انفِصَامُ الفَتْوَى.. / القاضي أحمد ولد المصطفى
يتفقُ أهل العلم على أن الواقع مما يحسن بالمفتي معرفته، ومن الواقع الذي يتعين على المتصدين للفتوى معرفته في زمن الدولة المدنية، القوانينُ التي تنظم أوجه الحياة المختلفة، وبها فصل القضاء عند نشوء الخصومات، وهي في بلادنا، تقنينٌ للفقه الإسلامي، على وجه الإلزام بالمُقَنِّن منه دون غيره، إلا ماكان مصدرا تشريعيا احتياطيا..
تكشفُ متابعة دروس العلماء ومحاضراتهم، وفتوى المفتين وأجوبتهم، في ساحتنا العلمية، عدمَ معرفة هؤلاء بواقعٍ قائم، تجسده القوانين المعمول بها في بلادنا.. والجهلُ بهذه القوانين، أو تجاهلها – ولا عذر فيه – يجعل مادة الدروس والفتاوى مبتورة عن واقع المستهلكين، والعاملُ بها قد يواجه صدمة، وأزمة كبرى، حين يلجأ إلى القضاء، فيجد النصوص الملزمة تقنن أحكاما فقهية محددة، لا يمكن للقاضي الخروج عنها..
تَسْمَعُ عالما جليلا، وداعية مسموعا ومتبوعا يجيبُ من سألت عن رجل قال لزوجته أنت طالق مائة وعشر طلقات، بأن يُذهب به إلى الشرطة والقاضي ليُضرب حتى يكره النساء، وهو لا يلقي بالا لكون الضرب يمنعه القانون، والتأديب به اليوم جريمة، والقاضي في زماننا ليس له سوط، وتَرْسِمُ له الإجراءات – توقيفيا- طرق توقيع العقوبة التي يحددها النص ويحدد جريمتها سلفًا، فكم ستكون مفاجأة من تأتي للقاضي تريد منه أن يضرب صاحبها هذا، وليس للقاضي ذلك، وقد سمعته من عالم جليل؟؟!!..
تَسْمَعُ مفتيا مستنيرا يقول بعدم اشتراط الولاية في النكاح، والمجالُ منظم في مدونة الأحوال الشخصية، ومخالفته تفسد الزواج أمام القضاء، والمفتي لا يشير إلى ذلك، جهلا أو تجاهلا، ومتلقي الفتوى والعامل بها سيصطدم بهذا الواقع يوم يلجأ إلى القضاء، والموضوع لا ينفك عن النزاع..
نصت المادة 5 من مدونة الأحوال الشخصية الموريتانية، على ما يلي: ، ونصت المادة 11 منها، على ما يلي: ..
نصت المادة 49 من مدونة الأحوال الشخصية على ما يلي: ، ومنها الولي، كما هو صريح المادة 5 أعلاه، وفِي المادة 50 من نفس المدونة: ،
وفِي المادة 52: ، ومدونة الأحوال الشخصية تلزم القضاء بِمشهور المذهب المالكي فقط، كما في المادة 311 منها: ..
فكم ستكون صدمة من تزوجا دون ولي، على فتوى المفتي بذلك، فنازعهما الولي أمام القضاء، فوجدا أن النص الملزم للقاضي يوجب فسخ زواجهما، والمفتي الموقر لا يعلم بذلك، أو لم يشر إليه؟؟!!..
لا شك أن البحث العلمي المستنير، والفقه القضائي المتبصر، يتقدمان القانون، فيفتحان له آفاقا رحبة، يذهب إليها عن طريق آليات التعديل، فيُولد واقع قانوني جديد، يلائم أحوالا مستجدة، فيحصلُ التيسير على الناس..
لكن “الفتوى بما يخالف القانون” – واللفظُ لي في عنوانٍ لمنشور سابق مشابه – انفصام للفتوى عن واقع قائم، ترجع إليه النزاعات يوم تقوم، وهو مشوش، ومربك للمستهلك، وللحياة العامة، وآن له أن يناقش..
أحمد عبد الله المصطفى