تهديدات القاعدة للشركات الغربية.. أي تأثير على موريتانيا؟/ م م أبو المعالي
الزمان انفو ـ أصدر “تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي” (التنظيم الأم لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين الناشطة في شمال مالي) بيانا سماه “بيان منابذة الشركات والمؤسسات الفرنسية والغربية، وتحذير المسلمين العاملين فيها، في دول مغرب الإسلام والساحل”، وقد نص البيان بشكل صريح على أن التنظيم قرر استهداف الشركات الغربية وبدرجة أولى الفرنسية منها، العاملة فيما سماه “مغرب الإسلام” وهي التسمية التي يطلقها التنظيم على المغرب العربي، وذكر بالاسم موريتانيا وليبيا، إضافة إلى دول الساحل.
وقد ذكر البيان موريتانيا بالاسم في معرض حديثه عن دول المغرب العربي التي ستكون الشركات الفرنسية والغربية فيها هدفا لهجماته، فضلا عن كونها إحدى دول الساحل التي يشملها التهديد أيضا، وقد أثار هذا البيان أسئلة كثيرة لدى المراقب العادي حول إمكانية استهداف بعض الاستثمارات الغربية والفرنسية منها خصوصا، على الأراضي الموريتانية، وهل يشكل هذا التهديد بداية النهاية لحالة الهدوء التي عرفتها جبهة الحرب بين موريتانيا وتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي منذ نهاية عام 2011. بقراءة أولية للبيان، يبدو للوهلة الأولى أنه الحماقة الإعراض صفحا عن أخذ هذا التهديد على محمل الجد، وأن ورود اسم موريتانيا فيه يحول دون إخراجها تلقائيا من قائمة الأهداف المفترضة في المستقبل القريب والمتوسط، غير أن نظرة متأنية للسياق الذي ورد فيه البيان، ومعطيات الساحة التي شكلت إرهاصات لميلاده، تجعل منطق التحليل الساعي للفهم العميق للأحداث، والمتكئ على معطيات الحاضر وأحداث الماضي القريب، ورؤية المعنيين للأمور على أرض الواقع، يميل إلى احتمالات أخرى، ترجح بقاء موريتانيا والمصالح الغربية على أراضيها خارج دائرة الاستهداف حتى الآن.
الحرب حددت قائمة الأهداف إذ من المعلوم أن قادة التنظيم صرحوا أكثر من مرة وفي أكثر من مقابلة أن استهداف موريتانيا سابقا وتنفيذ عمليات داخل أراضيها خلال الفترة ما بين 2005 و2011، لم يكن يعني أن موريتانيا وضعت بشكل رسمي ونهائي على قائمة الأهداف والأعداء المستهدفين بالحرب من طرف التنظيم، بل اعتبروا أن تلك العمليات ظلت رغم تكراراها، أحداثا استثنائية، ولأسباب تتعلق بسياق وقوعها، وبعد دخول تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي في تحالف مع جماعتي أنصار الدين والتوحيد والجهاد في غرب إفريقيا، سنة 2012 وسيطرتهم على شمال مالي وإحكام قبضتهم على كبريات المدن هناك، تغيرت استراتيجية التنظيم، وباتت قائمة الأعداء والأهداف تتحدد وفقا لمعايير أخرى غير المعايير السابقة، تحصر قائمة البلدان المستهدفة في المحاربين الجدد للتنظيمات “الجهادية” في شمال مالي، ثم أشفع قادة القاعد تلك المعايير بتصريحات مفادها أن لائحة حلفاء الحرب الفرنسية في مالي هي التي ستحدد قائمة الأهداف المستقبلية، وأن الحياد سيبذل لمن بذله، ومع انطلاق الحرب في يناير عام 2013، بدأت الدول المشاركة في الحرب تتلقى رسائل عملية تؤكد دخولها دائرة استهداف التنظيم (مالي، النيجر، بركنفاصو، كوت ديفوار)، وذلك عبر هجمات ضربت أراضيها وعواصمها، وبقيت موريتانيا في مأمن من تلك الهجمات، نظرا لوجود قواتها خارج ساحة المواجهة في مالي، وقد شمل ذلك التأمين الغربيين والأجانب ومصالحهم على الأراضي الموريتانية، بعد أن تم استهدافهم سابقا (قتل الفرنسين قرب ألاك 2007، وقتل الأمريكي كريستوف لكيت في نواكشوط 2009، واختطاف الاسبان على طريق نواذيبو 2009، واختطاف إيطالي وزوجته قرب باسكنو 2009).
قوة الساحل.. لا جديد في الموقف الموريتاني وخلال العام الماضي، أًعلن عن ميلاد مشروع ما يعرف بقوة دول السحال المشتركة التي تضم إلى جانب موريتانيا كلا من مالي والنيجر وتشاد وبركنفاصو، وتساءل الكثيرون عن احتمال أن يدفع التحالف الجديد بموريتانيا إلى المشاركة في حرب أحجمت عن الغوص في مستنقعها خلال السنوات السابقة، وكشفت الحملة الإعلامية والسياسية المصاحبة لإعلان ميلاد القوة المشتركة عن الترويج لرؤية تقول إن مهمة الجيوش المشاركة في تلك القوة هي اقتحام ساحة المعركة في شمال مالي سعيا للقضاء على “الجهاديين” وطردهم من المنطقة، بيد أنه مع تقدم الوقت وتطور الأحداث تبين أن الرؤية الموريتانية لمهام هذه القوة تختلف عن الرؤية التي حاول الماليون والنيجريون ومن ورائهم الفرنسيون التسويق لها منذ الوهلة الأولى. إذ تقوم الرؤية الموريتانية للحرب في شمال مالي على مرتكز تعزيز أمن الحدود المشتركة من طرف جيوش دول المنطقة، وتعزيز التعاون العسكري ، وأن الخروج من الورطة يمر أولا بحل الإشكالات الداخلية للبلدان المعنية خصوصا جمهورية مالي، التي تشكل بؤرة التوتر ومصدر الحاضنة الشعبية الحقيقية للجماعات المستهدفة، وأي حرب إقليمية أو دولية هناك، قبل تسوية الأوضاع الداخلية، تعني حشرا للأنف في أزمة تواجهها جمهورية مالي مع مجموعات من سكانها، لاعتبارات عرقية أو جغرافية، وبالتالي ستكون المشاركة الميدانية تورطا في شأن مالي داخلي، وسيلاقي أي عمل عسكري وأمني مشترك هناك في هذه الظروف، ذات المصير الذي آل إليه عمل القوات الفرنسية والدولية، التي قادت حربا ضروسا أدت اليوم إلى تعقيد الأوضاع أكثر من سابق عهدها، وتوسيع دائرة العنف، لتشمل مناطق الوسط المالي (منطقة ماسينا)، وتًقحم المزيد من العرقيات في المواجهة المفتوحة (الفلان)، هذا فضلا عن أحداث الأسابيع الماضية التي شهدت بارتكاب مذابح عرقية متبادلة واضطرابات بين الفلان وبعض القبائل الطارقية في شمال شرق البلاد، وبين الفلان والدوزو في وسط وغرب البلاد، تزيد الوضع حساسية خصوصا اتجاه موريتانيا التي تحاول النأي بنفسها عن نذر حرب أهلية لو اندلعت لن تكون المنطقة كلها بمنجاة منها. ومع تعثر مشروع قوة الساحل المشتركة حتى الساعة، بات واضحا لدى “الجهاديين” أن المخاض العسير لهذه القوة قد يطول أكثر مما خطط له، وقد يكون المولود أقل شأنا مما تطمح له فرنسا وحلفاؤها، وهو ما دفع بنائب أمير “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”، وأمير “إمارة الصحراء الكبرى” في تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، يحيى ابو الهمام في آخر تسجيل صوتي له، إلى القول إن مشروع قوة دول الساحل ولد ميتا، وأن الحلم الفرنسي بإقحام قوات بلدان المنطقة في ساحة المعركة عوضا عن قواتها، قد تبدد.
وتبقى حالة “المتاركة” مع موريتانيا وانطلاق من ذلك يمكن القول إن حالة المتاركة (ترك كل طرف للطرف الآخر)، التي اتسمت بها العلاقة بين موريتانيا وتنظيم القاعدة خلال السنوات الماضية، لم يقم ما يبرر انهيارها، أو تخلي أحد الأطراف عنها، وهي متاركة ولدت حين تزامنت تصريحات قادة التنظيم بعزمهم تحييد البلدان التي لا تشارك في حربهم عن قائمة أهدافها المحتملة، مع قرار الحكومة الموريتانية الامتناع عن إرسال قواتها إلى مالي، ورفض المشاركة في الحرب الفرنسية هناك لاعتبارات تخصها. لذلك تمكن قراءة ورود اسم موريتانيا ضمن ثنايا بيان تهديد الشركات الفرنسية والغربية في المغرب العربي والساحل، كنتيجة لاستحقاقات الجغرافيا فقط، باعتبارها إحدى طرفي خريطة دول “المغرب الإسلامي” ـ حسب مصطلح التنظيم ـ (من ليبيا إلى موريتانيا) لكنه قد لا يعني بالضرورة تغيرا في موقف التنظيم من موريتانيا، الذي يسعى لتقليص قائمة خصومه، وإخراج بعض البلدان من التحالف العسكري ضده ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وتجنب تكالب دول المنطقة عليه، بدل فتح قائمة الاهداف من جديد واستدعاء مزيد من الأعداء، خصوصا إذا تعلق الأمر ببلد مثل موريتانيا يملك حدودا طويلة مع مناطق نشاطه، وقادر على لعب دور مؤثر في الحرب عليه.