حوار عاجل أو مسير نحو القصر!
تلك محصلة المتابعات المتئدة لساحة المعارضة، خصوصا “المنسقية” الأكثر راديكالية من بين فعاليات ما يدعي هذه التسمية، أيالمعارضة طبعا.بل ومحصلة التأمل المرهق والتوقع المفتوح.
هكذا ضمن الجدل الصاخب الهادئ، الذي يتوقع انطلاقه بين أجنحة “المنسقية”: صقور وحمائم ووسط.
صقور يقودها التجمع “سيدي بابه” وحاتم “صالح”وإيناد “عبد القدوس” والطلائع “عبد الرحمن” أو إن شئتم مدير “سونمكس” السابق المظلوم مولاي العربي وغيرهم، وفي صف الحمائم “تقدم” أو ufp، وفي صف الوسط “تواصل” الذي يحسب بدقة وحزب “التكتل” الذي يرغب دوما في الكرسي مع عدم تطرف في المواجهة عرف عنه على الدوام، ربما برافد من ثقافة الصلب والرحم، أعماما وأخوالا، فضلوا –تاريخيا- عدم مواجهة الخصم بعنف أو صدام كبير.
أجل، المنسقية إما أن تنجح في الدفع بالساحة من جديد إلى حوار أكثر جدية وتميزا وحسما في تجاوز الانسداد السياسي الراهن، الذي تدعيه ويدعيه الكثيرون، وإما أن يكون نموذج “الاتحادية” على غرار الحدث المصري هو المتاح-فحسب- والله يحفظ من آثار المواجهة، أو فتنة تقع فيها الأطراف، بقصد أو بغير قصد، أو بتخطيط داخلي أو إقليمي أو خارجي.
على كل حال، الساحة السياسية في الوقت الحالي، على أعتاب مفترق طرق، لا أقول خطيرا، بقدر ما أفضل عبارة حساس، فأجواء “تقدم” بدأت تفلح تدريجيا في حقني بشيء يسير مبرمج من سياسة المساومة المثيرة للجدل، وربما المساومة والمحاورة والمجاملة أولا، في العبارة قبل القرار.
المهم وباختصار لن يفلح دعاة الحوار داخل المنسقية، في الإقناع بمجرد الدعوة العلنية الجماعية للحوار، وحتى لو أفلحوا فلن ينجحوا في الوصول مع ولد عبد العزيز إلى ضمانات مطمئنة، لأن لديهم أدلة مفحمة ناطقة وصامتة وما بينهما، تؤكد تلاعب الرجل الماكر بالمعاهدات، عندما لا تكون في صالحه، ولا أقول إن العرق دساس، ولكن أقول لكل قوم سفهاء، فقومه قوم مثل القوم، ولعل كل زعيم قد يجني على قومه بمجرد شروده إلى ساحة قول أو تصرف يمقته البعض، فيقال فعلها “أهل فلان”، إنه ابن مؤسسة عسكرية عرف أصحابها بالغدر على الدوام لمصلحة الكرسي، وقديما قال عبد الرحمن الداخل، “السلطان عقيم”، أي لا عاطفة له على أحد المعاني المحتملة لهذه الحكمة الأموية، والأولى الأرجح في حساب الحاكم المستبد دائما، هو البقاء أطول فترة في كرسي الحكم.
فعلا سيتلاعب بأي حوار محتمل، مثل تأجيله وتلاعبه بحوار المعاهدة وغيرها من الأحزاب المشاركة في تلك الجولة المثيرة، الخائبة على الأقل في تجاوز الأزمة بصورة حاسمة فاصلة، أو حتى محركة لتفاؤل ذي بال.
ولن يكون من بد إلا المسير السلمي نحو القصر الرئاسي، وقد يجبن القوم فيخسروا المعركة وإلى الأبد لصالح العسكر والاستبداد وسوء تسيير الشأن العام، معنويا وماديا، وإن عزموا وقاموا، فسيربط الله على قلوبهم “وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا” من سورة الكهف، ولا مانع من الإقدام رغم مخاطر بعض العنف المحدود، فلكل ساحة وخيار محاذيره وإيجابه وسلبه.
ففي هذه الدنيا منفعة بلا وجه مفسدة، وأي مفسدة بلا وجه مصلحة، فعنصر الكدر والدخن والغش هو الطابع “الدنيوي”، ولن ينزع هذا الطابع نعيما وتكريما إلا يوم تحل الخمر ويصفو غش الدنيا إلى خلود بلا ملل ولا رغبة في التبديل والتحوير والتغيير “إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا خالدين فيها لا يبغون عنها حولا”.
والدعوة قائمة محتملة لجميع الأطراف، بأننا لا نقبل عنفا أو طيشا أو مخالفة منهجنا الإسلامي الوسطي من طرف أي طرف، أي كان حاكما أو محكوما أو مراقبا أو متآمرا على الصعيد الداخلي أو الخارجي.
فما دام يسمح الدستور والقانون للشعب بالتظاهر، على وجه مطالب سلمية، بحق معلوم دستوريا أو عرفيا، فهذا يفتح الباب، مثل الحالة المصرية وغيرها، بالتواجد عند “اتحاديتنا” أو قصرنا الرمادي كما نسميه.
ولعزيز أن يقتدي بمرسي، قياس متعمد مع وجود الفارق، فيخرج من الباب الخلفي إلى مهجع خارج المدن، مثل الموجود في إنشيري إلى حين سيطرة جناحه وعسكره، على الأمور لصالح شرعيته المدعاة، كذبا وزورا في نظر المنسقية، حقا وتأكيدا في نظر الموالاة.
وله أن يفعل ما يشاء، فالله حسيبه في الدنيا على يد عباد الله –إن لزم- وفي الآخرة على يد ملائكة الرحمن الغلاظ الشداد الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يومرون.
على كل حال لا مناص من المواجهة، ولا مناص من مواجهة الاستبداد وغصب الحقوق والأعراض الفردية والجماعية.
شخصيا تحترق نفسي، فلا أملك إلا أن أقول لها قول الشاعر من قبل:
وإذ كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام
فقد هجرت وعذبت معنويا، بنزع الملابس عمدا وقسرا، عند سجن “الوثبة” ستين كلم على ضواحي أبو ظبي، في سجن من أكبر سجون الشرق الأوسط، وجرمت بالبلاغ الكاذب، الذي لا صلة له بجرائم النشر، إن افترضنا جريمة نشر، رغم الكتابة بأسلوب غير مؤكد، “معلومات غير مؤكدة في المقابل لا يمكن نفيها”، في مدخل المقال المثير، الصادر في العدد 242من جريدة الأقصى في شهر مايو 2007، أيام الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله ونفوذ عزيز، ثم السجن بعد التسليم، والإقامة الجبرية قبل ذلك في دبي، أكثر من سنة وثلاث وعشرون يوما، والتغريم بـ300مليون أوقية بعد عفو رئاسي هش.
ولكل مواطن مثلي قصته، إلا من رحم ربك بالسلامة من هذه الفتن المتنوعة المدلهمة، مهما أعلنها أو كتمها، وهو الأغلب –أي الكتمان- لأسباب كثيرة، في بنيوية العقل العربي المسلم، ليس تأثرا بالإسلام الصحيح، وإنما تحت ضغط فتاوى وعاظ السلاطين “المشلتة” وغير ذلك من عوامل الخذلان والخنوع.
على كل حال سيكون مسيرا سلميا بإذن الله، بلا بقعة دم واحدة، إن شاء الله، على نهج الحديث النبوي الداعي للتفاؤل، من حديث بن ماجه “إن الله يحب أن يسمع الفأل الحسن”.
وسيكون مسير المنسقية المرتقب والشعب في أغلب شرائحه بوجه راجح، سلميا، ولن يجد الحاكم وأعوانه مبررا للعنف، وإن أقدموا عليه، لخطئ فادح في الحساب، فتلك النهاية ربما العاجلة القاصمة، على يد “الشعب والجيش يد واحدة”.
ليقف وحده مذموما مدحورا، إن أصر على مقاربة العنف، الذي أثبت فشله دوما، في معالجة ظاهرتنا العربية الحالية المتصاعدة الربيع العربي، المعجزة المبهرة، المعجزة فهما فعلا، والمبهم نجاحا وتميزا ورعبا في بعض الأحيان “ونصرت بالرعب من مسيرة شهر”، ولكل جواد كبوة، فشدة الاستبداد وشدة تمسك أصحابه وأعوانه به، قد تصنع المفاجآت، لا قدر الله، اللهم سلم….سلم….
وخير الكلام ما قل ودل، “يا منسقية” حذار من تعجل المسير، حتى لو كان سلميا، وأبحثوا عن طرق الحل الآمن المضمون السلامة من بقع الدم، ولو كانت صغيرة في نظر البعض، فلا مجال للاستهزاء بصغير الشرر والشهاب.
ويا عزيز ومدمني المائدة الحرام أو المشبوهة على الأقل، عند بعض الفقهاء “لمسعين”، كفاكم أكلا، فمن الأكل ما قتل أصحابه، لقد انتهى عهد الغبن والظلم ومصادرة الأرض والعرض، أولى مصادرة الرأي والقرار الشعبي، شبه الجامع.
اللهم أصلح أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
عبد الفتاح ولد اعبيدن المدير الناشر ورئيس تحرير جريدة “الأقصى”