رحيلُ النَّخيل .. !!
الزمان انفو ـ تناهى الى سمعي خبرُ رحيل الايقونة كابرْ هاشم ، أولَ الأمر اقنعتُ نفسي انها كذبةٌ كبرى اختلقها احدهم ، لكنني بعد سويعاتٍ من التحري ايقنتُ ان سيدَ الحرفِ والصابرين والمُتقين قد انتقل إلى جوارِ ربه وأن دولةَ الشعرِ هُدت أركانها بعدما توارى عن انظارنا فارسُها الذي ناطح العلياء وهيئ لشعبها من سدنة الحرف كل أسباب النجاح.
اليومَ وانا اتلقفُ أخبارَ الرحيل ادركت ان كابر كانَ صادقاٌ حين قالَ إن النخل يموتُ واقفا ، وإن الرجال مواقف ، وإن المُدثرين بالرفعة لن ينالَ منهم خونةُ الحرفِ والتاريخ .
تعرفتُ على حرفِ الرجل من خلال قصيدته “حدَّث النخلُ” التي حفظتها قبل ان اكمل العاشرة من عمري لأتلوها عليه بعد عشرين سنة من ذاك التاريخ في مقر “اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين” ومنذ ذلك اليوم بدأت رحلتي مع الرجل الذي جعلني من “المُقربين” دليلُ ذلك انه كان يخُصني – دون غيري- بقراءة نصوصه في المحافلِ الرسمية ، وكنتُ حين اطلبُ منه الاستماع الي “للتَّدقيق” يردُ بالقول ما اخترتُك إلا بعد “تدقيقِ” .
حين كان يشرفُ على مهرجان اتحاد الأدباء كان يقولُ لي هذا “موسمُ الكيطنة” فهل املكُ من الشجاعةِ حرمانَ احدٍ منه ، تلكَ ليستْ اخلاقَ “اهل النخيل” ، وقد صدق واوفى وخرجَ من الاتحاد طاهرا كما دخله اولَ مرةٍ.
لا اتذكرُ البتة ان الرجل تنكرَ لأحد ، ولا خان أحدا ولا طعن في الظهر كما يفعل اهل الشعر في هذا المنكب ، كان كابر – رحمه الله – خيلا تسابقُ الريح ، ومجدا تليدا شيده بأخلاقه التي وسع بها الناس جميعا ، كان استثناء في زمن التشابه ، كان كابر نصيرَ الضعفاء والمحرومين والحيارى ، والوحيد الذي تلقف شعر الأجيالِ الجديدة بالاحتفاء عكس من جحدوا فضل الجديد وتميزه.
بهي الطلعة والطلة سيدُ الصابرين يودعنا اليوم – الى جنات النعيم – تاركاً ورائه تاريخاً حافلا بالفتوحات ، وسيفا شعريا صقيلا حاربَ به الدخلاء والأدعياء والمنتشرين في سوح الشعر جراداً لا يبقي ولا يذر ، يتركُنا كابر بعدما ضرب لنا في بحر الشعر اللجي طريقا يبسا لا نخافُ فيه دركاً ولا نخشى غرقا ..
رحم الله من ساسَ دولةَ الأدب بالأدب وإنا لله وإنا اليه راجعون ..
المسرحي والصحفي / بون ولد اميده