قبسات من حياة الطبيب الإنسان القدوة
مع أن الشهرة غاية ينشدها الأطباء، ويبذلون فيها الغالي والنفيس، إلا أن الدكتور محمدن النحوي لم تكن الشهرة هدفه يوماً، وإنما حازها دون جهد أو عناء، بأخلاقه الكريمة وتواضعه الجم مع المراجعين لعيادته من المرضى والزائرين.
ومع أن بسمته الدائمة وبشاشته في وجوه المرضى كانتا الترياقَ الأنجع لكل داء، إلا أن دقة التشخيص قبل العلاج من جهة، وتحديد الدواء الفعال والأنسب لكل داء من جهة ثانية، ميزتان جعلتا الدكتور النحوى يحرق كل مراحل الشهرة، ليتربع على عرشها في ظرف وجيز.
بتعلق الآباء بفلذات أكبادهم، وبحرصهم على علاجهم بيده الأمينة الشافية، صار رحمه الله من ألمع أطباء الأطفال وأشهرهم في البلاد عموما، وفي العاصمة خصوصا، فلا مكان في طوابير الانتظار شاغرٌا، إذ يتم حجزها في أول ساعات الدوام، ومع ذلك لا يبرح النحوي عيادته قبل معاينة الجميع، وقليلاً ما يعود للبيت لأخذ قسط من الراحة، إلا وجد أمامه أعددا من المرضى، يمم أصحابها البيت الشافي، فتعاوده الأريحية والنشاط، وكأن منظرهم، وهم يتلقون القرى والعناية في أركان المنزل، يثلجُ قلبه..ما يزيد من حبوره هو أن من ينتظرونه في البيت أغلبهم هم زاده في الدار الآخرة، فعلاجهم هنا بالمجان كلياً، بما في ذالك الوصفات الطبية، باهظة الثمن.
قد يقول قائل إن طبيباً حقق كل هذا الصيت، في أكبر مدن موريتانيا، وفي بلد ترتفع فيه نسب الأطفال والمواليد، لا بد أن يكون قد جمع ثروة طائلة من رواد عيادته الخاصة، أو من المشافي الحكومية التي عمل بها ردحا من الزمن، كما لابد أن يكون قد ربط علاقات مثمرة مع أهل المال والساسة والنافذين.. أحد مثله، بهذه الشهرة والريادة في تخصص مرغوب، لا بد أن يكون من أثرياء البلد، ويكنز الذهب والفضة.
تلك مسلماتُ وقواعدُ بني زماننا، بيْد أن الطبيب “ولد النحوي” وهي اسم الشهرة له، آثر أن يكون الاستثناء الذي يؤكد القاعدة…لم تستهوه العمارات والقصور، ولا السيارات الفارهة، ولا ذواتُ الأربع.. آثر الثروة الحقيقية التي سوف تتبعه، وسوف ترافقه في الدار الآخرة، لا تلك التي ستمنحه القوة والسلطة والجبروت في الدنيا، والدليل إعراضه عندما أراد الرئيس ولد الطائع إشراكه في الوزارة، حيث تنازل لأحد زملائه عن المنصب، مبتعدا حتى عن شبهات تسيير المال العام.
ظلت حياته هكذا، وما نسي يوماً، رغم مشاغله الجمة، أنه من بيت مشيخة، تترتب عليه واجبات ومسؤوليات مباشرة أو بالإنابة، إذ ظلت من أولوياته، حتى انتقل إلى الرفيق الأعلى بعد حياة مليئة بالعطاء والزهد والورع، ليوارى جثمانه الطاهر إلى جانب ضريح والدته ، التي كان برا بها كما كان برا بوالده، رضي الله عن الجميع وأرضاهم
حمّاد ولد أحمد