كاتب يعدد بعض حوادث طريق “الألم” وأسبابها
الزمان انفو –
على تمام الساعة الثانية ظهرا من يوم السبت الموافق 4 أغسطس 2018، وعلى بعد (20 إلى 21) كلم غرب مدينة بوتلميت، وقع حادث بشع نتيجة لاصطدام حافلة نقل صغيرة بسيارة نقل، وكانت الحصيلة ثقيلة : وفاة ثمانية أشخاص وإصابة 14 شخصا بإصابات بليغة.
من قبل ذلك بأربعة أشهر وثمانية أيام، وتحديدا في مساء الاثنين (ليلة الثلاثاء) الموافق 26 مارس 2018،
وعلى تمام الساعة العاشرة و35 دقيقة ليلا، وفي نفس المكان بالضبط الذي وقع فيه حادث الأمس اصطدمت حافلة نقل بشاحنة كبيرة فكانت الحصيلة كالتالي : وفاة 5 أشخاص ( 3 فورا و2 بسبب الإصابة)، وكان عدد الإصابات في مجملها 15 إصابة، منها 7 بليغة و8 خفيفة.
الحادثان كانا نتيجة لتفادي الحفر، وتفادي الحفر كثيرا ما يؤدي إلى اصطدام، وتكون حصيلة الاصطدام مكلفة ماديا وبشريا إذا ما كانت السرعة مفرطة.
فلماذا لم يتم ردم وترميم الحفر التي تسببت في وفاة 5 أشخاص ليلة الثلاثاء الموافق 26 مارس 2018؟ ولماذا تُركت هذه الحفر على حالها حتى تسببت في وفاة 8 أشخاص ظهر السبت الموافق 4 أغسطس 2018؟
المقلق في الأمر أن هذه الحفر قد تترك بعد هذا الحادث الأليم على حالها مما قد يتسبب في حصول فاجعة أخرى. المقلق أكثر أن الفترة القادمة ستجتمع فيها ثلاثة مواسم تكثر فيها حوادث السير: موسم الخريف؛ أيام العيد؛ الحملة الانتخابية، الشيء الذي يفرض المسارعة في ترميم هذه الحفر وغيرها من الحفر التي قد تتسبب في وقوع حوادث سير قاتلة.
إن الشريك الأول في هذه المجزرة هو الجهة المعنية بصيانة وترميم الطرق، وذلك لأنها لم ترمم حفرا تسببت حتى الآن في وفاة 13 شخصا (5 أشخاص مساء الاثنين الموافق 26 مارس 2018 و8 أشخاص ظهر السبت الموافق 4 أغسطس 2018).
إن من أهم الأسباب التي يمكن تقديمها لتفسير الارتفاع الكبير في عدد قتلى حوادث السير في العام 2017 بالمقارنة مع السنوات الأخرى هو غياب الشركة التي كانت تتولى ترميم وصيانة الطرق، فالشركة الوطنية لصيانة الطرق كانت ـ ورغم عيوبها الكثيرة ـ تقوم بدور بالغ الأهمية في مجال ترميم وردم الحفر وكذلك في مجال إزالة الرمال من الطرق، الشيء الذي كان يساهم بطبيعة الحال في الحد من حوادث السير.
إن الشريك الأول في هذه المجزرة هو شركة النظافة والأشغال والنقل والصيانة التي ابتلعت في بيان مجلس الوزراء الصادر يوم الخميس 19 أكتوبر 2017 الشركة الوطنية لصيانة الطرق، كما أن كل من ساهم من قريب أو بعيد في إفلاس الشركة الوطنية لصيانة الطرق يعتبر شريكا في هذه المجزرة.
الشريك الثاني في المجزرة هو تلك الجهة المعنية بتوفير فرق إنقاذ وإسعاف على الطرق، ولم توفرها لا لضحايا هذا الحادث ولا لضحايا الحوادث الأخرى، وإليكم هذه الحقائق الصادمة التي قدمها لي شاهد عيان.
لقد وقع الحادث على تمام الساعة الثانية ظهرا ربما تزيد قليلا.
في الساعة الثانية و33 دقيقة وصلت حافلة أخرى إلى مكان وقوع الحادث وانضمت إلى حافلتين سبقتاها إلى مكان الحادث، وكان من بين ركاب الحادثة شخص اتصل بي وقدم لي وهو في غاية الصدمة هذه المعلومات الصادمة.
1 ـ لقد قال لي بأنه وصل إلى مكان الحادث ووجد سائق الحافلة ما يزال على قيد الحياة، وقد حاول ركاب الحافلات الثلاث وآخرين أن يخرجوا السائق من الحافلة، واستخدموا لذلك شاحنة صهريج حاولوا أن يسحبوا بها الحافلة ولكنهم فشلوا في ذلك.سائق الحافلة ظل على قيد الحياة لعشرين دقيقة، حسب تقديرات صاحب الشهادة، دون أن يتم التمكن من إخراجه من الحافلة.
2 ـ كل عمليات نقل الجرحى التي تمت قام بها مواطنون عاديون، ولم تظهر أي سيارة إسعاف خلال عمليات نقل الجرحى، هذا إذا ما استثنينا سيارة إسعاف تتبع لمستشفى كيهيدي كانت عائدة من العاصمة، وقد أجبر المواطنون المتجمهرون عند الحادث سائقها على المساهمة في نقل الجرحى، فساهم بنقل جريح واحد.
3 ـ لم يظهر الدرك إلا بعد أن تم نقل كل الجرحى ولم يبق عند مكان الحادث إلا الموتى. جاء ثلاثة من الدرك في سيارة، ولم تكن بصحبتهم أي سيارة إسعاف.
فبأي منطق يمكننا أن نقبل غياب سيارات الإسعاف وغياب الدرك عن حادث بشع كهذا، وقع على بعد 20 كلم فقط من مدينة بتلميت؟ وبأي منطق يمكننا أن نقبل بأن يكون نقل كل الجرحى في هذا الحادث قد تُرك لمواطنين عاديين؟ إن طريقة نقل الجريح قد تزيد من خطورة إصابة الجريح إذا ما تولى شخصٌ عادٍ إسعاف ذلك الجريح ونقله إلى المستشفى وكل جرحى حادث السبت قد تولى مواطنون عاديون إسعافهم ونقلهم إلى المستشفى.
هكذا تم نقل جرحى حادث السبت إلى المستشفى، وذلك على الرغم من أن الحادث كان قد وقع على بعد 20 كلم فقط من مدينة بوتلميت التي توجد على المقطع الأكثر تعرضا للحوادث..هكذا تم نقل جرحى الحادث الذي وقع على بعد 20 كلم فقط من مدينة بتلميت، ولكم أن تتصوروا كيف يتم إسعاف ونقل الجرحى الذي يتعرضون لحوادث سير في أمكنة أخرى من طريق “الأمل”.
بعد وصول كل الجرحى إلى مستشفى “حمد” بدأ نقل بعضهم إلى مستشفيات العاصمة، وقد تولت تلك العملية سيارات إسعاف تابعة لمستشفى “حمد”، وقد شاركت سيارة إسعاف واحدة تتبع الإدارة الجهوية للصحة في بتلميت في عملية نقل الجرحى إلى العاصمة. سيارة الإسعاف هذه ساهمت بنقل جريح واحد، ولكنها تعطلت في الطريق مما زاد من خطورة إصابة الجريح.
إن كل جرحى حوادث السير في موريتانيا لا يجدون ـ كما يحدث في البلدان الأخرى ـ إسعافات أولية في مكان الحادث، ولا يجدون سيارات إسعاف تنقلهم إلى المستشفيات، وإنما يتم نقلهم بطرق بدائية، مما يعني بأن كل الجهات المعنية ـ نظريا ـ بتوفير سيارات إسعاف وفرق إنقاذ ولم توفرها على أرض الواقع هي شريك في مجزرة السبت وفي كل المجازر التي تقع يوميا على الطرق.
الشريك الثالث الذي يمكن أن نتحدث عنه في هذا المقام فهو نقاط التفتيش على الطرق و شركات النقل التي لا يهمها إلا الربح، ويأتي مع شركات النقل الشاحنات، ولا يمكن أن ننسى في هذا المقام استهتار الكثير من السائقين.
هؤلاء وغيرهم هم شركاء في مجازر الطرق، وسيتم حسابهم، فإن لم يكن في الدنيا فسيكون قطعا في الآخرة.
أختم هذا المقال بالتذكير من جديد بمطالب حملة “معا للحد من حوادث السير”:
1 ـ توفير فرق إسعاف وإنقاذ بكامل التجهيزات على كل الطرق الحيوية
2 ـ إصلاح وترميم المقاطع المتهالكة من الطرق الحيوية
3 ـ تفعيل نقاط التفتيش والصرامة في تطبيق قواعد السلامة المرورية ( تحريم الحمولة الزائدة؛ مراقبة السرعة؛ وقف الفوضى في منح رخص السياقة …)
4 ـ ضبط وتنظيم حركة الشاحنات بما يساهم في الحد من حوادث السير
حفظ الله موريتانيا..
محمد لأمين فاضل