حصار روصو، عفوي أم متعمد/بقلم عبد الفتاح ولد اعبيدن
الزمان انفو ـ يوم الخميس المنصرم2 نوفمبر2017، مررت بطريق روصو، قصد الوصول عن طريقها إلى مكطع لحجار لاحقا، وعندما تجاوزت “تكند” بسبع كلم فحسب، تعطلت سيارتي، بسبب تقعرات شديدة الأثر عند الكلم 7في اتجاه روصو، وظللت في عملية الإصلاح خمس ساعات من الثانية والنصف زوالا إلى الساعة السابعة والنصف مساء، لله الحمد والمنة، والحمد لله على كل أمر وحال.
طريق روصو الآن، بل ومنذ سنوات، تعتبر وسيلة حصار وابتزاز، لعاصمة ولاية اترارزة ولعدد من القرى والمدن “تكند على سبيل المثال لا الحصر.
أما في الوقت الراهن، فقد أصبح الحصار العفوي أو المتعمد، الله أعلم، متمحضا ضد روصو بوجه خاص وتكند كذلك وغيرها من عشرات التجمعات السكنية، المأهولة في أغلب فترات السنة، وخصوصا فصل الخريف.
ولاشك أن هذا الوضع يعطى للعابر الأجنبي من المعبر النهري، صورة سيئة عن وطننا.
فأول ما سيلقاه بعد 48 كلم فحسب، من الطريق المعبد، السيئ الصنع، وسيتجلى ذلك في السنوات القادمة بإذن الله، نتيجة الرشوة والتلاعب.
أقول مجرد تجاوز هذه المسافة المحدودة من الطريق، تبدأ مأساة تقعرات مؤلمة للبدن والمركب على السواء، إلى حد التأفف اللائرادي البالغ العميق.
إنها تراجيديا الإهمال والاحتقار والفشل وعدم المسؤولية.
فلماذا باختصار يصل وضع الطريق بين نواكشوط روصو هذا المستوى من السوء والتقعر والتلاشي، دون علاج تدريجي أو جذري حاسم، في وقت ملائم، قبل الإضرار الكامل الكلي تقريبا بكافة مصالح المستخدمين، من المواطنين والأجانب على السواء؟صمت بعض اترارزوين على معاناتهم لا داعي له إطلاقا، فالتعبير عن الظلم والإهمال وتضرر المنافع العامة والخاصة من شأن الأحياء النبلاء.
فلا معنى إطلاقا للسكوت على الازدراء بمختلف صوره “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “الساكت عن الحق شيطان أخرس”، أي أبكم ،منعقد اللسان عن الكلام.
ولكن التعبير عن رفض الظلم طبعا له مسالكه السلمية الحضارية، التي يتقنها أبناء هذه الولاية النوعية، الزاخرة بالعقول من مختلف المشارب والاختصاصات، وأرجو للحراك السلمي الحضاري الراهن، أن يتكلل بالنجاح، لتنتبه الدولة عمليا لا نظريا فحسب، لمأساة أهل تكند وروصو وغيرهم.
ويبقى الإشكال المعلق دون جواب حاسم مريح، هل حصار روصو عفوي أم متعمد؟
لا أعتقد أن البت في هذا السؤال أمر سهل، فقول متعمد قد يكون فيه تجن ومبالغة، والقول بالعفوية، سطحية غير مقنعة البتة.
وكل ما أعرفه أن أي قبيلة أو ولاية ظهر منها رئيس، حكم عقودا من السنين، مثل اترارزة آدرار، دفعت الثمن تلقائيا، لكن إصرار بعض أبناء اترارزة على المعارضة الراديكالية الحادة وشبه الجماعية أحيانا، ساهم في حصار ولايتهم من غير قصد منهم على رأي البعض، وربما من غير حذر وحزم ووعي، على رأي البعض الآخر.
فالديمقراطية وحرية التعبير في هذا البلد المحكوم من قبل العسكر منذ 1978 وإلى اليوم.
أقول الديمقراطية في هذا البلد أحيانا، وربما غالبا على الأصح، مجرد فخ، وكون أحمد ولد داداه وحزبه التكتل من أكبر الأطراف الوطنية الحزبية بوجه خاص، معارضة إلى جانب حزب “تواصل”، بواجهة إسلامية وبقيادات مبدئية ثابتة التوجه، أغلبها من ولاية اترارزة.
أجل هذه المعطيات إلى جانب كون أول رئيس للبلاد من أبناء هذه الولاية، جعل البعض يحاول غرس مفهوم خاطئ مغلوط غير واقعي ،أن هذه الولاية الجميلة الظاهرة الوزن والأثر الوطني الإيجابي، تاريخيا وفكريا واقتصاديا وسياسيا، ولاية معارضة باختصار مخل.
ألا يتذكر أصحاب الحساب السياسي الضيق العسير ضد حرية الرأي، آلاف المثقفين وأعيان النخبة اترارزويين الموالين للأنظمة المتعاقبة والمشتغلين دون كلل بجبهة الموالاة الواسعة، منذ أن ظهر العسكر وهيمنوا على دفة الحكم وإلى اليوم، بل ومنذ استقلال البلاد في أواخر الخمسينات وإلى اليوم.
لكن الأكثر عدالة أن لا تستهدف أي ولاية، أو مجموعة أيا كانت، بسبب مواقف بعض أبنائها.
والتاريخ يفرض التوقف فى الصدد مع بعض الأسباب المثيرة للنظر والتأمل بعمق.
فبعد انقلاب 1978 ضد المختار ولد داداه، تعززت النغمة “احذروا هؤلاء كان الرئيس منهم وفقدوا ملكهم، فلا غرابة في عدم سهولة انفتاحهم على العهد الجديد”.
وجاء بعد ذلك انقلاب 16 مارس1981 الذي قاده في الصف الثاني بعد كادير أحد أبناء إمارة اترارزة،الراحل رحمه الله أحمد سالم ولد سيدي ،وبعد خفة النغمة، تجددت بعد هذا الانقلاب الفاشل المحسوب على المغرب، وظهرت مضايقات من هنا وهناك، وإن بصورة غير مباشرة، في عهد الرئيس محمد خونه ولد هيداله وقتها، ثم جاء معاوية إلى دفة الحكم 12-12-1984 ،وكان من أول خطواته أن استدعى أحد أبناء الولاية وأرسله سرا إلى حفصة بنت الشيخ سيديا رحمها الله وغيرها من قريباتها، مخبرا إياهم بقرب عودة أبنائهم، إليهم أحمد ولد داداه وغيره، وتعامل معاوية بإيجابية مع أطر الولاية، على مستوى الحكومة وغيرها من المستويات الرسمية، لكن ما لبث بعض أبناء الولاية بدافع الجهوية والطمع المشروع أو غيره، أن عاضدوا أحمد ولد داداه عند ترشحه، فبدأ مشوار جديد ضدهم تلقائيا ربما، بسبب منهم، وعدم صبر أولي الحكم من العسكر، وربما جنت على نفسها “براقش” كما يقال في المثل العربي، ورجعت بقوة الولاية وقتها إلى دائرة الاستهداف على رأي البعض، لكن دون أن يمنع ذلك من قيام الدولة في عهد معاوية بتوجهات كثيرة سياسية وتنموية في كافة أطراف الولاية، حتى لا يقال ربما ،عاقبنا بسبب معارضة ابننا.
طبعا أعني أحمد ولد داداه، لكن حسب رأيي لم يجر لهم الأخير، إلا المزيد من التعب والاستهداف، حيث كانت محاولة رجوع أسرة أهل داداه للحكم عن طريقه، محاولة مكشوفة غير مدروسة باختصار، فلو دامت لعنصر ما أو عشير ما، لما وصلت إلى غيره، كما يشار إلى ذلك في المثل العربي الشهير.
وما بين محطات78 و81 ورئاسيات 92، دفعت الولاية أثمانا باهظة في جو تلقائي بسبب استهداف جهة “المخزن” المتغلب، أعني استهدافا متبادلا تلقائيا، أقرب للتعمد من العفوية السمجة البريئة نسبيا.
لا، الأمر أصعب وأعمق مما يتصور البعض، ولعل نخبة الولاية السادسة، بحاجة أكثر للحذر من “المخزن”.
فديمقراطيتنا باختصار شديد مجرد فخ، ولابد من اللعب بحذر وحنكة متناهية ،إن أمكن ذلك.
ويلاحظ في ربوع العالم وجود العشرات من قبيلة معينة وولاية بذاتها، بسبب التعصب على مواقف معينة دون استعداد للتنازل قيد أنملة في وجه رياح الاستبداد والانتقائية وتصفية الحسابات.
ففقدت الدولة والمجتمع منافع هؤلاء الأطر والطاقات الحية ،بسبب التحجر من جهة، وضيق أفق الجهة الرسمية من وجه آخر.
وبالنسبة لموضوع الطريق ينبغي أن تستفيق الدولة من أجوائها التلقائية أو المتعمدة، فالأمر أدهى وأخطر، إنها ولاية مأهولة وزاخرة بالمصالح المتنوعة، وعاصمتها حدودية ، تستحق مراجعة حالتها الخاصة ،لرفع الحصار المفروض عليها بسرعة، وعاصمتها هي رمز الوحدة الوطنية، بحكم طبيعة ساكنتها المتنوعة عرقيا وشرائحيا واجتماعيا، وترك الطريق بهذا المستوى من الفساد والإهمال لا يعبر عنه إلا القول بأنه حصار متعمد، إن لم يتبع ذلك تحرك سريع حاسم، ولعل إعلان الإتحاد الأوروبي اليوم عن تمويل جزء هام من هذا الطريق، يبشر ويؤشر للاهتمام الخارجي والمحلي لهذا المشكل المقلقل.
فمتى توقن حكومتنا الراهنة أن موضوع طريق نواكشوط روصو أولوية فعلا، يستحق تحركا زمنيا قياسيا، لتجاوز النقص والتقصير الفاضح في هذا الشأن بالذات، وحتى لا يتسع الرقع على الراقع، فيصبح بحجم قضية حرجة بامتياز، أو بعبارة أخرى ،شرارة قد تتسع بسرعة ودون حسبان أو قدرة تامة على التحكم في أوجه الاحتجاج الراهن ومختلف أساليب التحريض المغرض أحيانا.
اللهم سلم….سلم…..