من المسؤول عن فاجعة “الغشوات”؟ / محمد الأمين ولد الفاضل

الزمان انفو ـ الجواب المباشر على هذا السؤال يقول بأن سائق الشاحنة الذي قرر أن يتجاوز شاحنة أخرى في منطقة خطرة، ففوجئ بحفرة، فحاول أن ينحرف عنها فانقلبت شاحنته فكانت الفاجعة، الجواب المباشر على هذا السؤال يقول بأن سائق الشاحنة هو المسؤول عن الفاجعة، ولذلك فيجب أن ينال ما يستحق من عقوبة.

يستحق هذا السائق المتعجرف الذي تسبب في وفاة أسرة ( أب شاب وأم شابة وابنتهما الرضيعة) عقوبة قاسية على جريمته البشعة، ولكن هذا السائق ليس هو المسؤول الوحيد عن فاجعة “الغشوات”، فهناك أشخاص آخرون وجهات أخرى تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية، ومن بين المتسببين في هذه الفاجعة يمكننا أن نذكر:

1 ـ وزارة التجهيز والنقل

تتحمل وزارة التجهيز والنقل المسؤولية الأكبر في هذا الحادث البشع، وفي غيره من الحوادث البشعة التي تسببت بلغة المتوسطات في وفاة شخص كل تسعة عشر ساعة من العام 2017.

تتحمل وزارة التجهيز والنقل جزءا كبيرا من المسؤولية، وهي تستحق أيضا عقوبة قاسية، وذلك لأن هناك خطوات بسيطة لا تحتاج لإمكانيات كبيرة كان بإمكان الوزارة أن تقوم بها لإنقاذ الكثير من الأنفس التي توفيت في حوادث سير.

لن أتحدث هنا عن كل تقصير الوزارة، بل سأكتفي بجزئية واحدة من ذلك التقصير، وهي الجزئية التي تتعلق بردم وترميم الحفر.

وإذا ما اكتفينا بالمقطع الأكثر خطورة من “طريق الألم”، وهو المقطع الفاصل بين “واد الناكة” و”بوتلميت”، فسنجد بأن جل الحوادث التي حصلت في الفترة الأخيرة كانت بسبب الحفر.  في بعض الأحيان تكون الحفر هي السبب المباشر، وفي أحايين أخرى تكون هي السبب غير المباشر للحادث، وللتأكد من ذلك فيكفي أن تتأملوا في صور الحوادث التي يتم تصويرها، فستشاهدوا حفرة أو حفرا في مكان الحادث. قد يكون الحادث بسبب السرعة المفرطة، ولكن احتمالات حصول الحادث ستكون أكبر عندما يفاجأ من يقود سيارته بسرعة مفرطة بحفرة على الطريق. وقد يكون الحادث بسبب التجاوز في منطقة خطرة، ولكن احتمالات حصول الحادث تكون أكبر إذا فوجئ السائق الذي تجاوز في منطقة خطرة بحفرة أمامه. وقد يكون الحادث بسبب تصادم سيارتين حاولت إحداهما أن تتفادى حفرة على الطريق.

حادث “الغشوات” كان بسبب التجاوز في منطقة خطرة، ولكن وجود حفرة في طريق سائق الشاحنة الذي حاول أن يتجاوز سائق شاحنة أخرى في منطقة خطرة، زاد من احتمالات حصول الفاجعة.

في منطقة “الغشوات” توجد حفر في منطقة خطرة، وكان أهالي القرية يتولون منذ فترة طويلة ترميم تلك الحفر بوسائل متواضعة جدا، وذلك بعد أن أيقنوا بأن الوزارة قد تخلت نهائيا عن ترميم تلك الحفر، وفي يوم الحادث كانوا يفكرون في ترميم الحفر، ولكن ما قدَّر الله كان.

ترميم الحفر لا يحتاج لمبالغ ضخمة، وعدم ترميم الوزارة لحفر توجد في نقاط خطرة من المقطع الأكثر خطورة والأكثر حيوية على طريق “الأمل”، يعد استهتارا بحياة المواطنين، والوزارة تستحق عقوبة قاسية على ذلك الاستهتار.

ترميم الحفر لا يحتاج لمبالغ ضخمة، أقول ذلك لأننا في حملة “معا للحد من حوادث السير” كنا قد رممنا في يوم 7 أغسطس 2016 حفرة عند الكلم 29 بالتعاون مع مهندس عضو في الحملة و يعمل في إحدى الشركات الأجنبية العاملة في المجال، وهذه الحفرة قد بقت متماسكة لعام كامل، فقد زرناها بمناسبة مرور عام كامل على ترميمها، فوجدناها على حالها.

2 ـ وزير التجهيز والنقل

الفقرة الأولى خصصتها للوزارة مع أن الوزير هو من يمثل الوزارة، ولكن في هذه الفقرة فسأتحدث بشكل مباشر عن الوزير. إن وزير التجهيز والنقل ـ كغيره من الوزراء ـ لا يأخذ راتبه الكبير من حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، ولذلك فأن يترك الوزير عمله الذي يتقاضى بموجبه راتبا كبيرا من أموال الشعب الموريتاني، ويتفرغ لحملات التنصيب أو التحسيس بأهمية التسجيل في اللائحة الانتخابية، فمثل ذلك يعتبر جريمة تستحق عقوبة. نفس الشيء يمكن أن نقوله عن وزير التعليم وعن وزير الصحة وعن غيرهم من الوزراء الذين يتركون قطاعاتهم على أسوأ حال، ويتفرغوا من بعد ذلك لمهام حزبية.

فبأي منطق يتجاهل وزير التجهيز والنقل فاجعة “الغشوات”، وبأي منطق يرفض الوزير زيارة مكان الحادث الذي يبعد عن العاصمة 96 كلم فقط، حتى يتظاهر على الأقل بأن وزارته مهتمة بسلامة المسافرين، وذلك في الوقت الذي يقرر فيه أن يذهب إلى ولاية لعصابة للتحسيس بأهمية التسجيل على اللائحة الانتخابية.

3 ـ كل من نهب وسرق أموال هذا الشعب فهو يتحمل جزءا من المسؤولية، ويتأكد الأمر بالنسبة لكل أولئك الذين شاركوا في إفلاس الشركة الوطنية لصيانة الطرق.

4 ـ كل نقاط التفتيش على طريق”الألم” وعلى بقية الطرق، وكل القطاعات التي تتبع لها نقاط التفتيش تلك، وذلك لأن نقاط التفتيش تلك تترك الشاحنات بحمولة زائدة تواصل رحلتها، وتترك السائقين يقودون سياراتهم بسرعة مفرطة. نقاط التفتيش هذه لاتهمها السلامة الطرقية بقدر ما تهمها الإتاوات التي تحصل عليها من السائقين.

5 ـ  العلماء والخطباء الذين لا يتحدثون عن هذه المجازر التي تقع على الطرق، ومجلس الفتوى والمظالم الذي يرفض منذ ما يزيد على عام ـ ولأسباب غير مفهومة ـ الرد على أسئلة حملة “معا للحد من حوادث السير” المتعلقة بالقيادة بسرعة مفرطة وبمبلغ الدية المتواضع.

6 ـ كل جهة حكومية تمنح رخصة سياقة لغير مستحق، أو تخفف العقوبة عن سائق ارتكب أخطاء بينة فتسببت في زهق روح نفس بريئة.

7 ـ  أهالي وأقارب الضحايا الذين يعفون عن سائق ارتكب أخطاء فادحة تسببت في حادث سير قاتل. قد يكون العفو مطلوبا عندما يتعلق الأمر بالقتل الخطأ الناتج عن حادث سير لم يحصل بسبب مخالفات بينة ارتكبها السائق. أما أن يقود سائق سيارته بسرعة تفوق 120 كلم/ للساعة في وسط مدينة ثم يتسبب في قتل نفس بريئة، ثم يعفو من بعد ذلك أولياء الدم، فإن مثل ذلك قد يشجع آخرين على الاستهتار بأرواح الأبرياء.

8 ـ النخب السياسية والإعلامية والثقافية التي لا تشارك في التوعية والتحسيس للحد من حوادث السير.

في فاجعة “الغشوات” مر صاحب سيارة بالحادث، فطلب منه أهالي القرية أن ينقل الطفلة الرضيعة إلى “واد الناكة” لتلقي الإسعافات الأولية، ولكنه رفض. ذلك ما حدثني به أهل القرية عندما زرتها، وذلك ما جعلني أتساءل إن كان صاحب تلك السيارة شريكا ـ بشكل أو بآخر ـ في وفاة الطفلة الرضيعة، وذلك لأنه أخر وصولها إلى المستشفى لدقائق، والدقيقة في مثل هذه الحالات قد تنقذ حياة شخص.

حفظ الله موريتانيا..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى