من أيام التدريس
الزمان انفو ـ منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، كنت حديثة عهد بالطباشير، أدرس في ثانوية البنات، (شعبة الآداب العصرية، السنة الخامسة، مقرر الأدب العباسي، العدد 75طالبة)، وكان من عادتي أن أركز على تحليل النصوص، وأحمل الطالبات على التعاطي معها ، وفي نهاية كل حصة، أقوم بمراجعة سريعة، أختم بها الدرس؛ فأكتب أبياتا على السبورة، وأطلب من الطالبات اكتشاف الوزن العروضي ، والصور البلاغية فيها.
وذات حين، وبعيد إجازة عيد الفطر مباشرة، لاحظت أن كل الطالبات كن يلبسن الميني جيب، بشكل سافر، لا يمكن أن تستره الملاحف الشفافة، فكرتُ مليا، كيف أواجه جمعا من الفتيات المقبلات على الحياة، وملاحقة الموضة، في ذلك الوقت، وفي عاصمة تعج بالمتناقضات، ولأني لا أحب الأسلوب الوعظي، وأستهجن الأوامر المباشرة، فكرت في هذه الأبيات، التي علق بها أحد شعرائنا يوما على ظهور موضة ” الميني جيب”. وبعد أن أنهيت حصة النصوص، كتبت كالعادة على السبورة، هذه الأبيات، وطلبت إجراء التطبيقات المعهودة عليها: مِنِي جِبْ بِحَمْدِ اللهِ أَصْبَحَ أَخْضَرَا++ وَعَـمَّـا قَـلِيلٍ سَوْفَ يُـصْبِـحُ أَحْـمَـــرَا وَمَا زَالَتِ الْحَسْنَاءُ مَـيٌّ حَـرِيـصَـةً++ عَلَى رَفْـعِـه شِبْـرًا، فَـبَـاعًا، فَـأَكْـثَـرَا وَمَا زَالَ يَعْلُـو فِي الْقَوَائِـمِ صَـاعِدًا++ “دُوَّيْـنَ الصَّفَا اللَّائِي يَلِينَ الْمُشَقَّـرَا” تعمدت تشكيل الأبيات على غير عادتي، وإن هي إلا لحظات، وسرتْ في القاعة، همهمات وهمسات خافتة، تشاغلت عنها بالنظر في كتاب المقرر، وانتهى الوقت، ولم يأتني أي حل للتمرين، فقلت لهن: أريده واجبا منزليا، للحصة المقبلة. ومنذ ذلك اليوم ، اختفت ظاهرة المينيجب في شعبتي، ولم نتطرق إلى الموضوع إلا مرة واحدة، حين قلن: لقد فهمنا ما تقصدين، يا أستاذة. ومن الصدف المضحكة أن إحداهن وكانت وقتها في إجازة أمومة،دخلت قاعة الدرس، تلبس القصير تحت ملحفتها، فقلن لها بصوت واحد، : “ميني جب بحمد الله أصبح أخضرا++وعما قليل سوف يصبح أحمرا”. ارتبكتْ الطالبة حد الخوف، وظلت باهتة لا تفهم ما يجري من حولها، حتى شرحت لها إحداهن على انفراد حكاية أبيات الميني جيب. من صفحة باته بنت البراء