غياب الحزم و استحالة الإنصاف/الولي سيدي هيبه
قيمة هي الندوة التي انتظم عقدها مساء الأحد في نواكشوط تحت عنوان “تخفيف الحكم على المسيئ.. انتهاك لحرمة الثوابت الدينية ..وتشجيع للالحاد ” و طعمتها محاضرتان قيمتان سلطتا الضوء على جوانب هامة قانونية و فقهية لما بات يعرف بـ”المسيء ولد امخيطير”. و على الرغم من أن الندوة جاءت متأخرة بعد “الوقت المختار” فإن ما حملته في صلب المحاضرتين و ما أعقب من المداخلات الثرية أثبت و بما لا يدع مجالا لشك مذبذب أن التعامل مع القضية حمل أبرز سمات النفسية الغالبة العامة لأهل البلد في التعامل مع النوازل الكبيرة و القضايا الشائكة منذ ما قبل حلول الدولة المركزية و ما اعترى تلك الحقب السحيقة التي كانت تفتقد إلى المركزية و الأمان من تناقض خلط بين الورع و الدهاء و القوة و الإذعان و القدرة رغم اختلاف التأويلات المستقاة من مشكاة واحدة – الكتاب و الفقه المالكي – التوفيق بين الضدين لضرورات البقاء و الاستمرار على نسق ما من السّلم الهش و الهدوء الحذر و قبول الآخر على حذر. و هي الملاحظة التي تفرض نفسها حينما يوحي وضوح ما يجري من تناقض مرفوض/مقبول في آن داخل سياقات إرث العقلية العامة بكل تجلياتها و كافة ملامحها. فموريتانيا البلاد التي يشتهر أهلها بغزارة العلم في وحدة المعتقد و المذهب ظلت تعاني من الاختلاف في التعاطي مع النوازل و إن حملت الاختلافات علامات التمايز في التأويل و الاستنباط و مغاير أوجه التعاطي العملي التطبيقي الذي غالبا ما يظل نظريا و على مبتغى التخفيف لألا تضيق مساحة المناورات. و لو أن الحكم الذي أصدرته محكمة “نواذيبو” في قضية ولد لمخيطير كان صادرا عن محكمة في مصر أو العراق أو سوريا أو لبنان أو تونس أو المغرب لكان أمره هينا و لوجد شبه استساغة تؤيده حيث أنه يعيش إلى جانب المسلمين في هذه البلدان مسيحيون و يهود مما يجعلها بلدانا معرضة و مجبرة على التريث و الأخذ بالإملاءات الخارجية بحكم ذلك التعايش و ما يمليه و يفرضه من تدخل مفاهيم العلمانية و الديمقراطية و سلطان القانون الوضعي و منظمات حقوق الإنسان. أما و قد كان الضعف في غياب الحسم عند أول وهلة فإن التحرك كان سريعا من طرف المرجفين الذين يتاجرون بقضايا العقيدة و حقوق الإنسان و يقبضون من ورائها أثمانا باهظة إن لم تكن قذرة فمشؤومة من حسابات إرضاء طوابير أعداء الإسلام و تلبية لطموحات الثراء و القوة. نعم إن قضية ولد لمخيطير جمعت أهل السعيين دنيئين لتخلق شرخا عميقا في جدار الدين الهش في بلاد تتقاسمها منذ كانت عوامل و مفاهيم محرفة من الجاهلية في سياق “السيبة” بشدتها الغاشمة و نفاقها المستحكم داخل سياق تراتبيتها الجائرة و التي تشكل بقايا منها حية خطرا غير معتبر؛ شدة و نفاق يأخذان في جوهر البلد جميع الأشكال و كل التناقضات ليظل الحزم في الأمور غائبا و الإنصاف في النتائج مستحيلا؛ بلد لا يستغرب فيه وحده التحول في أي أمر من الزاوية الضيقة و بشكل مفاجئ إلى الزاوية المفتوحة بأقصى الدرجات. و بالطبع فإنهم وحدهم سكانه حكاما و محكومين، فقهاء و مستفقهين، فقراء و أغنياء، متعلمين و أميين يعرفون خلطته السحرية و يملكون الجرأة المطلقة على القيام به و هم يعلنون أن لا خشية لديهم من عواقبها. أفلا يفهم في هذا السياق إفلات ولد لمخيطير من حكم الإعدام الذي طلب بشأنه انطلاقا من حكم استحالة الاستتابة كما اتفق جمهور الفقهاء في شأن “الساب” إلى فضاء الحرية بعد الطعن و التبرئة؟ و إذا و القضية قد آلت إلى حكم لا يرضي الشعور العام إن لم يكن جرحه و انتكاسة لحراك فاتر ففيما يمكن تنزيل مشروع القانون الجديد الذي يلغي و يحل محل أحكام المادة 306 من الأمر القانوني رقم 83-162 بتاريخ 9 يوليو 1983 المنشئ للمدونة الجنائية و الذي صادق عليه مجلس الوزراء يوم الخميس 16.11.2017 و قد جاء فيه: “يهدف مشروع القانون الحالي إلى إلغاء واستبدال المادة 306 من الأمر القانوني رقم 83- 162 الصادر بتاريخ 09 يوليو 1983 المتضمن القانون الجنائي، وذلك من أجل تشديد العقوبات المقررة في حق المستهزئ أو الساب لله أو رسوله أو ملائكته أو كتبه أو أحد أنبيائه”؟