البحث العلمي سلاح ذو حدين لكنه خير من العقل الخرافي
الزمان انفو ـ كتب الدكتور محمد الأمين ولد الكتاب :
عرف المسلمون عبر العالم ما بين أوائل القرن التاسع و أواخر القرن الرابع عشر للميلاد طفرة علمية و نهضة فكرية واقتصادية و اجتماعية ملحوظة بوأتهم مكانة الصدارة بين الأمم، وذلك نتيجة لمقاربة الاستقراء و ممارسة الترجمة و العمل على توسيع دائرة المعارف و تبني العقلانية و الحس النقدي و مراعاة المنطق . تلك المقاربة التي انتهجوها و تمسكوا بها دون تردد ..
أفضت إلى نبوغ علماء مسلمين أفذاذ في مختلف مجالات المعرفة . نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: جابر ابن حيان في الكيميا و محمد بن موسى الخوارزمي في الرياضيات وأبو علي الحسن بن الهيثم في البصريات و عباس ابن فرناس في علم الجاذبية و الطيران و علاء الدين ابن النفيس وأبو علي ابن سينا و أبو بكر الرازي و غيرهم في الطب وابن رشد الحفيد و ابن طفيل و أبو الـعلاء المعري وسواهم في الفلسفة .
و عبد الرحمان أبن خلدون في علم الاجتماع و التاريخ. وقد شكل هؤلاء العلماء المتمكنون المرجعية التي اعتمدت عليها أوروبا ثم بقية العالم من بعدها ليس فقط لتطوير و بلورة و توسيع المعارف و العلوم الحديثة، بل و لانتهاج العقلانية و مراعاة الحس النقدي و النسبية و الشك العلمي، إضافة إلى الابتعاد عن اليقينية المفرطة و التزمت الأعمى، ما مهد الأرضية الصالحة للنهضة الأوروبية ابتداء من القرن الخامس عشر و هيأ المناخ الملائم لقيام عصر الأنوار خلال القرن الثامن عشر ، ثم انطلاق الثورات الزراعية و الصناعية التي عقبته وصولا إلى ثورة المعلوماتية و ما استتبعته من تفجر المعارف في كل مناحي الحياة و الرامية إلى استكناه الكون و تطويعه و تملكه. كل هذا نتيجة لبحث علمي محموم يرمي كما أشرنا إلى استسبار و استبطان كل ظواهر الكون لتسخيرها لأغراض الأمم المتنفذة الساعية إلى الريادة و الهيمنة (إنما العاجز من لا يستبد). و الوقع أن البحث العلمي يشكل سلاحا ذا حدين . حيث أنه يتضمن جوانب إيجابية بناءة تفيد البشرية و تحسن من ظروفها المعيشية و تحول بينها و بين الكثير من الأوبئة الفتاكة والكوارث الطبيعية المدمرة. لكنه بالمقابل قد يقود إلى ممارسات ضارة و يفضي على مسلكيات سيئة و لا أخلاقية. و لا ريب أن البحث العلمي يشكل نشاطا مفيدا و ذا نفع عميم عندما ينصب على تحسين الصحة لجهة القضاء على الأمراض المزمنة و رفع مستوى إمكانيات التشخيص و تعزيز تقنيات الجراحة و خاصة الجراحة عن بعد بواسطة الروبوتات ، و عندما يرمي إلى تفعيل و سائل التواصل و الاتصال ،و عندما يعمل على تطوير الذكاء الاصطناعي وتوظيفه للمراقبة الأمن و توفير الخدمات الأساسية ، و عندما ينصب على استسبار الفضاء لتتبع و مراقبة حركات النيازك و المذنبات و الكويكبات السابحة في الفضاء و التي يحتمل ارتطامها على نحو كارثي بالكرة الأرضية وذلك سعيا إلى اتخاذ التدابير اللازمة لتفادي هذا النوع من الكوارث التي سبق أن تسببت في انقراض الديناصورات منذ ستين مليون سنة خلت . و لا مراء في ما يكتسيه البحث العلمي من أهمية بالغة عندما يهتم بالمناخ و االوسط البيئي لتفادي الفياضات المدمرة والجفاف و المجاعات عن طريق إنزال الأمطار الاصطناعية و تحديد إحداثيات المياه الجوفية عبر الأقمار الاصطناعية… كما أن الثورة الجينية بما تشمله من تعديل واستنساخ للخلايا الحيوانية و النباتية لها فوائد كبيرة ما لم يسأ استخدامها و ما لم تضرب عرض الحائط بالقيم و الأخلاق. أما جانب البحث العلمي الذي يعنى بالحقل العسكري ، فإنه فعلا سلاح ذو حدين إذ أنه يوفر خدمات عسكرية بالغة الدقة و الفعالية قد تنجم عنها أضرار فادحة إما مقصودة أم جانبية. من بين هذه الخدمات : الإسنطلاعات الإستخباراتية عن طريق الأقمار الاصطناعية و كذا الطائرات بدون طيار و الصواريخ البالستية و القنابل الذكية و مختلف وسائل الدمار الشامل . و الشيء المريع في هذا المضمار هو أن الاكتشافات و الاختراعات في المجالات العسكرية التي يفضي إليها البحث العلمي في ظل التطورات التكنولوجية المذهلة هي في ازدياد و تنوع و تعقيد و خطورة تفوق ما يمكن تخيله. وقد يكون من الصعوبة بمكان أن يتصور المرء ما قد يكون لها من نتائج و تداعيات على استقرار أمن وسلامة سكان المعمور. و آية ذلك ما تضمنته وثيقة سرية حصل عليها الموقع الأميركي “موك روك” بمحض الصدفة ضمن آلاف الوثائق التي تم الإفراج عنها في إطار قانون حرية المعلومات و التي كان من الممكن أن لا تظهر على الإطلاق . لكنها ظهرت بالخطأ من بين الوثائق المفرج عنها كما ذكرنا و التي قام بتسريبها مركز ” فيوجين” الأميركي المكلف بمهام الأمن الداخلي و مكافحة الإرهاب. تتحدث هذه الوثيقة عن تطويرا لولايات المتحدة لسلاح سري يمكنه التحكم في عقول البشر و يسيطر على عقول الأشخاص عن بعد. و أعطى المركز للوثيقة عنوان ” تأثيرات سلاح جسم الإنسان”. و هذا السلاح عبارة عن سلاح (عقلي –الكتروني) يستخدم الكهرو-مغناطيسية لقراءة العقول أو زراعة أفكار معينة في العقول أو التسبب في إيجاد مشاعر بعينها يحس بها الإنسان مثل الألم الشديد و الشوق لحاجة معينة أو التلهف لأمر ما أو الكره والتقزز من شيء ما . و يمكن لذلك السلاح ، حسب الوثيقة، أن يؤدي إلى طمس ذاكرة معينة بصورة قسرية أو التلاعب بها بإدخال أحداث ووقائع خاطئة فيها.و يتيح هكذا سلاح قراءة الأفكار و العبث بها و حتى السيطرة على الكلمات التي يتفوه بها الشخص المستهدف بحيث ينطق كلمات معينة بدلا من الكلمات التي كان يود أن يقولها.” و ترسم الوثيقة خريطة بعمل دماغ الإنسان المستهدف من خلال استخدام موجات أطلق عليها اسم موجات التحفيز الدماغية. و تستخدم في هذا السلاح حسب الوثيقة ، شبكات الهواتف المحمولة و الهواتف الذكية لتشغيل تلك الموجات و التي يمكنها كما أسلفنا أن تتحكم بصورة قسرية في أي شخص معين أو اية مجموعة بشرية بعينها. و يمكن تشغيل ذلك السلاح وفق ما ادعته الوثيقة من الهواء عن طريق مروحية.” و أوضح السيد كورتيس وولتمان الذي أعد التقرير عن الوثيقة ” أنها لا تحمل شعارا تابعا لحكومة الولايا ت المتحدة الأمريكية . و أنها تبدو في الظاهر كوثيقة غير رسمية ، لكن مجرد و جودها لدى المركز المنوه عنه يعد دليلا على عمل الحكومة الأمريكية على إنتاج مثل هذه الأسلحة المرعبة على حد قول كاتب التقرير. هذا السلاح المخيف قد يبدو أقرب إلى الخيال العلمي منه إلى الواقع. لكن التجربة قد أثبتت و تثبت باضطراد أن المسافة الفاصلة بين الخيال العلمي و الواقع في تقلص مستمر . و أن ما هو خيال علمي اليوم قد يصبح واقعا قائما غدا. فمن كان يتصور قبل اليوم إمكانية تشغيل حاسوب من خلال النظر إليه و الإيعاز إليه ذهنيا بالبدء في العمل؟ و من كان يتصور قبل اليوم أن يكون بإمكان شخص أن يقوم بإطفاء أنوار منزله الموجود في مدينة سيدني باستراليا و هو موجود بشيكاغو في الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق التحكم عن بعد؟ و من كان يظن قبل الآن أنه سيكون بالإمكان إجراء عملية جراحية على بعد آلاف الكيلومترات ؟ الحقيقة أن التطور التكنولوجي و التعمق في البحث العلمي من شانهما أن يجعلا كل شيء ممكنا و قابلا للتحقيق. و الذي يحز في النفس هو أنه في الوقت الذي قطعت فيه البشرية أشواطا شاسعة على طريق القدم و الارتقاء و في الوقت الذي تتم فيه الاكتشافات و الابتكارات و الإبداعات المتلاحقة في كل المجالات و الحقول المعرفية ما زلنا نحن أمة “اقرأ ” نراوح مكاننا نلوك خطابا ماضويا و نسترشد بآراء رجال متشبعين بالفكر الخرافي يشككون في كروية الأرض و يكفرون من يدعو إلى تحرير عقل الأمة من الفكر الثييوقراطي المتحجر والمتخاصم مع التطور و الحداثة و الارتقاء .وإنه لمن المحزن حقا أن يقوم أشخاص يوصفون بالعلما ء رغم أنه ليس لجلهم إلا إلمام ضئيل بالعلوم الدقيقة و المعارف العصرية كالرياضيات و الكيميا و الفيزيا و الفلك و البيولوجيا و الجغرافيا و علم الاجتماع. أن يقوموا..بامتطاء المنابر عبر الفضائيات لرفع عقيرتهم بالقول: بأن شر الأمور محدثاتها و أن كل محدثة بدعة و أن كل بدعة ضلالة و أن كل ضلالة في النار…إلخ إلخ
إقرأ أيضا:
الأديب الذي يكره الصحراء؟!/عبدالله محمد الفتح
وصية العلامة محمدسالم ولد عدَود الشعرية الشرطة تقصي نادي تجكَجة
صحفي يهاجم برام ولد اعبيدي والوزير الأول ويتحدث عن خلاف “الميثاق” ..معلومات مثيرة
وزير الخارجية يكتب :إنهم يستغيثون…
سجن أربعيني بعد اغتصابه لفتاة واعتقال مغتصب في عقده السادس
الزميل الربيع ولد إدومو في حوار هام مع الأستاذ الشيخ التجاني ابراهام