الخيال العلمي والأدبي في رواية “أَعْشَقُنِي” لسناء الشعلان
النّاقد المصريّ: السيد الهبيان
الزمانانفو ـ الراصد للمسيرة الإبداعية للكاتبة الأردنية ذات الأصل الفلسطيني “سناء شعلان”.. تبدو له كثافة ما قدّمته من خلالها.. في المجالين العلمي تعليما ومهنية..والأدبي بمجالاته المتعددة.. القصة القصيرة والرّواية والمسرح تأليفا وإخراجا..والكتابات النقدية.. وقصص الأطفال..كالبادي من أعمالها المنشورة..التي تضمنت عددا من المجموعات القصصية..”رسالة إلى الإله”وأرض الحكايا”و”مقامات الاحتراق”و”ناسك الصومعة”و”قافلة العطش” ترجمت إلى الانجليزية و”الكابوس”الهروب إلى آخر الدنيا” و”مذكرات رضيعة”و”السقوط في الشمس”و”الجدار الزجاجي”..
كما اشتركت في مجموعات مع كتاب آخرين..”وحشة اسمها الوطن” مع كاتبات فلسطينيات ..ترجمت إلى البلغارية..”العشق”و”مختارات من القصة الأردنية” و”نصوص ودراسات”و”الضياع في عينى رجل”و”نجوم القلم الحر”و”مبدعون” مع أدباء وأديبات آخرين..وفي الرّواية”السقوط في الشمس”و”أَعْشَقُنِي”.. وفي المسرح تأليفاً” يحكى أن” و”6 في سرداب”..وتأليف وإخراج عددا من المسرحيات المتنوعة..وفي النقد”السرد الغرائبي والعجائبي في الرّواية والقصة القصيرة في الأردن”و”الأسطورة في أدب نجيب محفوظ”..بالإضافة إلى المشاركة بفصول في كتب نقد أخرى..والمؤتمرات الأدبية..وعضوية الكثير من الكيانات الأدبي’..وحصدت بذلك مجموعة كبيرة من الجوائز والدروع الأدبية..كما حظيت بعض أعمالها بدراسة متخصصة من خلال رسائل ماجستير جامعية عربية..وكتب نقدية.
من بين مجمل هذه الأعمال رواية “أَعْشَقُنِي”..التي تقول الكاتبة عنها..:أنها ولدت في حالة غضب وانزعاج من البشر القساة اللامبالين..وكانت مطيتها نحو الحرية والانعتاق..وتحايلت فيها على تقديم معادلة علمية محددة..للطاقة المفترضة في البعد الخامس..ترسم عوالم كاملة..لإنسان يعيش في منظومة استلابيّة تحوله إلى مجرد رقم..لا إرادة له ولا قرار..وينقطع عن ماضيه وإرثه وفطرته “..وأشارت إلى أن “اللجوء إلى عباءة الخيال العلمي..مكنها من التحليق دون أن يعوقها عائق..نحو تصوير مستقبل البشرية المفرغ من الإنسانية والمشاعر..وهي تحسبها بذلك “امتدادا لرواية الخيال العلمي ..عبر توليفة سردية روائية.. ترسم حياة الإنسان المستقبلي ضمن إرهاصات العلم..الخيال العلمي يفتح شرفة ثلاثية الأبعاد على مستقبل التقدم المعرفي..وفي ظله رسمت عالما مخيفا إن حكمه العقل وقادته النفعية..والإنسان المسخ في عوالم الرّواية هو صورة الإنسان المستقبلي في عام 3010 ..كان حلمي هو الانعتاق والتحرر من تابوهات المجتمع..التي تقمع الفكر والتقدم والإبداع.. وأن انعتاقها انعتاقاً للمظلومين والمقموعين جميعاً..وهذه الرّواية هي انتصار للحب في ضوء مستقبلي مفترض ..وصرخة في وجه العالم الذي نسي حرفة الحب..وتتلخص فكرتها في كلمة بطلتها في البداية..وحدهم أصحاب القلوب العاشقة من يدركون حقيقة وجود بعد خامس ينظم هذا الكون العملاق”.
هذا الاجتزاء الذي انتقيته من حوارات مع الكاتبة..ارتأيتُ عرضه للدلالة على ماهية الرّواية بالنسبة لها..وسابقا لتناولها عبر ثمانية فصول بمسميات “البعد الأول .الطول “والبعد الثانى.الزمن”و”البعد الثالث.الارتفاع” و”البعد الرابع.العرض”.و”البعد الخامس . الحب وحده” و”نظرية طاقة البعد الخامس” و”معادلة نظرية طاقة البعد الخامس”و”انطلاق الطاقة”..قدمت الأديبة الأردنية د.”سناء شعلان “في روايتها “أَعْشَقُنِي” رؤى لعالم خيالي و أدبي..على نهج روايات الخيال العلمي ..التي لم تجذب الاتجاه إليها بالقدر الذي يجعل منها رافدا له حضوره على المشهد الإبداعيّ العربيّ..لاعتقادها”أن الخيال العلمي يفتح شرفة ثلاثية الأبعاد..على مستقبل التقدم المعرفي..وممكن الإنسان المحتمل الحدوث..في محددات زمانية ومكانية..ومعرفية قادمة.. ضمن مسيرة التقدم العامودي والأفقي في مدارج الحضارة..وشكل الرّواية التقليدي في ضوء سلطات معرفية جديدة ..تعد بأن تقدم معطيات حداثية للشكل الحكائي السردي..بما يتناسب مع أيدولوجيات الطرح المختلفة ومعطيات العوالم المفتوحة..والإمكانيات المشروطة.. بما يتناسب مع فرضيات كاتب الخيال العلمي ومع نظرياته ورؤاه”..لأنّها لا تعتقد”أن الخيال العلمي مسألة ينبغي أن تدخل في جدلية حقيقية مع الثقافة الدينية..بل ينبغي أن لا يكون ذلك أبدا..فالخيال العلمي هو صيرورة للممكن والمتوقع في ظل المعطيات العلمية المستقبلية أو الممكنة “..كما أن “الخيال العلمي يقدم فسحة للعقل،لا تصطدم مع الإنسانية بكل روحانيتها وعقائدها المقدسة الطاهرة .التي يجب أن ترتقي بالإنسان وتكوينه .كما يرتقي العلم به”.
ومن ثم حددت الكاتبة إمكانية تناول هذه الرّواية بالدراسة ،وفق هذا النظر الذي صرحت به في أحاديثها التي واكبت صدورها. .والذي يمكن أن يحدد مساره حتى يمكن الوقوف على مسافة واحدة للنص وكاتبته..دون أن يعتريه الشطط في اتجاهات مغايرة ,,تخرجه عن الإطار الفعلي لكينونته..بالانسياق خلف عنونته بمسماه ــ”أَعْشَقُنِي”ــ الموحى بالنرجسية التي لا محل لها بالمعنى الذي يؤصلها في الرّواية..إذا احتسب بالمنظور العادي له.
فعند الإبحار في مضمون النّصّ الرّوائيّ.. يتبين أن ليس ثمة مكان للنرجسية فيه بشكل مباشر..لتشكيل الشّخصيّة في الأساس من رأس رجل وجسد امرأة .. مثلما يبدو حال الدخول إلى سراديب هذا النّصّ الموصوف بالخيال العلمي..والذي أهدته الكاتبة إلى أمها التي احتسبتها “نبيّة البعد الخامس”في عالمها..”صاحبة أكبر قلب وأجمل حب”..وحاملة “راية الحب الخالد”..وأتبعته بما سيحدث في العــــــام”3010″وهو يتوسط زمن الرّواية..الذي يتراوح مابين3008و3013..ليتصدرــ النّصّ ــ بعد ذلك صفحة “من يوميات امرأة عاشقة في مجرة درب اللبانة”..تحمل فكرة الرواية التي بدت من الكاتبة..من خلال حوار معها بقولها”أستطيع أن الخص فكرة الرّواية في كلمة بطلتها في البداية حيث تقول..”وحدهم أصحاب القلوب العاشقة من يدركون حقيقة بعد خامس.. ينظم هذا الكون العملاق”..لتدخل القارئ بعد ذلك إلى متن نصها الرّوائيّ ..الذي أنجزته في خريف 2009 ب “عمان” في الأردن ..وشتاء 2012 في “هافانا” كوبا..وربيعه في “شرم الشيخ” في مصر ..بما يوحى أنّها عاشت إرهاصاته على مدى ثلاث سنوات..لتستطيع أن تقدمه بصورته التي بدا بها.وفق مسار أساسي.. جمع بين تداعيات السرد الدائر حول جسد معارضة سياسية لفظت “أنفاسها الأخيرة على أيدى جلاديها”.. دون أن تتراجع عن مواقفها السياسية..أو “عن معارضتها لسياسة حكومة درب اللبانة”..ورأس أحد رجال حكومة الاستبداد التي تعارضها..بعد أن فقد جسده بفعل عملية إرهابية تعرض لها..ومسارات فرعية أخرى.. عرضت لبعض من حياة كل منهما على المستوى الحياتي.. وارتباطه بالمقربين منه ..هو بزوجته وطفليه ..وهي بوالديها وحبيبها وجنينها..بتركيز على ما يتماشى مع صيرورة الجمع بين عملية تركيب رأس رجل بجسد امرأة..جمع بينهما التضاد في الفعل المباشر لكل منهما ..قبل أن تفقد المعتقلة حياتها..ويخسر فرد النظام جسده.
ومن ثم فهي اعتمدت في الأساس على افتراض إمكانية التركيب هذه..لرأس “باسل المهري” رجل المخابرات المركزية والذي جعلت منه حكومة المجرة بطلا كونيا افتخرت به .. على جسد “شمس” المناضلة السياسية..التي سعت لتغيير نهج حياتي انحدر إلى هاوية البعد عن طبيعة الحياة العادية..
يبدوان في الفصل الأول ــ”البعد الأول.الطول” ــ بتمدد جسد “شمس” العاري على السرير الأبيض..أمام عينيه المفترض أنهما لا يزالان يبصران بالأشياء..جامعا بين ضدين في آن واحد.. باعتباره خصما مثلما كان في السابق..وغير خصم في الآن لاحتياجه إليه.. فأراده خالٍ من الحياة كما هو مسجى أمامه..بملامح وجه صاحبته الغارقة في سلام لا يتناسب مع “عذاباتها الطويلة على أيدي معذبيها”.وبحجمه “الصغير النافر الثديين..الضامر البطن..البادي النحول”..بفعل رحلة العذاب التي خلفت”الكثير من الكدمات والجروح والحروق”..ولو كانت الظروف مختلفة لما رضي به..بعد أن”شوهته يد التعذيب”..ليكون بديلا عن جسده “الممتد في أفق الجمال الذكوريّ”..لكن الأقدار هي التي جمعتهما “متقابلين على سريرين بجسدين عاريين إلا من انتظار قدري ساخر ومحموم”..دفعته إليه”رغبة الحياة والفرار من الموت”.”فركع في محراب الفرصة الثانية والأخيرة في الحياة..ولو كان ذلك على حساب كل المسلمات والطبيعيات والمعارف والمعالم والحقائق بل وعلى حسابها هي”..”بعد أن حدثت الأمور بسرعة قدرية تشبه مؤامرة تحاك في الظلام ..هي لفظت أنفاسها في زنزانة قذرة..وهو تعرض لحادث إرهابيّ..فباتت روح بلا دماغ.. وبات هو عقلاً دون جسد” رغم أنه لا يثق” بمخابرات المجرة وأطبائها ولا بالعملية المستحيلة.
ومن خلال “كل أسئلة الوجود والعدم”بدا التساؤل عن إمكانية أن تهب جسدها له لو كان الأمر بيدها..أم ستكون “عصية عنيدة كما هو شأنها في الحياة “..بحسبان أنها لم تتخل عن موقفها ضد سياسات حكومته .. رغم الزّج بها في”غياهب الزنزانات الانفرادية ” في المعتقلات السياسية الموجودة “في أقاصي كوكب المجرة”..بفعل كونها “زعيمة وطنية مرموقة في حزب الحياة الممنوع والمعارض..”وتمسكت بكبريائها وصمودها إلى أن لفظت “أنفاسها الأخيرة على أيدي جلاّديها.. دون أن تتراجع “عن أهدافها التي سعت إليها من أجل تغيير ما انتهجته حكومة درب اللبانة..في ترسيخ مفاهيمها المغايرة للطبيعة الإنسانية..وبدت “مبتسمة في لحظة النهاية”..ابتسامة تشي بسخرية لم يستطع أن يحدد ما إذا كانت منه.. أو من الموت..أو من السخرية ذاتها..لكنه فهم معناها ومدلوها فيما بعد.. وبدا له أنها “هزمته وهزمت كل دولته.. وبقيت على قيد الحياة على الرغم من أنوف الجميع ” وتمنى لو يستطيع رفض أن يكون حقل تجارب في مجال التجارب العلمي.. ليكون أول إنسان تجرى له عملية نقل دماغ حى ..إلى جسد امرأة ميتة..بعد أن احترق جسده..وتفحم ” في فخ إرهابى نصبه له ثوار المجرة”..وبات “عقلا ينبض بالحياة دون جسد”..في ذات الوقت التي “باتت فيه دون روح ودون دماغ”..لكنه جبن وضعف أمام رغبته في الحياة ..فاستسلم للأطباء الذين تجمعوا من أجل ذلك”الإنجاز الطبى المتقدم”.
وفي” البعد الثاني:الزمن” ..يبدو وهو يحاول تحديد الوقت بدقة..حيث لا مجال للخطأ في عالمه المفترض “القائم على الدقة والنظام “لأن الخطأ في”ثانية واحدة خارج الحساب الصحيح كفيلة بإحداث حوادث وكوارث مدمرة”..هكذا تعلم في عمله”الخطير الحساس”..وحال بدء إفاقته من خدره .. كان قرص الساعة الدائري الالكتروني هو”أول ما يصفح غباش عينيه”.. ولم يدرك إن كان الوقت صباحا أم مساءا.. وعندما حاول أن يحرك رأسه اكتشف أنه مثبت بطريقة ما..”فتساءل بغباء مداهم “من يكون وماذا حدث معه..ثم أغمض” عينيه ويسدر من جديد في صمت وعماء محيط”..تراءت له من خلاله مئات “الصور والذكريات”..التي تداخلت في تهويمات استشعر منها ما حدث له خلال إجراء عملية التركيب..وعندما فتحهما وجد نفسه وسط “غمامة من الرؤوس المتدافعة والوجوه البشرية المبتسمة وأخرى آلية لا تعرف الابتسام”..وعندما أمرته إحدى الممرضات”بحنان آليّ بعدم الحركة حفاظا على صحته”..انصاع لها..وسط فرح غامر “مصحوبا بصخب وتصفيق حار”..وكلمات مباركة وتشجيع..خضع بعده لمتابعة حالته باهتمام من الأطباء والممرضات..وهو “يراقص في أحلامه وفي صحوه كل ذكرياته الجميلة والبشعة والمحايدة وعديمة الملامح.ويدرك كذلك أنه دخل التاريخ من أوسع أبوابه”..وشبه نفسه برائد الفضاء “نيل آرمسترونج”.. الرجل الأول الذي وطأ سطح القمر قبل أكثر من ألف وخمسمائة عام”..ثم مرت عليه “ستة أشهر أمضاها سادرا في عالمه الدّبق الرتيب. وشهر أمضاه في صحوة مباغتة”..بدا له فيها ما حدث من تغيير في أحوال المجرة…ثم تفاجأ بعدها بما حدث في جسده الذي استبدله بالجسد الأنثويّ من تغيرات لم تكن بجسده الذكوريّ..عندما افتقد وجود قضيبه ” مخلفا وراءه تجويفا ناعما غريبا له أطراف وأشفار”.. يشبه الجزء السفلي من جسد زوجته..وبدا له تكورا في بطنه ظنه مرضا”..فأعلن رفضه له ..وطلب أن يخرجوه منه بعد أن كرهه هو وصاحبته”.
وفي “البعد الثالث:الارتفاع”.. يعرف “باسل المهريّ” أن التغيير الذي حدث ببطنه ليس مرضا وإنما بسبب حمله لجنين “شمس”في جسدها الذي حمل رأسه..وعرف من الطبيب أن”هذه الحالة تحتاج لرعاية خاصة إلى حين انتهائها تلقائيا.وقد تحتاج إلى عملية في مرحلتها الأخيرة”..كما عرف منه أن التقارير الخاصة به تفيد أن الجسد الأنثويّ الذي تم استبداله بجسده القديم.. تقبل بالكاد دماغه..ولا يمكن نقله إلى جسد ذكوريّ قبل عامين على الأقل..وعلى ضوء هذه العملية سيتقرر إن كانت ستتكرر مع غيره من البشر ..أم لا..لأنها قد “تحل معضلة الموت وتنهيه من قاموس البشرية والوجود تماما”..ثم طلب منه ــ الطبيب ــ أن يتعاون معهم ..ليتم تسجيل اسمه في “أسفار الخالدين والأبطال” .. وانتهت محاولات إقناعه بما حدث له بتساؤله عن موعد شفائه من مرض الحمل؟.
وفي “البعد الرابع :العرض”..يرى “باسل المهريّ” أن “شمس”التي كان يخشاها الجميع ويطالبها الأنصار بأن تقود ثورة تصحيحية في المجرة لتعود الأمور إلى نصابها”..ميتة الأوراق الرسمية فقط..وهو الوحيد الذي يعلم أنها موجودة..فمع جسدها يشعر “بكل الغربة والتطفل”..ويشعر بضيق منه إلى حد الاختناق..ويختصر نفسه فيه..ولكونه صار كذلك أخذ يمارس عادة التخيل والاسترجاع لما كان عليه عندما كان رجلا حقيقيا..وبدا له أن من الأجدر به الانتقام من جلاديه “الأطباء والمخابرات والمجلس القضائي الكوني الأعلى والمهتمين والإعلاميين”بسبب ما حدث له..وإن كان جسدها قد استطاع أن يهزمه فهو قد بات له.. وسيجرى عمليات تجميل ليحول جسدها إلى “جسد آخر يضج بالرجولة” ..وفي لحظة مناسبة سيهجره إلى جسد آخر ويهبه”للخراب والموت الذي كان قدره حتى ظهرت في حياته” ..وسينتصر عليها ليسترجع نفسه.
وفي “البعد الخامس:الحب وحده”..يكتشف “باسل المهريّ” أنه بات “حبيس كل الأشياء”.. إجازة إجبارية من العمل لظروفه الطارئة ..و”لائحة عملاقة من الإرشادات الطبية”..و”أسير أحلام موقوفة عن التحقق”..ومرفوضا بسحنته الجديدة من أسرته التي يرفضها هو أيضا..كما أنه “مخلوع عن الدنيا والخلق والآلات أجمعين؟”.. فيحقد على جسد “شمس” دون غيره من الأشياء..لكنّه لايدري ألأنه “الأضعف..أم لأنه الأجمل ..أو ربما لأنه الأكثر حنانا “عليه..لكنه يعود ويستشعر فيه الإخلاص له..ويجد أنه لم يعد يملك غيره ليكون..ثم يرى أن عليه قتلها “من جديد ليظفر بالحياة الحقيقية مرة أخرى”..ويفكر في كثير من الطرق التي تخرجه من جسدها..لكن محاولاته تبدو بلا فائدة..ويكتشف أن “أفضل طريقة للهروب منها هو الهروب إليها”..فيقرر أن يهادنها ليصالحها ثم يفاوضها ليخلعها من جسدها..فكثف كل ما باستطاعته من محاولات ليعرفها..فاكتشف أنها أكثر شهرة منه..و”لها مريدين وأتباع وقراء ومشجعين”.. وقد”قامت الدنيا ولم تقعد على إثر قتلها في المعتقل”..وواجهت الحكومة “حروبا شعواء من المعارضة”..وتسبب اختفاء جسدها أزمة ثقة بين الحكومة والرأى العام ..وبدت مطالبات متعددة بالتحقيق في ملابسات ما حدث لها..بينما كان هو غارقا في غيبوبته الطويلة في المستشفي€.. يعانى من المرض الخبيث الذي في بطنه..ثم بدا له فيما بعد أنه حامل في جنينها الذي استمر حيا في بطنها رغم موتها..لكنه سعد بكل ما حدث لكونه “كسب رهان الحياة من العدم والموت”..وبمعاونة “المخابرات المركزية للمجرة”..حصل”على الكثير من المعلومات الحزبية والفكرية والسياسية عنها”..لكنه ظل يشعر بأنه لم يعرفها تماما..وتراءى له أنه بمكن معرفتها أكثر من خلال “حزمة ضوئية مكتوبة”..كانت آخر شيء كتبته..واستطاع الحصول عليها بعد محاولات عسيرة. على أن يعيدها إلى ملفها بعد قراءتها..ثم بدت له مشكلة حمله لجنينها عندما عرف أنه قد ينتهي بعملية إجهاض..لن تتم إلا بعد موافقات أمنية “خاصة وشبه عاجلة .من المجلس الأعلى للمخابرات .والمجلس القضائي الكوني. وإدارة الأبحاث الطبية . ومنظمة الأطباء الرواد التي أجرت عملية نقل دماغه إلى جسدها” ..ثم أخذ يشعر حال رقوده على سريره بما تشعر به المرأة الحامل من إرهاصات بفعل حركة الجنين في بطنها..وهو يقرأ كل ما كتبته في الحزمة الضوئية التي استعارها ..وعرف منها كل تفصيلات يومياتها التي دونتها بها.
وفي نظرية “طاقة البعد الخامس”..يتابع قراءة مذكراتها التي وجدها في الحزمة الضوئية التي تعد من “فئئة الحزم الضوئية الفاخرة المزودة بروائح لونية ملازمة “..والتي حملت صفحاتها رسائل ..حب كشفت له الكثير عن عالمها الحياتي ..قبل اعتقالها على خلفية نشاطها ضد حكومته.. وأدرك خطورة حالة وضع الجنين عندما دخل شهره العاشر..دون أن”يعطى أيّ بادرة تبشر بخروج قريب”.. إلا أنه رغم القلق وحيرة الطب أمام حالته العجيبة..مال إلى الصبر والانتظار حتى لو حمل بالجنين إلى الأبد.
وفي “معادلة نظرية طاقة البعد الخامس”..يواصل قراءة الحزمة الضوئية..وهو يستعد لقدوم جنينها بقراءة الكثير عن الرضاعة الطبيعية ..”بفضل مساعده الآلى”..الوحيد الذي وقف معه في محنته لأكثر من نصف شهر.. وبدا قلق الأطباء من طول مدة الحمل وتفكيرهم في استئصاله.. بعد أن دخل في الشهر الحادى عشر.. وعندما حدثت حالة نزيف توقعوا أنها حالة ولادة في البداية..لكنهم توصلوا إلى أنها “حالة نزيف غير مفسرة”..وأصر هو على عدم التنازل عنه مهما كلفه الأمر.. وفي جمع من الإعلاميين ورجال حكومة المجرة ..على خلفية نجاح العملية التي خضع لها..سأله أحد الصحفيين عما يقوله للبشرية عنها ..نعم ام لا.. يجيب بعد صمت طويل “أن هناك ما يستحق المحاولة في هذه الحياة”..و”أن المسألة تحتاج إلى الإيمان”..وأن تجربة الحمل التي خاضها تجربة صعبة فرضت عليه فرضا ..وإجهاضه فيه خطر على حياته..لكنه حين وصلت فترة وجوده في رحمه اثنا عشر شهرا..زاد ترقبه له..وأخبر زوجته عندما زارته بعدم عودته إليها..لأنه أمام “مستقبل مختلف وخرائط ليست في جغرافيتها”.و تجاهل وجودها.
وفي “انطلاق الطاقة”.. يكمل قراءة الحزمة الضوئية ..التي تنتهي بانتظار”خالد “عودة حبيبته ” شمس” .. ويشعر “باسل المهريّ” بالأسى وهو يغلق الحزمة الضوئية بعناية..وعندما تداهمه لحظات المخاض..يجلجل صوته “في المكان يا رب… ساعدني…ى….ى …ى”
هذا ما يمكن اعتماده على أنّه المسار الرّئيسيّ للرواية ..لكونه يعرض لجزئي التركيب الجسدي.. الجامع بين رأس رجل المخابرات ــ وجسد المناضلة التي لقيت حتفها على أيدي زبانية تعذيب نظام حكومته.. وهو ما بدا من خلال فصول الرّواية .. بتفاصيل حملتها الفصول الخمس الأولى ..واستكمالات بدت في الفصول الثلاث الأخيرة..التي جمعت سطورها محتوى الحزمة الضوئية ..وما بدا فيها من تفاصيل .. تحت عناوين حملت “نظرية طاقة البعد الخامس”..و”معادلة نظرية طاقة البعد الخامس..و”انطلاق الطاقة” .. كل منها تكشف عن سابق حياة “شمس” قبل انتهائها على أيدي جلاديها.. وفي لحظاتها الأخيرة تحت هاجس أبدى لها أنها” مهددة بالاعتقال أو الاغتيال أو النفي”.. جعلها ترصد رسائل حبيبها..ووالد جنينها “خالدا لأشهل” بعشوائية..والتي اختتمها كلها بكلمة “أشتهيك”..على أمل أن تعيد ترتيبها فيما بعد.. وقد أشارت الكاتبة في حاشية إلى أنّ هذه الرسائل لعلها من”رجل حقيقي اسمه خالد..ينتمي إلى زمن مفترض”..وليست من إبداعها.. وهو “وحده الذي يعرف الحقيقة في زمن الكذب”.. كتبها خلال ثلاث سنوات مفترضة.. من ” 3008 إلى 3010 “.. وفي أيام محددة من شهورها المسماة “النور”و”مسقط القمر”و”الشمس”و”الرعد”و”الكوكب العظيم”والمسرات الأولى”و”المسرات الثانية”.. بدت متتالية ..ومكررة أحيانا في اليوم الواحد.وحمل بعضها عناوين ــ كما بدا في الفصل السابع ــ قبّليني.حبى لك.أغار عليك يا شمس.أتا العاشق.أهديك قطرات المطر.قبليني من جديد.عيناك غائمتان.ماء الروح.حرفة النسيان.أنا سليلا لألم.حبّي صوفي.سرى.كل صورك.وتكرر فيها .. أنا العاشق .أهديك قطرات المطر.حافة النسيان.سري.
باح لها “خالد”في هذه الرسائل عما يعشقه فيها ..ابتسامتها ونظراتها وذكاءها… وكرر كلمة “أحبك” لأنها تختزل تجربة الإنسانية كلها في ممارسة الحب والجنس”.. واشتهاؤه لها”كما اشتهي الفلاسفة نهاياتهم “..وما يربطه بها “هو لغة روح مطلقة لا الجنس” .. الذي “كان الطريق الوحيد للحب والتواصل بين الذكر والأنثى في الألفيات الماضية”قبل انتصار الماديات..وأن أحلامه تقوده إلى جسدها الذي يشتهيه..و يريدها أنثى” تملأ الأرض خصبا”..و يشعر في خريف العمر ..بأنه”لا يمكن أن يكون هناك حب من دون ألم وحزن”..وأنها القدر الذي طرق بابه ذات يوم.. وهو يتأمل صنع الله للكون.. وعليها أن تعرف أنه عاشقها وكفي..وأنه رجل خجول ..ومعروف عنه أنه لا يقول لا..وأنه لا يوجد صيف ولا شتاء ولا فصول في كوكبه الغريب..ويجد فيها “امرأة تختزل كل نساء العالم”..وقد”أحب الله قوة خالقة لهذا العالم”..ويناجيها بكلمات الحب حال غيابها عنه..ويؤكد لها أنه لن ينساها ..وسيغتسل بمرارة فراقها..وهو في شوق أكثر للقائها..ويكفر بكل شيء إلاّ بها..ويوصيها أن تبحث في صدره يوم أن يقتل في “حادث فضائي ما أو على يد مجرم” عن سر حبه لها..لأنه حب خالص صادق يملأ أعماق قلبه..وينير ظلامه..وانه يتقن الفلسفة ليحول “ما استحال من مثال إلى مادة وما كان مادة إلى فهم”..وأن كتابته لها ” ليست كتابة أوهام أو خيالاً و حلماً أو أمنية ..بل هي ما كان”.. وأنه ليس فحلا..وإنما “شبق حتى النخاع”..يعشق”السباحة في ملكوت الجسد الأنثويّ”..هكذا تخيلها..وفي النهاية يرغب أن يعرف كيف دخل كل منهما قلب الآخر..”وكيف كان القلبان قلبا واحدا ينبض نبضا يحرك العالم”.. “والأرض لا تدور إلا بمائهما”..ثم بطلب منها”أن تغسل وجهها بماء بارد..وترسم له قبلة في الهواء”.
بدت هذه الرسائل في الحزمة الضوئية التي تحدثت”شمس” من خلالها لجنينها”ورد”..بعد أن عرفت من الطبيب الآلي باكتماله نطفة جميلة في رحمها.. “المعطل منذ أبد قدره أكثر من ألف عام من عمر البشرية الحديثة”..ولم يستطع أن يحدد جنسه في شهره الأول.. لكنها عرفت أنه أنثى كما خططت لذلك هي وحبيبها”خالد”..الذي أراد أن يحيى بها “كل ملامح التاريخ المنقرض.وحروب البشر ورغباتهم”.. وهي لا تريد سوى ما يريده أبوها “البيولولجي والروحي والحقيقي”..وهي أمها “النبيّة التي حاربت المجرة “.. تكتب لها كل شيء لتعرف كل الحقائق. لأنها حالة استثنائية في الوجود..وعليها أن تقرأ كل كلمة ..وتقدر الإرث العملاق الذي تركاه لها.. فبعد تسعة أشهر ستكون مكتملة الوجود..باسم “ورد” الذي اختاره لها أبوها “خالد”.. وتحمل للعالم “رسالة الحب الجديدة “..و”ستعيد الجنس إلى قاموس البشرية ..”بعد أن أصبح البشر أبناء التعديل الوراثي.والمعامل وبنوك المنى والصفات المشتراة .لا أبناء آبائهم وأمهاتهم المنسوبين إليهم وفق الأوراق الرسمية والمستندات الحكومية”..لأنها ابنتهما بحق” و”لحظتهما وثالوثهما المقدس ووليدة فعلهما الجنسي “..وهما ليسا عالما ذرة خارقان لكنهما بارعين في فهم جمال القلب..وأعادا “زمن العشق الجميل إلى ذاكرة البشرية”..وأثبتا “أن البعد الخامس قادر على تغيير سلوك الجزئيات”.ووالدها هو من اكتشف “معادلة الطاقة الكونية الكامنة في البعد الخامس للمادة”..التي ستغير الكون الذي “غرق في المادة”.. وبدا به العديد من التغيرات..”وهو خليق عجيب من بشر آليين وآليين أشباه بشر”.. وبسبب الحرص على كتمان هذه المعادلة خشية من وصول خبرها إلى حكومة المجرة ..تم ربط تذكرها بفعل ممارسة الجنس..التي تمت تجربته في ليلة صناعتها..لكون” طاقة البعد الخامس مرتبطة بطاقة الحب وبدائرة الجنس المقدسة التي تحتوى كل الوجود..”ورغم ماعانت منه في حملها وخشيتها من افتضاح أمرها..الذي سيسبب لها المشاكل مع حكومة المجرة وتتعرض للسجن أو الغرامة..لتمردها عليها..وإنتاجها طفلها بطريقتها الخاصة الطبيعية.. ليكون مولودها هو الأول في المجرة من ألف عام..بالمعنى البيولوجي الحقيقي ..فقد بذلت كل ما استطاعته من حذر وحيطة و تكتم..آملة أن يهبها الله وإياها الخلاص.لتظل تتستر على وجودها حتى يعود والدها ..”وتنتقل إلى العيش معه في إحدى مدن القمر..أو في المدن الجديدة في واحدة من كواكب المجرة”..تجد فيها “الملجأ والعون والأنصار”..وتتخلص من حصارها من قوى الشر ومراقبة “المخابرات التي تدركها في أيّ مكان تكون فيه”..ولعلها تراقب ما تكتبه لها.. فلايوجد “سراً لا يعلمونه..ولكنه غيب لا تعلمه “هي..لأنها تخشى أن تأتى إلى الوجود ولا تجدهما فتغيب عنها الحقيقة’..وقد كتبت لها لتعرف من هي”بطريقة بدائية شبه منقرضة.”اسمها طريقة النابض الكهربائي”..لتستعص قراءتها “على العوام والمخابرات”.. فلا يعرف بوجودها في بطنها إلا هي وطبيبها الآلي.. الذي تعتقد أنه ثقة ومؤتمن على سرها ..لكنها تخشى المستقبل وهي تنتظر والدها بلهفة لتخبره بتحقيق حلمهما وانبثاقها من العدم..وتسأل الله أن يعود من أجلهما..كما كتبت لها عن حكاية شعرها..وما تعرضت له من مشاكل بسببه.. مع والدها والمجتمع والحكومة والمخابرات وعملها وأصدقائها وكل عالمها..فقد طلب والدها في استمارة إنجابها أن تكون “بشعر برونزيّ مجعد”..”فحصلت للصدفة المحضة على شعر أسود لامع لزج يتوق إلى الاسترسال والنماء الطويل السريع”..مما أثار غضب والديها..قبل أن يقبلاه صاغرين ..في حين سعدت هي بهذا الخطأ.. وتمردت على الحكومة التي “تحرم الشعر الطويل وتدين تربيته”..وتجرمه..وعندما بلغت سن الرشد جرت محاكمتها لمخالفتها قانون الدولة..الذي يجرم تطويل الشعر..”من باب فرض نمط شكلي واحد على سكان المجرة”..وألقى بها في السجن بعد رفضها دفع الغرامة وقص شعرها..وتحولت قضيتها إلى قضية كونية..أثارت جدلا في كل الأوساط..مما تسبب في إعادة محاكمتها..وتبرع “بيرق نوفل الأشقر” المحامى الجديد في الدفاع عنها..إلى جانب المحامى الرسمي الذي أمنته الحكومة لها..واستطاع أن يتوصل بذكاء إلى اتفاق يعد الأول من نوعه في تاريخ قضاء حكومة المجرة.. بإخلاء سبيلها دون قص شعرها..على أن تجمعه تحت قبعة في كل الأماكن التي تتواجد فيها..فبات مشهورا..ثم اقتنعت بفكرة الزواج به .. ووهبته ما أراد ..لكنه انشغل عنها بنجاحاته..وتركها تعانى مواجع وحدتها وحزنها على فقدها لوالديها ..فقد ماتت والدتها بعد سنوات من الصراع مع إدمان الدخول في العوالم المفترضة التي أبدتها شبكة التواصل الزمنية المهدرجة ..مما سبب لها ضررا بصحتها العامة ..وتعرضها لإشعاعات خطيرة تسببت في ضمور دماغها..ثم ماتت بعد إصابتها بشلل تدريجي..بينما اختار والدها الهروب من واقعه الأليم ..المتمثل في زوجة مدمنة وابنة شبه مجرمة ..بالسفر الى العالم الجديد في القمر.. وانقطعت أخباره عنها تماما ..إلى أن عرفت من خلال إجراءات إغلاق رقمه الكوني المتسلسل أنه توفي في ظروف مجهولة .ولعدم وجود طلاق في قانون حكومة المجرة..الذي لا يسمح بفك الزواج في الألفية الثالثة إلا بقوة الموت….هجرت زوجها وظلت وحيدة إلى أن عرفت “خالد الأشهل”..”سليل الألم والحزن”..والحالم بأحلام كثيرة ..جمعت بين العلم والمعرفة.. منها أن يكون فيلسوفا. شاعرا. حاكم في قارته..لكن أحلامه لم تتحقق..واضطر للرحيل عن قارته ..بعد أن وجد خونة بدلا من الأصدقاء..وعندما حاول رسم لوحة لم يرسم غير أجساد عارية ..شدد فيها على الزغب النابت في الحديقة السرية..وبعض تقاطيع الوجه ..ونسى الوجه..ومن ثم عرف بيقين أنه فاشل في كل شيء..لكنها أحبت فيه ذكاؤه المدهش..وراهنت بالقادم من عمرها على عبقريته العجيبة..وأصبح حقيقتها ووجودها.. بعد أن التقته في ليلة ممطرة لا تزال تذكرها .. وجاء إليها من “حضن العالم الرقمى المفترض”..بعد أن عاشت أربعة أعوام وحدها مقسومة على عملها ومشاغلها.. سعى إليها ليجذبها إليه..ولاقى ذلك هوى في نفسها لكونها “مغرمة بأصحاب الإرادات الجامحة”..وكان أول لقاء بينهما “عبر شبكة التواصل الذرية”..بعد أن “نشرت دراسة جريئة عن أسطرة وسائل الاستبداد وقوى الظلم”..أثارت حافظة الكثيرين في حكومة المجرة..وكان هو من بين القليلين الذين أعجبوا بها..وعندما راسلها تمنت أن يتكرر تواصله معها..واستجاب الله لأمنيتها .. عرفت منه أن اسمه “خالد رامي الأشهب..وأنه من سكان القمر الأوائل”..يحمل جنسيتن أرضية وقمرية..ورئيس “محطة التخصيب الصناعي للغلائل النباتية المهجرة” ..ناشط في عمله ..ويطالب “بإصلاحات جوهرية في نظام حكومة المجرة.”.وأنه من”الملحدين الأحرار”..وله “إسهامات كثيرة في تكوين مؤسسات فكرية تنويرية”..جمعتهما الصدفة في تحاور قادهما إلى حالة عشق عاشتها معه.. كان يكبرها بعشر سنوات وبألف عام من الخبرة..وصمم على أن ينصبها “إلاهة له”..وأطلق عليها “لقب النبيّة”..وشاركها الإلحاد ..ثم رافقها في رحلة اليقين والإيمان بالله..وعاشا عامين متلازمين عبر الرائي لأنها كانت تسكن الأرض وهو يسكن السماء ..بعد أن رفضت محكمة المجلس القضائي الكوني طلبا جديدا لتطليقها ولم تقبله لعدم شرعيته..فعادت إلى بيتها كسيرة تنتظر فرصة متواتية.. وواصلت حالة العشق بخالد الذي عرفت معه “لقاء السرير والجنس ولغة الجسد”..وأن المرأة لا تكتمل إلا برجل..فقررت أن تكون له..وتجمعه معها في طفل يشبهه .. حتى لو تطلب ذلك رحيلها إلى القمر وترك حياة التقدم البشرى التي “بادت تماما من الكواكب المتقدمة في المجرة”.. وقبلت بعد تردد قبول دعوته بالسفر إلى القمر..لينجبا جنينا يهبانه إلى طاقة الحب..وقضت معه شهرين في سعادة..مارسا فيهما العشق بكل ألوانه ..حتى حملت ب”ورد”في ليلة كان حبهما فيها في أعلى مستوياته..وقررا فيها ان ينجبا طفلة ..ثم جاءت ورد بعد الارتواء..فتنازلت عن فراراتها لصالح قراراته.. ماداما سيلتقيا ويمارسا الجنس وينجبا ابناً أيا كان جنسه..رغم أنها كانت تخاف الجنس وتخشاه..وتراه “سكينا مرعبة قد تقسم المرأة قسمين”..وتريده أن يرضى بحبها دون جسدها..فطلبت منه أن يبحثا عن طريقة أخرى غير الجنس..ثم كشفت له عن خوفها من غضب الرب لأن ما يفعلانه خطيئة ومعصية له..قال لها “الخطيئة أن تعيشي مع إنسان لا تحبينه .أما ما نفعله فهو الإيمان مجسدا”وعاش معها إلى أن رحل عنها وغاب في غياهب المجهول فقررت أن تنتظره مهما طال الزمن..لكن زبانية حكومة المجرة وأدوا انتظارها..ولفظت أنفاسها بين أيديهم ..فاستسلمت للموت الذي كانت تظن أنه لن يأتيها بسهولة..و”استخفت بسلطاته “..وترى أنها “امرأة الحياة لا الموت”..وراهنت على أنها ستعيش ألف عام..
ومن خلال الحزمة الضوئية التي أوصت فيها جنينها “ورد”بأن ترتل كلمات والدها كل ليلة ..لأنّها “تميمة ضد الموت”..وكتبت لها مجموعة من قصص المساء ..لم تكن قصصها..رغم أنها “مخلوقة للحكي والقص “..وإنما هي إرث من والدها اعتاد أن يحكيها لها كل ليلة وهي غافية على صدره..وتناولت هذه الحكايات..الأرض في بداية التاريخ والخلق..وكيف كانت جميلة بطبيعتها وحيواناتها المسالمة لكن البشر “أفسدوا كل شيء بشرورهم وحروبهم”..وعن الشعاع الضوئي الصغير الذي كان سعيدا بقوته ثم انكسر بسبب مغامراته ..وبعد أن عجز”أصبح حكيما كغابة عجوز”..وعن المرأة الطيبة.. التي كانت أكثر النساء حزنا بسبب ولادتها لتوأم بعيون معتمة لا ترى..وتضرعت إلى الآلهة فأشلعت النور في عيونهما..وأطفأته في عينيها..فأصبحت ترى الدنيا بعيون أولادها..وعن الملك الطماع الذي كان مولعا بالأشياء الجميلة وجمع له فرسانه الكثير منها ..لكنه وضعها في خزانته وجلس يبكى لأنه لم يجد قلبا يحبه بعيدا عن ملكه وسطوته وثرائه..وعن حبيبها خالد الذي حدثته عن أمنيتها للحصول على الشمس بدلا من الهدايا التقليدية في عيد ميلادها..فاصطحبها في رحلة فضائية.. وأهداها قلادة على شكل شمس في عيد ميلادها ..الذي تغير تاريخه إلى تاريخ يوم الرحلة..وعن صديقتها “هدى الفاتح” المرأة الفاتنة التي خلقت في لحظة رضا من الرب..وليس من”طين كسائر البشر الفانون”..وإنما”بخصوصية وحرفية إلهية من ماء رائق” وعشقت من يخالفها في مادة خلقها وطبيعتها..واشتد عشقها له.. لكن الأشياء الشريرة هزمتها..ومنعها قانون حكومة المجرة من الانفصال عن زوجها لتعيش مع حبيبها..ومنعها طبعها المخلص من هجر زوجها أو خيانته..لتسعد بجوار حبيبها..ثم أوصتها بوصية كتبتها صديقتها “الحنون سهي لزوجها وابنهما الوحيد”..التي تراها “جيش من الأمهات في امراة واحدة” تركتها عندها قبل أن يغرقها الماء .وطلبت من “ورد” قبل تهجر ماء رحمها أن تقرأها..لأنها ستجدها وأبوها فيها.
هذا السابق هو إيجاز بسيط لمسار الرّواية ..الذي بدا وفق تداخل غير منظم..فكان لابد منه..وانتقاء ما يمكن منه للوقوف على ماهية المضمون المبنى على الجسد المتخيل بتركيبته المفترضة ..التي جمعت بين رأس رجل وجسد امرأة..واحتفظت لكل من طرفيه ــ الجسد والرأس ــ بخاصته البيولوجية المرتبطة بذاته من ناحيتي الذكورة والأنوثة..بفعل استمرارية الحياة لجزئيه بعد التحامهما ببعض.. الجسد مضى في تفاعله الفسيولوجي الخاص به..والرأس واصل وظيفته الحياتية رغم واقعه الجديد..الذي يعيشه في عالمي الذكورة والأنوثة.
لكن هذا الإيجاز المبسط لا يخرج عن كونه صورة عامة لمحتوى النّصّ ..ولا يغني عن الإبحار فيه للوقوف على ماهيته في الأساس..و ما ارتأت الكاتبة أن تقدمه من خلاله ..على خلفية حكومة المجرة التي فرضت استبدادها وتعسفها في قوانينها..كأساس لنظام حكمها.
فقد سما ــ المضمون ــ برؤى عديدة ..تراوحت بين الوضوح والترميز..على بساط من المتخيل الذي يرسم آفاق التقدم العلمي في الآتي..المبشر باكتشاف كواكب أخرى..تنعم بنبض الحياة .. والواقعي الشديد المتمثل في وصية الصديقة الحنون “سهي”..التي عزتها الكاتبة إلى صاحبتها الحقيقة التي كتبتها فعلا لزوجها وابنها.. رغم شساعة المسافات .. التي تفصل بين عالمي التخيل الذي يقفز إلى الألفية الثالثة.. والواقعية الحياتية الآنية..وما يجمع بين العالمين من أنواع البشر.. المخلوقة من خليط الشر والخير..والحكومات المستبدة كحكومة المجرة التي تمارس طغيانها بكل جبروت على مواطنيها..بتطبيق ما يقرره “المجلس القضائي الكوني الأعلى “.. من قوانين تكاثفت جميعها على توحيد الشكل الخارجي لمواطنيها من حيث الأوزان المسموح بها وطول الشعر وموضات الملابس”..مصرة على أن يكون “الإنسان الكونى المعاصر عامل منتظم وفق جدول إلكتروني مرسوم له منذ أن كان مجرد جينات مختارة بدقة وفق منظومة كروموسومات في بويضة مخصبة”..وتحدد للمتقدمين بطلبات الزواج” بشكل إجباري شركاؤهم المستقبليين ومواعيد الزواج الرسمية “..كما سنت قوانين للمتعة والزواج والإنجاب..وحرمت الشعر الطويل وأدانت تربيته ..وتمتهن جسد الإنسان حيا أو ميتا..لكن رغم صنوف العذاب التي تمارسها..لم تستطع وقف طوفان الثورة المستمرة ضدها..
هذا الاستبداد وخنق الحريات جعلت الكاتبة منه غلافا لرؤاها المتباينة التي قدمتها في روايتها..التي بدأتها بهوية حكومة المجرة وممارساتها ضد مواطنيها ..بإسقاط رمزى على شبيهاتها في الحياة الآنية.
بدا ذلك بتناسق مع رؤيتها للواقع الحسي والجمالي للإنسان ..الذي أفاضت فيه بتركيز على “الحب” الذي جعلت منه “البعد الخامس في الحياة” .. باعتبار أنه “وحده من تتغير به حقائق الأشياء وقوانين الطبيعة”.. والكفيل بإحياء الموات والقادر على خلق عالم جديد ..وأن”طاقة البعد الخامس مرتبطة بطاقة الحب وبدائرة الجنس الخالدة المقدسة”..التي تتشكل من “فعل تتكاثف فيه أدوات الجسد والروح والنفس من أجل خلق تعبير عن الحب والحياة والاستمرار”وقوة تختزل النماء والاستمرار والحياة” لأن “لا قيمة للحياة بدونه”ولا جدوى للذكورة والأنوثة دون فعل التواصل الجنسي الكامل “الذي لولاه “لفني البشر”..كما أنه جعل من الرجل “أجمل طريقة لتكتشف المرأة ذاتها”و لا تهرب من الحديث عنه ..و تراه “صلاة في ملكوت الغرام..وخشوع في سماوية الشهيق المندى بالقبل المضمخة بأريج الشهوة..ترتيل مقدس لآهات اللوعة”..وأنه قبلة “فضاؤها شفتان ورديتان بريئتان ولسان”..ومن ثم”لا قيمة للحياة دون الجنس”..الذي دخلت “شمس” عالمه مع “خالدالأشهل” رغم انقراضه في الألفية الثالثة .. بعد “انتصار الماديات وانحصار القوى الروحية..واتخاذ الإلحاد دينا والكفر بالله بعد رحيل الأنبياء واندثار العبادات والرموز الدينية” و” تذبذب في سنين من التجريم والمطاردة والتحريم بفعل قوانين ” قزّمت العلاقة بين الرجل والمرأة “..واستوجبت شروطا حددتها حال الرغبة في الإنجاب..بدت “وفق قوائم محددة ومتنوعة من الأسعار والمواصفات”..ووضع .”الأجنة في حاضنات آلية رسمية ومراقبة حكومية..إلى حين خروج الأطفال من شرانقهم الهلامية”..بعد الحصول على عدد من الأذونات بالزوجية ..وشراء الأجنة ..وصلاحية الحضانة ..وإثبات النسب.. ومربيات آليات وأماكن تربيتهم وتوزيعهم على المدارس..وفق صفاتهم الجينية..حسب الحمل”الكونى الحديث الذي يتلخص في اختيار الصفات والكروموسومات والشكل.. ودفع قيمة الجنين وتركه لينمو في حضانات آلية.. إلى أن يبلغ نضجه”.. فالحصول على طفل في الألفية الثالثة “لا يختلف كثيرا عن التسوق الأسبوعي”..وكان هذا شأن”شمس” التي انتسبت في أوراقها الرسمية والثبوتية إلى أب وأم ادعيا أنهما والديها..رغم أنهما ليسا أكثر من مشترين لجسدها.وفق رغباتهما وطلباتهما ..ومختارين لصفاتها الجينية.وليست من صلبهما . لكنهما يتحملان التزاماتها الرسمية والقانونية والاجتماعية والأدبية.. وهو ما تعارض مع حمل “باسل المهريّ” الذي اكتشف أن حمله “حالة منقرضة للشكل التقليدي السائد في الألفيات الماضية للتناسل عند البشر..عندما شعر بمشاعر الأمومة ,, أكثر من مشاعر الأبوة .. وعايش إرهاصات الحمل الطبيعية.. المتمثلة في انتفاخ جسده وتضخم الثديين واحتقانهما..وضيق أنفاسه..واضطراب ضغطه ومزاجه..ورغبته المحرجة والملحة..في اشتهاء أشياء مفقودة خلال فترة الوحم..والتقيؤ..ورفض الأكل أحيانا..وكره رائحة الطعام والشراب..والإحساس بالدوخة..وحركة الجنين المتغيرة في مراحل نموه التي تنامت بطبيعتها في جسد المرأة الذي يحمل رأسه ..رغم الاختلاف البيولوجي بين جسده وجسد ها..مما جعله بعد المزج الجنسي ” حالة معلقة بين عالمي الرجولة والأنوثة”..تشبه حالات الجنس الثالث المسمى بالمخنثين..المنتشرون بكثرة في المجرة ..وحاصلون على كامل حقوقهم المادية والإنسانية والاعتيادية..ويمثلون تطورا مقبولاً لا يتعارض مع مصالح الحكومة ..ولا يملك موقفاً معاديا أو متحفظا لقضيتهم..لكنه لم يعد يعرف”أهو هي أم هي هو”بعد اكتسابه الشكل الأنثويّ الذي نفرت منه زوجته عندما رأته به..ونعتته بالمخنث..وانقطعت عن زيارته وهو في”أمس الحاجة إلى دعمها ومشاعرها..بعد أن فقد جسده الذكوريّ “الذي تعشقه وتسعد بالافتخار به أمام الصديقات والقريبات” .. ذلك ما جعله بطلب منها أن تعتاد غيابه عندما عادت لزيارته دون أن يأذن لها ومعها طفلاه.. وكشفت له عن اشتياقها إليه ..لأنه لن يعود إليها..ووهب طفلاه قبلة “محملة اقتسمها بينهما بعدل أوتوماتيكي”..ووطد نفسه أن ينسى “ملامحها الحلوة المناسبة لبورجوازيتها المصنوعة على أكتاف وظيفته الحساسة ..وتنكر لطفليها المصنوعين وفق سحنتها الجميلة الباردة كقالب ثلج..حسب رغباته ..ويعدان من صلبه ويحملان اسمه رغم أن الحقيقة خلاف ذلك وتركها تواصل عملها ” في المعهد الاستراتيجي للأوبئة الكونية والكوارث الطبيعية” .. وتنعم في حياتها بعده وتطلق يدها في إنفاق تعويض أضراره من الحكومة كما تشتهي.. وعلى ابنيها القاصرين .. و ” لتذهب بالمال والبنين وبسنين طويلة من الزواج الباهت الممجوج ..وليتذوق في جسد شمس الغائبة الحاضرة حلاوة الأمومة ويسعد بالجنين”.. بعد أن استحال رفضه لهما في البداية إلى قبول وتصالح معهما..بعد أن كره الجسد الذي اندس فيه مجبرا في البداية..ووجد أنها هزمته به ..وهزمت دولته ببقائها على قيد الحياة..رغم أنوف الجميع..وسخط على القدر الذي تحالف معه بخسة..ووضعه في جسد امرأة لا يعرفها ..كما جعله يبدو في مهزلة كبرى اسمها السيدة باسل المهريّ..وأبدى شكله الأنثويّ متنافضاً مع إسمه وعمله وذاكرته..وشعر فيه بالغربة والتطفل..لارتدائه ملابس الرجال وهو بجسم امرأة.. وجعله ينزعج عندما يعريه لحاجة أو علاج..ويشعره بالضيق رغم اتساعه عليه..وبسببه أصبح حبيس إجازة من عمله..ولائحة إرشادات طبية ..ومعلق في رفض زوجته وابنيه له..فوصفه بالأنثويّ اللعين و ازدرى أعضاءه وأراد أن يخرج منه وكرهه لإحساسه بأنه أصبح حبيسا وذليلا في داخله ولا مكان له في ذاكرته..وأراد أن يهجره ويهبه للموت والخراب الذي كان قدره..ويرحل إلى جسد آخر يضج بالرجولة ..لينتصر عليها ويكسرها .. ويقتلها فيه ليظفر بحياته الحقيقية..لكنه عاد وقرر أن يهادنها ويصالحها ثم يناوشها ليخلعها منه ..كل ذلك رغم شعوره بالرثاء له البداية..ومساواته بين ضعفها وهي عاجزة وسادرة في العدم رافضة في صمت ان تهبه له .. وضعفه وعجزه وهو الجبار القوى بسلطة حكومته.. لكنه ما لبث أن استنكر حقده عليه دون ذنب اقترفته صاحبته..التي وهبته له في حين بخلت كل الأجساد بصفاتها الجينية عليه..بينما تطابقت صفاتها تماما مع جينات جسده البائد.. واحتضنت بجسدها الضعيف دماغه المهاجر إليها..وتعاطفت معه وتقبلته غريبا غازيا ..ثم انصهرت معه لتغدو هو وهي..وتعطيه الحق في أن يطل على عالمي الرجولة والأنوثة دون خجل..وعندما أخبرته زوجته أنه يمكن حصوله في غضون عام على جسد ذكوريّ جميل..رفض هذا الاستبدال..وتشبث بجسد “شمس” التي لن تبالي بمصير جسدها المنكود..ولن تغضب من بقاء جسدها حيا بعد رحيلها عن دنيا الوجود.. حتى لو لم تفرح بأنه سيظل عالقا مع رجل من ألد أعدائها..فتك بالكثير من أصدقائها الثوار.
كما كره الحمل أيضا في البداية وظنه مرضا نادرا أو سرطان وأخذ يضرب بطنه ليقلص من حجمه الكبير الناتيء الذي لم ير تضخما مشابها له في جسدها عندما تم تركيب رأسه عليه قبل أن يعرف من الطبيب أنه حمل.. وليس من أمل في الخلاص منه لكنه ما يلبث أن تآلف مع الجنين وخشي أن يفقده وتذرع بالصبر عندما طال انتظاره له حتى لو حمل به إلى الأبد ..وقرر أن يحتفظ به ولا يتنازل عنه مهما كلفه الأمر.. وأكد لزوجته التي وصفته بأنه هجين ابن شيطان..بأنه ابنه الوحيد في الحياة بينما ابنيه هما ابنا الطبيعة المشوهة وحكومة المجرة..وأصبح به شريكا لها في حلمها..ويخشى من فقده إذا ما مات لو خرج من جسده بعملية جراحية ..وتعلق بخيار ولادته بشكل طبيعي عبر مخرج لم يتوقعه ..بانزلاقه من تجويف أعضائه التناسلية..بعد اتساع منطقة الحوض وتباعد عظامه في الأماكن المطلوبة ..وينزلق إلى الخارج بقوة ضاغطة .. متحملا الآلام الرهيبة التي سترافق المخاض المخيف..بعد أن بات في قلبه ينبض بنبضه ..ويحتمي بأحشائه من يتمه وخوفه,,وبشاعة هذا الكون الرديء..عندما وجد فيه أمل المستقبل والطريق إلى الله والحياة والجمال والعشق..و”نبي الإنسانية المخلص المنتظر للألفية الثالثة”..فرفض” أن يحمل وزر قتل نبي في أحشاء أمه”.. وأن يكون الشيطان الآدمي الذي يقتل هذا الأمل في سمائه المنبلجة عن أجمل محيا .
هذا التضاد البادي المتمثل في رفض الجسد والحمل في البداية..ثم التماهي في قبولهما بعد ذلك..بفعل بساط التآلف الذي تنامى بتلقائية ..على خلفية التركيب المفترض ..تفاعل مع إرهاصات الاختلاف البيولوجي ..وفق مسار تداعيات تتالت بطبيعتها .. كاشفا لماهية دعامة النّصّ باستحضار الغائب من الشخصيات المنعدمة في الأساس.. لإبداء مساراته التي حفل بها .. والمتداخلة مع بعضها .. لتكشف أن عملية التركيب الجسدي ..لم تكن سوى مدخل رئيسي لتفريعاته ..والتي بدت كمكون أساسي له كإشارات متمثلة في العوالم الكونية المتعددة..والجامعة بين الخلق والوجود والعدم..بمسمياتها السائدة في الحياة.. ابتداء من الإلحاد إلى الإيمان.. وما بدا من موروثات إنسانية..متمثلة في الحب . والعشق. والجنس. والحياة .والموت .والخلود . وغير ذلك من المعادلات الحياتية..التي تبدو من خلال الممارسات البشرية الحميدة والمستهجنة.
وتماثل التضاد أيضا في الجمع بين جسد “باسل” الرجولي الوافر الجمال والعنفوان والاكتمال والبسطة في الطول والصحة والعطاء والحضور والجاذبية”..وجسد” شمس” الأسمر الذي”يغالب ندوبا وجراحا وألوان طيف الشمس ورفيف الموت المداهم له” .وفي طريقتي الإنجاب..الأولى الطبيعية السائدة بين البشر العاديين في الألفيات الماضية بشكلها التقليدي ..التي أبدنهم حمقى ومغفلين ..لركونهم إلى طريقة سخيفة ومقرفة للمتعة ..قبل أن تبدو المتعة المضغوطة في أقراص انفعالية ..تستخدم وفق برنامج مقنن للإشباع الجنسي..وتآلف الكتروني وزواج آلي ..والثانية الانتقائية وفقا لقانون حكومة المجرة..الذي يتيح الحصول على أبناء معدلين وراثيا بطلبات الزوجين ورغباتهما وكتابة “شمس” ليومياتها وسط عزوف سكان المجرة عن ذلك ..وفي الحب الذي جمع بين “شمس” و”خالد” رغم أنهما من عالمين مختلفين..كما بدا هذا التضاد ملموسا فيما هو غير ذلك وجمعه بين النقيضين بتكرار تلاقى في ثنائيات حفل بها النّصّ…إلا أنها جميعها انتهت بتحول إيجابي أبدى تغيرها عما كانت في الأصل..مثلما بدا في الإيمان بالله بعد الإلحاد الذي ساد في الألفية الثالثة ..متمثلا في ما توصلت إليه “شمس” من خلال بحثها عن تشريع لقانون المجرة ..الذي يعاند صبية تريد أن تحتفظ بشعرها.. في أصول القوانين ..وأصول التشريع.. ثم عرجت على تاريخ الحضارات ونشأة المدنية ومنابع الأسطورة وسير العظماء ..وأشهر الملاحم الأدبية ..ووصلت بعد كل هذا العناء الذي استغرق أكثر من عقد ونصف من عمرها ..إلى الإيمان بوجود الله .. في مرحلة كان الشيطان فيها قوة ضالة تأمر بالأفعال الآثمة والطغيان.. وتنكر على الإنسان الإيمان بربه.. ووجدت فيه اليقين الذي يسكن الصمت ويختزل الضعف والرجاء والحاجة ..وطاقة لامتناهية من الحب والخير وإنماء والعطاء..وقوة تملأ الظلمات نورا..وتشعر الإنسان بأن هناك قوة خفية ترعاه..فآمنت به بعد أن وجدته في داخلها ودواخل كل البشر..ووجدت أن الجبابرة قتلته في صدور العامة ومحوا ذكره من آثارهم ..فتابت اليه وآمنت به.. وكفرت بالطواغيت والإلحاد والمادة الصرف.. ونشرت إيمانها في كل ما تكتب ..بعد أن اكتشفت أن المجرة رغم أنها تعج بالشياطين الآدميين..بها الكثير من البشر الذين يتوقون إلى نور الخالق وهديه..لأن كل منهم يحمل الله في داخله ..وهم جميعا من روحه المقدسة حتى أولئك الجاهلين الذين يعيشون في العماء ويضربون صفحا عن الحقيقة .. يدركون بملكاتهم الفطرية وجود خالق لهذا الكون السرمدي غير المتناهي ..أما أولئك الذين يدعون المعرفة الكلية.. ويديرون ظهورهم لله تبجحا وإنكارا وكفرا… هم مؤمنون بقوة في دواخلهم بوجود إله.. وقد ولدوا مؤمنين بالفطرة …فآمن بها من أمن.. وكفر من كفر.. وحاربها من حارب ..لكنها لم تبال بشيء..
في البداية كان الله بالنسبة لها فكرة.. ثم أصبح فرضية وبعد قراءاتها الطويلة في عالم الأسطورة في كل حقولها.. وتوغلها في أسطورة الدين ودينية الأساطير ..غدا الله حقيقة كتبت عنها بامتنان..مما جعلها قبلة البحثين عن الحقيقة والخلاص..بعد أن ارتأوا فيها نبيّة الزمن الجديد في عصر البشرية .. رغم أنها لم تدع أن الله أرسلها برسالة وأمانة.. ولكنها تفيض من إيمان نفسها وجلاء ما اكتشفت من حقيقة ..فتمتطى كلماتها وموهبتها الكتابية لتعبر بهم جميعا نحو الله.. ولذلك سميت بالنبيّة ..بعد أن آمنت بها الألوف المؤلفة التي شكلت عشرات المنظمات السرية المؤمنة بالله.. والنابذة للكفر..وباتت تملأ الدنيا ..وطالبها أنصارها بأن تقود ثورة تصحيحية في المجرة لتعيد الأمة إلى نصابها.. وتكف يد الرجال الآليين اللذين غدوا قوة ضاربة في عمق الوحدة البشرية ..وقنبلة انفجار يهدد الجميع بمستقبل قاتم.. يستعبد الإنسان ويحوله إلى عبد لمولاه الآلة .. فكان هذا سر نقمة الحكومة عليها فاعتقلتها وعذبتها وقتلتها.. وقد شاركها “خالد” في إلحادها وحيرتها وبحثها ودراساتها.. وكتب المقالات والدراسات التي تدعمها في ضرورة العودة إلى الإيمان..بعد أن آمن بكلماتها.. و أطلق علها لقب نبيّة الكلمة.. فتبعه في ذلك المريدون والمؤيدون.. و ربط هذه الضرورة بأصول معرفية ووجودية وفلسفية وتاريخية وإنسانية ..استقاها من روحه الكبيرة المتأملة ..ومن ثقافته المتعملقة والمتوسعة والضاربة في جذور التاريخ ..فآمن بإله البشرية جمعاء وهجر إلحاد هذه المزعوم..وكان رفيقها في رحلة يقينها وإيمانها بالله..وبعد أن قرأ “باسل المهريّ”حزمتها الضوئية الجامعة لقصصها ودراساتها ونصوصها عن الله والحب والجنس.. ومعاني الحرية والإخاء والسلام الحق .. وأبحاثها المشتركة مع “خالد” عن البعد الخامس ..نطق في صباح شتوي بارد جهرا صادقا لا إله إلا الله هو ربى وأنا عبده وإليه المآل.. وملأ صدره بإيمانه وشهادته..وكما آمن بالله ربا آمن بنبوتها ..شأنه شأن الآخرين من أتبعها ومريديها .. بعد أن أخرجته كما أخرجت الكثيرين من ظلمات الإلحاد والكفر.. إلى فراديس من نور الإيمان.. وحلاوة قرب الخالق الواحد الأحد الفرد الصمد .
يبين من كل ذلك أن سبب ملاحقة “شمس” من قبل حكومة المجرة..واضطهادها وتعذيبها إلى أن ماتت بيد جلاديها..هو مقاومتها لنبذ اٌلإلحاد الذي استشرى بين مواطنيها..مما يشير بيقين لإسقاط رمزية هذا الفعل على ما تتعرض له التوجهات التي تسعى إلى انتشار الوعي الديني دونما تحديد لهويته.
داخل هذا السرد للزخم الحياتي الجامع بين الواقع والخيال بلغة تتفق مع مدلوله..تبدو مفردات الأدب الإيروتيكي الجامعة بين الحب والجنس.. التي أتقن البشر لغتهما..ووحدت بينهم ..قبل أن يتحاربوا وينسوا الخالق أحيانا..فعبدوا الفرج والقضيب.. واصفة الوضع الجنسيّ بطبيعته الذكورية والأنثوية..بداية من لحظة إفاقته من خدره بعد عملية التحام الرأس بالجسد..” أول حركة ليديه سرحت دون وعى إلى قضيبه المجيد فقد اعتاد في الماضي أن يداعبه كل ليلة مستغلا عراءه في سريره الدافئ لاسيما اذا كانت زوجته غائبة في مناوباتها الليلية “..كانت هذه المداعبة التي ألفها منذ الصغر لأنها تسعده..لكنه تفاجأ باختفاء عضوه “تحسس مكانه في برعب وتوتر فتأكد من فقدانه مخلفا وراءه تجويفا ناعما غريبا له أطراف وأشفار تذكره بالشكل المنفر للجزء السفلى من جسد زوجته “.. بات ينزعج من تعريه لحاجة أو علاج..ومن خلال قراءته للماضي اكتشف أن هذا “العضو كان فعالا في آليات تواصل جسدية “..كانت سائدة بين الرجل والمرأة قبل أن يعمل التقدم الحضاري على انقراضها.. واستحداث ” وسائل تواصل جسدية اليكترونية وأدوات تناكح مخبرية لا تعرف التواصل الجسدي المحض”..والمفترض أن يكون “أكبر حجما وأكثر صلابة ..ولكنه لسبب يجهله يجنح إلى الانكماش”. بنظرة عامودية إلى أسفل “تحجب هضبة الثديين وجبل البطن رؤية تجويف مابين الفخذين والأقدام”..”وكان يستعرض جسده بنظرات فضولية مستنكرة ولم يأبه بانتصابه عاريا أمام عيون العشرات من الأطباء والممرضات وشاشات المراقبة..أما “شمس” فقد قادها خالد إلى عالم الجنس عبر بوابة جسده .. فاكتشفت أسرار الوجود ومعنى الحياة ونشوة الانصهار..ضاجعها وضاجعته كما لم تفعل امرأة من قبل ..كل شعاع يستيقظ في ألم غريب يختلط بالرغبة القاتل في المضاجعة في ظلام لاتقلق عتمته غير تأوهاته وكلماته المخلوطة بهمسات” جسدها.”مطر يقرع النوافذ وأغصان الشجر العارية تحتك بجنباتها أوراق تحدث خشخشات لا تزيد الجسد إلا شهوة وجموحا .. وصوت لحظتي يرتل على أحشائي وكأنني اشهد حاضر صامت لاشريك متفاعل فتتكاثر اللذة في نفسي وتكاد تقسمني امرأتين أو يزيد.. حصيلة عدد لاتهائى من القبل والاشتهاءات والانصهارات والأصوات والانفعالات والارتعاشات ودفق ماء الوجود..تخيلتك معي عارية وأنا أتفرس تفاصيل جغرافيتك .. عانقتك وسيول الماء تعبر تمثالنا ثم لففنا جسدينا بملاءة ،واستلقينا عراة على الفراش ..ألقاه مضمخة بماء الورد والبرد.. كانت ليلة ماطرة يوم التقينا.. كانت ليلة مزيجا من البرد والدفء والتدفق والنور والظل والأحجام والأقدام وكل الأشياء المتناقضة التي لا تحضر دفعة واحدة إلا في قبلة عميقة لعاشقين تحت المطر”.”تخيلتك معي عارية وأنا أتفرس تفاصيل جغرافيتك..عانقتك وسيول الماء تعبر تمثالنا ..ثم لففنا جسدينا في ملاءة واستلقينا عراة على فراش”..بدا ذلك بأريحية انفعال طبيعي خال من الخيال..أو التصنع..دون أن يجنح إلى الابتذال..أو ينعت بالأدب المكشوف ..جانحا إلى الرومانسية بجمل مشاعرية .. تسمو به إلى آفاق عميقة الإحساس” أحسست كأنني أشتعل بضياء الكون.. وكان الضوء قد أثار كل تضاريسي.. وبدأت أرى الكون برؤية أخرى.. لقد أصابت جسدينا زلازل وبراكين.. وهطلت أمطار وغرقت البحار في.. المحيطات وتزحزحت الكواكب والملكوت ..كنا نهتز وكأن جنيا ماردا كان يتقاذفنا.. فتمرغنا في العشق حتى الانطفاء .. لقد ضاجعني وضاجعته كما لم تفعل امرأة مع رجل من قبل .. جسدي وشم وسر بهاء.. ومع كل شعاع يستيقظ قى ألم غريب يختلط بالرغبة القاتلة في المضاجعة.. في ظلام لاتقلق عتمته غير تأوهاتي وكلماته المخلوطة بهمساته لجسدي”..مما يضعه ضمن دعامات النّصّ ..رغم أنه يجهر بحقيقته الفيسلولوجية الملازمة للرجل والمرأة .
وبين هذا السابق تماهت الكاتبة بتضمين النّصّ سيرتها الذاتية ــ التي سردتها تفصيلا بعد انتهاء سردها لنصها الرّوائيّ ..وكشفت فيها عن خلفيتها الثقافية..من خلال مسار روايتها..بأنها” متخصصة في أدب الخيال العلمي في أساطير الوجود والعدم والفناء ..إبان عصر القنبلة الهيدروجينية.. وكاتبة لقصص الأطفال ..ومؤلفة لقصص خيال علمي للأطفال.. ضمن سلسلة معنية بقصص الخيال العلمي.. المهتمة بالبعد الرابع ..أعنى بعد الزمن وبفيزياء الشمس بوجه خاص الزمن.. وتكتب في المجلات.. وتنزل ضيفة على أشهر البرامج .. وتكتب في المجلات الكونية عن حقوق الإنسان وقضايا الساعة ..وقد كتبت رواية متمردة جميلة اسمها “سير أصحاب الشعر الطويل” ضمنتها أجمل الأفكار التي قرأتها عبر مطالعاتها الطويلة.. والمكثفة لتاريخ البشر وسسيولوجيا الأدب وانطولوجيا المكان.. وتطور الفنون وتاريخ الإبداع الإنساني في الألفية الماضية ..ووظفت كل معلوماتها في تثوير الشعب ضد وجودهم المفرغ من الروح والسعادة والذاتية.. في عالم إلكتروني مبرمج لمصالح رجالات حكومة المجرة” .
ولمزيد من الإبحار في هذا النّصّ..واستخلاص ما جاء فيه.. يتبين أن الكاتبة لم تبد الأسماء التي وردت به بعشوائية الاختيار ..وإنما انتقتها بما يتفق ومضمونه الجانح إلى الرمزية في الأساس..رغم تقديمه تحت عباءة الخيال العلمي..ف “المجرة” هي” تجمع عدد هائل من النجوم وتوابعها ويعرفها العرب باسم أم النجوم..ويسميها العالم درب التبانة”..”باسل ” البطل الشجاع الذي يرمى نفسه في غمار المعركة قاتلا اومقتولا..”المهريّ” يعنى ازدياد الفعل عن حاجته ..”شمس” النجم الرئيسي الذي تدور حوله الأرض..”خالد” باق ودائم..”الأشهل