عندما كنا نمارس المسرح
الزمان انفو ـ المسرح مارسناه قبل مجيئ الآيفون و الآيباد و الوتساب و الفيسبوك و المونغرام وغيرهم من الوسائط المختلفة قبل إضاءة غدور و مصورات القنوات الفضائية و مكبرات الصوت الحديثة حينها لم يكن لدينا ما نسمع به أصواتنا سوي حناجرنا المؤمنة بالعطاء..
و لم يكن لدينا من الإضاءة سوي مصابيح إستديوهات التصوير الفتوغرافي المغلفة بأغلفة لونية مختلفة تتم مداعبتها من طرف مهندس إضاءة يغير لون الإضاء بيده و ليس بجهاز تحكم عن بعد، أما الموسيقي التصويرية فتتم بواسطة “كاسيت” وليس سي دي، نمارسه حينها بأمكانيات متواضعة و جهود بدائية جدا لا نرغب في الشهرة و كل ما نبحث عنه هو تقديم عمل ينير الطريق أمام المجتمع ويعالج قضايا وطنية كبري، يكفينا فقط أن تكتظ قاعة العروض بدار الشباب الجديدة و تحضر الجماهير بكثرة لمتابعة العمل المسرحي، لكنها كانت أعمال ذات جودة عالية و تعبر عن موهبة و حرفية و مهنية الهواة حينها، ذاع صيت الشباب في تلك المرحلة وشهدت الخشبة أكبر العروض المسرحية “مملكة العقل الواحد” أماه بعد مائة عام” ووحده ضد المدينة” و مشروع جريمة” و أين الغداء” وخفلة خطوبة” وبريق الصمغ العربي” و الهذيان” وهكذا نطق الحجر” و غيرهم من الأعمال المسرحية التي قدمتها فرق مسرحية مختلفة في الأسماء و الأهداف و الرسالة متفقتا في التوجه و نبل التوجه و أرتبطت هذه الأعمال بأسماء شباب حينها من مختلف الأعمار و الأجناس لكنهم مبدعين بكل ما تحمل الكلمة من معني ” المرحوم عبد الله ولد أمود” عبد الله ولد الفتح” الولي ولد الشيخ يب” الطالب ولد سيدي” عبد الرحمن أحمد سالم” عبد الباقي ولد محمد” أعمر ولد بوسيف” محمد سالم و أخليه” محمد الحسن ولد بوخصة” محمد ولد محمد المصطفي” منت وهب منت شماد” خديجة بنت هنون” خديجة منت بوشحيمة” محمد ولد الشيخ” الليبي” ولد باب” محمد عالي ولد أبنو” حاب ولد سيد محمد” ” التقي ولد عبد الحي” أحمد حبيبي” عزيز” أحمد باب ولد محفوظ” سيدي ولد أحمد يحي” اللائحة تطول و الإختيار يصعب هذا بالإضافة للأب المؤسس للجيل الثاني من المسرح الموريتاني الدكتور محمد الأمين عداهي مؤسس أول أتحاد وطني لمسرح الهواة..
اليوم بدأ المسرح الموريتاني يعيش فترة أخري فرغم توفر الإمكانيات وتجدد الطاقات و أتساع الذاكرة و تعدد الأحداث و إمكانية الأبداع و تشعب المواضيع و فرصة الإنفتاح علي العالم الخارجي يعيش المسرح أزمة هوية و غياب تنظيم محكم والتعامل معه كرافد من روافد الإبداع و التميز و قد عاش مرحلتين بعد المرحلة الأولي فمرحلة جمعية التواصل التي أسسها المبدع و الفنان الشاب “بونة ولد أميدة” ورفاقه قدمت عملا مسرحيا ناضجا عالج قضايا الساعة وسوق شبابا جدد لساحة العطاء بعد أن أنسلخ الجيل الأول وسرقته الصحافة المستقلة و الرسمية و عاش فترة قيام “المسرح الشعبي” الذي شكل السبب الرئيسي الأول لإنحطاط المسرح و تلاشيه نتيجة سوقيته و أنحطاط رسالته، لم يكن الجيل الثاني محظوظا فقد عايش قيام أول مؤسسة ثقافية و هي دار السينمائيين الموريتانيين فبحكم حب الشهرة و التألق و المراهقة الثقافية فقد تسلل جل الشباب خلسة أو علانية نحو هذا المولود الجديد لتعيش الخشبة هجرة من نوع آخر و ما أن تبخر الحلم و الطموح و الأمل المعلق علي دار السينمائيين حتي وجد الشباب أنفسهم فجئتا مصورين هواة في مؤسسات أعلامية حرة تشبه الدكاكين في مجملها بعد أن تعلموا أبجديات التصوير علي يد دار السينمائيين و تخرجوا من فلمها المحكم الإخراج و الذي يقدم حصيلته السنوية كل سنة من خلال مهرجان الفلم يفتتح و يختتم وسط حضور دولي كبير و سياحة ثقافية معتبرة و عروض صخمة وورشات و مسابقات وطنية و دولية في الغالب لا تكون شفافة و يختتم بسهرة مديحية و عشاء في مناخ تقليدي جدا بعيدا عن أعين جنود الخفاء تتبادل فيه الوفود القبلات و الصور..
و ترحل الوفود ليبقي الشباب ينتظر النسخة القادمة، رغم هذا لم يتخلي “بونة ولد أميدة” عن مشروعه وواصل النضال من أجله وكان كلما ما فقد جنديا جاء بآخر و قام في حالات كثيرة بتقديم أعمال مسرحية بالتعاون مع أوجه محسوبة علي الجيل الأول لكنها لم تكن في الصدارة نتيجة عدم جفاف الساحة حينها “أعمر ولد كي و بنه ولد شنوف ” هؤلاء كانوا يقومون بوصلات ترفيهية بين العروض المسرحية تقليد الفنانين و الأصوات و الأوجه لم يكن لهم دورا كبير في الفعل المسرحي حينها، الكارثة الكبري هي أن أربعة مسرحيين إجتمعوا في مكان ما وساعة ما و من أجل موضوع ما كان يحركهم عامل واحد و هو تحريك الساعة الثقافية و الفنية و إسترجاع خيط من نجاحات الماضي و تسويق عمل مسرحي جديد و مشاريع ثقافية كبري قد تجد الدعم من مؤسسات ثقافية خليجية معتبرة و لما نضج الموضوع وأنهالت عليهم التمويلات و الرحلات و شكلوا رباعي لا خامس لهم وقع بينهم خلاف كل أعتبر الآخر خائن و متآمر و ناكر للجميل رغم سوابق واحد منهم مع النار وبراءة إثنين و إحتمال تورط آخر في صفقات مشبوهة و الضحية هم الشباب و الجيل الثالث من المسرحيين الموريتانيين، اليوم وبعد مرور سنوات من الركود تحاول جمعية المسرحيين الموريتانيين إصلاح العطب وتقديم عمل مسرحي مغاير وناضج لكنها لازالت تعاني من صراع الكبار و عدم ثقة الشباب في الحراك الحاصل رغم الصخب الإعلامي الكبير و محاولات تطهير البعض من الشبهات و الدسائس و طي ملفات الفساد و التلاعب لكنها أمور قد لا تكون سريعة الحل فكل المفاوضات السرية التي دارت بين الأطراف المتنازعة باءت بالفشل في ظل تقديم أعمال بإدارة شبابية جديدة مع إختفاء كلي للبعض عن الساحة حسب بعض المحللين أنها خطط معدة سلفا من أجل تلطيف الجو و السيطرة علي بئر التوتر لكن الطرف المختفي يقول أنها إستراحة محارب و لحظة تأمل في إنتظار بداية الزحف الأكبر و لا تخلوا تغريداته من ما يربك به الطرف الآخر الذي يراه سببا في ضياع الحلم و المشروع ولاشك أن لطرف من الكفاءة و الجراءة و التجرد ما يبعثر به أوراق الخصم الذي يبدوا أنه لم بعد واحد بل أصبح إثنان، و ستكون النتيجة هي أن الشباب الهواة ضحية صراع الكبار فحلم السينمائيين إختفي كليا أو جزئيا بعد الخلافات و الصراعات التي شهدتها المؤسسة و التي بموجبها أشرف المتنازعين علي اتفاق يجنب المؤسسة أروقة القضاء وهي وساطة قادها “محمد سالم دند” بموجبها تولي المرحلة الأنتقالية في انتظار إنتخاب حكومة توافقية و هو ما لم يقع حتي اللحظة في الجانب المقابل المسرح لم يهدأ له حال حتي اللحظة وكل يدعي شرعيته علي حساب الآخر و يقدم نفسه علي أنه وصي علي المسرح و هذا هو حال العديد من المؤسسات الثقافية الوطنية التي جاءت من رحم المعاناة لتجد نفسها فجئتا في الصدارة دون أن تستخلص من عبر الماضي فتبدأ بداية موفقة و ما إن تصل لنصف الطريق حتي تبدأ في توزيع المعانات و التنكر لمن كانوا خلف تميزها و نجاحها وهذا هو حالنا و من شب علي شيئ شاب عليه.
حمسن امعيبس
برام يتهم أحد العلماء ويعطي دليلا على زيف ما ذهب إليه