هذا راتبي… وما خفي أعظم!
الزمان انفو ـ أثارت مداخلات النائب محمد ولد ببانه المتعلقة بالرواتب العليا جدلا كبيرا، وأثار الشق المتعلق منها براتب أو بدخل يصل إلى 25 مليون أوقية قديمة ردودا قوية من طرف وزير الاقتصاد والمالية، الشيء الذي يُذكر بنقاش حاد كان قد جرى بين النائب والوزير خلال جلسة برلمانية مثيرة من جلسات آخر دورة برلمانية تم تنظيمها في العام الماضي .
مضمون ذلك النقاش الحاد كنت قد نشرته في وقت سابق من خلال إعادة صياغة ما نشره موقع “صحراء ميديا” عن النقاش المذكور، مع التأكيد بأني قد احتفظت بنص الكلمات التي نقلها الموقع عن الوزير والنائب دون أن أزيدها أو أنقصها بحرف واحد. ـ النائب ولد ببانة : يوجه سؤالاً إلى الوزير ولد اجاي عن ضرائب تجمع خارج إدارة الضرائب قال إنه يود معرفة أين ذهبت تلك المبالغ وكيف تم صرفها؟ ـ الوزير ولد اجاي يرد : “المبالغ موجودة على شكل صندوق أسود تابع لوزارة الاقتصاد والمالية، يأخذ منه الوزير 3 ملايين أوقية ومدير الضرائب، كما أعطي منها للمخبرين والنواب الذين أنت من بينهم” ـ النائب ولد ببانة : “أنت لست إدارة أمن الدولة وليس من مهامك التعامل مع المخبرين، وأنا لم يسبق أن أوصلت لك أي معلومات حتى أقبض منك” ـ الوزير ولد اجاي : “نعم أوصلت لي معلومات بخصوص فساد وزارة العدل” ـ النائب ولد ببانة : “نعم، لقد أوصلت لك هذه المعلومات، وسبق أن قلتها في العلن وقلتها لوزير العدل، ولكني لم أقبض منك أي مبالغ” ـ الوزير ولد اجاي : “ربما لأن المعلومات التي جلبت أقل من أن تستحق ثمنا”. هذا النقاش المثير كان مجرد حلقة أولى من سلسلة نقاشات حادة بين الوزير والنائب، وفي آخر حلقة من هذه السلسلة، طالب النائب محمد ولد ببانه بتشكيل لجنة برلمانية للتحقيق والتدقيق في الحساب أو في الصندوق الأسود الذي جاء ذكره في النقاش أعلاه، ولا شك أن التحقيق في هذا الحساب الخاص أو الصندوق الأسود يعد أمرا في غاية الأهمية، فمثل ذلك التحقيق سيمكننا من معرفة أين تذهب مداخيل هذا الصندوق، فهل هي تمنح للمخبرين والنواب كما قال الوزير، أم أنها تذهب مع مخصصات وعلاوات أخرى لصالح الوزير الشيء الذي قد يرفع دخل الوزير إلى 25 مليون أوقية قديمة كما أشار إلى ذلك النائب. وفي انتظار أن تتبين لنا حقيقة الأمر، فلا بأس من قبل ذلك بلفت الانتباه إلى مسألة في غاية الأهمية وتتعلق بحجم التفاوت الكبير بين حجم الرواتب العليا التي قد تصل إلى 25 مليون أوقية حسب النائب محمد ولد ببانه، والرواتب الدنيا التي قد لا تصل إلى 4500 أوقية جديدة، كما هو الحال بالنسبة لراتب كاتب هذه السطور. لم أكن ـ ولأسباب خاصة ـ أرغب في الحديث عن أي ظلم شخصي، ولا عن أي قضية خاصة، حتى ولو كانت تلك القضية في جوهرها هي قضية عامة تمس عددا كبيرا من الموريتانيين. لم أكن أرغب في الحديث عن أي قضايا خاصة، ولكن هذا الجدل الدائر حاليا عن وجود رواتب أو مداخيل تصل إلى 25 مليون أوقية جعلني أضطر للكتابة عن الرواتب الدنيا، وذلك من خلال الحديث عن راتبي الخاص الذي لا يصل إلى 4500 (أربعة آلاف وخمسمائة أوقية جديدة). هذا الراتب غير اللائق يمثل وجها من أوجه عديدة من المضايقات التي أتعرض لها بسبب آرائي، وما خفي من تلك المضايقات أعظم، أو على الأصح، ما سأخفيه منها عن النشر فهو أعظم. تجمعني بوزير الاقتصاد والمالية نفس الوزارة، ويجمعنا أننا من العمال غير الدائمين، وشهاداتنا الجامعية متقاربة، ومع ذلك فهو يحصل على مداخيل تصل إلى 25 مليون أوقية حسب مضمون مداخلة النائب ولد ببانه، أما كاتب هذه السطور فإنه يحصل شهريا على مبلغ أقل من 4500 أوقية، أي أنه يحصل في كل شهر على مبلغ يزيد قليلا على ما يحصل عليه معالي الوزير في كل ساعة من نهار، إن صدقت مداخلة النائب ولد ببانه. إني أتلقى هذا الراتب وأنا هو الوحيد من أصحاب الشهادات في وزارة الاقتصاد والمالية الذي يتلقى راتبا أقل من راتب بواب في نفس الوزارة، وذلك على الرغم من أن الوزارة تعاني من نقص في العمال من أصحاب الشهادات، وقد لجأت في فترة من الفترات إلى اكتتاب أصحاب شهادات مزورة، ومع ذلك فهي تصر على أن تبقي كاتب هذه السطور خارج مكاتبها، وبراتب من فئة رواتب البوابين والفراشين. المخجل في الأمر أن وزراء سابقين في هذا النظام على علم بالموضوع بعضهم جمعتني معه الدراسة، كما أن بعض الموظفين السامين في الوزارة قد جمعتني معهم الجامعة، وهم أيضا على اطلاع بالموضوع، ومع ذلك فلا أحد من كل هؤلاء تجرأ على تصحيح هذه الوضعية المشينة، والتي تسيء إلى الوزارة وإلى النظام من قبل أن تسيء إلى كاتب هذه السطور. أذكر أن أحد أولئك وبمبادرة خاصة منه دعاني ذات مرة إلى مكتبه، ووعدني ـ دون أن أطلب منه ذلك ـ بأنه سيصحح هذه الوضعية المشينة، وبأنه لن يقبل أن يبقى زميله في الدراسة يتلقى مثل هذه الراتب الذي لا يليق. لم يتغير حال الراتب من بعد ذلك الوعد، ولم يتم استدعائي إلى أي وظيفة في الوزارة، ولم أسأل صاحب المبادرة عن السبب في تراجع حماسه، ولا عن طبيعة العوائق التي حالت دون وفائه بوعده، لم أسأله عن أي شيء من ذلك، وإن كان الراجح عندي أن أوامر عليا هي التي كانت السبب في التراجع عن ذلك التعهد. هذه المضايقات التي تتخذ أشكالا عديدة، والتي تصل في بعض الأحيان إلى تصرفات صبيانية، تقابلها إغراءات من جهات أخرى من النظام، تَعِدُ بكل شيء، مقابل التوقف الفوري عن نقد النظام، وعن توجيه النصائح له. إن الأنظمة الحاكمة لا تحب النصح، ذلك استنتاج توصلت إليه من خلال تجربتي مع هذا النظام، ومن خلال تجارب سابقة مع أنظمة السابقة، وربما أعود إلى تلك التجارب بشيء من التفاصيل. أما الآن فسأكتفي بإعادة نشر تغريدة لرئيس الحزب الحاكم الأستاذ سيدي محمد ولد محم، ومع أني قد استغربت أن يلجأ رئيس الحزب الحاكم إلى روائي روسي ليستدل بأقواله عن القيامة والحساب إلا أني على الرغم من ذلك فقد ارتأيت أن أختم هذا المقال بتغريدة رئيس الحزب الحاكم التي نشرها على حسابه، والتي تقول : ” مِن حُسن الحظ أن هناك يومًا للقيامة، نقف فيه أمام من هو بكلِّ شيء عليم، وهناك سنفهم كُلَّ ما حدث”. تولستوي
رمضان كريم..
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل