الأيام أمامنا أيها الجرذان الحقيرة / سيدي علي بلعمش

قبل أيام و في 28 أغسطس بالضبط، عقد في باريس مؤتمر أوروبي أفريقي هام حول الهجرة السرية في إفريقيا، حضره الرئيس الفرنسي و المستشارة الالمانية و رئيس الوزراء الإسباني و ممثلين عن بقية الدول الأوروبية و الاتحاد الاوروبي . 

و يعتبر هذا اللقاء أهم قمة إفريقية ـ أوروبية حول موضوع الهجرة السرية ، فالرؤساء الأوروبيون الذين حضروه يمثلون البلدان الأوروبية الأكثر تضررا من جحافل الهجرة السرية و البلدان الإفريقية التي حضرته بأعلى تمثيل و طالبت بانعقاده منذ وقت طويل ، تعتبر دول الطوق الحامية للحدود الأوروبية (بأجر) و الواجهة الأمامية لمحاربة هذه الظاهرة التي أنهكت العالم و هددت الاستقرار في المنطقة و حولت شباب القارة العجوز إلى خميرة جاهزة لكل ما يمكن أن يقوض السلم الاجتماعي.

و خلال التحضير لهذا اللقاء الذي انتظرته الدول الإفريقية طويلا و على رأسها موريتانيا و النيجر و تشاد (…) الواقعة على خط المواجهة الأمامي و المتضررة أكثر من الظاهرة و المنتظرة لمساعدات هامة مقابل تحويل بلدانها إلى معاقل لحماية أوروبا من شلال المهاجرين بما يترتب على الأمر من ممارسات لا أخلاقية و تجاوزات لحقوق الإنسان، (خلال التحضيرات لهذا اللقاء)، تفاجأت موريتانيا بعدم دعوتها لحضور القمة (…!؟) و حين حاولت معرفة الأسباب ، سدت أمامها جميع الأبواب لتستنتج بعد لأي أن تسويق علاقاتها الجيدة مع فرنسا و الاتحاد الأوروبي و اعتبارها طرفا فاعلا في دول الساحل و الغرب الإفريقي ، كان يتطلب حدا أدنى من الانضباط السياسي و احترام القيم الديمقراطية، لم تستطع الحفاظ عليه : لقد استطاعت المعارضة الموريتانية في الخارج التي يتحدث ولد عبد العزيز ليل نهار عن خيانتها ، أن تضع الاتحاد الأوروبي أمام مسؤولياته مما يحدث في موريتانيا من جرائم و استهتار بكل القيم البشرية من قبل العصابة المختطفة للبلد. و لم يكن ما تقوم به هذه العصابة من جرائم على شتى المستويات، غائبا و لا مغيبا عن أعين العالم، لكنه كان على النخب الموريتانية أن تفهم الميكانيسمات التي تحرك المجتمع الدولي في هذا الاتجاه: طرقت موريتانيا خلال الشهر الماضي كل الأبواب لحضور هذه القمة و عجزت حتى عن الحصول على اعتذار مقنع لمنعها : اتصلت بوزير الخارجية الفرنسي (وزير الدفاع السابق الذي كانت تربطها به علاقات تعتبرها جيدة)، اتصلت بمجرة فرانس ـ آفريك على جميع مستوياتها ، اتصلت بقادة أفارقة و كانت النتيجة “لا..!؟” .

لم تجد العصابة رغم ركض محامي الشيطان ولد عبد العزيز ، المدعو جمال و المقيم في باريس للإشراف على جرائم ولد عبد العزيز المالية في أوروبا و التغطية على ممتلكاته المنهوبة من دماء الشعب، أن يرتب و لو بطريقة مهينة أي طريقة لحضور موريتانيا لهذه القمة أو حتى الحصول على اعتذارا مقبول أو مبرر يفهم من خلاله غير أنه تم الشطب على “نظام” موريتانيا من أي اعتبار أوروبيا.

و صحيح أن مهزلة الاستفتاء تمت بطريقة لا يمكن للعالم التعاطي مع من يتجرأ على وقاحة مثلها ، لكنه علينا أن نشيد بما قامت به المعارضة في الخارج من جهود جبارة في الفترة الأخيرة على مستوى الاتحاد الأوروبي و الأمم المتحدة و المنظمات الدولية المعنية .

ما حدث في فينزويلا في الفترة الأخيرة كان تحولا لم تفهمه العصابة، وضع كل الأنظمة المافيوية في مأزق و جعل العالم في تناقض لا يمكن تبريره إذا لم يقف بالمرصاد لكل حالة مماثلة . و هذا هو ما جعل الرئيس المالي يتراجع عن الاستفتاء حين رفضه شعبه رغم وجاهة العديد من أسبابه و هو ما جعل الرئيس الكيني يذعن و يعلن قبل 3 أيام، عن احترامه لحكم المحكمة العليا القاضي بإلغاء الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها بنسبة 54.27% من الأصوات مقابل 44.74% لمنافسه رايلا أودينغا. و هو أول رئيس يقبل صدور مثل هكذا حكم في بلده و يذعن لقرار المحكمة القاضي بإلغاء فوزه ليقول بوضوح : “لست موافقا على المستوى الشخصي على هذا القرار الذي تم اتخاذه لكنني أحترمه بقدر اختلافي معه”.

لم يكتشف ولد عبد العزيز و عصابته الغبية حتى الحين أنهم يسبحون من دون أي خبرات، عكس تيار جارف لا قبل لهم بمواجهته.. و لم يكتشفوا أن المعارضة الموريتانية لم تعد مقطوعة من العالم: نحن جزء من الأمم المتحدة.. نحن جزء من العالم العربي.. نحن جزء من القارة الإفريقية.. نحن مرتبطون بعلاقات مصيرية مع أمريكا و الاتحاد الأوروبي و وصفنا بالخيانة لأننا نستعين بهم لتكبيل أيادي عصابة حقيرة، نهبت خيرات بلدنا و استباحت كرامة شعبنا و عاثت في أرضنا فسادا، هو أكبر شهادة فخر يمكن أن تقدمها لنا أي جهة .. ليس هناك اليوم أشرف لأي موريتاني من وصفه بالخائن و المتآمر من قبل هذه العصابة بل ليس هناك أسوأ من عدم وصفنا بالخيانة من قبل هذه العصابة الشريرة: نعم، نحن خونة.. نحن مرتشون .. نحن مرتزقة، لكنكم ستخرجونها أذلة ، صغارا ، مطاردين من قبل شعب غاضب ، لم تحترموا في حقه إلا و لا ذمة.

إن من يتحدثون اليوم عن مأمورية ثالثة و عن التخليف و عدم خروج ولد عبد العزيز من المشهد السياسي من خلال قيادة أكبر حزب في البلد، هم من دفعوا الغبي إلى دخول استفتاء خرجه بخفي حنين و هم من دفعوه إلى فرض حوار رفضت السفارات حضور افتتاحه من دون التحفظ على عبثيته و عدم مصداقيته و هم من حرضوا الغبي على مواجهة مجلس شيوخ لا يملك أي صفة دستورية و لا قانونية لحله و لن يكون حديثهم عن مأمورية ثالثة إلا حلما آخر، لا يحسن القياس من يخشى أن يتحقق .

قليلون اليوم من “وزراء” و مقربي ولد عبد العزيز من يدركون حقيقة مشكلته لأن “نظامه” لا يدار على مستوى حكومته، لكنه هو يدرك جيدا أنه في مركب يغرق لا يمكن لأي معجزة أن تنقذه : لقد أحرق الغبي كل مراكبه وطنيا و لو كان لولد عبد العزيز أي ملجأ اليوم لما تردد لحظة في الهروب إليه، لكن الوضع محرج و من يتحدثون عن مأمورية أخرى مثل “بديلة” (ولد الطيب) ، يجهلون أنهم ينكؤون جرح ولد عبد العزيز الأكثر إيلاما. لقد أكمل الغبي دورة الأخطاء الممكنة و لم يبق أمامه سوى انتظار المحاسبة. و سيدرك من أول وهلة أن ولد الشيخ ليس محمد سعيد الصحاف و أن ولد الغزواني ليس عزة الدوري و أن ولد حدمين ليس طارق عزيز. و الأيام أمامنا أيها الجرذان الحقيرة..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى