“عين امناس” : قصة الهجوم من بدايتها إلى غاية الإعلان عن انتهاء العملية
هذه التفاصيل الكاملة لحادثة الهجوم الذي نفذتة قاعدة المغرب الإسلامي على قاعدة “عين أمناس” كما يرويها مصدر عايش الحدث بجميع تفاصيله، يروي قصة الهجوم من بدايتها إلى غاية الإعلان عن انتهاء العملية العسكرية وتحرير قاعدة الحياة والمصنع بشكل كامل.
السادسة إلا 20 دقيقة صباح يوم الأربعاء الماضي، وبشكل مفاجئ كتيبة “الموقعون بالدماء” تنفذ هجوما إرهابيا على قاعدة الحياة التابعة للمجمع البترولي الذي يضم أربع شركات هي سوناطراك الجزائرية وبريتيش بتروليوم البريطانية وشريكها النرويجي ستات أويل بالإضافة إلى شركة “جي جي سي” اليابانية. في هذه الأثناء، وبالتزامن من بدء الهجوم، كانت الحافلة تستعد لنقل العمال الذين يتوجهون من عين أمناس إلى حاسي مسعود لقضاء عطلهم، حيث يشتغل العمال في هذه القاعدة بنظام شهر بشهر. من الصدف أن تنفيذ هذا الهجوم تزامن مع وجود كبار مسؤولي الشركات العالمية بتلك القاعدة البترولية، حيث كان هناك في تلك الليلة مقيما بقاعدة الحياة رئيس المشاريع في شركة بريتيش بتروليوم. ومن الصدف أنه في تلك الليلة أيضا كان مقيما هناك الرجل الثالث في الشركة اليابانية “جي جي سي” وهو عضو مكتب تنفيذي في هذه الشركة العالمية. وفي نفس الليلة كان يتواجد ممثل الشريك النرويجي لبريتيش بتروليوم ستات أويل بالجزائر. بدأ الإرهابيون هجومهم على ثلاثة محاور، مستخدمين أربع سيارات رباعية الدفع كان على متنها قرابة 30 إرهابيا من كتيبة “الموقعون بالدماء” مدججين أيضا بمختلف الأسلحة الثقيلة والخفيفة وأجهزة اتصالات متطورة. أول جهة تعرضت للهجوم هي القاعدة التابعة للشركة اليابانية “جي جي سي” والتي وجد فيها فيما بعد 5 جثث لعمال يابانيين يبدو أنهم حاولوا الفرار بعد اقتحام سيارة الإرهابيين لقاعدتهم. السيارة الثانية التي كانت في قافلة الجماعة الإرهابية تعرضت إلى عطل تقني مفاجئ منع سيرها، فترجل منها الإرهابيون الذين كانوا على متنها وتوجهوا نحو الحافلة التي كانت تستعد لنقل العمال إلى مدينة حاسي مسعود، فهجموا على الحافلة وعلى دورية الأمن التي كانت تحرسها وجرى تبادل لإطلاق كثيف للرصاص بين الجانبين.. وفي هذا الوقت بالذات، ولأن الهجوم كان بشكل مفاجئ تمكنت السيارة الثالثة للإرهابيين من دخول قاعدة الحياة الرئيسة التي يقيم بها العمال الجزائريون وبقية العمال من جنسيات أخرى وخاصة من الأوروبيين. وعندما استقرت السيارة وسط القاعدة لم يعد بإمكان قوات الأمن مواصلة إطلاق الرصاص على سيارة الإرهابيين خوفا من إصابة العمال الجزائريين والأجانب المتواجدين بداخل الجزء الرئيس من قاعدة الحياة. أما السيارة الرابعة، فقد توجهت إلى مصنع الغاز الذي يبعد بثلاثة كيلومترات عن قاعدة الحياة، واقتحمت الحاجز وقتلت أحد أعوان الأمن وهو جزائري الجنسية بعد أن رفض فتح باب المصنع لهم، في حين أصابت عونا آخر بجروح. وبعد أن سيطر الإرهابيون على قاعدة الحياة أطلقوا رصاصة ضوئية كإشارة إلى زملائهم المتواجدين بالمصنع لإبلاغهم بأنهم يسيطرون على المكان. عند بداية الهجوم، فجر الأربعاء، وقع إطلاق نار كثيف بين قوات الأمن والمجموعة الإرهابية أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي في قاعدة الحياة، مما أدى بصفة آلية إلى إطلاق صفارات الإنذار التي كانت تدوي بقوة وبدون توقف، وعلم جميع العمال حينها أن الأمر يتعلق بهجوم إرهابي على المجمع. وكانت تعليمات السلامة قد تدرب عليها العمال للتعامل مع مثل هذه الحالات الخطيرة وخاصة عندما يتعلق الأمر بهجوم إرهابي من هذا النوع. عندها لجأ أغلب العمال بقاعدة الحياة إلى غرفهم، فتعليمات السلامة التي تدربوا عليها تأمرهم في هذه الحالات باللجوء إلى الغرف وغلق الأبواب وعدم فتحها إلا لمسؤولي الأمن وبعد توقف صفارات الإنذار. وبالعودة إلى تفاصيل بدء الهجوم قبل السادسة صباحا، فإن إحدى السيارات الأربع التي نفذ بها الإرهابيون هجومهم استغلت الظلام الدامس الذي عم المكان بعد انقطاع التيار الكهربائي وعدم تشغيل المولدات الكهربائية الاحتياطية، توجهت إلى مصنع الغاز الذي يبعد عن قاعدة الحياة بثلاثة كيلومترات، وكانت السيارة مفخخة بالمتفجرات حيث اخترقت الحاجز الأمني وقتلت أحد أعوان الأمن الجزائريين الذي رفض أن يفتح لهم باب المصنع في حين أصابت جزائريا آخر بجروح. أما في قاعدة الحياة، فقد كانت السيارة رباعية الدفع التي نفذت أول هجوم من جهة العمال اليابانيين وخلال اقتحامها للمكان قتلت خمسة عمال يابانيين رميا بالرصاص، حيث لم يتم انتشال جثثهم إلا يوم الجمعة بعدما تم تحرير القاعدة بالكامل، ويبدو أنهم حاولوا الفرار من المجموعة الإرهابية التي أطلقت عليهم وابلا من الرصاص واعتقلت آخرين. وقام الخاطفون داخل قاعدة الحياة الذين كان يقودهم التائب السابق الطاهر بن شنب، الذي ينادونه هنا باسم “عمي الطاهر” بتجميع جميع الرهائن الأجانب وسط الساحة الرئيسة لقاعدة الحياة بين النادي والمطعم. حيث قاموا في البداية باصطحاب 3 عمال يابانيين و3 فلبينيين، ثم جيء بعامل ياباني آخر و5 فلبينيين، هذا كله بالإضافة إلى بقية العمال من جنسيات أوربية الذين تم تجميعهم من الغرف واحتجازهم في الساحة الرئيسة. عناصر “كتيبة الموقعون بالدماء” بقيادة الطاهر بن شنب قاموا باقتحام جميع الغرف تقريبا بالقوة بحثا عن العمال الأجانب. أما العمال الجزائريون فكان يتم إطلاق سراحهم و”يتركونهم لحالهم”، قبل أن يتم تجميعهم فيما بعد داخل النادي التابع للقاعدة، ربما لاستعمالهم كدروع بشرية في حال قامت قوات الأمن باقتحام قاعدة الحياة لتحريرهم وتحرير بقية الرهائن. أما الأوروبيون والأجانب عموما فتم تجميعهم جميعا في الساحة الرئيسة لقاعدة الحياة. ولم يكتف الإرهابيون بذلك بل قاموا بتقييدهم جميعا ووضعوا عليهم بطانيات ثم لفوا رقابهم بالديناميت ووضعوا في وسطهم إرهابيا من عناصر المجموعة يرتدي حزاما ناسفا. على الساعة التاسعة صباحا بدأت عملية التفاوض بين قوات الأمن الجزائرية والخاطفين وكان جميع من في القاعدة يستمع إلى الحوار الذي كان يتم بين الطرفين عبر شبكة اللاسلكي الداخلية لقاعدة الحياة. وهنا قدم الخاطفون مطالبهم الثلاثة الرئيسة. وقال المتحدث باسمهم عبر شبكة اللاسلكي الداخلية: “إذا كنتم لا تريدون منا أن نقتل الرهائن أطلقوا سراح 100 من عناصرنا شمال مالي وأطلقوا جميع أفراد جماعة مختار بلمختار المعتقلين لديكم منذ عام 1995…”. أما المطلب الثالث الذي قدمه المتحدث باسم الخاطفين فهو توفير ممر آمن لجميع أفراد الكتيبة التي نفذت الهجوم ومعها الرهائن المحتجزون نحو شمال مالي. واستمرت المفاوضات بين الطرفين مدة طويلة… وفي هذه الأثناء كان بعض الخاطفين يتحدثون إلى بعض العمال الجزائريين ويحاولون إقناعهم بأن هذه العملية لا تستهدفهم، وإنما تستهدف اختطاف العمال الأجانب فقط، كما أنها تأتي حسبهم ردا على مساعدة الجزائر لفرنسا في حربها في مالي من خلال فتح مجالها الجوي. في حدود الساعة الثانية زوالا تتقدم مجموعة من العمال الجزائريين نحو الطاهر بن شنب قائد مجموعة الخاطفين وطلبوا منه إطلاق سراح العاملات المحتجزات اللواتي تم احتجازهن مع بقية العمال الجزائريين. فاستجاب الخاطفون لهذا الطلب وتم إطلاق سراحهن على دفعتين.. حيث تم تسريح 8 منهن ثم أطلق سراح 8 أخريات حيث توجهن إلى أقرب مركز لقوات الأمن يوجد على بعد 500 متر من مكان احتجاز الرهائن وتمركز عناصر المجموعة الإرهابية. الرهينات الجزائريات اللواتي تم إطلاق سراحهن كلهن إطارات في المجمع الغازي بينهن مهندسات ومترجمات. على الساعة الثالثة طلب الرهائن الجزائريون وعددهم بالعشرات من الخاطفين إطلاق سراحهم، وقالوا لقائدهم: “ما دامت مشكلتكم مع الأجانب فأطلقوا سراحنا”. لكن الخاطفين رفضوا ذلك وتم منعهم حتى من العودة إلى الغرف وأصروا على احتجاز جميع العمال الجزائريين داخل النادي، وتبين أن جماعة “عمي الطاهر”، كما يناديه زملاؤه الخاطفون، تريد أن تستعمل ورقة الرهائن الجزائريين كدروع بشرية في حال تعرضها لهجوم من القوات الخاصة الجزائرية. الشروق الجزائرية