خطة العبور/ بقلم عبد الفتاح ولد اعبيدن
الزمان انفو ـ ينشغل بعض أصحاب الرأي و أصحاب الصلة الوثيقة بالشأن العام بالملفات ذات الطابع العمومي الواسع، على منحى أخلاقي إيجابي مطلق أو مغرض، ولو نسبيا أحيانا.
وفي هذا الحيز التحليلي الاستكشافي الحازم، ينشغل بعض أهل الدنيا بدنياهم، رعاية وتأملا، حرصا من بعيد على استقرار وحماية مصالحهم في هذه الدار السريعة التحول والزوال.
وفي المقابل ينشغل عباد الرحمان وخاصيته من العبيد بما يرونه بإذن الله احتياطا لما يخدم تلك الدار الباقية.
قال تعالى (فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما).
أما من الوجه المحلي وفي أفق الانتخابات الرئاسية، في منتصف سنة٢٠١٩، فيتوقع حلول منعطف سياسي وأمني حرج بامتياز، وبالتالي يستحق عميق وطويل التأمل الجاد العلمي المتجرد بحق، بإذن الله، عسى أن لا تزل السفينة الوطنية، المضطربة أصلا، عن شاطئ الأمان، نحو المجهول المعلوم المحظور، تمزق موريتانيا وذهابها- في أيام عاصفة مفاجئة للبعض – في خبر كان، كما يقال في المثل العربي.
أجل مفاجئة للبعض لسبب أو لآخر، ومن أهم ربما تلك الأسباب كراهية الغوص في العمق أو عدم امتلاك وسائل ذلك الغوص المرهق المثمر أحيانا، على منحى واسع بإذن الله.
إنني في هذا المقام أتعامل مع احتمالات، مضطر لاختصارها ليتسنى للمتلقي اقتطاف بسرعة ما يريد، على وجه القبول أو الرفض.
والسؤال المطروح، هل سيبقى الجالس الحالي على دفة الحكم القفل الدستوري على حاله أم يكسره عن قصد أو بدعوى الاستجابة للأصوات الشعبية والبرلمانية المطالبة بترشح الزعيم الملهم على رأبهم لمأمورية ثالثة، لمصلحة الاستقرار والغاز ومشاريع التنمية المرتقبة.
وهنا أجدني مضطر أيضا للإجابة الصريحة على هذا السؤال، قائلا كثير من المؤشرات تدل على اعتزام الرئيس المتغلب الحالي، الترشح لمأمورية ثالثة، بعد تصويت خاطف في الغرفة البرلمانية المتبقية، أما قصة التمرير الانتخابي فأسهل، بعد تجاوز عقبة الشارع المتوسطة العابرة، لأن لجنة الانتخابات القرابية وجملة الاستعدادات الحزبية والإحصائية والهيمنة الكبيرة على مفاصل المؤسسة العسكرية تقريبا، كل ذلك يعزز عبور الدولة نحو المرحلة الغازية، في ظل أفق رئاسي ثالث، معتم غائم، بعد تجاذبات حادة وحملة رئاسية مشحونة ومربكة، ولو قاطعتها ظاهريا المعارضة الراديكالية.
وبعد الفرز غير الشفاف طبعا، قد يستقر ما بقي من الدولة حينها، لأن شكل الدولة قد يسلم بصعوبة بعد جهود مضنية سياسيا و أمنيا بوجه خاص.
وباختصار الحاكم الحالي ليس نشازا من حكام العرب و الأفارقة الممسكين على وجه أسطوري بمقاليد الحكم، و الحال” إل ظاهر منه” لا يدل على الزهد إطلاقا.
وإن كسبت دولة موريتانيا رهان الاستقرار الهش مع جو موبوء اجتماعيا و ديمقراطيا وعدليا، إلا أن موريتانيا حينها ستصبح بلا طعم، في ظل مرحلة شبه ملكية استعمارية، إن لم يحد الرئيس من غلواء و انتهازية بعض أقاربه و مقربيه على السواء، و إلا ستصبح بقية المواطنين -إن صح الإطلاق-من مستوى”بدون” عمليا، لا قدر الله، وقد يهاجر كثيرون، إن لم تتخذ كثير من الاحتياطات للحد من تداعيات مامورية رئاسية ثالثة مثيرة، و لو كانت حتمية، للأسف البالغ، حسب معطيات جمة و متضافرة.
ولعل محاذير انتخاب مرشح رئاسي مدني قد تكمن على رأي البعض، في جدية الخلافات بين مكونات الصف المعارض، وجيشنا ليس جمهوريا، من زاوية التربية السياسية والديمقراطية بوجه أخص، وقد لا يسعف المدنيين فى صراعاتهم السيزيفية، غير المستبعدة حينها على السلطة، إلا بالعودة إليها مجددا، وعلى وجه أقسى، كما حصل فى النموذج المصري.
أما ترشيح جنرال لم يرتوى بعد تماما من هذا المال العمومي السائب، فربما ذلك ليس من الحزم ،و الأصل أن جوف ابن آدم لا يملؤه إلا التراب.
كل هذا على منحى الرأي القائل، إن رهان الدول الضعيفة على تأمين الاستقرار أولا، قبل طموحات عدلية وسياسية أخرى، تأتى أًو تسترجع في جوها الملائم بعد تأمين السفينة المتموجة.
والجدلية قديمة جديدة ومتجددة، حسب طقس الدول والشعوب والمجتمعات .
أما تصريح الرئيس أمس لمراسل إذاعة فرنسا الدولية، فأرجو أن يكون حاسما وحرفيا بشأن المأمورية الثالثة المثيرة للجدل، لكن التصريح مثقوب وربما مشفر ومفخخ عن قصد وإتقان.
فالتعامل لاحقا مع الدستور بعد تعديله مرة ثانية، قد لا يعنى عنده عدم احترام الدستور، أما قوله قناعة شخصية، فقد تتحول بحجة “ضغط الشعب وممثليه” تحت قبة البرلمان.