“تقدم” فجر في الأفق(رأي حر)
عندما تلج إلى قاعة مؤتمر “تقدم” )حزب اتحاد قوى التقدم(، قد يدفعك الخيال تحت ضغط الدعاية والإعلام الراهن والتاريخي إلى أنك تواجه كوكبة فحسب من الرفاق “الحمر”، لكن الواقع مختلف عن ذلك، على الأقل على ضوء مراجعات “UFP” (اتحاد قوى التقدم)على ضوء التجارب والوقت والتحولات.
لا غرابة في التأثر بالشق الفكري لتجربة إنسانية غابرة أو عريقة في نظر البعض، سواء تلك التجارب المعروفة في الصين أو الاتحاد السوفيتي سابقا، أو فيتنام، امتدادا وخطا ثوريا “جيفاريا”، قد يحدث هذا ويبالغ فيه من قبل الرفاق أو خصوم التوجه.
الواقع أنهم يدعون باختصار أن ذلك جزء من التاريخ، وكذلك تجربة “MND” )الحركة الوطنية الديمقراطية(، كل ذلك الإرث الأيديلوجي التاريخي، له ماله وعليه ما عليه.
والتعريف الراهن، حزب وطني موريتاني تقدمي، يتمسك بمبادئ الإسلام، ولأحد “الإخوان” داخل الحزب وهو نشاز أن يفسر ذلك بتوسع، وإن شاء إكتفى بما تريده الأغلبية الساحقة، دون تعقد في التأويل والتفسير، فهم يرفضون داخل الحزب استغلال الإسلام حسب زعمهم، كما يرفضون رأي الأقلية الإكتفاء به عقيدة ودينا، المتضمن لعلمانية شبه صريحة.
الجدل لن ينتهي بسهولة، لكن الأفق المسلم قائم متصاعد، ولا أقول “الإسلامي”، المصطلح ذي الدلالة المدرسية، مع مراجعات صامتة في أكثر الأحيان، ناطقة أحياناحولت حزبنا إلى شجرة وطنية فيحاء، يستظل تحتها الجميع، مع شيء يسير، قد تستدعيه دواعي المرؤوسية والقيادة، أعني يسير من توقير فكرة الجيل المؤسس وشعاراتهم، ذات الدلالة الثورية التغييرية العامة، ولا داعي للمشاحاة في الاصطلاح.
عقد الرفاق مؤتمرهم المتميز والمثير، المتميز فعلا في الأسلوب وحرية النقاشات، رغم حدتها أحيانا، خصوصا حول ما أشرت إليه سابقا من قضايا جدلية في أذهان البعض.
وكانت الإثارة خصوصا عندما هم المؤتمرون باختيار قيادتهم الجديدة القديمة، في بعض جوانبها.
ففوجئ الجميع تقريبا، إلا أصحاب الطبخة الخلفية بأسلوب تعيين مكشوف، بعد إجازة صعبة لقانون جديد خاص بتسيير المؤتمر الجاري، ينص على اختيار لجنة تسهيل، تفاديا شكليا لجملة “لحنة التعيين”.
لتكون هذه اللجنة مانعة للترشحات المباشرة، للهيئات القيادية، بما فيها منصب الرئاسة.
وبعد أخذ ورد فشل UFP “تقدم” في تكريس الديمقراطية الداخلية النموذجية، على الأقل، واكتفى بتمرير المقترح المطبوخ بصعوبة وإرهاق، لم يظهر إلا عندما لاح فجر الصبح فعلا يوم 31-12-2012م بقصر المؤتمرات في قلب العاصمة نواكشوط.
وأجيز المكتب والمجلس الجديد وهيئة الرقابة والأخلاقيات بمقترح واحد، قدمته لجنة التسهيل، بقيادة النقابي الصبور الصامت “النهاه”، بعد موافقة 183 صوت ومعارضة 61 صوت، من أصل 350 مندوب، هو مجموع هيئة المؤتمر، أو على الأصح العدد الكلي للمناديب من العاصمة والداخل.
واعترف –ضمنيا- المحامي المقتدر لوكرمو قبل إقراره رئيسا أول، بالنكسة القانونية لـ ufp ، حيث لم يسمح بفتح الترشحات، وكنت الوحيد الذي كشف عن رغبته في المنافسة، وسط استغراب من الرفاق، إلا عند أقلية أبدت الاستعداد الحذر، للتصويت لي، لكن الباب أغلق، قبل انطلاق زوبعة الزحام المجهول التفاصيل.
الديمقراطية العسيرة، التي يدعو إليه الرفاق خارج أسوار حزبهم، فشلوا عمليا، وبشكل صارخ في إقرارها داخليا، عندما تعلق الأمر باختيار الرئيس والهيئات القيادية للحزب. أذكر الزملاء إلى أنني داخل مكتبي، ملتزم فقط بصفتي المهنية، التي يُعرفها القانون الموريتاني الخاص بالصحافة، قائلا معرفا للصحفي: “هو الشخص المخول بالحصول على الخبر ومعالجته دون ضغط أو مخاطر”.
فلا داعي للضغط ولا داعي لمضايقة المصالح الحزبية الواعدة، للمنتمين الجدد، خصوصا من مدينة الرمز المؤسس ابن أختنا “سميدع” والرئيس معاوية ولد سيد أحمد ولد الطايع.
فأنا لا أعرف المجاملة في الحق، رغم عضويتي الجديدة بمجلس قيادي، المجلس الوطني لاتحاد قوى التقدم، لكن الحق أكبر من الألقاب والمطامح والمطامع كلها.
فلتسعني الصدور والعقول والقلوب قبل المقاعد والبنايات ورفوف المكاتب أو المجالس أو اللوائح الانتخابية.
إنهم مبدئيون في جوانب كثيرة، ومناضلون سابقا ولاحقا، وساهموا في أكبر المحطات النضالية الوطنية، من العملة إلى التأميم إلى المطالبة الصريحة الثابتة بحق الشعب الصحراوي المظلوم في تقرير مصيره، وما سوى ذلك، ولهم أن يعتزوا بعبقرية ولد مولود وبدر الدين ودافا باكاري واستقالته التاريخية، وأكاديمية ومبدئية لوكرمو عابدول، وجرأة وصراحة خديجة مالك ديالو، لكن “لكل جواد كبوة”.
لقد كانت كبوة المؤتمر في قصة “لجنة التسهيل”، وهي لجنة التغطية على العجز عن تكريس الديمقراطية داخل هيئات الحزب، على مستوى المؤتمر، السلطة الأعلى في الحزب الوطني القوي المتنوع المثير.
وعودا على بدء، كانت قصة المال والتمويل، على خلاف الموضوع المثار عند البعض بشكل متكرر، محدودة نسبيا عند حزبنا.
إنها قضية مهمة من عدة وجوه، فلا سياسة بلا مال، ولا إخلاص بلا تجرد وشفافية. فكيف تصنع الاحزاب غير المحظوظة بالمال “الخيري” أو “القطري” أو “الخليجي” عموما، أو المال العام أو الخاص على الصعيد الوطني.
الفتات الذي يصل حزبنا “UFP” أعرف بعضه، سواء من تمويل الدولة، أو الخواص وهم قلة وخائفون مرتعدون متكتمون، رغم مصلحتهم في مد جسور المالية مع المعارضة، لكن هذا الحزب يحتاج إلى دعم سخي غير مشروط، وإلا فإن مشروعه الوطني الطموح، سيتعثر أو يتأخر، ولو نسبيا –لا قدر الله-.
ومما يستحق التنبيه، خطر التوريث النسبي، حيث حظي محمد ولد اخليل، الوالي والوزير السابق المعروف، بثقة الحزب، باختياره نائبا ثانيا، إلى جانب قريبه محمد ولد مولود الرئيس، من نفس الأسرة، مع مدد من الأطر من نفس السياق العائلي، لا هم بالأغنياء ولا الفقراء المدقعين، مشكلين إمكانية تشكيل لجنة “ضغط”، أسرية داخل الحزب، أو ربما على الأرجح بداية لتشكيل طبقة متوسطة على مستوى الحزب، لأن الرفاق، العمال والمزارعين البسطاء، هم الأغلب الأعم، تيارا غالبا داخل هذه الكاتون الحزبي القوي المتنوع، المثير بحق.
مع استمرار نفوذ الزنوج والترويج لـ”محرقة” 89، وإبعاد موضوع مسفري89، الذي نجح البعض في إلحاقه بالتعديلات، المتوقع ربما دمجها في التوصيات النهائية.
قلنا لهم ظلمكم معاوية ونظامه –على رأي البعض-، لكن لا تظلموا الأغلبية من العرب البيض أو السمر، بإدانتهم بمحرقة مثيرة على غرار، محرقة اليهود في ألمانيا الهترليرية النازية، لتظلوا مثلهم مطالبين بكل شيء، وفي كل عهد وحين.
هذه خطة جناح معروف داخل UFP “تقدم”، أحب من أحب وكره من كره.
أول مرة في تاريخ الأحزاب الحديثة، في قصر المؤتمرات ومؤتمرات هذه الأحزاب، يمضي حزبا ليلة كاملة في انتظار أعمال “حزبية” معقدة، طبعها التوازن في أغلب مقترحاتها وجوانبها، لتظهر تشكيلة قيادية قديمة جديدة، تعكس نسبيا “تقدم”، جديد، الإسم المختصر لحزب اتحاد قوى التقدم.
فأين نحن من النصوص والأهداف المعلنة، وهل حلت فعلا الحركة الوطنية الديمقراطية MND، في مطلع سنة 1998، بعد الترخيص لحزب اتحاد قوى التقدم، أم “التنظيم الخاص” على غرار تنظيم الإخوان مصر المفترض، مازال هو الحاكم والمتحكم الفعلي الوحيد، إلى حين التصدع والتناقص التدريجي لنفوذ الجيل المؤسس، لحركة الكادحين، التي نجحت في فرض لقب “الرفيق”، ولا مشاحاة في الألقاب إن شاؤوا، ونجحت في فرض الطابع “التقدمي” للحزب، مع غموض في الدلالة في أذهان اغلب المشاركين، ويبقى السر الفكري والأيديلوجي في أذهان “الكبار”، كما نجحوا في الانفتاح الحذر الناقص.
وبإختصار كانت مائدة دسمة وشهية، لكن يحسن أن تُتناول، على منحى التوجيه الرباني بالتوسط وعدم الإسراف، فالمؤتمر، كان مؤتمر “مراجعات مثيرة غير معلنة”، وقد تم في الوثائق التوصيات، الكثير والكثير من الإبداع والانجاز المتنوع.
وعلى العموم المؤتمرون، لم يضع وقتهم سدى بإذن الله، وسيكون للتاريخ من بعدهم كلمته وأحداثه.
وأتصور أن “تقدم” عندما يحسم المبادئ بشجاعة أكثر، ويحسب الأهداف المنشودة والمصالح المقصودة، بأسلوب استيراتيجي بعيد من العواطف الأيديلوجية الصماء، سيكون له شأن في الشأن الوطني، وقد لا يكون على يد “كادح” بالمعنى التقليدي، وإنما على يد خليط ومزيج وطني ساحر جذاب مبدع.
وكل مؤتمر و”تقدم” إلى الأمام، بإذن الله، وفرصة طيبة لأداء أمثل للفريق القيادي القديم الجديد.
ويبقى من الضروري الإشارة إلى يتبنى الحزب توصية أو قرار سياسيا حازما مثيرا، بمقاطعة الانتخابات المنتظر الإقدام عليها، بشكل أحادي من طرف نظام ولد عبد العزيز، وقد فضلت النائبة تعديلا، بالإقتصار على رفض أي انتخابات لا تحظى بالتشاور الإجماعي، قرارا اعتبرتُه –شخصيا- أخطر من شعار وبرنامج “ارحل”، في حالة الإقدام الفعلي عليه، بشكل متماسك وملتحم مع بقية أحزاب المنسقية والقوى الحية الأخرى.
أمور عديدة ستنبلج مع فجر “تقدم” الذي بدأ يلوح في الأفق، ولو تطلب وقتا غير محسوب بشكل دقيق “ولله الأمر من قبل ومن بعد”.
بقلم: عبد الفتاح ولد اعبيدنه المدير الناشر ورئيس تحرير جريدة “الأقصى”