مصير البارون ولد بوعماتو..
اهتزت الساحة السياسية الموريتانية كما لم تفعل منذ اشهر، على وقع خبر ان جارتنا المغرب أبلغت رجل الأعمال محمد ولد بو عماتو انه “شخص غير مرغوب فيه على تراب المملكة” بعد سنوات من اختياره لها كمنفى اختياري.
خبر كهذا يشكل صدمة، ليس لأنه سيقلب موازين السياسة في نواكشوط رأسا على عقب، بل لأن الخبر نشاز في التقاليد السياسية التي تحافظ على حد أدنى من التوازن، فضلا عن ان الموريتانيين غير متعودين حقيقة على ان يقول احدهم لولد بوعماتو “انت غير مرغوب فيك”.
ورغم جديته وتواتره من ثقاة، فإنه لا يمكن –حتى الآن- تأكيد ان الرباط اتخذت الإجراء فعلا، وذك لسببين، أولهما غياب تصريح رسمي من المملكة المغربية حول الموضوع، وثانيها تصاعد الجدل السياسي في موريتانيا هذه الأيام لحد لا يمكن معه تأكيد خبر الا بصعوبة تضاهي صناعته في الأساس، والكل يصنع “الأخبار الكاذبة” على ما يبدو هذه الأيام.
لا يمكن محاسبة الرباط على خطوة تقارب مع نظام عنيد، عبر التخلص من رجل اعمال صديق، فتلك من ابسط قواعد السياسية البراغماتية، واكيد تعرف المملكة المغربية جيدا لعبة السياسة في المنطقة وبالتالي فهي تعرف ما تفعل خصوصا في مخاطبتها للسياسة الموريتانية، لكن أصدقاء الرباط سيفكرون مستقبلا في أكثر من خيار قبل شد الرحال اليها كمنفى سياسي اختياري.
يمكن التعبير عن ذلك بالقول ان هنالك بوادر ما يمكن تسميته بــ “عقدة الرباط” لدى السياسيين الموريتانيين، وهي هاجس سياسي نفسي عميق يتمحور حول عدم أمان سياسي في بلد جار بالنسبة للمعارضين، وبداية عيب سياسي خلاصته: “احذر..الرباط قد تبيعك في أي وقت” فمن يمكن ان يكون اغلى سياسيا من بوعماتو في المغرب، حتى لا يمكن طره؟ رجل سياسي ومليونير مستثمر، لم ياتي الى المملكة لطلب مساعدة بل جاء لينشئ مشاريع..
تقريبا لا احد.
عموما لا خوف على رجل مثل ولد بوعماتو، فقد شكل ثروته من لاشيئ، وهو رجل اعمال ذكي ومحارب لا يلين، وهذا له تداعيات، فطرد المغرب لولد بوعماتو – ان تاكد- سيطرح اسئلة عميقة على مستقبل العمل السياسي الموريتاني الراهن، وسيطرح اسئلة إقليمية ابرزها: ما ثمن تخلص الرباط من ولد بوعماتو وعلاقته بما بعد 2019 ؟ وهل يمس ذلك مصالح الجزائر من قريب او بعيد؟ وهل يعتبر ذلك بداية لتنجر داكار الى حلف ما بعد طرد ولد بوعماتو فتنكمش هي الاخرى عن المعارضين الموريتانيين الذين ظلت ودهة مفضلة لهم وحضنا للقاءاتهم الماراتونية؟
محليا اثار الخبر جدلا عند المعارضين، حتى وصل حد ان اليساريين الكادحين، و”رجالات الآنتيسيستيما” لم يعودوا ينظرون إلى “البارون” بوصفه احد رموز سياسة السوق العالمية، بل رجل اعمال وسياسة معارض تمت اهانته من طرف نظام نواكشوط.
وتلك احد مواهب ولد بوعماتو العظيمة فقد استطاع دائما خلق قاعدة من المحبة في صفوف الناسظ
ذكاؤه الذي جعل من اكبر مروج للسجائر في البلاد محبوبا لدى طبقة عريضة من الشعب، خصوصا الشرائح المهمشة عبر خريطة الأعمال الخيرية التي يقوم بها.
قام ولد بوعماتو أيضا بدعم مؤسسات، إعلاميين، حقوقيين، فنانين وشيوخ معارضين في عز الأزمة الاقتصادية، وساعدهم في نضال عميق ضد النظام الذي خنقهم على أكثر من مستوى.
وفي لعبة السياسة اعتبر ولد بوعماتو داعما للنضال وهذا رصيد سياسي دفع بعض الرومانسيين لوضع اسمه في مرتبة “المنقذ” الذي قد يخلص موريتانيا من أوجاعها.
لذلك ولأسباب كثيرة اعتبر خبر تخلص الرباط من البارون تصرفا ضد الفعل المعارض في موريتانيا، بعد ان كانت الرباط لوقت قريب وجهة للمعارضين وهي المغاضبة لولد عبد العزيز غير الراضية عن تحركاته في “الحديقة الإفريقية”.
لكن موضوع المغرب – بوعماتو بقدر ما لفت انتباه المعارضين، لفت ايضا انتباه الموالين، الذين عانوا من ركود انشطة الرئيس في الفترة الاخيرة، وبالتالي ضاعت بوصلتهم السياسية، وغرقوا في الصمت قبل ان يتلقوا صفعة ان موريتانيا تذيلت مؤشر التعليم العالي والتدريب لعام 2017-2018، بحلولها في المرتبة 137 من اصل 137 دولة وهو ما اثار قناعة واضحة لدى الشارع الموريتاني ان النظام يشتغل على “الكلام” اكثر من الاصلاحات الجذرية، هنا جاء موضوع ولد بوعماتوا ليصرف الانظار عن الحقائق، فغالى الموالون في الخوض في الموضوع نكاية في المعارضة.
قد يكون في الخطوة نصرا شكليا لنظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي تمرن لعشر سنوات على توجيه لكمات لخصومه السياسيين عبر استغلال نفوذ الدولة، لكن من المحتمل ايضا ان يفتح ذلك ابواب الجحيم، فالخيار البديهي في مثل هذه الحالات ان تكون الجزائر الغريم التقليدي للمغرب حضنا، ومع ولد بوعماتو فان باريس ايضا هي حضن كبير، ومن المؤكد ان رجل الاعمال -الذي اصدرت موريتانيا مذكرة توقيف ضده- لن يقف مكتوف الأيدي وهو المرتبط بلوبيات السياسة في القارة السمراء، ومرتبط اكثر بدوائر صنع القرار الفرنسية.
على طريقة المحاربين، ربما خسر ولد بوعماتو معركة مهمة ومؤثرة، لكنه لم يخسر الحرب على كل حال، خصوصا اننا نقترب اكثر من 2019 تلك العقدة الكبيرة في حياة نظام الرئيس ولد عبد العزيز، ولا يزال ولد بوعماتو يمتلك من ادوات الصراع -ولنقل من الرجال المخلصين- ما يمكنه من توجيه أكثر من ضربة، لنظام لا يبدو في أحسن حالاته وسط غليان غير مسبوق للشارع، واحتقان في صفوف المعارضين الصامتين الذين ينتظرون من يحدد لحظة الصفر للانقضاض على “الرجل المريض”.
وفيما يفخر ولد عبد العزيز في عرينه بنجاح تقتناصه للمعارضين رجلا رجلا وحزبا حزبا، فان ولد بوعماتو يمكنه ارسال مزيد من الاموال لدعم المعارضين وبنفس التكلفة تقريبا من بلد آخر في العالم، للتسبب في مزيد من ازعاج نظام نواكشوط، فلا هو سيرضى عن النظام بسبب هذه الضربة، ولا المعارضون المتلهفون للتمويل سينقص عددهم، ولا تكلفة التحويل ستزيد كثيرا فهي نفسها تقريبا في كل انحاء العالم.