرئاسة تنوي اكتتابه خبير كومبيوتر. بل إنه اشتغل للرئاسة في بعض المناسبات.
سؤال : كما قلتم عرفتم محمدو من خلال عدد من النقاشات.. هل تغير انطباعكم عنه؟
جواب : شخصيا لم أجد أي شيء ملموس ضده
سؤال : لا أدلة جرمية؟
جواب : بصراحة لم أجد أي شيء في ذلك المنحى.. لا جرائم إرهابية، ولا أي نوع آخر من الجرائم… لقد التقيت به عددا كبيرا من المرات ولم أجد شيئا.. كان له أصدقاء من القاعدة خلال وجوده في ألمانيا، وكان له أقارب أعضاء في هذه الجماعة.. وما اعتقد الأميركيون كان قصة أخرى.. والآن بعد أن أفرجوا عنه اتضح أنه برئ.
سؤال : يبدو إرسال محمدو إذن إلى الأردن غريبا.. كيف قررتم إرساله؟
جواب : لا شيء أقوله حول ذلك، ولاعلاقة لي به.. فأنا لست من قرر وخطط لذلك.. لقد أبلغت أنه ينبغي أن ينقل محمدو إلى الخارج، وأن طائرة ستقله.. لقد ظلت الأمور تسير بشكل جعلني لا أعرف في أي وقت وإلى أين يذهب حتى اللحظة الأخيرة.. وبعد أن أُركب محمدو تلك الطائرة انقطعت كل صلة لي به.. ولا أستطيع أن أقول كلمة عنه منذ ذلك الوقت.. أعتقد أنه كان هناك تنسيق بين كل فروع الاستخبارات في العالم في حربها ضد الإرهاب.. كان للأميركيين علاقاتهم مع الأردنيين ودول أخرى.. ولم يبد لي الأمر غريبا
سؤال : لكنك في ذلك الوقت كنت أحد أقوى رجال البلد.. وقد أقررت أن محمدو كان بريئا.. وأصر الأميركيون على أن تعتقلوه.. ما هو شعورك إزاء ذلك؟ –
جواب : انظر.. أن يكون الشخص متورطا في نشاط، وأن يكون مشتبها به أمران مختلفان.. حينما يرتكب المرء جريمة تكون هناك دلائل وهذا أمر واضح.. الاشتباه قد يكون خاطئا، لكن على الأمن أن يتثبت من ذلك.. حينما نتأكد من وجود جرم نعاقب. وحينما يكون العكس نفرج عن المشتبه به
سؤال : قال محمدو في كتابه إنه حينما أبلغته أن الـ “ف بي آي” ستستجوبه أثناء توقيفه في موريتانيا واجهك بالسؤال: كيف وأنت مدير الامن تقبل أن يستجوبني الأجانب؟
جواب : لا أتذكر أنه قال لي ذلك.. لقد طلب مني ألا أسلمه للأميركيين، وطلب بدلا من ذلك أن آتي به إلى الرئيس… لم أقم بذلك.. كنت فقط أنفذ الأوامر.. والقرار اتخذ بتسليمه للأميركيين… وفي ذلك الوقت أي أحد على صلة بأحداث 11 سبتمبر كان من الصعب بل من المستحيل عدم تسليمه للأميركيين مع المعاهدة المبرمة بين بلدينا في الاعتبار.. لقد تحول الإرهاب إلى تحد دولي، كان علينا أن نحاربه، وأن نتعاون على المستوى الدولي..
سؤال : هل قرأت كتاب محمدو؟
جواب : – نعم
سؤال . – كيف كان انطباعك؟ –
جواب : لم يكن مفاجئا لي.. كان يعكس محمدو الذي عرفت.. أعتقد أنه كتاب ألفه رجل نزيه تحدث فيه عن حياته والمشاكل التي تعرض لها في شكل نزيه…كان دقيقا في ما كتب خاصة في ما يتعلق بالفترة التي اشتركناها أستطيع أن أشهد بذلك.. ربما يكون نسي بعض التفاصيل أو ضاعت من ذاكرته.. لكن محمدو الذي عرفت كان شابا ذكيا.. شخصيا لم أكن أصدق الشبهة التي أحاطت به… أعتقد أنه موسوعة في الفقه، وفي الثقافة الاسلامية.. كانت له صلة بالحركة الاسلامية لكنني كنت أعتبر أنها صلة علم ولم تكن نشاطا خطرا.. –
سؤال : ماذا اعتقدت حينما علمت أن محمدو في غوانتانامو؟.
جواب: لقد اعتقدت أنهم وجدوا شيئا ضد محمدو، شيئا لم أكن على علم به… والآن وبعد أن أفرجوا عنه تأكد أنه لم تكن له صلات بالهجمات الارهابية.
سؤال : من بين مهام عملي بصفتي صحفيا أن أراقب كيف تستخدم بلادي قوتها في العالم.. وبصفتك مدير أمن موريتانيا السابق هل حدث سوء تصرف في هذا الجانب؟
جواب : أعتقد أن الإرهاب لعنة.. وأنه لا يوجد بلد لا يسعى إلى حماية مواطنيه وضمان أمنهم.. الولايات المتحدة مثل أي بلد آخر كانت تعمل على حماية نفسها.. لا يمكننا أن نكون ضد سياستها الأمنية.. دول كثيرة انهارت بسبب الإرهاب.. أنظر إلى ليبيا والعراق وسوريا…
سؤال : هل تعتقد أنه وقع خطأ؟
جواب: لا أعتقد أنه وقعت أخطاء… مادام التعاون بين الدول ضد الإرهاب والتهديدات الأمنية ضروريا، فإن موريتانيا مثل غيرها من الدول عليها أن تتبادل المعلومات وتتخذ الاجراءات اللازمة… لن يتغير أي شيء… إن الخطأ الأكبر الذي يمكن أن يقوم به بلد في هذه الظروف هو رفض التعاون مع دولة أخرى، ورفض طلب من شأنه أن يساعد في الحصول على معلومة تساهم في حمايتها.. إن واجبنا أن نتعاون.. هذا ما أعتقد…
سؤال : أمامك هذا الرجل الذي أقررت أنه كان بريئا.. إنه يعود بعد 15 سنة ذاق خلالها العذاب على الدوام.. أنت ما زلت أيضا تؤمن ببراءته… ألا يعتبر هذا خطأ؟
جواب : أولا هذه مسؤولية الطرف الذي كان وراء اعتبار محمدو متورطا.. ثانيا أولئك الذين أطالوا أمره ولم يغلقوا ملفه بعد أن أدركوا براءته واحتفظوا به في السجن 15 عاما من دون تهم… هؤلاء هم المسؤولون عن معاناة محمدو… كان عليهم تركه يذهب منذ زمن بعيد حينما لم يجدوا شيئا…
سؤال : هل تحدث الأمور نفسها الآن أم أن الوضع تغير..؟ –
جواب: أعرف شيئا واحدا هو أن الحرب على الإرهاب ستستمر مادام الإرهاب ينمو، والتعاون ضروري في هذا المجال.. وما دام التعاون ضروريا فإن هذا يمكن أن يحدث، وهو أمر عادي..
سؤال : لكن هذا النظام لم يكن جيدا
جواب : لم تكن هذه هي المرة الاولى.. قضى كثيرون سنوات عديدة في السجن وبدا في الأخير أنهم كانوا أبرياء.. لم يحدث هذا لمحمدو وحده.. وربما لأن حالة محمدو تتعلق بالإرهاب يتحدث الناس عنها..
سؤال :هل أغلق ملف محمدو نهائيا .؟..إن براءته واضحة..
جواب : لم يستطيعوا إثبات أي شيء ضده.. وبخصوص معاناته له الحق في متابعة كل الذين يعتقد أنهم مسؤولون عن ما حل به.. الأمر يعود إليه.. لقد سمعت فيي بياناته للجمهور أنه يسامح كل الذين كانوا وراء محنته.. لا أعرف شخصا كان ينوي الاضرار به في أي وجه.. لقد كان محمدو في الوضعية نفسها مع موريتانيين آخرين.. البعض كان في غوانتانامو، البعض مات في أفغانستان.. لدي جار كان المستشار الروحي لأسامة بن لادن.. كثيرون من هؤلاء انتهوا في السجن.. برئ البعض… إنها الحياة…
مقابلة أجراها مايكل برونر
ترجمة: (مراسلون + مورينيوز)
يمكن قراءتها بالإنجليزية من الأصل هنا