رسالة من مغترب
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على النّبيّ الكريم وعلى اَله و صحبه بعد .. أكتب لكم من باب وتعاونوا على البر و التقوى , وكذلك من كان في حاجة أخيه كان اللّه في حاجته .. بداية أرجو أن يسعفكم الوقت و أن يتسع صدركم لقراءة هذا الرجاء .. حتى ولو من باب ..
ولابدّ من شكوى إلى ذي مودّة … يُواسيك أو يُسليك أو يتوجّع سيّدي , أنا المواطن السّيد ولد الشريف محمد أحمد .. كُتب عليّ (مثل أغلبيّة الموريتانيّين في الخارج) السّعي والمُكابدة لأتمكّن من الحصول على شهادة تؤمن لي العيش الكريم في وطني أو توفير مبلغ يساعدني على الوصول إلى مبتغاي , فكما تعلمون بالعلم والمالِ يبني الناسُ مجدهمُ .. لا يُبتنى المجدُ في جهل و إقلالِ المهم سيّدي , استقرّ بيَ النوى في جنوب افريقيا في جوهانيزبورغ , لديّ إقامة عمل و أنوي الحصول على فرصة لإكمال دراستي إن شاء اللّه . في أغسطس من العام الماضي , قدّر اللّه أنّني تعرّضتُ لعمليّة احتيال خسِرتُ على إثرِها سيارة كانت عندي وفيها بعض المستندات المهمّة و من ضمنها جوازسفري .. ذهبت إلى الشرطة وفتحت محضرا واحتفظت بنسخة عندي .. بعدها تحدّثت مع أحد الأصدقاء الموريتانيّين لديه تعامل مباشر مع السفارة الموريتانية هنا ليُسَاعدني في الحصول على جواز بدل فاقد , وسلّمته صورة من الجواز وكذلك صورة من المحضر فوعدني خيرا ثمّ بعد مدّة أخبرني أنّه سلّم ْموظف السفاره تلك الأوراق مع صور شخصية كنتُ قد أرفقتها مع الملف . وطال بي الإنتظار والرّجل يعطي الموعد بعد الاَخر , إلَى أن صدر قانون الجوَازات الجديد وتأكّد لي أنّه لابدّ من الذهاب إلى السفارة وذلك بعد ستّة أشهر من الإنتظار.. قُمتُ بكتابة طلب إلى السفير وأرفقت معه تقرير البصمات وصورة من جوازالسفر وكذلك صورة محضرالشرطه(تجدونها في الملفّات المرفقه) وذهبتُ إلى السفارة مُكره و ذلك لأنّي أعرفهم فقد خذلوني أكثر من مرّه , رغم أنّني لم أطلب أكثر من حقيّ . ولكن ليس الشّفيعُ الّذي يأتيك مُتّزرا .. مثل الشفيع الّذي يأتيك عريانا أعرفُ أحد الموريتانيّين (استقرّ به المقام الاَن في أنغولا) استطاع استخراج ثلاث جوازَات , واحدا بعد الاَخر وفي مدّة لا تتخطّى السبعة أشهر, كلّ ذلك لأنّ زوجة السفير اَن ذك من القرية اللتي يسكن فيها أهله, وكان يُمنّي النفس بمنصب القائم بالأعمال الموريتاني في بوتِسوانا وليس لديه من الشهادَات سوى شهادة زوجة السفير اَن ذك أنّه من قريتها. جئتهم يومها لأطلب سنة إضافيّة على الجواز حيث أنّ فترة التّمديد الثانية قد شارفت على الانتهاء (بناء على التسهيلات التي كانت تُقدّمها لنا القنصلية في مدينة جدّه, نظرا لما كُنّا نعَانيه من تعنّت و تعقّد القوانين السعودية تجاه الوافدين, حيث كانوا يتصيّدون الهفوات, فكانت القنصليّة تساعدنا ما أوتيت إلى ذلك سبيلا , فجزاهم اللّه خيرا ) فكان ظنّي أنّ ذلك هو ديدن بعثاتنا الدبلوماسيّة في الخارج , ولم أكن أعلم أنّ محمودهم همُّه المال يجمعهُ.. ومحمودنا همُّه جمع المحاميدِ. قال لي المحاسب أنّ السّفارة لا تملك صلاحية التّمديد, فطلبتُ منه وبحضور أحد الموظفين (والّذي لا يزال في السفارة إلى الاَن) أن أقدّم طلب الحصول على جواز جديد عن طريق السّفارة. فردّ عليّ بعفويّة وقال :إن أرسلت ملفّك عن طريقنا فسيضيع, ثمّ أردف; الأفضل أن تتّصل بأهلك في المدينة المنوّرة وتطلب منهم المساعدة.. كان ذلك أوّل يوم وطئت قدماي فيه السّفارة, فلم أشأْ أن يكون الأخير . فلم أزد على أن شكرتهما وخرجت.. بعدها كنت أزور السفارة فقط لإحياء عيد الاستقلال لا غير. ولكن بعد ذلك التّسيّب (الّذي أدخلني مدخلا عسى اللّه أن يجعل لي منه مخرجا) تحتّم عليّ الذهاب إليهم. دخلت على القنصل الجديد وكان في غاية اللباقة جزاه الله خيرا. اعتذر بلطف وأخبرني أنّ كل ما يمكنه فعله هو تسريح سفر، وإذا أحببت أن يرسل ملفي إلى انواكشوط فعلى الرحب والسّعة؛ ولكن عليّ أن لا أتوقّع أي رد؛ لأنّ الأمور الآن في يد مصلحة إداريّة لا علاقة لها بوزارة الخارجيّة.. فعدت أدراجي. المشكلة سيّدي, أنّني وُضعتُ بين خيارين أحلاهما مر, فإمّا أن أظلّ على حالة السهل الممتنع حيث لا أستطيع تحريك ساكن وكل شيء موصد أمام ناظريْ, لا أستطيع الحصول حتى على ورقة إثبات إقامة من البنك, ناهيك عن تغيير رخصة القيادة من دولية إلى محليّة، أو التّنقل من مدينة إلى أخرى فضلا عن الذهاب إلى الدّول المجاورة أو محاولة التسجيل في الجامعة، أو حتى السير بطمأنينة أثناء التجوال داخل المدينة.. وإمّا أن أعود إلى الوطن وأخفُّ ضرر قد يترتّب على ذلك هو أن أصرف ما قيمته 1200 دولار؛ أي ما يعادل 360000 أوقيّه هذا على التذكرة فقط وعلى أقل تقدير . إضافة إلى أنّي عند استصدار الجواز يجب عليّ مراجعة السّفارة الجنوب أفريقيّة في انواكشوط و إحضار صورة من الجواز الذي يحتوي على الإقامة ورسالة من الشركة التي أُصدرت الإقامة بناء على العقد الذي أُبرم معها، ويجب أن يكتب رقم الجواز الجديد في تلك الرّسالة مع صورة للجواز الجديد طبعا.. ثمّ بعد ذلك يُرسل الملف عن طريق السّفارة إلى أن يصل إلى وزارة الدّاخلية؛ حيث يتم التأكّد من المعلومات، وبعدها تتم الموافقة على طبع معلومات الإقامة على الجواز الجديد. هذه العملية تتِمّ هنا (ونحن على مرمى حجر من وزارة الدّاخليّة) على الأقل في ثلاثة أشهر، وهذا مع المراجعة الدّؤوبة؛ فكيف بمن هو في موريتانيا وينتظر. تُرى على من ستقع اللائمة في ضياع أربعة أو خمسة أشهر مع المصاريف والتذاكر, أم أنّه يحسبُ الممطورُ أنّ كلا قد مُطر!. على المسؤولين في الدّولة الموقّرة الجلوس في الظل وإصدار القرارات التي لا استثناءات ولا رحمة ولا إنسانيّة فيها, وعلى الشعب أن يركع لها ولو على الجمر. سبحان اللّه. إذا كانت أركان الإسلام فيها رُخص, ليست سُننا أو مندوبات، وإنّما أركان مُنزّلة من ربّ العزّة والجلال سبحانه؛ حيث نجد في الركن الأول (إلّا من أُكرهَ وقلبُهُ مطمئن بالإيمان). وفي الركن الثّاني (ليس عليكم جُناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم) الاَية. وفي الركن الثالث (واَتوا حقّهُ يومَ حصاده)؛ فلو تلف قبل ذلك اليوم فلا زكاة فيه. وفي الركن الرّابع (فمن كان مريضا أو على سفر فعدّة من أيّام أُخر وعلى الذين يُطيقونه فدية طعامُ مسكين). أمّا الخامس ففيه قول اللّه تعالى (لِمن استطاع إليه سبيلا). أفلا يكون هناك استثناءات في قرارات الحكومة الموقرة!!. سيّدي, أرجو أن لا يكون الموريتانيّون في الخارج أشقى الناس بالقوانين الجديدة, ثمّ قبل الخوض في القوانين تُرى ما المآثر التّي تُدلّ بها الدولة علينا! ألأنّها بدأت بتنظيف الطرق, تريد أن تنتهيَ بتعبيد الناس!!. تُرى ما المبرر؟ نحن وإن كنا على دين الرّوهنغيا؛ فالدّولة ليست على دين البوذية, حتى الروس (وفي عنفوان إلحادهم) لم يفرضوا على مواطنيهم قطع أكباد البُخت لِيحصلوا جوازات سفر. وإذا كان الصوماليون وهم من هم في التّناحر, لهم في كل دولة (توجد فيها جالية صومالية) مكتب يستصدر الجوازات وباستخدام اَخر التقنيّات. هذا ودولتهم ليس فيها حكومة منذ أكثر من عقدين. فكيف بدولة تجاوزت النّصف قرن في التّكوين وتُعتبر الثانية في العالم في إنتاج الحديد الخام بعد البرازيل, وصاحبة ثاني أكبر منجم ذهب في العالم بعد جنوب أفريقيا, إضافة إلى أنّ خبراء الاقتصاد ذكروا أنّه بحلول 2013 والذي لا يفصلنا عنه سوى أيّام ستكون موريتانيا ثاني أكبر مُصدّر للنفط في أفريقيا بعد نيجيريا، وكلنا يعلم بعد المسافة بينا وبين الدول المذكورة وفي كل شيء رغم أن كل الأرقام في صالحنا ولكن… فما ينفع الأصل من هاشم.. إذا كانت النفس من باهله وأعني هنا الحالة؛ وليس أصحابها.. هذا، ولم نتحدث عن الثروة السمكيّة أو الحيوانيّة وغيرها الكثير من الثروات الطبيعيّة والتيّ لو أُنفق عُشر ريعها على بناء الوطن لأصبحنا بلد الثلاثة ملايين مليونير؛ حتى ولو بالعملة الوطنيّة. فسبحان اللّه.. كل هذا الخير ونحن عمود الارتكاز في قائمة الدول الأكثر فقرا في العالم وبصفة دائمة. رغم كل هذا الخير المنهوب على مدار أكثر من نصف قرن, لم يُجرّم الشعب شخصا بعينه؛ بل رفع المؤونة عن الدولة ما استطاع إلى ذلك سبيلا. فالمواطن بعد الله سبحانه وتعالى يعتمد على دخله وجهده الذاتي في توفير مستلزماته كلها, إذا لم يجد عملا ذهب إلى أيّ دولة (مجاورة كانت أم نائية) للبحث عن عمل عن طريق الأقارب أو الأصدقاء.. حتى الدراسة أو العلاج أو أيّ مجال آخر, والسبب أنّنا تربّينا على أن نتّخذ الدولة صاحبا من بعيد ونحاول ألّا نعتمد عليه إلّا في الحقوق التّي أوجب اللّه لكل منا على الآخر؛ كإجابة الدعوة والتشميت والعيادة إلى باقي الحقوق الستّة الّتي للمسلم على المسلم. فكذلك بالنسبة للدولة لا نكره أنفسنا على طلب العون من جهاتها المختصّة, إلاّ في الواجبات الّتي تعتبر من المُسَلّمات مثل تسهيل الحصول على جواز السفر للمواطنين.. هذا بالنسبة للعالم كلّه تحصيل حاصل, ليس هناك دولة على وجه الأرض تفرض على مواطنيها العودة من أقاصي البسيطة فقط للحصول على جواز سفر؛ وإلّا فما الفائدة من صرف الملايين على افتتاح السّفارات.. أليس من واجب السّفارات رعاية مصالح شعوبها؟ أم أنّ هذه الأبجديّات ليست في قاموس الدولة الموريتانيّة. أين وزارة شؤون المغتربين؟ أم أنّها رضِيت من المراكب بالتعليق. أليس المغتربون شريحة من شرائح المجتمع لها حقوق مثلما عليها واجبات. أليس لها نُوّاب في البرلمان أو ممثّلون في مجلس الشّيوخ؟ أم أنّ الموريتاني لا حقّ له في التّمتع بالمواطنة مثل بقيّة شعوب الأرض. سبحان اللّه.. أحرام على بلابلهِ الدّوحُ .. حلال على الطير من كلّ لون كلّنا نحبّ موريتانيا، وكلّنا يتمنى أن يحيا فيها ويموت, وكلّنا يعرف في قرارةِ نفسهِ أنّه موريتاني, سواء كان مقيما أو مهاجرا. ولكنّ السؤال هو ما الذي سيعود على الدّولة عندما تُكلّفنا ما لانطيق وما الفائدة من الإفساد وتضييع الوقت علينا! وإذا كانت السّفارات ليست في عير مسؤوليّة إعادتنا إلى أرض الوطن ولا في نفير الإحصاء؛ فمن الخير إقفالها وتوفير النّفقات، أو على الأقل يصدرون جوازات من النسخ القديمة لمن هم في مثل حالتي كحل وسط؛ لأنّ مستودع الجوازات لازال غاصا بتلك الشكليات أو الجوازات، أو يتحمّلون عنّا نفقات السفر. إن كانوا حقاً وطنيين وحريصين على المصلحة الوطنية العامّة والّتي لا يمكن أن تتمّ إلاّ بإلغاء كل الجوازات السابقة وإجراء إحصاء شخصي ووجها لوجه حتى يتسنى للمواطنين الحصول على الجواز الإلكتروني الذي يخرج من الظلمات إلى النور, رغم أنِه يمكن للمواطنين من أفقر الدول الإفريقية كملاوي؛ حيث تباع الفئران المشوية عند تقاطعات الطرق وفي الأسواق العامة (ومن أراد الاستزادة فعليه كتابة مهنة بيع الفئران في ملاوي في اليوتيوب youtube ليرى تقرير البي بي سي BBC العربية المُصور) الحصول على نفس الجواز طيّب الذكر من أي قنصلية أو مكتب تمثيل لدولتهم وبهدوء لا جلجلة فيه. ختاما, أسأل الكريم سبحانه أن يدلّكم على فعل الخير ويجزل لكم الثواب؛ فقديما قيل من يفعل الخير لا يُعدم جَوازيَه.. لا يذهب العُرفُ بين اللّه والنّاسِ فلو قدّر اللّه و نوقِشت هذه القضية (أعني قضيّة المغتربين العالقين أو المحصورين في الخارج) في البرلمان أو على أيّ منبر يُعنى بهموم الشعب, سواء أكان منبرا إداريا أو إعلاميا , تكون الرسالة قد وصلت، وبعدها يفعل اللّه سبحانه و تعالى ما يشاء. على المرء أن يسعى إلى الخير جُهدهُ.. وليس عليه أن تتمّ المطالبُ.. ومن يفعل الخير يُجزَ به.. وإذا امرؤٌ أهدى إليكَ صنيعة.. من جاهه فكأنما من ماله فجازاكم الله خيرا على النشر، وجازاكم الله خيرا على هذه المساعدة النبيلة. أخوكم السّيد ولد الشريف محمد أحمد