الرّاوي وأثره في العناصر القصصية في قصص سناء الشعلان

 

 بقلم الباحث: محمّد صالح المشاعلة/ الأردن

 

 

أولاً: رؤية الكاتبة للزّمان:

الزمان انفو ـ يعدُّ الزّمن عنصراً هاماً من العناصر التي تدخل في تحديد مفهوم القصّة القصيرة والتّمييز بينها وبين أجناس أدبيّة أخرى تقع على حدودها أو تتوازى أو تتقابل معها. وللزمن أثر كبير في الفنون الأدبية أجمعها؛ وذلك لأن الزمن الأدبي زمن إنسانيّ، فهو زمن التجارب والانفعالات زمن الحالة الشعورية التي تلازم المبدع، فهو ليس زمناً موضوعياً أو واقعياً، بل هو زمن ذاتيّ ونسبيّ من قاصّ لآخر[1].

 

ولعلّ من الواجب العلمي أن نستفسر عن الزمن الذي حدثت فيه الرّواية أو القصة؛ فقد يعود بنا الزّمن في بعض الأعمال الأدبية إلى الوراء؛ رغبة من الكاتب لإبراز العناصر السّردية ذات العلاقة بالمسرود، وأيضاً في إظهار المسرود له. فالزّمن شيء يصعب الإمساك به، ندركه بعقولنا ولكن لا نستطيع إدراكه بحواسنا.

ويعد “القصّ هو أكثر الأنواع الأدبيّة التصاقاً بالزمن”[2]؛ إذ لا يمكن له أن يستغني عن الزمان بحال من الأحوال؛ ذلك أنّ علاقة “القصّة بالزمن علاقة مزدوجة، فالقصّة تصاغ في داخل الزمن، والزمن يصاغفي داخل القصّة”[3]، وخلاصة ذلك أنّه “لا سرد بدون زمن، فمن المتعذر أن نعثر على سرد خال من الزمن، فالزمن هو الذي يوجد في السرد، وليس السرد هو الذي يوجد في الزمن”[4].

ويتمثّل رصد الزمن لقصص شعلان في تحليل مدّة السرد أو الأحداث، ويتم ذلك عن طريق “ضبط العلاقة الزمنيّة التي تربط بين زمن الحكاية التي تقاس بالثواني، والدقائق، والسّاعات، والأيّام، والشّهور، وبين طول النّص القصصيّ، الذي يقاس بالأسطر، والصّفحات، والفقرات، والجمل”[5].

ويغلب على زمن قصص الكاتبة صفة ( تسريع السرد)، ويتم ذلك عن طريق حركة سرديّة تسمى (الخلاصة)، أو المجمل، أو الإيجاز، أيّاً كانت التسميّة فهي تعني السّرد في بضع فقرات، أو بضع صفحات، لعدّة أيام، أو شهور، أو سنوات من الوجود، دون تفاصيل أعمال أو أقوال[6]

ونتيجة لهذا يكون زمن القصّة أكبر بكثير من زمن الحكاية، فما يحدث في شهور وسنوات، أُجمل في عدّة سطور. وتمتاز الخلاصة بأنّها حركة زمنيّة تهيمن بصورة أساسيّة على صيغة السّارد العليم، الذي يرى الأحداث من الخارج، مجملاً لنا ما يراه مهمّاً، وهذا موضوع دراستنا الرئيس[7].

إنّ تلخيص السّارد للأحداث وإيجازها يأتي به السارد لتحقيق جملة من المنافع النّصيّة، والغايات السردية التي تخدم النّصّ، ولعل أبرز تلك الوظائف هي المرور السريع على سنوات طوال أو شهور عديدة في بضع أسطر أو فقرات، ولعل أوضح مثل على ذلك قصّة (مقام الحقائق)، في مجموعة شعلان القصصيّة (مقامات الاحتراق)، حيث تختصر الأزمان بجملة واحدة، هكذا:

“ضحّى بنصف عمره؛ ليصل إلى الحقيقة، وأنفق النصف الثاني؛ لينسى تلك الحقيقة”[8].

في هذا السرد القصصيّ القصير، نلاحظ محدودية حجم النص مقارنة بالزمان الذي يتضمنه في طيّاته، إذ استطاع السارد في هذه الأسطر القليلة أنْ يُجمل لنا حياة (رجل) لم تصرّح الكاتبة عن هويته، فالسارد لا يذكر لنا كيف ضيّع النصف الأول من عمره في البحث عن الحقيقة، وكيف أضاع النصف الآخر من عمره لينسى تلك الحقيقة، فحياة هذا الرجل اختُصِرتْ في سطرين، إذ لا يهم الراوي ضياع النّصف الأول من العمر، بل كل ما يهمه حزنه على ضياع النّصف الثاني لينسى تلك الحقيقة.  

ومن النماذج الأخرى التي يمكن أن نمثل بها هنا لتسريع الزّمن في قصّة (عينا خضر) من مجموعتها القصصيّة (الهروب إلى آخر الدنيا):

“في كلّ ليلة تحسّس[9] خضر بطني؛ ليطمئنّ على غرسته، ثمّ يغفو وهو يحلم بطفل يولد في أرض محرّرة، يغفو على الحريّة، ويستيقظ على مداعبة النّفوس العاشقة لأرضه المعطاءة، وعلى صوت مآذن القدس، وأخيراً تفتّق جسدي العاشق عن غرسنا الجميل، كانت كلّ العيون حولي، إلا عينك يا خضر، آه من القهر والموت، كلّ العيون تجتلي طفلك وتقبله، إلا عينيك يا خضر، فهما تستحمّان في غياهب الموت، وتقدمان محجريهما للدود والعفونة، كما قدّمت مكرهاً نورهما لعدو غاصب”[10].

يمر الرّاوي في خبره هذا مروراً سريعاً، مجتازاً بذلك كثيراً من الأحداث التي لم يُردْ لها أن تقع في دائرة الضوء، فنراه يختصر سنوات من حياة (خضر) دون التفصيل فيها؛ لأن ما يريد أن يصل إليه الراوي هو أنّ خضر استشهد، وسرقت عيناه ليهودي يعاني من مشكلة في قرنيّتيه على أيدي الغاصبين، فمرّ على أحداث ولادة الطّفل وموت أبيه مروراً خاطفاً، دون أي شرح لذلك أو توضيح، بل اكتفى الرّاوي بالإشارة إليهما؛ مما أسهم في تسريع الإيقاع السّردي للزمن، من خلال هذا التّكثيف النّصيّ الذي حققته الخلاصة السّرديّة.

في نهاية الأمر نلاحظ أنّ الكاتبة كثيراً ما تعتمد في سردها للزمن على الخلاصة؛ كسارد عليم بالأحداث، يجمل ما رآه أو ما سمعه، فاسحةً المجال للقارئ كي يربط الأحداث ويوصل بينها بخيط السرد، ونستطيع أن نتعرف على ذلك من خلال عبارات التّلخيص التي ذكرها الرّاوي الذي يدّعي العلم بكل أحداث القصّة، ويعرف ما يدور داخل الشخصيّة وماذا تريد، بإشارات سريعة معبّرة.

ثانياً: رؤية الكاتبة للمكان:

يعدّ المكان واحداً من أهم العناصر الرئيسة التي يتكئ عليها القصّ، فهو يشكل مع الزمان بيئة قصصيّة تقع فيها الأحداث وأفعال الشخصيّات، وأيضاً ارتباطه بالحدث؛ كونه الحيّز الذي تدور فيه الأحداث، فالمكان يكتسب أهمّيته بعد أن يحدث فيه شيء ما.

إذاً المكان يمثّل وعاءً للحدث وللشخصيّة، إذ يُظهر مظاهر الحياة التي تعيشها الشخصيّات، كما يحوي الأحداث التي تنمو مسيرتها ضمن إطار محدّد، إذ تتشكّل الأمكنة من خلال الأحداث التي تقوم بها الشخصيّات، وهو على علاقة وطيدة بالشخصيّات، فالبناء المكاني لا يتشكل في النّص إلّا من خلال اختراق الأبطال له[11]، ويعدّ أيضاً ركناً مكمّلاً للشخصيّة، فضلاً عن وظيفته في تفسير الشخصيّة، إذ من خلاله تبرز صفات الشخصيّة وطبائعها ومعالمها الدّاخليّة والخارجيّة عن طريق مواقفها وسلوكها[12].

في هذه المبحث سيحاول الباحث دراسة الأمكنة الواردة في مجموعة شعلان القصصيّة (أرض الحكايا) أنموذجاً، تحت ثنائيّة المكان (الأليف، المعادي)، على وفق ما تمّ رصده من أمكنة داخل هذه المجموعة، لا أقول جميعها بل أكثرها تردداً، وبيان دلالة ذلك.

1-المكان الأليف:

إنّ المصطلح المتعارف عليه للمكان الأليف هو المكان الذي تنسجم معه الشّخصيّة، ذلك المكان الذي تأنس به النّفس وترتاح إليه، من دون أن نلمح للعداوة فيه ملمحاً، “فإذا حدث نوع من الانسجام فإنّ الشّخصيّات تحيا فيه وتعيش في ألفة، وإذا لم يحدث ذلك فستكون الشّخصيّات كارهة للمكان وينشأ نوع من التناقض”[13]. ومن الأمثلة على تلك الأمكنة الأليفة (المساجد، الحدائق، الواحات الجميلة).

ومن هذه الأماكن التي ورد ذكرها في قصّة (مدينة الأحلام) داخل المجموعة القصصيّة (أرض الحكايا):

“كانت المدينة صغيرة ذات أسوار بلّوريّة، وقبّة شفّافة تتراءى السماء والقمر والنّجوم في أعلاها، ولكنّها كانت تتسع للبشر أجمعين كما اتّسعت طوال وجودها السّري لأحلامهم، كان البقاء فيها رائعاً، كانت تشبه مزقة من الفردوس الذي سمعوا عنه طويلاً في كتبهم ومن أنبيائهم”[14].

تمثّل هذه المدينة (مدينة الأحلام)، حلم البطل الذي ما انفك يرسم تلك المدينة في ذهنه. وأخذ السارد يستحضر هذا المكان ويعاينه وهو السارد العليم الذي كشف لنا عن هذه المدينة التي كانت تسكن داخل شخصيّات القصّة وتزيّن أحلامهم، حيث قام بالتّركيز على مدينة الأحلام بوصف أسوارها، وسمائها، وقمرها، ونجومها، ومعجزاتها.

ومن الأمكنة أيضاً التي تشكّل في مجموعتها الألفة والعداء، إزاء الشخصيّة المتطوّرة في هذا المكان (ساحة الأقصى)، في قصّة (في القدس لا تشرق الشّمس):

“كان الجنود يطاردون بعض صبية حيّه، عرفهم جميعاً، كانوا نوارس صغيرة تطاردها الوحوش، أخذ يهتف معهم: (الله أكبر… خيبر… خيبر يا يهود، جيش محمّد سوف يعود)، وأخذ يرشقهم ببعض الحجارة، ووّلى مع الصبية نحو البعيد، اختبأ في إحدى الزقاق مع صديق له من الصّف الخامس اسمه أحمد، كان يصلّي معه الفجر في المسجد الأقصى بحضرة المعلّم رفيق، ولكن كان ذلك في الماضي، قبل أن يرحل معلّمهم الطّيّب دون عودة، وقبل أن يعلو جدار الفصل، فيغلق الدّروب دون المسجد”[15].

تمثّل ساحة الأقصى المبارك مكاناً أليفاً ومعادياً في الوقت نفسه، فهو أليف للصبية والشباب الذين يرجمون الصّهاينة بالحجارة، والتي ارتبطت في نفوسهم روح القتال والجهاد ضدّ المحتل، في حين يكون هذا المكان معادياً للصهاينة الذين تأتيهم الحجارة رشقاً، فمن خلال الرّاوي العليم هنا استطعنا أن نفرّق متى يكون المكان أليفاً أو معادياً للشخصيّات من خلال تصوير الرّاوي لحبّ الأطفال والشباب للوطن ودفاعهم عنه، والمقاومة الشعبية التي تتصدّى للصّهاينة، فيصبح بذلك المكان معادياً بالنسبة إليهم.

2-المكان المعادي:

ويراد به المكان الذي تخافه النّفس؛ لخوفها من سطوة شخص، أو سلطة أو عدو أو أيّ شيء آخر، فيكتسب المكان صفة العداوة ويكون مدعاة للبغض والكراهية. وهو أيضاً الذي يرغم المرء على العيش فيه، ويثير الإحساس بالضيق، والضّجر، والعداء. ومن أشهر الأمكنة التي اتصفت بالعدائيّة (السجون). ولعلّ السجون هي من أكثر الأماكن وأشدّها عداوة للإنسان على مرّ العصور؛ لما تتعرض فيه إنسانيّة الإنسان من ذلٍّ وقهر ومهانة، واستلاب لحرّياتها وأفكارها. ومن الأمثلة على قسوة السّجون في قصّة (البلّورة)، حيث يصف الرّاوي معاناة السجين من المكان بقوله:

“كان غريباً في وطنه، وعدوّاً في سجن وطنه، ضُرب حتى نسي اسمه، وما نسي قضيّته، وخرج يجرّ الخذلان وقدماً عرجاء شبه مشلولة محتجّة بصمت على العذاب الذي وقع في حقّها، وبدأت معاناته مع البلّورة “[16].

 يمثّل المكان هنا ما كان يكابده بطل القصّة من عذاب ومهانة، ودليل ذلك قدمه التي شلّت بسبب العذاب الذي أصابها، فالبطل في القصّة يعاني من سجنين سجن الوطن، والسجن الحديدي المعروف، فقد كان مسجوناً داخل السجن وخارجه، بسبب (البلّورة) كما أوهموه، ولكن البلّورة في حقيقتها تمثّل (الدواسيس) وعناصر المخابرات الذين يراقبونه وينقلون أخباره عن كثب، وفي النهاية يفضّل الانتحار خلاصاً من كلّ هذا الألم والعذاب.

ومن الأمثلة أيضاً على الأمكنة العدائيّة (الصحراء) عند شعلان، وقد تجلّى ذلك في قصّة (قافلة العطش)، حيث اتخذت العطش رمزاً للحرمانوالعطش إلىالحب، يقول الرّاوي:

“كانوا قافلة قد لوّحتها الشّمس، وأضنتها المهمّة، واستفزّها العطش، جاءوا يدثّرون الرّمال وحكاياها التي لا تنتهي بعباءات سوداء تشبه أحقادهم وغضبهم وشكوكهم. العطش إلى الحب أورث الصّحراء طقساً قاسياً من طقوسها الدّامية، أورثها طقس وأد البنات، البعض قال: إنّهم يئدون بناتهم خوفاً من العار، البعض الآخر قال: إنّهم يفعلون ذلك خوفاً من الفقر، لكن الرّمال كانت تعرف أنّها مجبرة على ابتلاع ضحاياها النّاعمة؛ خوفاً من أن ترتوي يوماً، كان مسموحاً للقوافل أن تعطش وتعطش، ولها أن تموت إن أرادت، لكن الويل لمن يرتوي في سِفر العطش الأكبر”[17].

إنّ رؤية الكاتبة للمكان الصحراوي رؤية مأساويّة، فالشخصيّات لا تشعر إزاء الصحراء بالألفة مطلقاً، إنما تشعر إزاءها بالعداء، فقد كشفت الشّخصيات عن إحساسها بالعطش والحرمان في إطار العادات والتقاليد، بينما تطمح إلى الانفتاح والارتواء من الحب، فالصحراء هنا تمثّل الحرمان لكلّ من الذكر والأنثى على وجه الخصوص. تم التّعبير عن ذلك عن طريق الرّاوي الأنثى متقمّصاً هذا الدّور، ولربما كان هذا لسببين: “الأول أنّ الكاتبة تستهدف الرجل السّلطوي، والثاني يتمثّل في الخبرة الحياتيّة المكتسبة للكاتبة بوصفها تمثّل الجانب الأنثوي، فغزلت على منوال الواقع المعيش لا المتخيّل، مما أعطى هاتيك القصص صدقاً فنّياً من نوع خاص”[18]. فمكان الصّحراء في هذه القصّة يمثّل الحرمان والعطش إلى الحبّ، والنّص مليء بالشّواهد التي توضّح مدى رفض الشّخصيّات لهذا المكان المعادي.

ومن الجدير بالذّكر أنّ المكان لا يكتسب صفة (الأليف أو المعادي) نظراً لجمال المكان أو قبحه، فنظرة كلّ شخصيّة للمكان تختلف عن نظرة أخرى غيرها، بل حتى للشخصية ذاتها، فلربّما كانت ترى في إحدى الأمكنة مكاناً أليفاً لها، ثم بمرور الزمن يصبح بالنسبة إليها مكاناً معادياً، وبالعكس، تبعاً لنوعية التّجربة الشّخصيّة من جهة، ولتغير الأحداث الجارية عليها من جهة أخرى. فقد ترتاح الشخصيّة للمكان وتعدّه أليفاً رغم ضيقه وقبحه، في حين قد ترى الشّخصيّة هذا الحيّز مكاناً معادياً، فيما إذا كانت قد تعرضت فيه إلى أذى مهما يكن نوعه.

ثالثاً: الرّاوي والشّخصيّة:

تعدُّ الشّخصيّة من الأركان الأساسيّة التي يرتكز عليها السرد، وليس بإمكانه التّخلي عنها؛ فهي من دعامات العمل القصصيّ[19]، فالشّخصيّة لها أهميّة كبيرة، وتضطلع بموقع متميّز؛ انطلاقاً من كونها”العنصر الوحيد الذي تتقاطع عنده كافة العناصر الشكليّة الأخرى”[20].

وتقوم الشّخصيّة في بعض الأحيان بتولّي “مهام الرّاوي ذاته أو المروي له كذلك”[21]، وفي المقابل يعدّ الرّاوي أيضاً في بعض الأحيان لسان الشخصيّات، والمعرّف بها سواء من الخارج أو من الدّاخل، فالعلاقة بينهما علاقة متبادلة ومكمّلة لكلا الطّرفين. وقد اختلف الباحثون في مفهوم الشّخصيّة وماهيتها، فمنهم من رأى أنّها في القصّة من لحم ودم، ومنهم من رأى أنها شخصيّة ورقيّة، ورأى بعضهم الآخر أنها “ليست سوى مجموعة من الكلمات لا أقل ولا أكثر”[22]. والشّخصيّة على هذا ما هي إلّا كائن يخلقه القاص من خياله، يأتي بتوظيفه تحقيقاً لغايات معيّنة.

ورأى آخرون أنّ الشّخصيّة في الواقع هي صورة طبق الأصل للذين يحيون في المجتمع، مما أهلها لأن تكون صورة دقيقة لحقيقة المجتمع وواقعه[23]، وغالباً ما تكون هذه الشّخصيّات من الواقع أو مقتبسة منه.

تعددت الشّخصيّات الواردة في مجموعات شعلان القصصيّة، “فأكثرها شخصيّات هامشيّة من عامة النّاس. من ذلك بطل القصّة الموسومة (رجل محظوظ جداً)، أو بطل قصّة (اللوحة اليتيمة) وغيرها، فهي تنتقي أبطالها من عامّة النّاس وليس من المثقفين أو من طبقة اجتماعيّة عليا؛ وبذلك تقترب من القارئ، وتختصر المسافة بينها وبين المتلقّي”[24]، بالإضافة إلى شخصيّات أسطوريّة وخياليّة.

اعتمدت الكاتبة في رسم شخصياتها وتقديمها من خلال الرّاوي بـ(الطريقة التّحليليّة): وفي هذه الطّريقة يقدّم الرّاوي شخصيّاته بوسيلة مباشرة، شارحاً عواطفها وأفكارها ونوازعها، من دون غموض أو تردد، “وعرض الشّخصيّات بهذه الطريقة يفيد في مسرحة النّزاع وجعله أكثر تأثيراً”[25].

ومن أمثلة هذه التّقديم المباشر للشخصيّة في مجموعة الكاتبة القصصيّة (الكابوس)، في قصّة (بطل المِكْنِسة) أنموذجاً، حيث قدّم الرّاوي شخصيّته الرئيسة على هذا النّحو:

“لم يكن طالباً متفوّقاً، ولا وسيماً، ولا يمتُّ بأيّ صلة قرابة إلى المدير أو إلى أيّ من المدرّسين، ولكنّه كان الطالب الأشهر في المدرسة الابتدائيّة، بل وفي الحي القديم الذي يسكنه، حتى إنّه لم يكن هناك بيت من البيوت المكدّسة على بعضها كعلب الكرتون المقوّى في مخزن قديم في حيّه وفي الأحياء المجاورة، إلّا ويعرفه أحد من صبيته، أسموه (بطل القطّة)، ثم أسموه بعد ذلك (بطل النّمرة)، بناء على رغبته، وهو من عشّاق الألقاب الرّنّانة “[26].

قامت عمليّة الكشف عن الشّخصيّة بوساطة راوٍ عليم، يرى من الخارج شخصيّة الطالب المشهور في الأحياء القديمة والمدرسة الابتدائيّة، معرباً عن هويّتها ونوازعها نحو الألقاب مثلاً، دون أنْ نلحظ دوراً للشخصيّة للتصريح بذلك. وأيضاً قام بوصف ملامح الشخصيّة الخارجيّة دون تردد أو إذن ومثال ذلك:

“فلم يكن من المناسب بعد أن كبر وأصبح بجسد يسدّ باباً بأكمله، وبعد أن استدارت عضلاته واستطالت عظامه، وخطّ شنبه أن يُدعى (بطل القطّة)، إن لم يكن هناك بدٌّ من لقب”[27].

 عرض الرّاوي هنا ملامح الشّخصيّة عرضاً مباشراً، فكما وصفها في البداية وصفاً داخلياً، شرع بوصفها أيضاً من الخارج، فوصف (الطالب) بالطّول، والضّخامة وبعضلات وعظام قويّة، وشنبه الذي بدأ يخطّ.

هذه الأوصاف سواء أكانت داخل الشّخصيّة أم خارجها استطاع الرّاوي العليم أن يقدمها للقارئ بكلّ سهولة ومن دون أيّ عناء في تحليل الشخصيّات من غير الاعتماد على الحوار الذي يكشف لنا عادة مكنونات الشخصيّة.

ومن شواهد الطريقة التحليليّة أيضاً في وصف الشّخصيّة في قصّة (صداع قلب)، على لسان الرّاوي: “اعتاد على صراخها وفوضاها، حتى أصبح من أشدّ المتبرمين بوجودها، فقد منعته النوم بمشاكلها واحتجاجاتها، وأساءت إلى مظهره كلما جاءه ضيف لزيارته، فوجدها تنبح في الحيّ دون توقّف، تنتصب بجسدها البرونزيّ الجميل، وتتمايل بتشنجات وإيماءات وإشارات فاضحة، ثم تصفّق كفّاً على كف، كما أنّه حال دون أن يسمح له بتصوّر أنّ امرأة غجريّة سيئة السّمعة تتعاطى الاستجداء عملاً تعتاش منه تكون جارة له يوماً ما”[28].

يقدّم الرّاوي للقارئ شخصيتين (الرّجل، والجارة الغجريّة)، الرجل الذي يرفض تصرفات جارته المشبوهة، حيث عرض الرّاوي أوصاف (الجارة) عرضاً مباشراً، وقدّمها بين يدي المتلقي من دون عناء منه، من خلال وصف سلوكيّات (الجارة) سيّئة السّمعة، ونمطيّة الشخصيّات التي ترتاد منزلها كلّ يوم، كل ذلك صدر من راوٍ غير ممثّل بالنّص، ينظر إلى العالم بكلّ ما يخصّ هذه الشخصيّة ويتعلّق بها، وكأنّه عين (الكاميرا) المصوّرة لكل ما تقع عليه عدستها.

وهكذا يعمد الرّاوي العليم إلى فقرات موجزة، يصوّر فيها (الجارة) خيرَ تصوير، واقفاً عند صفاتها التي اشتهرت بها من بذاءة، وفجور، وجمال في نفس الوقت، فالكاتبة تتعامل مع شخصياتها تعاملا ًخاصاً من خلال عرضها بأسلوب أدبي رصين.

ونورد أيضاً أمثلة على (الشّخصيّات الأسطوريّة)، “وهي الشّخصيّة التي ليس لها وجود واقعي”[29]، ومنها شخصيّة (الفزّاعة) في قصّة (الفزّاعة)، حيث يصف الرّاوي إيّاها:

“ملابسه رثّة، قبّعته قديمة، فيها خرق كبير، قدماه خشبيّات[30]، عيناه زرّان مختلفا اللّون، وفمه مخاط على عجل، ولا أذنين له، وقلبه من القشّ، وخصره نحيل، وجسده مصلوب ليل نهار، ولكنّه يحبّها، لا يحبّها فقط؛ لأنّها هي من خاطته، وزرعته في هذا المكان، ولكنّه يحبّها، لأنّها رقيقة ولطيفة، ويعشق صوتها ذا الرّنين العذب كلّما غنّت”[31].

تناول الرّاوي هذه الشخصيّة الأسطوريّة بالوصف، ومن خلال هذا الوصف الدّقيق للشخصيّة، يستنتج القارئ أنّ هذه الفزّاعة ليست فزّاعة فحسب، بل لها مشاعر وأحاسيس وقلب ينبض بالحب لتلك الفتاة التي خاطته. وبمثل هذا النّسيج الخيالي والأسطوري ترسم الكاتبة ملامح هذه الشّخصيّة؛ رغبة في إضفاء مزيدٍ من التشويق وتوسيع أفق المتلقي وربطها بالواقع.    

وقد كان أيضاً من الشّخصيّات التي تطرّقت إليها الكاتبة في مجموعاتها القصصيّة (شخصيّات من عامّة الناس ذات طابع هزلي)، وهي تمثّل الأنموذج الذي لا يكاد يتغيّر وتتبدّل سماته طوال النّص، وليس لها أثر يذكر مهما تغيّرت الظروف المحيطة بها، ويُرى أنّ هذه الشّخصيّة هي التي يتذكّرها القارئ بسهولة، ولا تحتاج من المؤلف إلى إعادة تقديم لكونها لا تتطوّر عمّا كانت عليه[32]. هذه الشّخصيّة صورتها لنا الكاتبة تصويراً فكاهياً ومثال ذلك ما جاء في قصّة (سُهاد)، حيث تصف لنا الطّالبة بعض من الشخصيّات الفكاهيّة الواردة في القصّة، كمعلّمة الرّياضيّات الدّائمة التّوبيخ: “ضاربين صفحاً عن جعجعة معلمة الرياضيّات السّمينة، التي انبرت مهتاجة كديك ينوي التّبرّز تريد أن تلفت انتباهنا إلى السّبورة، لنتابع حلّها لإحدى المسائل التي لم نفكُّ أبداً طلاسم حلّها في يوم من قبل”[33].

وأيضاً في وصف المديرة لطالبات الصّف: “مديرة المدرسة منعتنا مراراً من التّكوّم كدجاج مزرعة على نافذة الصّف خوفاً من أن تسقط إحدانا منه”[34]. وفي وصف الخالة للطالبة: “طفلة مفعوصة لم أخرج من البيضة بعد، على حدّ تعبير خالتي الوحيدة التي تحظى بوافر حبّ واحترام وثقة أمي”[35]. وأخيراً في وصف رئيس البلديّة: “وتهيئة أماكن الاستقبال للضّيوف الرسميين على رأسهم ذلك السّمين ذو الكرش المسترسل كعجين خامر، ويدعى رئيس البلديّة”[36]. وبمثل هذا التقديم لشخصيّة (رئيس البلديّة) يهيئ الرّاوي نفس القارئ لتلقّي أخبار هذه الشّخصيّة وفجورها، وفسادها. 

تحاول الكاتبة من هذا – على لسان الرّاوي – التّصوير الفوتوغرافي رسم صورة كاريكاتيرية في ذهن القارئ، لشخصيّات القصّة (المعلمة، طالبات الصّف، رئيس البلديّة، سُهاد)، واصفاً كلّ شخصيّة بأوصاف خاصّة، مقدّماً إيّاها على وفق ذلك.

رابعاً: الرّاوي والحدث:

يعدُّ الحدث من أشمل العناصر السّرديّة المنطوية على علاقات كثيرة مع الشّخصيّة والزّمان واللغة[37]، وهو من العناصر الأساسيّة الفعّالة التي لا يمكن الاستغناء عنها، ويتمثّل الحدث في أنّه “سلسلة من الوقائع المتّصلة تتّسم بالوحدة الدّالة، وتتلاحق من خلال بداية ووسط ونهاية”[38].

ويقوم القصّ في أساسه على الحدث، فالقصّ عبارة عن مجموعة من الأحداث يسردها لنا الرّاوي، وهي تتناول حادثة واحدة أو حوادث مختلفة، حيث يتفنّن الرّاوي في طرق أحداث القصّة وسردها. وهو الطّريقة التي يسلكها الرّاوي في إيصال الأحداث للمروي له، ويتبع لذلك عدّة طرق، فتارة يسعى إلى عرضها بأسلوب تتابعي منطقي، وتارة أخرى يعرضها بشكل تضميني أو دائري، على وفق ما يراه الرّاوي منسجماً مع النّص والسرد الذي يأخذ على عاتقه سرد الأحداث.

ومن الأنساق التي حاول الباحث رصْدها ضمن مجموعات شعلان القصصيّة:

نسق التتابع:

يقوم هذا النّسق البنائي على أساس “رواية أحداث القصّة جزءاً بعد آخر، دون أن يكون بين هذه الأجزاء شيء من قصّة أخرى”[39]، وفي هذا اللون من الأنساق تتم رواية الأحداث بالتّرتيب، من دون تداخل أحداثها مع قصّة أخرى. وهذا اللون “قد عُرف منذ زمن طويل، وقد هيمن مدّة طويلة على فنّ القصّ بمختلف أجناسه، فقد كانت الأحداث تقدّم للسامع بنفس ترتيب وقوعها أي سردها، وبحسب ترتيبها الزّمني”[40]، فالرّاوي يسعى هنا إلى سرد الأحداث بشكل خيطي متسلسل.

ولعلّ من أبرز خواص الحدث وأهمها هو تأكيد الرّاوي على نقل الحدث والواقعة الإخباريّة نقلاً تتابعياً، من دون حدوث أيّة انحرافات بارزة في بنيته الزّمنيّة[41].  

وقد جاءت أكثر قصص الكاتبة منسابة بشكل تتابعي، قدّمها لنا الرّاوي على وفق هذا النّسق البنائي، وخير مثال على هذا النّسق، كما جاء في قصّة (عام النّمل)، في مجموعة الكاتبة القصصيّة (ناسك الصّومعة)، حيث ينقل لنا الرّاوي الأحداث في فترة زمنيّة منظمّة:

“كلّ ما كان يعني مملكة النّحل هو تقويض ذلك العرش الذّهبي الضخم الذي ركّز تماماً فوق مخازن الغلال والمؤن، فبات يهدد مملكة النّمل بالجوع وهي مقبلة على فصل الشّتاء، حيث لا متّسع لجمع مؤن جديدة أو نقل محتويات المخازن العتيقة المأسورة تحت العرش، وما كانت المملكة لتتخلّى عن مقدّراتها وممتلكاتها، فالتمسّك بالحقوق هو قانون النّمل المقدّس”[42].

في هذه القصّة تحاول مملكة النّمل جاهدة كسب قوتها الذي حرمت منه بسبب ذلك العرش الضخم، الذي حال بينها وبين الوصول للمؤن والمحتويات لنقلها وتخزينها لفصل الشّتاء، ويستمر الرّاوي بنقل الأحداث، وهي تتوالى في الوقوع، وتزداد إثارة حين قررت مملكة النحل إرسال أحد من رسلها، إلى سلطان عرش البشر:

“بعثت مملكة النّمل رسولاً إلى سلطان عرش البشر تسأله أن يغيّر مكان عرشه، فيخلي بين النّمل ومستودعاته، لكنّ السلطان ذا العرش الماسي سخر من ضعف الرّسول والنّملة، وداسه بنعله دون أن يعبأ بدوره المقدّس، فمحقه محقاً”[43].

على إثر هذا التّصرف من سلطان العرش، عزمت مملكة النّمل على أن تسترجع المؤن، وأن تثأر من كبر هذا السلطان، وأن تهدم عرشه المسكون بالتّجبّر وآهات المستعبدين من شعبه، وأطلقت المملكة صفير النّذير الذي لبّى الجميع نداءه:

“كانت المهمة شبه مستحيلة، لكنّ كرامة النّمل المطعونة غدت المحرّك والفتيل لأتون العمل والجهد، في غضون شهور قليلة مزّق النّمل بأفكاكه القويّة بالعزم والعمل والدؤوب، والواهية أمام الصّلب والخشب عرش السلطان، فتهالك العرش، وهوى بسلطانه الجائر الذي قضى صريعاً، وما وجد من شعبه من يرثيه إذ كان مكروهاً لا يناسب جوره رثاء أو ترحّم”[44].

هكذا تنتصر هذه المملكة المتماسكة، على السّلطان الجائر، الذي فرح بسقوطه الجميع، وحققت هذه الطبقة الكادحة المستضعفة ما لم تحققه الشّعوب، التي أعلنت هي الأخرى النّفير بعد عام النّمل، ممثلة (بالرمز) لكل ما يدور في واقعنا من الطّبقيّة والتّسلّط.

ويستمر الرّاوي في نقل الأحداث على وَفْقِ تسلسل منطقيّ، من دون ملاحظة أيّ خلل زمنيّ، بل مضت الأحداث بشكل طبيعي، ونسيج متتابع الحدوث، قصده الرّاوي وهو يسرد لنا ما جرى بين مملكة النّمل وسلطان العرش، ونجد الكاتبة قد قامت بتجريب النهاية المفتوحة أمام تساؤلات عديدة، وبهذا “لا ينغلق الزّمن التّتابعي، وإنّما يظلّ مفتوحاً على احتمالات عدّة يشارك القارئ في صنعها واستكمالها”[45].

نسق التضمين:

يعدُّ هذا النّسق البنائي وسيلة يعتمدها الكاتب لعرض أحداث قصّته للمتلقي، وهذا النّسق “يقوم على أساس نشوء قصص كثيرة في إطار قصّة قصيرة واحدة”[46]، وهو من أقدم الأنساق البنائيّة في الأدب القصصي، حيث تأتي بعض القصص المضمَّنة تنبئ بالنهاية، التي ستجري إليها الأحداث.

ووظيفة الرّاوي هنا، محاولةُملءِ الفراغات داخل العمل السّردي تارةً، والبحث عن التّنويع تارة أخرى[47]؛ خروجاً عن الملل، وعن النظام التقليديّ الذي قد يصيب القارئ عند قراءة أيّ عمل أدبيّ. ولا يشترط في نسق التّضمين تفرّع قصّة أو قصص أخرى عن القصّة الأمّ “فبإمكان راوٍ واحد أن يعقد علاقات بين مقاطع حكائيّة مختلفة”[48].

ومن الشّواهد على نسق التّضمين، ما تورده الكاتبة في قصّتها (المجاعة)، داخل مجموعتها القصصيّة (ناسك الصّومعة)، حيث تجسّد هذه القصّة حياة الرّجل النّحّات، وما تتولد عن حياته من قصص أخرى ضمّنتها الكاتبة داخل القصّة:

“كان نحاتاً موهوباً في زمن الضّنك والفقر، ولكنّه الآن ليس أكثر من حفّار قبور أو حانوتي قاتم يحترف تشييع الموتى، ويتقن إهالة التّراب على الأجساد التي اقتاتها الجوع، ويستثمر الباقي القليل مما لم يمانع الموتى بسلبهم إيّاه في إكمال تمثاله الصّخريّ، الذي قدّه من الصخر منذ زمن، وأضنى ذهنه تفكيراً وتدبّراً في أي الأشكال سينحت منه، وآل قراره إلى أن ينحته على شكل طفل صغير يستجدي المارّة بدموع صخريّة خلّابة، وخمّن أنّه سيجني الكثير من المال من هذا التّمثال الحزين، لكنّ المجاعة المفترسة جعلته يتراجع عن تمثاله الصّبي المستجدي”[49].

عند هذه النّقطة السّردية، يعمد الرّاوي إلى اختيار الموضع الذي يسوق فيه قصّته الثّانية؛ ليُثبت من خلالها، قرار تراجعه عن تمثاله الصّبي المستجدي، والانتقال إلى قصّة أخرى متفرعة عن القصّة الأمّ، وهي قصّة الوالي الظالم، الذي لا يأبه لجوع قومه، الأمر الذي أدّى بهم في النّهاية للجوع:

“فقد داهمت المجاعة المكان على غير غرّة، فقد كان من المتوقع أنّ الأمور ستزداد سوءاً ما دام الوالي يضيق الخناق على المواطنين، ويرهقهم بالضّرائب المضنية، ويشاركهم حتى في سعاداتهم وفي لحظات الجماع اللذيذة، في حين إنّ السلطان يمارس رياضاته المفضّلة مثل ركوب جواري الفتنة، ومطاردة الشُّهب في المجرّات البعيدة. أمّا الشباب من الرعيّة فقد كانوا نذوراً وقرابين لحروب يعزّ أن تحصى لكثرتها تشتعل في بلاد غريبة، ولأسباب لا تعني أمهاتهم، ولاتستفزّ نخوتهم، وإن كانت أسباباً كافية لكي يحتكر التّجّار والمرابون السلع والأغذية، ويقصرونها على أصحاب الدّراهم الذّهبيّة، ويبقى الهواء الموجود المجّانيّ الوحيد ملاذاً للبطون الفارغة”[50].

هكذا عمد الرّاوي إلى تضمين القصّة الأولى (قصة النّحات الموهوب)، قصةً أخرى وهي (قصّة حفّار القبور)؛ إسهاماً منه في زيادة متعة القارئ وتسليته من خلال التّنويع في طريقة عرض الأحداث التي دارت في غير ما مكان.

ومن الجدير بالذّكر أنّ الباحث لم يتطرّق لدراسة الحوار؛ لأن مجموعات الكاتبة القصصيّة كادت تخلو وتفتقر لعنصر الحوار بين الشّخصيّات، فالكاتبة اعتمدت في الأغلب على الرّاوي العليم والمونولوج الداخلي الكاشف للشخصيات بمعزل عن الحوار.

 

 

 

 

[1] انظر: خفاجي، أحمد رحيم، (2011). المصطلح السّردي في النّقد الأدبي العربي الحديث. عمّان: مؤسسة دار الصّادق الثقافية، ص338.

[2] قاسم، سيزا، (1984). بناء الرواية (دراسة مقارنة لثلاثيّة نجيب محفوظ). الهيأة المصريّة العامة للكتاب، ص26.

[3] حمادة، أحمد عبد اللطيف، (1985). الزمان والمكان في قصّة العهد القديم. مجلة عالم الفكر، مج 16، ع3، 1985، ص65.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى