ترصد المخاطر وتلمس المخارج “ح 7” / بقلم عبد الفتاح ولد اعبيدن

في حلقة سابقة طرحتُ سؤالاً وأخرَّتُ جوابه، لصُعوبة الجواب ربما، ولتعقد حالة المعنيين، لخلطها بين المعاناة والتجني، المعاناة والتضرر حسب دعوى البعض، من نظام معاوية وبعض الضباط الموالين له وقتها، والتجني من جهة بعض الحركات الزنجية العنصرية، باتباع مسلك عرقي ضيق في شأن يُفترض أن يكون واسعًا شاملاً مُتوازنًا، هو الشأن العام المحلي الموريتاني. أجل طرحتُّ السؤال: ماذا تريد “فلام”؟.

“فلام” حركة سياسية سائر مُؤسسيها تقريبًا من فئة “الفلان” “منطقة الضفة”، “كيهيدي” “بوكى” “لكصيبة” وغيرها، ويبتغون حقوقًا أكثر لزنوج موريتانيا عمومًا من خلال مشروع انفصالي يسمى في أدبيات حركة “فلام” “والو والو”، ومهما سطرت أنامل المؤسسين “الفلان” من أهداف وغايات نبيلة نظريًا، لحركتهم “فلام”، التي انكشف أمرُها إبان المحاولة الانقلابية الفاشلة، التي كانوا ينوون تنفيذها في شهر أكتوبر 1987، ضد نظام الرئيس الأسبق معاوية ولد سيد أحمد ولد الطائع، ذي الخلفية المُختلطة، المازِجة، بين “الكدحة” والتأثر المحدود بالتيار العروبي، وهو من قبيلة “اسماسيد”، ولد بأطار بواد “اتويزكت”، 10كلم شمال مدينة أطار عند أُسرة أخواله أهل عُمار، والده سيد أحمد ولد لحبيب ولد الطايع، وأمه زينب بنت عبد القادر ولد عُمار الشمسدية الشريفية، وقد التحق معاوية مبكرًا بالجيش وتكوَّن عسكريًا بمدارس فرنسا العليا في فن التخطيط العسكري، وكان يسأل عنه أحد الفرنسيين العاملين بوزارة الدفاع بمطلع الستينات قائلاً: “أين الضابط الكتوم”، عانيًا معاوية. فعلاً تابع هذا الضابط الكتوم أمر “الفلانيين”، المؤسسين والمُناصرين الرئيسيين لحركة “فلام” المُثيرة، وأُعدت لوائح بالمتورطين في المحاولات والمؤامرات المتتالية، وذلك حسب دعوى النظام وعمل مُخابراته الذي لم يخلُ –حسب ما يبدو- من الحقيقة ولا المُبالغة على السواء. وكانت هذه المُحاولات تباعًا في أكتوبر 1987، وكان تورطُهُم واضحًا في التحريض على الأحداث الدموية التي حَصَلَتْ وحصدَتْ الكثير من الأرواح البريئة من الجالية الموريتانية في السينغال، وذهبت ضحية هذه الأحداث مليارات الأوقية بالعملة الصعبة “سيفوا ـ عملة السينغال، المتداولة في السينغال وموريتانيا على نطاق واسع وفي غرب إفريقيا عمومًا”. نعم جرّاء هذه الأحداث الأليمة خسرت الجالية الموريتانية بوجه خاص مليارات الأوقية بالسينغال، رغم أن الأحداث حصلت في شهر رمضان المقدس المُعظم سنة 1989م، ولم تسلم الجالية السينغالية من ردة فعل شملت –للأسف- مئات الموريتانيين من “الفلان”، بدعوى أن هؤلاء حرَّضوا على الموريتانيين “فئة البيظان” “العرب البيض والسُمُر على السواء”. وجاءت هذه الأحداث المُؤلمة المُضرة بحق للموريتانيين في السينغال، معنويًا وماديًا، بعد أن لوحظ قبل ذلك تحريض واسع ضد موريتانيا ومواطنيها من البيظان بشكل خاص، في كل ساحة إفريقية أو دولية يحضُرُ فيها بعضُ هؤلاء “الفلان”. وبالمُحصلة كانت أحداث 1989 نُقطةً سوداء في تاريخ العلاقة بين موريتانيا والسينغال وبوجه خاص بين فلان موريتانيا وعربِها، ثم جاءت المُحاولة الانقلابية في شهر نوفمبر 1990. كلُّ هذه المُحاولات لم تخلُ من أساس ولم تسلم من المُبالغة في الجُرم والتجريم بالقرابة ضد الفلان الموريتانيين، ولم تتوفر غالبًا المُحاكمات النزيهة وإنما تمت التصفيات بأسلوب غابوي، سيظل مصدر خطر على الوِحدة الوطنية الهشَّة، لولا العامل الإسلامي الجامع المُشترك بين جميع مكونات هذا البلدالمُتنوع، الفُسيفساء، ولكن البادي أظلم وهم بعض الفلان المُؤسسين لحركة “فلام”. أُكرِّرُ السؤال ماذا تُريد “فلام”؟. بعد هذه التجربة المريرة، المُفعمة بالخطإ والارتجالية والعُنصرية على رأي البعض، وطبعًا هذا يعني “فلام” على رأي البعض، ألم تُراجِع “فلام” نفسها بوصفها حركة سياسية، تسعى بطريقة سلمية حضارية للوصول إلى حقوق مكوِّنِهِم ومصالح مواطني وساكني هذا البلد دون استثناء. ألا ينبغي للدولة الموريتانية والمُجتمع الموريتاني والقضاء الموريتاني والرأي العام النُخبوي في هذا البلد، أن يُنصِف ضحايا أحداث 1989 ومُحاولتيْ انقلاب أكتوبر 1987 ونوفمبر 1990، أليس “الفلان” و “البيظان” وغيرهم من مواطني هذا البلد مُشترِكون في الألم والأمل، وكُتِبَ عليهم أزليًا وقدريًا أن يعيشوا فوق أديم هذه البُقعة “الجمهورية الإسلامية الموريتانية”. أليس الحق أحق أن يُتَّبَع، والشرع الإسلامي الحنيف يدعو إلى الإصلاح والمصلحة على نهج قاعدة شرعية مُفحِمة منطقية جامعة، أينما وُجِدَت المصلحة فثمَّ شرعُ الله. وإذا كان الوقت يجري ربما اجتماعيا وسياسيا، وربما اقتصاديا وماليا ومعيشيا لصالح مُكوِّن مُعيَّن معروف بسبب تبذير “البيظان” وكثرة الخلافات بين “العرب السُمُر” و “العرب البيض”، إن صح الإطلاق أوأمكنَ التقسيم،  وشيوع الحساسيات ومشاعر الكراهية بين بعض العرب السُمُر وغيرهم. هذا إلى جانب سُهولة التعدُد بالزيجات، في وسط مُعيَّن واستحالتِها تقريبًا في وسط آخر، كل هذا رُبَّما يَصُبُّ في مصلحة المُكوِّن الزنجي من “الفلاَّن” وغيرهم، على حساب المُكوِّن العربي، إن لم تَثبُت عُروبة “الفلان”، التي دُفِعَ لها في عهد ولد الطايع، ولد احمين اعمر وغيرُه من الأُطُر “البيظان” و “الفلان”، ضمن مُحاولة فاشلة لرأب الصدع، عبر استحضار التاريخ، لكنه إن صحَّ افتراضًا، بصورة علمية وتاريخية مُقنِعَة، إلا أنه في النهاية والمُحصِّلة حقٌّ أُريدَتْ به السياسة والتهدئة، وربما تغطية على أرواح أُزهِقت وحقوق مُختلفة أُهدِرَت ، في كلا الضِفتين، أي جانب الموريتانيين الفلان ومن جهة ثانية جانب الدولة ، دون نسيان الضحية أو الطرف الثالث العُنصُر العربي، خصوصًا بأحداث المسفَّرين بالسينغال 1989، وللأسف هُذه قصة طويلة ذات شؤون تركتْ ما تركتْ على أرض الواقع وفي سجلات التاريخ وبين طيَّات النُفوس ولا حلَّ لها في الحقيقة إلاَّ المُكاشَفَة والمُصالحة، والبادئ بالإجرام والتخطيط والتحركات العنصرية المقسِّمَة أظلم. ولقد كان بالإمكان علاج بعض النقص في الحقوق وتجاوز بعض الإهمال فى منطقة الضفة، دون  أن يكون الحل تخطيط الانقلابات العُنصرية على يدِ بعض الفلان العُنصريين الموتورين، العُميان، بسبب غلواء التعالي وكُره الآخر. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم” لقد ادَّعَتْ الجهات الأمنية الرسمية يومها، إبَّان المُحاولة الانقلابية في أكتوبر 1987 على يدِ بعض الضُباط الفلان في مؤسسة الجيش. أقول، إدعت هذه السُلطات أن حَمَلَةَ مشروع “والو والو”، كانوا ينوون تغيير أسماء الشوارع الرئيسية في انواكشوط، وإرساء تدريجي لدولة موريتانيا يتحكمُ فيها الفلان، بتشارُك شكلي مع غيرهم، قبل أن يتم لاحقًا الإعلان عن ظهور “دولة والو والو” والتغيير الكُلي لإسم دولة موريتانيا. وعُمومًا كُلُّ هذا لا يمنعُ من التسامُح والتصالُح وبذل الغالي والنفيس معنويًا وماديًا، وباستمرار ودون إجحاف للآخرين، مع إرضاء سائر المُتضررين جرَّاء هذه الأحداث المؤلمة، الغارقة في الإسفاف من قبل الطرفين، الرسمي “والفلاني لفلامي”، دون نسيان إنصاف المُسفَّرين من السينغال 1989، والمُسفَّرين ظُلمًا من أرضِهِم موريتانيا في نفس السنة، ولا ننسى أن نُوَّجِهَ خِطابًا لسائر الموريتانيين، إن ملف أحداث 1989 على الصعيد الموريتاني والسينغالي ومُحاولتيْ الانقلابين الفاشلتين في سنتيْ 1987 و 1990، كُلُّ هذا يتطلب إعادة وإنصاف جادٌ عميق لجميع المُتضرِّرين من أي مَشربٍ كان، وإلاَّ لما أمكنَ تجاوُزُ إرث هذا الماضي القريب المُعقَّد، من أجل التوق إلى حاضر ومستقبل أفضل، يُكرِّسُ تجاوز المظالم والأحقاد ويُمهِّد للتعايش السلمي الجاد، بعدما أمكن من المُصارحة والمُكاشفة والمُصالحة والإنصاف الفعلي الملموس، ولنترُك البقية للتسامُح والأُخوَّة الإسلامية الجامعة، الحاثة على ردم الهُوَّة وتجاوُز الخلافات بين الإخوة المُسلمين وميلهم في المقابل إلى تجاوُز الماضي وتعميق الصلات الوطنية والعقدية الإيمانية حاضرًا ومستقبلاً، دون عودة مُطلقًا لما حصل سابقًا. وكما يُقال ، رغم أنَّ لكل جواد كبوة ، فجميع عُقلاء وحُكماء موريتانيا لا يُريدون أن يكونوا أسرى لماضٍ مُتعثِّر، مهما كان البادئ أو المُتسبب الأول لإطلاق الشرارة الأولى إهمالاً أو تحامُلاً. ولله الأمرُ من قبلُ ومن بعد.  

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى