انا وشرطة الامارات
الزمان انفو ـخلال العام اربعة وتسعين كان الحدث الأبرز هو اعلان اكتتاب الامارات لشرطيين ستكونهم من الصفر لتوظفهم في دوائرها الأمنية،اذكر انني جمعت الأوراق اللازمة وبدأت الاتصالات مستفسرا عن مكان تقديم الملف،ثم سرت شائعة تقول إن المترشحين سيكونون بالآلاف وان على الجميع ان يبيتوا ليلهم بالقرب من مدرسة الشرطة حتى يتسنى لهم تقديم ملفاتهم في الوقت المناسب
علمت من مصادر قبلية ان شخصا واحدا من المسمى تسمى باسم مفوض،وانه يقيم في مدرسة الشرطة،وخلال الساعات الأولى للمساء كانت زوجة الرجل الفاضلة منت سيديا تكرم وتسهر على راحة مائة شخص اوتزيد،اخذ كل واحد منا موقعهفي الصالون والردهة والرواق والبيوت وحتى غرفة النوم والفناء،ويبدو ان الفتاة استعانت ببعض عمال المنازل لتتمكن من استضافة هذا الكم الهائل من الأصهار،ذبائح وعشاء وشاي على مدار الساعة،ووجوه تعيسة يائسة محبطة،يحلم كل واحد من هؤلاء بان يعود العام القادم الى موريتانيا ومعه سيارة خمس مائة واربعة نيجيرية ومسجل بشريطين يرسل العابا نارية مع الموسيقى هذا طبعا مع اشرطة صباح “يدلع يدلع” وام كلثوم وغيرها من الأشياء التي تميز بها العائدون من تلك البلاد..في جيب سترتي قنينة من عصير “اسلام فروي” وبسكويت من نوع “توستادا اكريما”،زودني بها الوالدان لعل وعسى احس مسغبة او تعبا داخل المدرسة،لا اعتقد ان ايا من جلستي قد تمكن من النوم وإن استلقى الجميع بنظام علبة السردين،لكن كل واحد منهم كان يحاول النوم قليلا ثم سرعان مايخرج على عجلة ليدخن او ليتأكد من ان الحذاء جاهز ومعلوم المكان، او ليرتب حلما اوكابوسا زاره في اغفاءته، دوت الصفارات في المدرسة عند الساعة الثانية فدخل من كانوا خارج الأسوار وهم الوف وخرج اهل “الفي آي بي”من مناماتهم وجحورهم لتبدأ حرب حقيقية،اذ مد الطوابير في هذه الحشود يكاد يكون مستحيلا،فحين ينتظم صف ما وتجد لنفسك -رغم الغبار والعراك-مكانا فيه يأتي الصراخ في الظلام: الصف الحقيقي هوذا،فيهاجر الناس اليه وهكذا حتى ابتسم الصبح عن احذية بلا اشخاص وساعات “الكترونيك” تطايرت اعدادها في الساحة الكبيرة ووجوه مغبرة عابسة واعين كالشهب،وآلاف الأشخاص، رجل نظيف يبدو عليه اثر النعم وآخر بربطة عنق من ” بوفيروس” قدم للتو من الريف وربما يعتقد انه الآن في الامارات وغلام لما يبلغ الحلم وعجوز سيرد له الملف فور تسليمه..السحنات تشي بحال البلاد وسكانها،لكل واحد من هؤلاء قريب عاد من الامارات بطقوس خاصة،ففي الريف هناك يصر الشرطي في اجازته على الظهور بمظهر خاص ومختلف،يرمي المنشفة على منكبه،ويحمل بيمناه ملزمة الحمام حين يهم بالاستحمام،يستخدمون شامبو ” دوب” وغسول مابعد الشامبو ورغوة المانت الخاصة بالحلاقة، اما في بيوتهم المشيدة حديثا فرائحة الشواء تفوح ويكثر لديهم الطعام المنوع،سلطة وقد تناثرت فوقها قطع البصل المنقع في الخل والكثير الكثير من خبز انواكشوط،اما البطاريات فيرسلونها الى الشارع وفيها حاجة مصباح احد القرويين،( الباتري الحي)..ببساطة كانوا قمة القمة،وكانو يستخدمون عبارات من قبيل ” شكرا” ” عن اذنك” “اضطرارية”” الشهر عشرة” و ” اجازة”..وكانوا يلاطفون الجميع ويبشون في وجه البائس ” محمود” الذي لايهتم له احد،ونضحك نحن منهم لأنهم غريبو اطوار،لكن كنا نغار منهم..
محمد الأمين محمودي
يتواصل