رد سريع على رد وزير الاقتصاد والمالية / محمد الأمين ولد الفاضل
الزمان انفو ـ طالعتُ ما كتبه معالي وزير الاقتصاد والمالية ردا على ما اعتبره حملة تهدف إلى إرجاع البلد إلى الوراء، ولأني كنت من بين أوائل المشاركين في هذه الحملة، فقد وجدتني ملزما بالتعقيب على ما جاء من مغالطات في رد معالي الوزير .
(1) بدءا لابد من الاعتراف بأن الوزير ـ أو العبد الفقير ـ قد أبدع في مجال التحصيل والجباية، وتلك حقيقة لا يمكن التشكيك فيها، وسواء تعلق الأمر بفترته في الضرائب، أو تعلق بفترته في الوزارة أو في الوزارتين من بعد ذلك،
فالعبد الفقير صاحب الوزارتين قد طرق أبوابا في مجال التحصيل والجباية لم تطرق من قبله، وقد خلا أسلوبه في التحصيل والجباية من الشفقة والرحمة، سواء تعلق الأمر بالجباية من الأغنياء أو من الفقراء.
ففي عهد العبد الفقير صاحب الوزارتين رفضت السلطة أن تخفض أسعار المحروقات كما حدث في كل الدول المجاورة، وظلت تتربح منها على حساب المواطن. وفي عهده تمت تصفية شركات ومؤسسات وطنية ذات رمزية، وفي عهده بيعت الأملاك والعقارات العامة، وفي عهده سمعنا ولأول مرة في بيانات مجالس الوزراء عبارة جديدة وغير مألوفة تقول: ” وقدم وزير المالية بيانا حول البيع بالمزاد العلني لمساحات كانت تأوي مدارس مسحوبة من الخريطة المدرسية”.
زادت المداخيل المتحصلة من الضرائب ومن بيع الأملاك العامة، وتراكمت الأرباح المتحصلة من فوارق أسعار المحروقات، وعرفت البلاد طفرة في أسعار الحديد والذهب لسنوات، وبيعت عشرات آلاف الرخص للمنقبين عن الذهب ، وزادت نسبة المديونية بشكل لافت، وكل ذلك صاحبته عمليات تقشف وتقتير غير مسبوقة، لم تسلم منها أي إدارة، وسمعنا ولأول مرة عن تعميم حكومي يطالب كل الدوائر الحكومية بضرورة استخدام وجهي الورقة عند الطباعة والتصوير، فأين ذهبت كل هذه الموارد والمداخيل الضخمة؟ أترك الإجابة للعبد الفقير أو لرئيس الفقراء فهما قد يمتلكان الإجابة الشافية على هذا السؤال.
(2)
اعترف الوزير بوجود حساب خاص هو الآمر فيه بالصرف، ومن الراجح بأن هذا الحساب لا يخضع لأي تفتيش، أي أنه في نهاية المطاف ما هو إلا مجرد صندوق أسود، وقال الوزير بعد اعترافه بوجود هذا الحساب بأن العلاوات المدفوعة من هذا الحساب هي أقل من العلاوات في الدول المماثلة. هذه المقارنة ذكرتني بمقارنة سابقة كان الوزير قد جاء بها للرد على المطالبين بتخفيض أسعار المحروقات، لقد قال يومها ـ وفي واحدة من مغالطاته الكثيرة ـ بأن المواطن الموريتاني والفرنسي يشتريان المحروقات السائلة بنفس السعر، ونسى الوزير بأن يقول أيضا بأن الراتب الأدنى في فرنسا يصل إلى نصف مليون أوقية تقريبا، أي أنه يضاعف عشر مرات الراتب الأدنى في موريتانيا، ولذلك، وبمنطق الأرقام فإن لتر المازوت كان يجب أن يباع في فرنسا ب3840 أوقية عندما يباع في موريتانيا ب384 أوقية.
(3)
قال العبد الفقير صاحب الوزارتين بأن هذا الحساب الخاص أو الصندوق الأسود لَم تصرف منه أوقية واحدة إلا في حقها حسب تقديريه هو، وحسب اجتهاده هو. المشكلة هنا أن تقدير واجتهاد معالي الوزير قد لا يتفق مع التقدير والاجتهاد السليم.
وكدليل على ذلك، فقد قدر معالي الوزير واجتهد ثم قرر من بعد ذلك أن يكون من بين الوزراء الثلاثة الذين سارعوا إلى الدعوة لانتهاك الدستور وإلى تجاوز المواد المحصنة منه من أجل تشريع مأمورية ثالثة.
وكان من تقدير واجتهاد معالي الوزير أن قرر الدفاع عن الشرطة فقال بأن “أي شخص في مظاهرة غير مرخصة يمكن أن تتمزق ثيابه وتسقط دون أن يكون في الأمر ما يلفت الانتباه”. قد لا يلفت مثل هذا التصرف المسيء انتباه معالي الوزير، ولكنه ـ بالتأكيد ـ سيلفت انتباه كل صاحب فطرة سليمة. وكان أن قال أيضا بأن فيديو تعرية الشاب في لكصر كان فيديو مفبركا، وبنسبة 100% ، فلماذا نسبة 100%؟ ألا تكفي يا معالي الوزير نسبة 80 أو 70 %؟
من المؤسف جدا نفي حادثة تواترت الأدلة على صحة ثبوتها، ومن المؤسف أكثر أن يتم نفيها بنسبة 100% من طرف إحصائي. إن أي إحصائي ينفي حادثة اختلف الناس حول وقوعها (الأغلبية من الناس ترى بوقوعها وتمتلك أدلة قوية على ذلك)، ينفيها بنسبة 100%، إن أي إحصائي يقوم بمثل ذلك يكون قد حكم على أقواله وأرقامه بعدم الدقة وبعدم المصداقية.
كان تقديرك واجتهادك الذي قادك ـ يا صاحب الوزارتين ـ إلى أن تقف مع الشرطة في ظلمها لجماهير النصرة، كان تقديرا خاطئا، وكان بإمكانك أن تترك هذه المهمة غير المشرفة للوزراء المعنيين مباشرة بالأمر كوزير النطق باسم الحكومة، أو وزير العدل، ولكن اجتهادك وتقديرك الخاطئ كان يدفعك دائما لأن تتولى مع الجباية بلا رحمة ولا شفقة مثل هذه المهام غير المشرفة، والتي هي ليست في الأصل من اختصاص قطاعك.
(4)
حاول الوزير في توضيحه أن يعطي شحنة سياسية للموضوع، وأن يقحم المعارضة أو “أعداء الوطن” في موضوع لا صلة لهم به. إن هذا الحديث قد دار بين نائب محسوب حتى الآن على الحزب الحاكم ووزير من دعاة المأمورية الثالثة، وكان ذلك في لجنة برلمانية من جمعية محسوبة في أغلبها للموالاة، فما دخل المعارضة، أو أعداء الوطن بالموضوع يا سيادة الوزير؟
إن ما حدث في لجنة الشؤون الاقتصادية بالجمعية الوطنية لم تكن له صلة بالمعارضة وبأعداء الوطن، وإنما جاء في إطار خلافات الموالاة التي لا تنتهي، وانشطارها إلى أجنحة تتصارع فيما بينها، ولا شك بأن هذه الصراعات تعود على الوطن بخير كبير، وذلك لأنها تكشف شيئا يسيرا من فساد النظام، وما خفي من فساد النظام أعظم.
لقد تخاصمت أنت والنائب فكشف لنا خصامكما صندوقا أسود، أو حسابا خاصا إن شئت، يدفع منه ذات الشمال وذات الشمال لمخبرين. وقد حدثت خصومة من قبل ذلك في فسطاط الموالاة فكشفت لنا عن عطايا كان يدفعها مدير الإذاعة لمخبرين أو لمدونين أو لصحفيين مقابل خدمات لا تحقق أي مصلحة عامة للوطن. إذا كانت عطايا مدير الإذاعة بذلك الحجم الذي ظهر في الكشوفات البنكية، فإن عطايا العبد الفقير الذي يتولى الوزارتين ستكون أضعاف عطايا العبد الفقير الذي كان يتولى تسيير الإذاعة.
من الراجح بأن عطاياكم كانت كبيرة جدا، وربما يكون ذلك هو السبب الذي جعل أحد نواب الجمعية الوطنية يظهر بذلك المظهر المثير للشفقة ذات جلسة علنية، فيقسم بالقرآن الكريم وهو صائم بأنه لم يحرف شيئا مما ذهب به من عندكم، فما الذي ذهب به النائب من عندكم؟ أتركك لكم الإجابة. شيء آخر قاله النائب كانت لافتا، وذلك عندما حذركم من أولئك الذين تعطونهم الأموال على ما يحملون إليكم من أخبار كاذبة. ألا يدل هذا على وجود مخبرين؟ لقد اعترفتم في ردكم بوجود مخبرين، ولكنكم قلتم بأنهم ليسوا مخبرين بالمفهوم القدحي للكلمة. طبعا نحن نختلف في العديد من المصطلحات وما قد لا تعتبره أنت قدحا قد أعتبره أنا كذلك، ولتأكيد ذلك فيكفي أن أذكرك بأنك كنت قد اعتبرت بأن تجريد مواطن من ثيابه من طرف الشرطة هو من الأمور التي لا تلفت الانتباه!
(5)
تحدثت كثيرا عن محاربة الفساد، وأنت تعلم يا صاحب الوزارتين بأن محاربة الفساد ما هي إلا شعار للاستهلاك السياسي قد انتهت صلاحيته. ولعل العبد الفقير يذكر بأنه في العام الماضي قاد مسيرة حكومية تم تنظيمها لتخليد اليوم العالمي لمحاربة الفساد، وأعلن على هامش تلك المسيرة عن أسبوع كامل من الأنشطة لتخليد اليوم العالمي لمحاربة الفساد. في هذا العام لم يتم تنظيم أي نشاط لتخليد هذا اليوم، فما هو السبب لعدم تنظيم أي نشاط لتخليد اليوم العالمي لمحاربة الفساد في هذا العام؟ من المؤكد بأن الجرأة لا تنقصكم يا معالي الوزير، ولكن يبدو أن ما انكشف من فساد كبير في هذا العام قد غلب جرأتكم، وأجبركم بالتالي على تجنب تخليد هذا اليوم في هذا العام.
(6)
لقد كانت الحجة التي ألغى على أساسها “رئيس الفقراء”غرفة الشيوخ هو أن هذه الغرفة تكلف خزينة الدولة أعباء مالية كبيرة دون أن تحقق مصلحة عامة بحجم تلك الأعباء. ألم يكن الأولى أن يتم إلغاء هذه الحسابات الخاصة أو الصناديق السوداء التي تكلف عبئا كبيرا على الميزانية دون أن تحقق مصلحة عامة؟
صحيح أن هذه الحسابات الخاصة أو الصناديق السوداء قد أسست في الأصل من أجل تحقيق مصلحة وطنية عامة تتطلب إنفاقات مالية سرية يتولاها في العادة موظف واحد، ولكن المشكلة أن المصلحة العامة كثيرا ما تختلط مع مصلحة النظام أو مع المصلحة الخاصة للموظف الآمر بالصرف، ولذلك فقد كانت عطايا مدير الإذاعة، وقد كانت عطاياكم في غير مصلحة عامة، وهو الشيء الذي يمكن استنتاجه من أحاديث النائبين : الشيخ ولد أمبارك ومحمد ولد ببانه.
(7)
لا خلاف يا معالي الوزير بأننا جميعا فقراء إلى الله، وبأن كل واحد منا هو عبد فقير إلى الله، لا خلاف على ذلك، ولكن تبقى للفقر دلالته المعروفة في الاستخدام الشائع عند الناس.
أنت لست فقيرا بالمعنى الأخير، فأنت تأخذ بالإضافة إلى راتبك وإلى العلاوات وإلى أشياء أخرى ثلاثة ملايين ونصف مليون أوقية من الحساب الخاص أو الصندوق الأسود، ثم إن رئيسك ليس برئيس الفقراء.
معالي الوزير نحن لا نفتخر مطلقا بأننا فقراء، فالفقر ليس صفة تستحق أن نفتخر بها، ولكن يستفزنا أن تسلب منا أنت ورئيسك هذه الصفة، وذلك بعد أن سلبتم منا كل شيء : الديمقراطية، والوطنية (فأنتم تصفوننا بأعداء الوطن)، وقد وصل بكم الأمر في الفترة الأخيرة إلى أن سلبتم من البعض ثيابه، وتركتموه على الشارع عاريا كما ولدته أمه. فمن فضلكم اتركوا لنا الفقر، ولا تنافسوننا فيه، فما تأخذه أنت فقط يا سيادة الوزير من الحساب الخاص كل شهر يكفي لتشغيل مركز صحي بقرية فقيرة لسنة كاملة.
(8)
أختم هذا الرد بالحوار الذي كنت قد نشرته على صفحتي الخاصة على “الفيسبوك”، وهو الحوار الذي كنتُ قد أعددته من خلال إعادة صياغة ما نشره موقع “صحراء ميديا”، مع التأكيد بأني قد احتفظت بنص الكلمات التي نقلها الموقع عن الوزير والنائب دون أن أزيدها أو أنقصها بحرف واحد. ـ النائب ولد ببانة : يوجه سؤالاً إلى الوزير ولد اجاي عن ضرائب تجمع خارج إدارة الضرائب قال إنه يود معرفة أين ذهبت تلك المبالغ وكيف تم صرفها؟ ـ الوزير ولد اجاي يرد : “المبالغ موجودة على شكل صندوق أسود تابع لوزارة الاقتصاد والمالية، يأخذ منه الوزير 3 ملايين أوقية ومدير الضرائب، كما أعطي منها للمخبرين والنواب الذين أنت من بينهم” ـ النائب ولد ببانة : “أنت لست إدارة أمن الدولة وليس من مهامك التعامل مع المخبرين، وأنا لم يسبق أن أوصلت لك أي معلومات حتى أقبض منك” ـ الوزير ولد اجاي : “نعم أوصلت لي معلومات بخصوص فساد وزارة العدل” ـ النائب ولد ببانة : “نعم، لقد أوصلت لك هذه المعلومات، وسبق أن قلتها في العلن وقلتها لوزير العدل، ولكني لم أقبض منك أي مبالغ” ـ الوزير ولد اجاي : “ربما لأن المعلومات التي جلبت أقل من أن تستحق ثمنا”.
حفظ الله موريتانيا..