أحد الأعيان شهرة ومن عباده خفية.. محمد ولد محمد سالم ولد النجيب رحمه الله

الزمان انفو ـ توفي أمس بجوار الكعبة المشرفة بعد أداء صلاة الصبح وطواف الوداع، محمد ولد محمد سالم ولد النجيب، وقد كان مشهد الوفاة كافيا من حيث التوقيت والمكان.

فقد صدم الراحل أحد مراكب الحجيج “حافلة”، فتوفي على الفور أمس يوم الثلاثاء الموافق 21 ذي الحجة سنة 1438 هجرية، وذلك بعد خروجه مباشرة من المسجد الحرام بعد الوداع.

أقول هذا المشهد يؤشر إلى صلة خفية عميقة بين الراحل والبارئ، وقد استرد الله وديعته بعد أن أحسنت طيلة سنوات، ومباشرة بعيد صلاة الصبح بقليل وأداء طواف الوداع.

سبحان الله، ما أحرص الذات العلية على إخفاء أمر بعض صنعتها من العباد.

قال الله تعالى في ذلك الفريق المخفي إشارة إلى أنه أكثر من واحد، وحالة يصعب التلاعب بها أحيانا إعلانا وإظهارا، فهي تخفى حرصا على جواهرها وطبيعة علاقتها الوثيقة الخفية المستورة بإتقان.

نعم إخفاء علاقتها هذه، فلا يعلم عنها أحيانا إلا لمام من الناس، وقد تعب كليم الله موسى عليه السلام فى طلبه للخضر، وصرح بذلك ، وهو النصب لغة بعبارة أخرى.

قال الله تعالى “فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا”.

نعم تعب موسى عليه السلام في رحلة الاكتشاف والاستكشاف قبل ذلك، أي أن الاكتشاف سبقه الاستكشاف، وهو طبعا السعي طلبا للاكتشاف.

قال الله سبحانه وتعالى، على لسان موسى عليه السلام، تعبيرا عن صعوبة اكتشاف بعض الجواهر البشرية، ذات الصلة العلية المخفية، نعم قال في هذا الصدد ربنا على لسان موسى “فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَٰذَا نَصَبًا”. 

 وكانت الملامح في بعض جوانب الصورة واضحة نسبيا، فقد رفع الله سبحانه وتعالى مقام محمد ولد محمد سالم ولد النجيب الشمسدي الأطاري، بأن جعل موته في مكان وزمان يسهل معه النعي، فمن منا لا يتابع المفقودين من الحجاج، ومن منا لا يلفت انتباهه حادث أليم، ظاهريا، وهو في الحقيقة منحة ربانية، أرادها الله لحكمة، بل على الأصح لحكم جليلة.

 فهذا يستدعي التضامن ترحما وتعزية، وهو ما حصل في نفسي بعضه، على سبيل المثال لا الحصر، فقد صلى عليه خلق كثير عند الكعبة بعد صلاة المغرب ليلة الأربعاء، ودفن في مدفن المعلى، حيث هناك جمع غفير من الصحابة والصديقين والتابعين والشهداء والصالحين، وغيرهم من عامة المسلمين.

أجل دفن ليلة الأربعاء، ولذلك دلالة أخرى معروفة في الأثر الإسلامي الثر، حيث دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأربعاء أيضا.

هل تريدون المزيد من كاشفات ومؤشرات ودلالات رحمته لعبده محمد ولد محمد سالم ولد النجيب، أقول، توفي مسافرا، في سفرة يتمناها غير واحد، هو الحجيج والتوجه إلى البقاع الطاهرة، بعد زيارة ضريح رسول الله صلى الله عليه وسلم والصلاة في مسجده والسلام على صحابته في البقيع، ثم يسير الحاج بنية هي أعظم من جبال مكة سائرها وجبل أحد إن شئت، فنية المؤمن بالحج، لا تكاد تقارن بالأشياء، من الجبال وغيرها.

نعم إنها نية عظيمة، نية الحج، وخصوصا إذا تبعتها إشارات القبول، بهذا النمط من الوداع بعد طواف الوداع ببكة عند الكعبة المشرفة “ِإِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ”.

أقول صراحة إنه وداع ورحيل مبارك، رغم الألم الظاهر المعتمد عند بعض العامة البسطاء.

 إنها ملامح الشهادة والقبول العظيم بإذن الله، لعبده الحاج المودع رحمه الله ورفعه إلى الفردوس الأعلى بغير حساب، محمد ولد محمد سالم ولد النجيب، المولود بأطار سنة 1952، لأمه أم كلثوم بنت اسباعي الشمسدية الشريفية رحمها الله، وقد تابع دراسته الابتدائية في مدينة أطار، ثم التحق بعد ذلك بمدرسة تكوين المعلمين في نواكشوط، ليتخرج منها معلما مزدوجا سنة 1972، وكان آخر سنة دراسية له بأكجوجت سنة 1974 – 1975، وبعدها أخذ عطلة مفتوحة عن التعليم، ليلتحق بالقطاع الخاص، لدى مؤسسة أقاربه أهل عبد الله ، وذلك في سنة 1976.

وقد ذكر لي زميله في الدراسة والتدريس وصديقه الحميم، التكني الأطاري عبد الله ولد احمياده، أنه كان دائم التفوق، ولقوة همته لم يترك الدراسة رغم جو الأعمال والأموال، وذلك صعب بحق، اكتتب لدى جامعة نواكشوط السنة الدراسية 1986-1987 في قسم القانون والاقتصاد وأخذ منها شهادة المتريز، وبعد ذلك الدكتوراه من جامعة ّسنت اكسب بري”، من فرعها بسينلوي من قسم القانون الخاص.

 ولم تخل حياة الفقيد رحمه الله من طابع نضالي سلمي أيام الدراسة في أطار، مناصرة لكل الداعين بالمبادئ التحريرية وقتها، دون الانتماء الأيديولوجي المباشر لحركة الكادحين أو الناصريين.

 كان منزله في نواكشوط محل تردد وزيارات مفتوحة للجميع، أصدقاء وطلاب العلم وأصحاب حاجات مختلفة، حسب شهادة الكثيرين تواترا.

عندما علم صديقه الخاص عبد الله ولد احمياده بوفاته رثى حبيبه بحسانية معبرة: “إمش إنا لله… محمد للنجيب… إمش بالصدق امعاه… ولمروه والطيب”.

وقد حدثني أخوه لأب، الأكبر منه، الإمام ولد محمد سالم ولد النجيب، الملقب الناه ، أطال الله عمره في طاعته: كنت أباه تقريبا لشدة بروره إياي، وإن كنت أخاه الأكبر لأب.

اللهم تقبل الفقيد عندك في الفردوس الأعلى من الجنة، اللهم إنا لا نقول إلا ما يرضي الله، إنا لله وإنا إليه راجعون، إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى.

 اللهم أدخله في من قلت فيهم ” إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ”، وقوله تعالى “ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا”.

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وإنا لنعزي كافة المسلمين في هذا الفقد الجلل ،وأسرته الخاصة وحرمه وعياله بوجه أخص، وصديقه الخاص عبد الله ولد احمياده، وأخوه الأكبر الإمام ولد محمد سالم ولد النجيب الملقب الناه.

ولله الأمر من قبل ومن بعد.

 

 بقلم عبدالفتاح ولد اعبيدن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى