مشروع الإشارات الضوئية: جباية من غير نفع
الزمان انفو – من حق الدولة أحيانا، لتنظيم الشأن العام، خصوصا ما تعلق منه بوسائل مالية ملحة، غير قادرة على توفيرها، أن تفرض الضرائب على المعنيين، في حدود السماحة وإمكاناتهم طبعا، تطبيقا وتجسيدا لقوله تعالى:
“لا يكلف الله نفسا إلا وسعها”، أما أن تتحول الدولة إلى جباية مفتوحة غير مضبوطة بالضوابط اللازمة، ودون صرف ذلك في ما أخذ من أجله، مع الإجحاف والإضرار البين بدافعى الضرائب، فهذا مقرف وسيئ، ويحول الدولة من خادم للوطن والمواطن إلى مرفق استغلال هابط مكشوف للنفوذ والسلطة، للأسف البالغ.
إن خنق المواطن بمختلف الصنوف والأشكال والصور، وأخذ ماله المحدود عنوة، هو قمة الاحتقار والاستعباد وتحريض المتضررين على الوضع القائم والنظام الحالي تحديدا، إن لم تسوى باستعجال بعض الحالات الجبائية بوجه خاص.
فبعد رحيل المسير التقي ولد اظمين رحمه الله عن مشروع الإشارات الضوئية وتولي حرمه الشيخة البرلمانية المقالة الرفعة بنت أحمدنالل ولد الشيخ الحسن وبعض المسيرين الانتهازيين لهذه الخدمة والمشروع، أصبحت ضريبة هذا المشروع مجرد إذلال للمواطن وغصب صريح، بقمة الاحتقار والإلزام والضغط، لمال بعض فقراء هذا البلد غالبا ، من ضحايا دفع ضريبة ألفين أوقية، دون خدمة تستحق الذكر.
فالإشارات الضوئية لا تتجاوز العاصمة في أكثر الأحيان، وتلاحظ هنا وهناك ساقطة على الأرض من غير منقذ من الإهمال، وفي المقابل أيضا هذا المبلغ الخيالي بالمقارنة مع عدد السيارات في نواكشوط وإن لم تدفعه كلها طبعا، ألفين أوقية مفترضة نظريا على كل سيارة تستخدم شوارع عاصمتي موريتانيا، نواكشوط ونواذيبو، حيث توجد هذه الإشارات الضوئية، غالبا في العاصمتين فقط .
المجموعة الحضرية مستفيدة من الجباية المذكورة، وكذلك بعض أصحاب المشروع المشرف على الخدمة المتردية الأداء أحيانا، المتوسطته غالبا على رأي بعض المتفائلين من أنصار المشروع المثير للجدل بحق.
ثم إن الراحل التقي ولد اظين رحمه الله المسير السابق للمشروع، كان يدرك قيمة المسؤولية عموما وخطورة المال العام وما تعلق به حسب ما يبدو من تصرفاته ، سواء الظاهرة أوالمستورة.
فكان يعطي بسخاء غريب وللجميع ممن طالته معرفته، ذات الميمنة وذات الميسرة، ربما تفاديا للحقوق وحرصا على التوازن، لذكائه وخلقه الجم وطيبة طينته الشمسدية الشريفية.
فاستفاد هو والمجتمع القريب منه وما تعلق به من أعوان الدولة وقدم خدمة متوسطة مقبولة نسبيا وكذلك استفادت الأجهزة الأمنية والبلدية ذات الصلة بالجباية، أما عندما جاءت حرمه اليعقوبية، فقد سدت الباب وفضلت مفاهيم التسيير الحازم، ورغم ذلك استمرت الخدمة في أيامها فترة غير طويلة، لكن مع مرور الوقت أصبح ذلك على حساب الجميع تقريبا، جباة وعمالا وغيرهم، وحتى هي نفسها مسكينة استفادتها وأسرتها الكريمة أضحت رمزية للأسف البالغ، لكنه ربما على رأي البعض ، سوء الطالع والبخل ،لا يتحقق معه أي نجاح يستحق الذكر.
وعموما فهل من مغيث للمواطنين في مختلف المجالات ومع مختلف حالات الدولة الجابية، جباية دون مراعاة مستوى دخل المواطن، ومجافاة للصرف الايجابي المتوازن من هذا المال المجبي، لاستمرار الخدمة المقابلة.
إن المشروع الحالي، الإشارات الضوئية ،لا يستحق أكثر من الإغلاق إطلاقا، عسى أن تتولاه جهة جديدة، على منوال “طربت الراعي”، وعسى أن تستمر الإشارات الضوئية الضرورية بصورة قصوى، لتنظيم السير في العاصمتين وغيرها من بقاع الوطن لاحقا بإذن الله.
فقد أثبتت الأيام فشل القائمين الحاليين على المشروع المذكور، واستغلالهم المفرط لعامل الصلة عموما والقرابة أحيانا برأس النظام ومحيطه العائلي وبعض حاشيته، مثل الشيخ المقال المرتشي المعروف يحي ولد عبد القهار، الذي بنى له المسير السابق عفا الله عنه التقي ولد اظمين رحمه الله منزلا من عدة طبقات في أوجفت مسقط رأس ولد عبد القهار، مقابل اتصالات هاتفية فحسب، أجراها المحامي المرتشي والشيخ المقال ولد عبد القهار، لصالح استمرارية المشروع وتجديد عقدته وتسهيل عثراته على المستوى الرسمي، طبعا مشروع الإشارات الضوئية.
فتعب المسكين ماليا وبدنيا ونفسيا، وأهانه ولد عبد القهار بالإلحاح والضغط، حتى أكمل قبل وفاته رحمه الله أغلب بناء وتشييد المنزل المذكور في أوجفت، لصالح يحي ولد عبد القهار، أحد أكبر أباطرة الرشوة واستغلال النفوذ في الوقت الحالي، تحت مظلة النظام القائم، بدعوى أنه حرم شقيقة حرم الرئيس حفظها الله ،تكبر بنت ماء العينين ولد أحمد، المنفق الوجيه المعروف محليا وفي المغرب وعلى الصعيد الدولي، لكن ما من قوم طيبين إلا وابتلوا بآخرين مستغلين متآمرين أنذال ،يدعون دعم الأمور العمومية وهم في الواقع، مجرد ركاب موج ، لا يستبعد أن ينقلب عليهم يوما.
فالرشوة واستغلال النفوذ باسم الشأن العام عواقبهما وخيمة.
وإن تم الاحتفاظ المؤقت بهذا المشروع المتعثر، فربما للبناء فقط على بعض كفاءاته المتميزة البريئة الناجحة بحق، والمستغلة بامتياز برواتب زهيدة ،رغم ما يدره المشروع من مليارات من الأوقية ،على مدار السنوات وحتى في الوقت الحالي رغم تناقص أدائه، فقد أحيط بخدمات أخرى وتوابع مشاريع أخرى متفرعة عنه معروفة، سنرجع إليها لاحقا بإذن الله.
أقول مثل هذه الكفاءات المهضومة الحقوق المتميزة الناجحة ، والتي ينبغي أن يبنى عليها تجديده لاحقا، على سبيل المثال لا الحصر، محمد سالم ولد مامون، واحمدين ولد محم، سيدين ولد اظمين، وشباب آخرون أكفاء أقيلوا ظلما وعدوانا ،مثل ولد أبريهمات،وغيرهم من الموظفين الشباب ،الذين تم الاستغناء عن خدماتهم بعد مص دمائهم، ودون تسديد حقوقهم على الوجه الأمثل الملائم، أما غيرهم من الفاشلين، ومن كبار مسيري المشروع أحيانا، مثل المشرفة الحالية المغلولة اليد، فالأجدر التخلص منه والتحقيق معهم، حرصا على الصالح العام ولإعادة وتأسيس، مشروع إشارات ضوئية وفي مجال جغرافي أوسع بأسلوب عصري متألق، يكرس خدمة السير العمومي، ويضمن الحد من الخسائر المعنوبة والمادية ،جراء الحوادث اليومية في المدن المكتظة وغيرها، ولغياب مشروع إشارات ضوئية ذي بال، فما هو موجود حاليا، مستغل ومحدود النوعية والأداء.
فالمفترض أن توسع وتزداد وسائله ،ليشمل يوما ما ،كافة التراب الوطني، بإذن الله وما ذلك على الله بعزيز، وينبغي أن تقطع الصلة بين خدمة الصالح العام وركوب هذا المعنى من أي كان سواء كان رئيسا أو مرؤوسا وما بينهما.
وللأسف هو من أكثر المشاريع تلطخا بالعمولات، رغم محدودية مجاله وماله، بالمقارنة مع مشاريع أخرى، إلا أنه مثال خصب ونموذجي لعدم خلو أي مجال من مجالات الشأن العام من الرشوة.
إن الجباية من غير مصلحة ملموسة قمة الظلم، وسكوتنا معشر أصحاب الأقلام، جريمة أخلاقية ومهنية لا تغتفر، فالساكت عن الحق شيطان أخرس، أي أبكم منعقد اللسان.
اللهم سدد وقارب وتجاوز واستر.
واهد المفرطين للإصلاح والتفهم ومحاسبة الذات قبل محاسبة الناس في الدنيا، وبعض ألسنة الخلق مداد الحق، وقبل محاسبة الخالق العدل المطلع العليم، يوم لا ينفع مال ولا ينون إلا من أتى الله بقلب سليم.
إننى أدعو رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز من هذا المنبر الحر الجريء الموضوعي المستقل بإذن الله، إلى إيقاف مهزلة جباية ألفين أوقية لصالح المشروع المذكور المتهالك، دون أن تكون لها، أي الجباية، مقابل خدمي ذي بال على السير العمومي.
فالأمر عندما يتم التحقيق سيتضح أنه يتعلق بمليارات الأوقية المهدورة منذ سنوات، والخدمة المقابلة لا تتجاوز عدة نقاط محدودة في نواكشوط ونواذيبو، بأضواء أحيانا مكسرة المصباح ساقطة الحبال أمام الناظرين والمشاهدين، ويدفع المال هنا وهناك للإسكات و التغاضى عن المهزلة المدوية، المعبرة عن مدى سقوط الجميع في حمأة التلاعب بالشأن العام.
مسؤول الجباية أو موظف المشروع مع رجلي الأمن، من الشرطة المستغلة في هذا المجال.
أقول هذا المشهد في شوارع عدة بنواكشوط ، خصوصا أمام منزل الرئيس الأسبق المختار ولد داداه رحمه الله.
أقول وأصرح وأكرر وأكد هذا المشهد المتكرر يوميا في نواكشوط ونواذيبو، قمة في المثال النوعي في مص دماء الضعفاء والمعنيين عموما، واستغلال الشأن العام، دون خدمة مقبولة تستحق كل هذا الإذلال البين للمواطن الموريتاني.
صور جباية وأوساخ واسعة ومواضيع وظواهر أخرى ذات صلة بأداء المجموعة الحضرية في الوقت الراهن، تكاد تفرض عليك التقيء بمرارات مزلزلة، للصحة وتوازن النفس والبدن.
إنهم يسرقون ويتلاعبون بالشأن العام ويحرضون الناس ضمنيا على السكينة والاستقرار الهش، وما بقي من سلطة ونظام مهزوز.
أجل أقول بصراحة مهزوز تحت ضغط الظلم واستقرار القرابة والنفوذ على أسوء شاكلة وطريقة وأسلوب.
“ما طول يوم القيامة ماه المظالم”.
وقال صلى الله عليه وسلم من رواية بن عباس رضي الله عنه وأرضاه “الظلم ظلمات يوم القيامة”.
اللهم لا تجعلنا من الظالمين واجعلنا من أنصار المظلومين، واجعلنا من الآوين إلى ركن شديد عاصم من غضب الرحمن على الظالمين أيا كانوا.
بأن تلهمنا شدة كراهية الظلم والحرص التام على العدل المطلق بإذن الله، حتى إن تعلق الأمر بأقرب ذوي القربى، مثل هذه الحالة على سبيل المثال.
ولي عودة لموضوع أداء المجموعة الحضرية، وركن النظافة محل التلاعب بامتياز.
وذلك في الأيام القادمة بإذن الله، إن كان في العمر بقية، رزقنا وإياكم حسن الخاتمة وأن نأخذ كتبنا بأيماننا وندخل الفردوس الأعلى بغير حساب من منه وفضله، وذلك بعد طول عمر مع البركة والطاعة.
وما ذلك على الله بعزيز.
استغفر الله العظيم وأتوب إليه.
رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، وعلى آله وأزواجه وصحبه وسائر من تبعه باحسان أفضل الصلاة وأزكي التسليم.
ما من صواب فمن الله وما من خطإ فمني، واستغفر الله العظيم وأتوب إليه.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.
بقلم: عبد الفتاح ولد اعبيدن