من مدح شاعر المجون
الزمان انفو ـ رُوِي أن أبا نواس ذهب في صباه مع جماعة من الشعراء إلى الخصيب لما ولاّه الرشيد على مصر يريدون مدحه و كان الخصيب عبدًا عند الرشيد.
وفي الطريق كانوا يعرضون قصائدهم التي سيلقونها على الوالي فطلبوا من أبي نواس أن ينشدهم قصيدته فقال:
اللَّيْلُ لَيْلٌ وَ النَّهَارُ نَهَارُ*** وَ البَغْلُ بَغْلٌ وَ الحِمَارُ حِمَارُ
وَ الدِّيكُ دِيكٌ وَ الدَّجَاجَةُ زَوْجُهُ*** وَ كِلاهُمَا طَيْرٌ لَهُ مِنْقَارُ
فضحكوا منه وسخروا. فلما وصلوا إلى الوالي أنشد كلٌ قصيدته فلما جاء دور أبي نواس بدأ الشعراء يضحكون. فإذْ به يلقي قصيدة من أربعين بيتًا منها:
——————
تَقولُ الَّتي عَن بَيتِها خَفَّ مَركَبي==عَزيزٌ عَلَينا أَن نَراكَ تَسيرُ
أَما دونَ مِصرٍ لِلغِنى مُتَطَلَّبٌ==بَلى إِنَّ أَسبابَ الغِنى لَكَثيرُ
فَقُلتُ لَها وَاستَعجَلَتها بَوادِرٌ==جَرَت فَجَرى في جَريِهِنَّ عَبيرُ
ذَريني أُكَثِّر حاسِديكِ بِرِحلَةٍ==إِلى بَلَدٍ فيهِ الخَصيبُ أَميرُ
إِذا لَم تَزُر أَرضَ الخَصيبِ رِكابُنا==فَأَيَّ فَتىً بَعدَ الخَصيبِ تَزورُ
فَتىً يَشتَري حُسنَ الثَناءِ بِمالِهِ==وَ يَعلَمُ أَنَّ الدائِراتِ تَدورُ
فَما جازَهُ جودٌ وَ لا حَلَّ دونَهُ==وَ لَكِن يَصيرُ الجودُ حَيثُ يَصيرُ
فَلَم تَرَ عَيني سُؤدُداً مِثلَ سُؤدُدٍ==يَحِلُّ أَبو نَصرٍ بِهِ وَ يَسيرُ
زَها بِالخَصيبِ السَيفُ وَ الرُمحُ في الوَغى==وَ في السِلمِ يَزهو مِنبَرٌ وَ سَريرُ
وَ إِنّي جَديرٌ إِذ بَلَغتُكَ بِالمُنى==وَ أَنتَ بِما أَمَّلتُ مِنكَ جَديرُ
فَإِن تولِني مِنكَ الجَميلَ فَأَهلُهُ==وَ إِلّا فَإِنّي عاذِرٌ وَ شُكورُ
———————- فذهل الشعراء منه و قالوا: ما منعك أن تنشدنا هذه القصيدة عندما طلبنا منك ذلك فقال: خشيت أن تعجبكم فتسرقونها. —————————
ويقال إن الأمين لما تولى الخلافة قال لأبي نواس ،و كان من شعرائه المقربين: إذا كنت قلت في الخصيب الذي هو عبد عندنا:
إِذا لَم تَزُر أَرضَ الخَصيبِ رِكابُنا== فَأَيَّ فَتىً بَعدَ الخَصيبِ تَزورُ
فماذا أبقيت لنا؟ قال: أبقيت يا أمير المؤمنين قولي فيكم:
إِذا نَحنُ أَثنَينا عَلَيكَ بِصالِحٍ==فَأَنتَ كَما نُثني وَ فَوقَ الَّذي نُثْني
وَ إِن جَرَتِ الأَلفاظُ مِنّا بِمِدحَةٍ==لِغَيرِكَ إِنساناً فَأَنتَ الَّذي نَعْني