الحكومة تتحايل والمواطن يتحايل! / محمد الأمين ولد الفاضل
الزمان انفو-
بدءا أرجو من القراء الأعزاء المعذرة فمنهم من كان يتوقع أن ينشغل كاتب هذه السطور في موسمنا الانتخابي هذا بالكتابة عن السياسة وعن انتخابات 1 سبتمبر، فإذا به يفاجأ بمقالات متتالية عن حملة “معا للحد من حوادث السير”. ولأن البعض من هؤلاء القراء الأعزاء قد أراد توضيحا في هذا الموضوع فإليه هذا التوضيح :
1 ـ إن كاتب هذه السطور هو ناشط في المجتمع المدني من قبل أن يكون ناشطا سياسيا، وعضويتي في المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة لم تأت من حزب سياسي، وإنما جاءت من نافذة المجتمع المدني.
2 ـ كاتب هذه السطور هو عضو مؤسس في حملة “معا للحد من حوادث السير”، ومن واجبه كعضو مؤسس أن يخصص جزءا من وقته وجهده لهذه الحملة.
3 ـ لقد تزامن الموسم الانتخابي الذي تعيشه بلادنا في أيامها هذه مع موسمنا الثالث في حملة “معا للحد من حوادث السير”، فقد قررنا في الحملة، ومنذ العام 2016 أن نخصص هذه الفترة من كل عام للتوعية والتحسيس ضد حوادث السير.
لتلك الأسباب ولغيرها تم تخصيص مقالات متتالية لموضوع حوادث السير، ولن يخرج هذا المقال الذي سيتم تقسيمه إلى فقرتين عن ذلك الموضوع:
الفقرة الأولى : مواطنٌ يتحايل على نفسه
لستُ متابعا جيدا للأفلام السينمائية، ولكني سمعت ذات مرة بأن هناك فلما سينمائيا كان يظهر فيه سائق يضع على قميصه الأبيض عارضة سوداء على شكل حزام أمان، وكانت نقاط التفتيش تتركه يعبر بسيارته معتقدة أنه يضع حزام أمان…كان هذا السائق يظن في كل مرة يعبر فيها بأنه قد خدع نقاط التفتيش، ولكن الحقيقة أنه كان يخدع نفسه. مثل هذا يتكرر عندنا، فكثيرا ما تشاهد ـ في الفترات القصيرة التي يتم فيها تفعيل نقاط التفتيش ـ سائقا يسحب حزام الأمان ويثبته بيده عندما يقترب من نقطة تفتيش ، وعندما يتجاوزها يتخلص بسرعة من الحزام..يفعل السائق ذلك وهو يعتقد بأنه قد خدع نقطة التفتيش، ولكن الحقيقة هي أنه قد خدع نفسه وقد تحايل عليها، فالمستفيد أولا وأخيرا من وضع حزام الأمان ليس نقطة التفتيش، وإنما هو السائق نفسه.
في يوم الجمعة 10 أغسطس 2018 كنتُ شاهدا ـ مع عدد من نشطاء الحملة ـ على تصرفات صادمة لمواطنين موريتانيين كانوا يتحايلون على أنفسهم ..أمهات لا خلاف على حبهن لأبنائهن الصغار، ولكنهن على الرغم من ذلك فقد عرضن حياة أبنائهن الصغار لخطر محدق، وذلك عندما قبلن بحملهن على مؤخرة سيارات من نوع “تويوتا هيليكس” بحمولة زائدة..والأغرب من ذلك كله هو أن الأمهات قد قبلن أن يتمالأن مع أصحاب السيارات وأن يتحايلن على نقاط التفتيش، وذلك من أجل أن يتمكنَّ في النهاية من السفر بأبنائهن الصغار على طريق متهالك، وعلى مؤخرة سيارات بحمولة زائدة يقودها في الغالب سائقون متهورون ومستهترون بأرواح الأبرياء..فلماذا قبلت أمهات بالمخاطرة بحياتهن وبحياة أبنائهن؟ ولماذا قبلن بالمشاركة عن طيب خاطر في عملية تحايل قد تودي بحياتهن وبحياة أبنائهن؟ وهل الفارق البسيط في ثمن التذكرة يبرر تلك المخاطرة؟ وهل يمكن تفهم مثل هذا التصرف حتى ولو كان من قام به فقيرا قد لا يملك ثمن تذكرة على مقعد لائق؟
في ضحى الجمعة 10 أغسطس، وعلى تمام الساعة العاشرة و17 دقيقة وصلنا إلى الكلم 27 على طريق “الأمل” حيث كانت توجد هناك سيارة من “تويوتا هليكس” تحط حمولتها، وتترك ركابها، لتعود من بعد ذلك إلى العاصمة نواكشوط. بعد ذلك بربع ساعة وصلت إلى عين المكان ثلاث سيارات من نفس النوع بأقصى حمولة مسموح بها. تقاسمت السيارات الثلاث حمولة وركاب السيارة الأولى، وكنتُ شاهدا مع نشطاء الحملة على عملية التحايل هذه، ولقد وثقناها بالصوت والصورة، مع إبلاغ قائد نقطة تفتيش “تيفيريت” بتفاصيلها..كان الركاب ـ خلال عملية التحايل ـ يتحدثون بنبرة المنتصر لنجاح عمليتهم، وقد فاتهم بأنهم قد تحايلوا على أنفسهم من قبل أن يتحايلوا على نقاط التفتيش.
الفقرة الثانية : الحكومة تتحايل على الناخب
لقد أظهرت لوائح حملة الحزب الحاكم بأن العمل الحكومي سيتعطل خلال الأسابيع القادمة، وذلك بعد أن تم تفريغ الوزراء لحملة الحزب الحاكم، وكأن هؤلاء الوزراء يتقاضون رواتبهم من عند الحزب الحاكم، أو من الضرائب المفروضة على منتسبي الحزب الحاكم دون غيره من الأحزاب.
ومن بين الوزراء الذين تم تكليفهم بالحملة الانتخابية للحزب الحاكم ظهر اسم وزير التجهيز والنقل الذي سيتولى الحملة في ولاية الترارزة، وللتذكير فإن ولاية الترارزة يوجد بها الطريق الأكثر تهالكا (طريق نواكشوط ـ روصو)، ويوجد بها أيضا المقطع الأكثر تهالكا والأكثر ضحايا على طريق “الأمل” مقطع (نواكشوط ـ بوتلميت).
فبأي منطق يُسمح للوزير أن يترك وزارته في هذه الفترة التي شهدت حصيلة ثقيلة بسبب حوادث السير؟ وبأي منطق يسمح له بأن ينشغل بالسياسة في فترة زمنية حرجة تزامن فيها موسم الخريف مع أيام العيد والحملة الانتخابية، ومن المعلوم بأن حوادث السير تكثر في موسم الخريف وفي أيام العيد وفي الحملات الانتخابية، فكيف إذا اجتمعت هذه المناسبات الثلاث في فترة واحدة؟
إن أفضل دعاية انتخابية يمكن لوزير التجهيز والنقل أن يقوم بها لصالح حزبه في ولاية الترارزة ستكون ـ وبلا شك ـ الانشغال بترميم وإصلاح طريق (روصو نواكشوط)، وإصلاح وترميم مقطع (واد الناكة بوتلميت)، أما الانشغال بغير ذلك فهو مجرد تحايل على الناخب.
وفي ختام هذا المقال فلا بأس بالتذكير من جديد بمطالب حملة “معا للحد من حوادث السير”:
1 ـ توفير فرق إسعاف وإنقاذ بكامل التجهيزات على كل الطرق الحيوية
2 ـ إصلاح وترميم المقاطع المتهالكة من الطرق الحيوية ( فيما يخص هذا المطلب فقد لاحظنا في الأيام الماضية عمليات ردم وترميم لبعض الخفر الواقعة على المقطع واد الناكة بوتلميت ونرجو لها أن تتواصل).
3 ـ تفعيل نقاط التفتيش والصرامة في تطبيق قواعد السلامة المرورية ( تحريم الحمولة الزائدة؛ مراقبة السرعة؛ وقف الفوضى في منح رخص السياقة …). فيما يخص هذا المطلب فقد لاحظنا بأن هناك إجراءات قد بدأ تنفيذها لمنع الحمولة الزائدة ونرجو أن لا يكون ذلك مجرد عمل مؤقت.
4 ـ ضبط وتنظيم حركة الشاحنات بما يساهم في الحد من حوادث السير
حفظ الله موريتانيا..