سيدي الرئيس .. وطننا ” أمانة ” في جيبك ..!!
كل شيء تغير في هذا العالم يا فخامة الرئيس، المثل، والقيم، والخرائط، والمصالح ، والمطامح، كل شيء تقريبا تغير يا صاحب الفخامة، إما فجأة ،وإما تدريجيا ،المهم أ ن كل شيء ـ باستثناءات قليلة ـ لم يعد يحافظ لا على شكله، ولا على مضمونه.
سيدي الرئيس، كان بودي لو قلت لكم “وطننا أمانة في عنقك” أو “بلدنا في عهدتك” لكن فكرت انه لم تعد لهذه العبارات أية قيمة، “الوطن” ،”الأمانة” ، ” العنق”، لا معنى ولا مبنى، فأعناق الناس أصبحت تضيق ذرعا بالأمانة، وأوطانهم أصبحت تضيق بهم بما رحبت لذلك فضلت عبارة “وطننا “أمانة” في جيبك” أظنها عبارة صادقة وذات مغزى ومعنى، فجيبك هو أغلى مكان لديك، فقد رايتك ـ سيدي ـ في زيارات تفقدية لبعض “ورشات” العمل، و”البلد كله ورشة” كما يقول المذيعون في الإعلام الرسمي، ويدك داخل جيبك، ولا أظنك أخرجتها “بيضاء” أو “سوداء” منه طيلة تلك الزيارات التي أعادتها التلفزة الخاصة بكم عشر مرات، زيادة على إعادتها لمسلسل الرجل الذى تعتقد جازمة أنه “جدكم” الخليفة العادل “عمر ابن عبد العزيز” إن من المتغيرات سيدي أن الأشياء الجميلة لم تعد تجد لها متسعا في القلب، لذلك تخلد في الجيب فقط، المال، والحب، والرئاسة، والطموح، والسيادة، والمهابة ، ومفاتيح “خزائن الأرض” . سيدي جيبك هو أفضل مكان ينام فيه وطننا ك”قطة نزار قباني” والتي لم تعد بعد رحيله تلبى إذا دعاها الحنين، لأنها ببساطة لا تحن لأي شيء، فالحنين رحل مثل السعادة والحب، والشهامة والكبرياء، ونو ارس البحر، وأسراب السنونو. كم حلمت بان اكو ن فى جيبك مع “وطني” لألثم حديده وسمكه، وتربته وذهبه، ونفطه وغازه، وسمعته ومهابته، ولحمته وبقاءه، فكل تلك الأشياء تنام في جيبك، ولا أظن يدك المشدودة إليه، إلا تربت بلطف على رؤوس كل تلك الأشياء التي وسعها “الجيب” المولوي على ضيقه ظاهريا. سيدي احلم بان ترفع يدك عن جيبك لأدخل، لأرى وطنا مقتطعا، و لأرى طموحا ممزقا ، ووجه بلادي في مرآة مكسرة. أتسمح لى سيادة الرئيس بالدخول في جيبك، ولولدقيقة واحدة، أنا نحيف و”رشيق” ، يمكنني الدخول حتى دون أن تشعر يدك بحركتي داخل “وطني” جيبكم السامي. ولن يضيق عنى أبدا، وقد اتسع لأراضى المطار القديم، ومساحات من منطقة نواذيبو الحرة ،ونصف الملعب الاولمبي، ونصف مدرسة الشرطة، وأراض شاسعة بعضها “صكوكي”، وبعضها “صحراوي”. هو أيضا يا سيدي اتسع لعشرات الصفقات، والأموال والصناديق، وفيه “هيئة الرحمة” بأموالها الضاربة، وأموال البنات والبنين الطائلة، وقصور وإقطاعيات السيدة الأولى في نواكشوط، ودبي، ومراكش، وباريس، ونواذيبو، ودكار. وفيه “حفارتكم” الموقرة قدس الله سرها. سيدي لقد جمعت وطننا كله في جيبك “حرصا” عليه، ولن تدافع عن أي شيء خارجه، فليس في القلب ما يستحق أن تدافع عنه ،ولا على أرضنا هذه ـ باستثناء ما في “الجيب”ـ ما يستحق أن تطلق دفاعا عنه ولو رصاصة ماء واحدة . سيدي جيبك صار وطننا المتنقل، به مدارسنا ،وشوارعنا، وساحاتنا، وصفقاتنا ، وصناديقنا ،وماضينا، وحاضرنا، ومستقبلنا، هو جيبك ووطننا. وأنا وإن لم أكن من الأغلبية ـ لسوء حظي ـ فإنني أعتبرك رجلا حكيما، وصاحب حزم دونه حزم “عر”، فالحكومة لم تضعها في جيبك، مع وطننا، فلو فعلت ذلك لأخرجت لك “الوطن” الذي في “الجيب” من “فتحات طوارئ” لا تخطر لك على بال، فسادا ونهبا، وموهبة في التلصص. حكيم أيضا لأنك اختصرت الوطن في الأشياء التي يتسع لها جيبك فقط، وفصلت بينه مع المواطنين، الذين تركتهم ل”جيوب” الفقر يسومهم انقطاع الماء والكهرباء، وغياب الأمن، وغياب الدولة، والجوع والفقر والتهميش، سوء العذاب، وكل “الرغيف” الذي يحلمون به هو في “جيبك” الموقر، الذي تحميه بيدك، حتى لا يتسرب منه حتى “الفتات”. سيدي الرئيس، أنا أعرف أنك تاجر موهوب، تشترى المدارس والساحات، والعلاقات الدبلوماسية، والصفقات، ولأنني أحبك ـ باعتبارك رئيسا يفكر في مأمورية ثالثة ويفكر في تطليس سبورة تاريخ موريتاني جميل بأكمله ـ فإنني أقترح عليك تنظيم رحلات للمواطنين من وإلى جيبك العامر، مقابل رسوم بسيطة: 200 أوقية مثلا للجنين، و300 أوقية للرضيع، و500 أوقية للبالغ، و1000 أوقية عن أرباب وربات الأسر. ستكون جولات سياحية ممتعة، يهربون فيها من شقاء الظلام والعطش، إلى الجيب الوطن والوطن الجيب إلى جيب بديع جمع فيه الوطن بكل ما يعنيه من محسوسات. طبعا لن يتاح للمواطنين استنشاق نسيم طيب عليل منعش في جيب ضيق حرج متحرك، ولكنهم يقينا سيشعرون بالسعادة عندما يجدون أنفسهم وجها لوجه مع ثروات طالما تساءلوا عن مصيرها، ومع وطن لفظهم ظاهر أرضه، وضاق بهم باطنها ،فهذه أراضيهم ،وهنا مدارسهم، وتلك تمويلاتهم، وهناك سيادة بلدهم، ومهابته، وهنالك منحهم وهباتهم، وقروضهم. وهذه ربى الذهب، ومجارى النفط، ومسارب الغاز، ومسابك الحديد، ومصاهر النحاس، ومصائد السمك، و مظان الكلإ والمرعى، ومساقط المطر، وهذا “الخبز” الذي يذكرونه ولايرونه. ما أجمل أن تلثم وطنك في جيب رئيسك، إنها لحظة سعادة لا تقدر بثمن، ولو قدرت به لوضعت في الجيب مع وطن بأكمله. نحن يا سيدي وطن في جيب رجل. حلم ضاق به حذاء رجل. طموح انهارت ملامحه في دماغ رجل. سيدي “وطننا أمانة في جيبك”، لكنها أمانة لك، أمنتها بنفسك، لنفسك، ومن نفسك، عليك، وعلى جيبك، وعلى وطننا، وعلينا السلام. من صفحةالكاتب حبيب الله ولد أحمد