حول شبهة الطعن في أدلة رجم الزاني المحصن
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أحاديث الرجم قد رواها أكثر من سبعة عشر صحابيا منها حديث علي بن أبي طالب وعبد الله بن أبي أوفى وجابر بن عبد الله الأنصاري وعبد الله بن عباس وأبي سعيد الخدري وجابر بن سمرة وأبي بكرة نفيع بن الحارث وخالد بن اللجلاج عن أبيه ونعيم بن هزال عن أبيه وعبد الله بن عمر وأبي بن كعب وعبادة بن الصامت والبراء بن عازب وبريدة بن الحصيب وعمران بن حصين وأبي هريرة وزيد بن خالد الجهني ومرسل بن أبي مليكة … رضي الله عنهم أجمعين
فحديث علي أخرجه البخاري
وحديث عبد الله بن أبي أوفى أخرجه البخاري ومسلم
وحديث جابر أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وأبوداود والنسائي
وحديث ابن عباس أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وأبوداود
وحديث أبي سعيد الخدري أخرجه مسلم وأبو داود
وحديث جابر بن سمرة أخرجه مسلم وأبوداود
وحديث أبي بكرة أخرجه أبوداود
وحديث خالد بن اللجلاج عن أبيه أخرجه أبوداود
وحديث نعيم بن هزال عن أبيه أخرجه أبوداود
وحديث ابن عمر في رجم اليهوديين رواه مالك والبخاري ومسلم وأبوداود والترمذي
وحديث أبي بن كعب أخرجه ابن حبان والحاكم
وحديث عبادة بن الصامت أخرجه مسلم وأبوداود
وحديث البراء بن عازب أخرجه مسلم أنه رجم يهوديا
وحديث بريدة بن الحصيب أخرجه مسلم وأبوداود
وحديث عمران بن حصين أخرجه مسلم وأبوداود والترمذي والنسائي، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح
وحديث أبي هريرة وزيد بن خالد أخرجه البخاري ومسلم وأبوداود والترمذي والنسائي وابن ماجه والإمام أحمد والبزار .
ومرسل ابن أبي مليكة أخرجه مالك في الموطأ ، وفيه عدد من المراسيل عن سعيد بن المسيب والزهري وغيرهما في الموطأ وفي غيره . ولولا أن يطول المقال لسطرت الحديث بجميع طرقه ورواياته الثابتة التي لا يمكن أن يطعن فيها إلا من رين على قلبه .
فحديث الرجم متواتر المعنى كشجاعة الإمام علي رضي الله عنه وجود حاتم الطائي كما يقول ابن نجيم في البحر الرائق 5/8 ، وقد جاء في إحدى روايات حديث ابن عباس في البخاري (6441) وغيره ،قال :
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لقد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل لا نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ألا وإن الرجم حق على من زنى وقد أحصن إذا قامت البينة أو كان الحمل أو الاعتراف قال سفيان : كذا حفظت ، ألا وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده .
وقد أخرج النسائي في الكبرى (7162) والحاكم في المستدرك 4/359 عن ابن عباس قال : من كفر بالرجم كفر بالقرآن من حيث لا يحتسب ، وذلك قوله تعالى : (يأهل الكتب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتب …) فكان مما أخفوا الرجم ، وأخرجه ابن حبان في صحيحه (4430) بلفظ : من كفر بالرجم فقد كفر بالرحمن …
ومرسل سعيد بن المسيب أخرجه مالك في الموطأ (1507) عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب انه سمعه يقول :لما صدر عمر بن الخطاب من منى أناخ بالأبطح ثم كوم كومة بطحاء ثم طرح عليها رداءه واستلقى ثم مد يديه إلى السماء فقال : اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط ، ثم قدم المدينة فخطب الناس فقال: أيها الناس قد سنت لكم السنن وفرضت لكم الفرائض وتركتم على الواضحة الا ان تضلوا بالناس يمينا وشمالا وضرب بإحدى يديه على الأخرى ، ثم قال : إياكم ان تهلكوا عن آية الرجم ان يقول قائل لا نجد حدين في كتاب الله فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا والذي نفسي بيده لولا ان يقول الناس زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله تعالى لكتبتها (الشيخ والشيخة فارجموهما البتة ..) فإنا قد قرأناها ، قال مالك: قال يحيى بن سعيد قال سعيد بن المسيب :فما انسلخ ذو الحجة حتى قتل عمر رحمه الله ،قال يحيى بن يحيى الليثي سمعت مالكا يقول قوله الشيخ والشيخة يعني الثيب والثيبة فارجموهما البتة .
وقد أجمعت أمة محمد صلى الله عليه وسلم من لدن الصحابة إلى يوم الناس هذا على ثبوت حد الرجم في شريعتنا ولم يخالف في ذلك إلا أهل الأهواء من الخوارج ومن على شاكلتهم .
قال ابن المنذر في كتابه الإشراف 3/6 : قال الله جل ذكره : (يأيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) وقال تعالى ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) فقد ألزم الله تعالى خلقه طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وثبتت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالرجم ورجم ، وقال عمر : رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده ، وفعل ذلك بعد عمر علي بن أبي طالب ، قال : فالرجم ثابت بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ..الخ
وقال ابن عبد البر في التمهيد 5/324 : وأما المحصن فحده الرجم إلا عند الخوارج ولا يعدهم العلماء خلافا لجهلهم وخروجهم عن جماعة المسلمين وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم المحصنين .
وقال في الاستذكار7/478 -480 وفي التمهيد 9/79 : وأجمع الجمهور من فقهاء المسلمين اهل الفقه والاثر من لدن الصحابة إلى يومنا هذا ان المحصن من الزناة حده الرجم ….إلى أن قال : واما اهل البدع والخوارج منهم ومن جرى مجراهم من المعتزلة فانهم لا يرون الرجم على زان محصن ولا غير محصن ولا يرون على الزناة الا الجلد وليس عند احد من اهل العلم ممن يعرج على قولهم ولا يعدون خلافا ، وروى حماد بن زيد وحماد بن سلمة وهشيم والمبارك بن فضالة وأشعث كلهم عن علي بن زيد وحماد بن سلمة عن يوسف بن مهران عن بن عباس قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: ايها الناس ان الرجم حق فلا تخدعن عنه فان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجم وكذلك ابو بكر ورجمنا بعدهما وسيكون قوم من هذه الامة يكذبون بالرجم وبالدجال وبطلوع الشمس من مغربها وبعذاب القبر وبالشفاعة وبقوم يخرجون من النار بعد ما امتحشوا ، قال ابو عمر : الخوارج والمعتزلة يكذبون بهذا كله عصمنا الله من الضلال برحمته.
فرضي الله عن عمر الفاروق الملهم المحدث إذ كوشف له عن بعض أحوال أهل هذا الزمان الذي كثرت فيه وسائل العلم وقل فقه أهله وورعهم واستغنى كثير من أبنائه بعقولهم وفهومهم السقيمة ، واستفتي الشيخ غوغل – قدس الله سره – في كل جزئية من جزئيات دين الله عز وجل واعتمدت فتاويه حتى ولو كانت تخالف النصوص القطعية الورود والدلالة ، فإلى الله المشتكى .
وقال الماوردي في الحاوي 13/91 : والدليل على وجوب الرجم بخلاف ما قاله الخوارج الأخبار عن الرسول صلى الله عليه وسلم قولا وفعلاً وعن الصحابة نقلاً وعملاً واستفاضته في الناس وانعقاد الإجماع عليه حتى صار حكمه متواتراً ، وإن كان أعيان المرجومين فيه من أخبار الآحاد وهذا يمنع من خلاف حدث بعده .
وقال ابن حزم في مراتب الإجماع ص 129 : واتفقوا انه اذا زنى وكان قد تزوج قبل ذلك وهو بالغ مسلم حر عاقل حرة مسلمة بالغة عاقلة نكاحا صحيحا ووطئها وهو في عقله قبل ان يزني ولم يتب ولا طال الامر أن عليه الرجم بالحجارة حتى يموت .
وقال في كتابه طوق الحمامة 287 : وقد أجمع المسلمون إجماعاً لا ينقضه إلا ملحد أن الزاني المحصن عليه الرجم حتى يموت .
وقال ابن رشد الحفيد في بداية المجتهد 2/325 : فأما الثيب الأحرار المحصنون فإن المسلمين أجمعوا على أن حدهم الرجم إلا فرقة من أهل الأهواء فإنهم رأوا أن حد كل زان الجلد وإنما صار الجمهور للرجم لثبوت أحاديث الرجم فخصصوا الكتاب بالسنة أعني قوله تعالى (الزانية والزاني ) الآية .
وقال ابن قدامة في المغني9/39 : وجوب الرجم على الزاني المحصن رجلا كان أو امرأة قول عامة أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء الأمصار في جميع الأعصار ولا نعلم فيه مخالفا إلا الخوارج فإنهم قالوا الجلد للبكر والثيب لقول الله تعالى :الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ، وقالوا لا يجوز ترك كتاب الله الثابت بطريق القطع واليقين لأخبار آحاد يجوز الكذب فيها ولأن هذا يفضي إلى نسخ الكتاب بالسنة وهو غير جائز .
ولنا – معاشر أهل السنة – أنه قد ثبت الرجم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله في أخبار تشبه المتواتر وأجمع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم …وقد أنزله الله تعالى في كتابه وإنما نسخ رسمه دون حكمه…إلى أن قال : وهذا سائغ بغير خلاف فإن عمومات القرآن في الإثبات كلها مخصصة ، وقولهم إن هذا نسخ ليس بصحيح وإنما هو تخصيص ثم لو كان نسخا لكان بالآية التي ذكرها عمر رضي الله عنه. وقد ثبت أن رسل الخوارج جاءوا عمر بن عبد العزيز رحمه الله فكان من جملة ما عابوا عليه الرجم وقالوا: ليس في كتاب الله إلا الجلد، وقالوا: الحائض أوجبتم عليها قضاء الصوم دون الصلاة والصلاة أوكد ، فقال لهم عمر: وأنتم لا تأخذون إلا بما في كتاب الله ؟! قالوا : نعم ، قال : فأخبروني عن عدد الصلوات المفروضات ، وعدد أركانها وركعاتها ومواقيتها أين تجدونه في كتاب الله تعالى ، وأخبروني عما تجب الزكاة فيه ومقاديرها ونصبها ؟؟ فقالوا: أنظرنا ، فرجعوا يومهم ذلك فلم يجدوا شيئا مما سألهم عنه في القرآن ، فقالوا : لم نجده في القرآن ، قال فكيف ذهبتم إليه ؟ قالوا : لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وفعله المسلمون بعده ، فقال لهم : فكذلك الرجم وقضاء الصوم فإن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ورجم خلفاؤه بعده والمسلمون وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء الصوم دون الصلاة وفعل ذلك نساؤه ونساء أصحابه .
وقال ابن تيمية في فتاويه 20/398 -399 : ..ان جلد الزانى ثابت بنص القرآن وكذلك الرجم كان قد أنزل فيه قرآن يتلى ثم نسخ لفظه وبقي حكمه وهو قوله ( والشيخ والشيخة اذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم ) وقد ثبت الرجم بالسنة المتواترة واجماع الصحابة ، وبهذا يحصل الجواب عما يدعى من نسخ قوله ( واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم) الآية فان هذا إن قدر انه منسوخ فقد نسخه قرآن جاء بعده ثم نسخ لفظه وبقى حكمه منقولا بالتواتر. وقال في 28/333 : واما الزانى فإن كان محصنا فانه يرجم بالحجارة حتى يموت كما رجم النبى ماعز بن مالك الأسلمي ورجم الغامدية ورجم اليهوديين ورجم غير هؤلاء ورجم المسلمون بعده .
وقال ولي الدين العراقي في طرح التثريب 8/3: رجم الزاني المحصن في الجملة مجمع عليه وقال ابن عبد البر هو أمر أجمع أهل الحق عليه وهم الجماعة أهل الفقه والأثر ولا يخالف فيه من يعده أهل العلم خلافا , وقال النووي لم يخالف في هذا أحد من أهل القبلة إلا ما حكاه القاضي عياض وغيره عن الخوارج وبعض المعتزلة كالنظام وأصحابه , فإنهم لم يقولوا بالرجم .
وقال الشوكاني في السيل الجرار 4/328-329 : أقول : ثبوت الرجم للزاني المحصن في هذه الشريعة ثابت بكتاب الله سبحانه وبمتواتر سنة رسوله وبإجماع المسلمين أجمعين سابقهم ولا حقهم ولم يسمع بمخالف خالف في ذلك من طوائف المسلمين إلا ما يروى عن الخوارج وهم كلاب النار وليسوا ممن يعتد بخلافهم ولا يلتفت إلى أقوالهم وقد وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية…إلى أن قال – في الرد على معاصر له استحسن قول أهل الأهواء – فيا لله العجب من الانتصار للمبتدعين على كتاب الله سبحانه وعلى سنة رسوله وعلى جميع الأمة المحمدية ودفع الأدلة الثابتة بالضرورة الشرعية لقول قاله مخذول من مخذولي كلاب النار الذين يمرقون من الدين ولا يجاوز إيمانهم ولا عبادتهم تراقيهم والأمر لله العلي الكبير.
وقال الجصاص: فإن قيل هذه الخوارج بأسرها تنكر الرجم ولو كان ذلك منقولا من جهة الاستفاضة الموجبة للعلم لما جهلته الخوارج ، قيل له : إن سبيل العلم بهذه الأخبار السماع من ناقليها ومعرفته من جهتهم والخوارج لم تجالس فقهاء المسلمين ونقلة الأخبار منهم وانفردوا عنهم غير قابلين لأخبارهم فلذلك شككوا فيه ولم يثبتوه … ألا ترى أن فرائض صدقات المواشي منقولة من جهة النقل المستفيض الموجب للعلم ولا يعرفها إلا أحد رجلين إما فقيه قد سمعها فثبت عنده العلم بها من جهة الناقلين لها ، وإما رجل صاحب مواش تكثر بلواه بوجوبها فيتعرفها ليعلم ما يجب عليه فيها ومثله أيضا من كثر سماعه فوقع له العلم بها ..وهذا سبيل الخوارج في جحودهم الرجم وتحريم تزويج المرأة على عمتها وخالتها وما جرى مجرى ذلك مما اختص أهل العدل بنقله دون الخوارج والبغاة . أحكام القرآن للجصاص 3/45 .
على أن المشهور عند جماهير أهل العلم أن قول الخوارج والمعتزلة وغيرهم من أهل الأهواء لا يعتد به في الإجماع ولا اعتبار لمخالفته ، قال الزركشي في: البحر المحيط 6/423 : قال الأستاذ أبو منصور : قال أهل السنة : لا يعتبر في الإجماع وفاق القدرية , والخوارج , والرافضة , ولا اعتبار بخلاف هؤلاء المبتدعة في الفقه … هكذا روى أشهب عن مالك , ورواه العباس بن الوليد عن الأوزاعي وأبو سليمان الجوزجاني عن محمد بن الحسن , وذكر أبو ثور في منثوراته أن ذلك قول أئمة أهل الحديث . اهـ …إلى أن قال : فإذا قيل : قالت الخطابية والرافضة كذا , لم يلتفت إلى هؤلاء في الفقه ; لأنهم ليسوا من أهله , قال ابن القطان : الإجماع عندنا إجماع أهل العلم , فأما من كان من أهل الأهواء , فلا مدخل له فيه . قال : قال أصحابنا في الخوارج لا مدخل لهم في الإجماع والاختلاف ; لأنهم ليس لهم أصل ينقلون عنه ; ولأنهم يكفرون سلفنا الذين أخذنا عنهم أصل الدين .
ويرد الإمام أبو إسحاق الشاطبي على من يظن أن المحصنات في قوله تعالى ( فعليهن نصف ما على المحصنت من العذاب ) يقصد بها اللاتي قد تزوجن من قبل ، ويقول إن الرجم لا يتنصف ، فقال رحمه الله في الاعتصام 2/315-316 : قول من زعم أن قوله تعالى في الإماء (فإن أتين بفحشة فعليهن نصف ما على المحصنت من العذاب ) لا يعقل مع ما جاء في الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم رجم ورجمت الأمة بعده لأنه يقتضى أن الرجم يتنصف وهذا غير معقول فكيف يكون نصفه على الإماء؟ ذهابا منهم إلى أن المحصنات هن ذوات الأزواج وليس كذلك بل المحصنات هنا المراد بهن الحرائر بدليل قوله أول الآية (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنت المؤمنت فمن ما ملكت أيمنكم من فتيتكم المؤمنت ) وليس المراد هنا إلا الحرائر لان ذوات الأزواج لا تنكح .
أما قول القائل اليوم ان أحاديث الرجم التي ذكرناها آنفا لا تخلوا من مقال في المتن أو في السند فهو رجم بالغيب ، والمشهور عند أهل هذا الشأن أن الكلام في العلل والجرح والتمريض لا يقبل إلا مفسرا ، بمعنى أنه لا يثبت للقائل به إلا إذا بين وجهة نظره مدعمة بالأدلة التي تثبتها عند أهل العلم ،إذ ليست كل علة قادحة – على فرض وجودها – مع أن العلل ومعرفتها ليست مرتقى سهلا يتسلقه كل من هب ودرج ، فهي كما قال الحافظ ابن حجر العسقلاني وغيره من أغمض أنواع علوم الحديث، وأدقها، ولا يقوم بها إلا من رزقه الله تعالى فهما ثاقبا، وحظا واسعا، ومعرفة تامة بمراتب الرواة، وملكة قوية بالأسانيد والمتون، أما أن يصم شخص في تغريدة – سيندم على كتابتها بين يدي رب العزة جل وعلا – الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها منكرة أو معلة بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير فهو ما لا يسلم به مسلم عاقل بالغ فضلا عن طلبة العلم وحملته ، وليت شعري هل هذه العلل مرت على الإمام علي بن المديني وأحمد بن حنبل والبخاري ويعقوب بن أبي شيبة وأبي زرعة والدارقطني …. فلم يكتشفوها ونكتشفها نحن الآن في (تويتر ) ؟؟؟!!!.
ومثل ذلك دعوى النسخ بناء على أن هذه الأحاديث الصحيحة التي تثبت حد الرجم كانت قبل نزول سورة النور إذ أن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه سئل عن الرجم أكان قبل سورة النور أو بعدها ؟ فقال : لا أدري ، فنقول : أولا : النسخ ليس بهذه البساطة إذ أنه رفع للحكم الشرعي الثابت بدليل شرعي ثابت متأخرعليه ، فهو لا يتم بالادعاء والظنون ، ولا يمكن التوصل إليه بالعقل ، كما قال سيدي عبد الله بن الحاج ابراهيم في مراقي السعود :
فلم يكن بالعقل أو مجرد الاجماع بل ينمى إلى المستند
ثانيا : مادام أن الأصل عدم النسخ ما لم يثبت النسخ بالقيود الذي ذكرنا فيجوز أن يكون الصحابي الجليل عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه لم يشهد الأحداث كلها حتى يضبط تسلسلها ويميز السابق منها على اللاحق أو شهدها وغفل عن تسلسلها فتحرز من الإفتاء فيها بغير علم فقال : ( لا أدري ) كما هي عادة السلف الصالح وديدنهم رضي الله عنهم .
وكم ب(لا أدري) أجاب المصطفى حتى أتى الوحي وإلا وقفا
وقد أثبت محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله في تفسيره التحرير والتنوير(18/149) أن القضاء بالرجم كان بعد نزول سورة النور بدليل أن أبا هريرة شهده ، وهذا يقتضي أنه كان معمولا به بعد نزول سورة النور لأن أبا هريرة أسلم سنة سبع وسورة النور نزلت سنة أربع أو خمس كما هو معروف . وهل خفي هذا النسخ على الخلفاء الراشدين الأربعة الذين ثبت عنهم في آثار لا مطعن فيها أنهم رجموا ، وخفي على الصحابة والتابعين وتابعيهم من أهل القرون المزكاة جميعا واكتشفه أبو زهرة أو من يقلده من طلبة العلم المعاصرين ؟؟؟!!!
اللهم لا .
إن من يطعن في النصوص قطعية الثبوت والدلالة الواردة في حد الرجم لأنها لا تتماشى مع هواه أو هوى مقلَديه ، تارة يتعلل بأنه صلى الله عليه وسلم بعث رحمة للعالمين فلن يأمر برجم إنسان حي بالحجارة حتى الموت ، وتارة بدعوى أن لاعقوبة للزنى أقسى من الجلد فلا عليه أن يطعن في حد الحرابة أو يدعي نسخ آيتها ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أوتقطع أيديهم وأرجلهم من خلف أو ينفوا من الأرض ) ويغمز حديث العرنيين بجعله منكرا أو معلا – فما جرى على المثل يجري على مماثله – والقتل والصلب أقسى من الرجم .نسأل الله السلامة والعافية .
وقد رد الإمامان الجصاص والفخر الرازي على من له ذائقة لغوية ما ذاقها في الحياة الدنيا ولا في الآخرة غيره يعتقد من خلالها أن قوله تعالى ( ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ) المقصود بها الجلد ، فيقول الجصاص في أحكام القرآن 5/100 : قوله تعالى: ( ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ) روي عن الحسن وعطاء ومجاهد وأبي مجلز قالوا : في تعطيل الحدود لا في شدة الضرب ، ويقول الفخر الرازي في كبيره 9/53: اللين والرفق انما يجوز اذا لم يفض الى إهمال حق من حقوق الله ، فأما إذا أدى الى ذلك لم يجز ، قال الله تعالى (يأيها النبى جهد الكفار والمنفقين واغلظ عليهم ) وقال للمؤمنين في إقامة حد الزنا : ( ولا تأخذكم بهما رأفة فى دين الله ) . وذكرتني هذه الذائقة والاعتراض بها لإبطال حد من حدود الله تعالى – وبأنه صلى الله عليه وسلم أمر بإراحة الذيبحة ونهى عن التمثيل بالبهائم – ما كان يعترض به أبو العلاء المعري على قطع يد السارق في السرقة إذ يقول :
يد بخمس مئين عسجد وديت ما بالها قطعت في ربع دينار
تناقض مالنا إلا السكوت له فنستعيذ ببارينا من النـــــــار
وللعلماء عنه أجوبة كثيرة نظماً ونثراً ، منها قول القاضي عبد الوهاب البغدادي المالكي مجيباً له في بحره ورويه :
يد بخمس مئين عسجد وديت لكنها قطعت في ربع دينار
عز الأمانة أغلاها، وأرخصها ذل الخيانة،فافهم حكمة الباري
قال الإمام محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله : والملحدون يقولون : إن الرجم قتل وحشي لا يناسب الحكمة التشريعية ، ولا ينبغي أن يكون مثله في الأنظمة التي يعامل بها الإنسان لقصور إدراكهم عن فهم حكم الله البالغة في تشريعه .
والحاصل أن الرجم عقوبة سماوية معقولة المعنى ، لأن الزاني لما أدخل فرجه في فرج امرأة على وجه الخيانة والغدر ، فإنه ارتكب أخس جريمة عرفها الإنسان بهتك الأعراض ، وتقذير الحُرمات ، والسعي في ضياع أنساب المجتمع الإنساني ،والمرأة التي تطاوعه في ذلك مثله . ومن كان كذلك فهو نجس قذر لا يصلح للمصاحبة، فعاقبه خالقه الحكيم الخبير بالقتل ليدفع شره البالغ غاية الخبث والخسة ،وشر أمثاله عن المجتمع ويطهره هو من التنجيس بتلك القاذورة التي ارتكب ، وجعل قتلته أفظع قتلة ، لأن جَرِيمته أفظع جريمة والجزاء من جنس العمل … إلى أن قال : وتشريع الحكيم الخبير جلَّ وعلا مشتمل على جميع الحكم من درء المفاسد وجلب المصالح ، والجري على مكارم الأخلاق ، ومحاسن العادات ، ولا شك أن من أقوم الطرق معاقبة فظيع الجناية بعظيم العقاب جزاءً وفاقاً، ومن هدي القرآن للتي هي أقوم : هديه إلى أن التقدم لا ينافي التمسك بالدين . فما خيله أعداء الدين لضعاف العقول ممن ينتمي إلى الإسلام من أن التقدم لا يمكن إلا بالانسلاخ من دين الإسلام باطل لا أَساس له ، والقرآن الكريم يدعو إلَى التقدم في جميع الميادين التي لها أهمية في دنيا أو دين . ولكن ذلك التقدم في حدود الدين ، والتحلي بآدابه الكريمة ، وتعاليمه السماوية . أضواء البيان 3/36-37.
فلا خير في مستقبل يبعدنا عن هدي ديننا القويم ويجعلنا نشكك في ثوابت من ديننا أطبق عليها السلف والخلف قبلنا وهذا المعنى هو الذي ضمنه كراي بن أحمد يوره رحمه الله قصيدته التي وجهها للعلماء يسألهم فيها عن حكم بعض الاختراعات المعاصرة إذ يقول فيها :
أما التقدم في الدنيا فيبعدنـــا عن ديننا الحق فاسعوا نحوه قدمــــــــــا
يا مومنين برب العرش عزوجــــــــــــل اقفوا السبيل التي من يقفها سلمـــــــــا
ألم تروا فتنا كالليل مظلمـــة يمسي ويصبح منها الموج ملتطمــــــا
لا تجعلوا دين غيرالمصطفى حكما إن تجعلوه تضلوا الحكم والحكمــــــــا
فالرأي أن نعرض الأحداث قاطبة على الشريعة قطعا يقطع التهمــــــــــا
فإن توافق فذاك التمر خالطـــــه زبد وإلا تركنا النهي محترمـــــــــــا
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ، اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
سيدي يحيى ولد محمد ولد عبد الوهاب [email protected]