ترصد المخاطر وتلمس المخارج / عبد الفتاح ولد اعبيدن
محاولة التوقع في المجالات التي تهم كل واحد شأن الحذر والحزم، والمهتمون بهذا الباب في الدول المتخلفة قلة، وشائبتهم الانحياز وعدم الجرأة على وضع النقاط على الحروف، لأن ذلك في حساباتهم أقل ما يعني تضييع المصلحة الضيقة، وعلى حساب المصلحة العامة يتجنب الاستشراف المتوازن الجريئ، لموانع المصداقية والصدق المطلق، إن صح الإطلاق. ومحاولة للاقتراب من هذا الأفق والأسلوب التوقعي الجريء الحرج.
أطرح الأسئلة التالية: -ماذا يريد ولد عبد العزيز؟ -ماذا تريد المعارضة الراديكالية؟ -ماذا يريد بيرام وافلام -ما تمثيل الوضع السياسي الموريتاني الوشيك المرتقب، بعد تمرير التعديلات الدستورية المثيرة للجدل -ما هو المخرج المتوسط المدى والبعيد المدى وبإيجاز أقول كل المؤشرات تدل على أن النظام القائم لا يرى جدوائية في تسليم البلد لمعارضة مدنية متنازعة، ولو شرعت بعض عربات القطار في الإنحراف عن السكة نحو الانفلات الأمني بمستوى ما، فإن الجيش بوجه خاص، ربما لنقص طابعه الجمهوري، لن يخدم سلطة مدنية غير خارجة من رحم وصايته السياسية المزمنة، منذ 10 يوليو1978. ولسبب هذا التصور لدى الرئيس الحالي ونظامه، فإن السلطة القائمة ستضطر لتعديل دستوري جزئي ثاني، وهذه المرة عن طريق الجمعية الوطنية، مما سيحفز الرأي العام النخبوي المعارض بوجه خاص، للاعتراض على هذا الاغتصاب السياسي، على رأي البعض. وهنا تطرح إشكالية الترجيح بين خيارين مرين، من خلال تمثيل موريتانيا حاليا في ظل نظام محمد ولد عبد العزيز، بالفتاة المختطفة. أترى أقل إيلاما وعاقبة مرة، لا فكاك منها، على رأي البعض، إغتصابها على منحى مفجع، من خلال تعديلين مثيرين، غير أخلاقيين أنانيين، على نظر البعض، وخصوصا في أوساط المعارضة الراديكالية، المرتهنة في جزء معتبر منها لدى مخططات المغرب من خلال العميل المغربي محمد ولد بوعماتو. أو الخيار الثاني، الذي قد تواجهه الفتاة المختطفة، موريتانيا، حسب تمثيل البعض، أي الذبح من الوريد إلى الوريد، عبر إفناء الكيان الموريتاني الهش أصلا، عندما لا تكون الأمور بيد مؤسسة عسكرية، تعاني ما تعاني، لكن البعض يدعي أنها قادرة على فرض الإستقرار، وهؤلاء أنصار دعوى “العافية” الملوثة بفيروسات الأنانية والعبث بالدستور، مرتين على الأقل، وفي أجواء غير توافقية، واستثنائية بإمتياز، على رأي البعض. هؤلاء أنصار الموالاة الحالية وتوابعها، بقيادة عزيز، يفهم من سياقهم التبريري المثير، أن كل شيء أقل خطرا من ذبح مختطفتهم، وإبقاء بقية روح فيها قد تنمو لاحقا، بمن وفضل عظيم من حافظ هذه الأرض الغريبة. ويحيلون أحيانا، كما الرئيس الحالي في بعض خطاباته الأخيرة، إلى ضرورة الاتعاظ بتجارب مشهودة، في أغلب دول الربيع العربي باستثناء تونس والمغرب فحسب. وفي هذا المقام قد نستمع بسيمنفونية، لا تخلو من بعض الجد والأغلب التبرير لكل ظلم من طرف المتغلب، ما لم يترك الصلاة أو يقدم على كفر بواح. أجل سنستمع يومها وعبر الأثير وبلغة مرتبكة، غير قادرة في أغلب الأحيان على الإقناع، وهذا لا يعني مطلقا خطؤها، وإنما عدم دقة التصويب وغيوم الاستدلال والقياس مع وجود الفارق، أو فوارق أكثر. شعار أكثرية “فقهاء السلطان ووعاظه” نظام غشوم خير من فتنة تدوم، مع تغيير طفيف في العبارة، ليوائم هذا الشعار التبريري الجذاب القاموس العصري. ترى هل هم مصيبون، أم أنها فتوى معتبرة، عند جمع من علماء السنة القدماء، وغير قابلة للمراجعة والتكييف مع طبيعة الحكم السياسي المعاصر؟. الأمر يحتاج إلى نظر وسبر أغوار حالتنا السياسية السلطوية والأمنية والإقليمية، وخصوصياتها، لنعرف هل يجوز الخروج على السلطان في هذه الظرفية أم لا، وخصوصا بعد ظهور ملامح التعديل الثاني غير المستبعد، بل والمحتمل بشكل راجح، على رأي قلة من العارفين بالمشهد السياسي الموريتاني، أيام الحاكم الحالي، الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وإن رآه البعض مثيرا غامضا. شخصيا مضطر لقول مايلي، دون حسم. الأمر يحتاج إلى تأمل. إن آثار وعواقب بعض الجريمة في نظر بعض الشعوب وخصوصا شقها العربي، أشنع من راحة القتل والتصفية. وقديما قالوا حتى في باب الحرمان المادي فحسب “قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق”. ولعل بعض الشعوب العربية، مثلما يحصل في الأردن في الوسط الأهلي، تصنف بعض الجرائم تحت اسم جرائم الشرف، وتؤذن شعبيا ورسميا ولو ضمنيا، بجواز قتل المقدمة على تشويه سمعة محيطها الأسري عندما تمكن من نفسها، دون مرور بالشرع الإسلامي الحنيف، خصوصا إذا كانت بكرا، وقد تعني عند بعضهم حالة البكر وحدها ،عندما يكتشف أنها فقدت بكارتها، قبل زواجها الأول. هذه البكر موريتانيا وإغتصابها في نظر وتقييم البعض، جريمة لا تغتفر أخلاقيا ولا تاريخيا، مهما كانت الحجج المسوغة التبريرية مقنعة ظاهريا لمن يرى بقاء الروح، أفضل ولا يقدر بثمن، وحسب استدلالهم صريح القرآن يعضد ذلك، وقد يستدلون بقوله تعالى: ” من قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا” صدق الله العظيم. السيد الرئيس محمد ولد عبد العزيز، فكر ودبر قبل الإقدام على التعديل الدستوري الثاني الملغي لقفل العهدتين المانح بعد إقراره لمأموريات مفتوحة لمن ترشح، فأنت الربان الحالي لهذه السفينة الوطنية المتموجة حاليا، وإن لم يبصر ذلك بعض ناقصى البصيرة والنظر البعيد، وأنت المسؤول الأول عن هذا الأمر يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ومسؤول في الدنيا لحظة التقييم السياسي والعلمي والتاريخي، أما إن كنت ترى مصيرا قلقا “فتنويا” قاتما محطما، عندما تسلمها لمدني ضعيف لا يستمع له “اصنادره”، أو عندما تسلمها لعسكري ضعيف، لا يملك خبرة الدروب الحرجة، مثل بعض ما سلكت، فإن ذلك يرقى إلى درجة خيار مر، ربما إن تجرعته بنية الإصلاح وقيادة السفينة في عباب الموج، إلى أن تصل إلى شاطئ الأمان، أقول ربما توافق دعوى أنصارك وفقهاء البلاط العالي، وهو مذهب نقاشي وتوقعي، ومقاربة ترجيحية، بصراحة تستحق التأمل الحازم، وأدعو لمراجعتها كثيرا، قبل الإقدام عليها، وأمانع تزكيتها دون تريث، ولا أرى إلغاءها دون تبصر وفحص موضوعي متجرد، إن أمكن تحقق هذه الشروط الصعبة. وفي الحلقة القادمة سأحاول الإستمرار الحذر، في ترصد بعض المخاطر وتلمس بعض مخارج، من خلال الإجابة على بقية الأسئلة، الوارد طرحها في مطلع هذا المقال، وستكون هذه الإجابات أو التأملات على الأصح، دون يقين بالصواب، وإنما أقول تواضعا للمنعم وتريثا للأمثل. ما من صواب فمن الله، وما من خطإ فمني. ولله الأمر من قبل ومن بعد. اللهم سلم…سلم….