أول إفطار في تاريخ البيت الأبيض
دعا الرئيس الأميركي آنذاك توماس جيفرسون، في بداية ديسمبر/كانون الأول مجموعةً من السياسيين للعشاء في البيت الأبيض.
وقد كان من عادة جيفرسون أن يتم تنظيم عشاء العمل بشكلٍ عام على الساعة الثالثة ونصف بعد الظهر، لكن العشاء الذي كان مرتقباً في التاسع من ديسمبر/كانون الأول عام 1805 كان مختلفاً.
في الواقع وكما جاء في نص الدعوة فإن “العشاء سيتم تقديمه مع غروب الشمس” وهو الأمر الذي كان نادر الحدوث.
لماذا غيَّر توماس جيفرسون عاداته؟
يرجع السبب إلى حضور مبعوث تونسي خاص إلى الولايات المتحدة، سيدي سليمان مليملي، الذي وصل للولايات المتحدة قبل العشاء بأسبوع، في خضم الصراع الذي كان بين الولايات المتحدة و”الساحل البربري” الذي يمثل اليوم المغرب العربي.
في الواقع كان سيدي سليمان مليملي صائماً خلال شهر رمضان، واحتراماً له أخّر توماس جيفرسون العشاء لغاية غروب الشمس، أي موعد أذان المغرب.
وأصبح قرار توماس جيفرسون هذا عادةً توارثتها الولايات المتحدة، وهو بالنسبة لبعض المؤرخين أول إفطار في تاريخ البيت الأبيض.
ويرى البعض الآخر قرار تنظيم إفطار في البيت الأبيض (كما تجري العادة منذ 20 عاماً) بمثابة تقدير للحرية الدينية.
هل كان جيفرسون على علم بصيام مليملي؟
بحسب مذكرات جون كوينسي آدمز، سادس رئيس للولايات المتحدة، والذي كان مدعوّاً ذاك اليوم: “تناولت العشاء عند الرئيس، رفقة السفير التونسي ومستشاريه”.
وأشار إلى أنه “كان في نص الدعوة، العشاء يجب أن يقدم تحديداً مع غروب الشمس؛ إننا وسط رمضان، الذي يصوم خلاله الأتراك عندما تكون الشمس فوق الأفق”.
لم يصل المدعوون إلا بعد غروب الشمس بنصف ساعة، واقترحوا مباشرةً بعد تحية الرئيس والحضور، الانسحاب للتدخين”.
فقد أثار مليملي اهتمام جون كوينسي آدمز، الذي أشار في مذكراته إلى الفرق بينه وبين من معه، فقد كان لديه لحية وتفوح منه رائحة التبغ الوردية، في حين لم يكن لمستشاريه سوى شارب.
ويقول آدمز: “كان كلامه لبقاً، لكننا لم نستطع التحدث معه سوى عن طريق مترجم”.
ماذا كان يفعل سيدي مليملي في الولايات المتحدة؟
أرسل المبعوث الخاص لحمودة باشا -باي تونس- سيدي سليمان مليملي من أجل حل الأزمة بين تونس والولايات المتحدة بعد أن استولت على سفن تونسية حاولت اختراق الحصار الذي فرضته الولايات المتحدة على ليبيا.
بعد تهديد الولايات المتحدة بالحرب، قام حمودة باشا ببعث سيدي سليمان مليملي من أجل مناقشة استرجاع السفن.
وتكفلت الولايات المتحدة بتكاليف استقبال مليملي ومساعديه الـ11، وأقاموا في واشنطن، واعتقد جيفرسون أن بيع الهدايا التي أرسلها الباي ستكفي بتغطية التكاليف كافة.
وعُرف مليملي بلقب “أسد الموسم”، في بعض اللقاءات الاجتماعية بواشنطن.
كان مليملي شخصية غير عادية ومزاجية، وكان مفاجئاً من الحرية الاجتماعية التي تتمتع بها المرأة في الولايات المتحدة، لكن كان أيضاً مبهوراً بالقبائل الأميركية التي كانت تعيش هناك.
وسأل في أحد الأيام بعض الهنود عن نبيهم: هل هو محمد، أو موسى، أو عيسى؟ وعندما أجابه الهنود بأنه ليس لهم نبي، وأنهم يؤمنون فقط بـ”الروح العظيمة”، دعاهم بـ”الزنادقة الخسيسين” .
انتهت رحلة مليملي بواشنطن في مايو/أيار 1806. وتقول “الرسالة الودية بشكلٍ غريب” والتي أرسلها الباي إلى جيفرسون، إن تونس تجد أن تقرير مليملي ايجابي.
المصدر : هافينغتون بوست