فهل سقط القناع؟/الولي سيدي هيبه

الزمان انفو –
مع التهافت السياسي، الغير مسبوق و حمى التنافس المسعور بين كل الفئات العمرية و القيادية في المنظومة المجتمعية و التوجيهية- التأديبية، سقط القناع المرصع باللآلئ و الجواهر عن الوجه المشوه بالعاهات في السلوك من فرط التناقض مع منظومة القيم المستقاة من الدين، لتسقط الألقاب الكبيرة المركبة من جوامع الكلم و لوامع الحروف، و لتنجلي ظلمة الزيف و الخداع عن واقع تقهقر مسار الأمة العام، و ينبلج ضياء الحقيقة المركبة من ادعائية المثالية و الالمعية، ليستجد سعي صادق بإرادة جيل يطاله التأثر بالتنوير الذي غشى العالم من حوله، فيعيد التأسيس لضرورته القصوى على قواعد الحداثة و تصحيح المعتقد و قد جثمت عليه رواسب السيباتية المزمنة بنظامها التعاملي التراتبي الجائر و بما مهد له من اتساع لدوائر النفاق و التملق و الحربائية و تغييب مفهومة دولة القانون و العدالة.

من للدين بعد هجرة الفقهاء إلى السياسية؟
من للدين و تحكيمه في السلوك و المعاملات و تمكينه للاستقرار و العدالة و المساواة بعد أن انزاح عنه الفقهاء، القبليون حتى النخاع، العشائريون حتى الثمالة و ألأسريون حتى النشاز، يحصدون الأصوات الانتخابية إلى المناصب السياسية ذات الرواتب الكبيرة و العلاوات التي لا حصر لها، و إلى مقصد القرب الشديد من الإدارة و العقارات، و إلى إطلاق اليد للوساطة المشتهاة و الزبونية المغدقة و الصفقات المربحة و الاستلاف المتاح من البنوك “الاسلامية؟” الذين هم من المؤسسين لها و أعضاء في مجالس إداراتها و مكلفون بترتيب علاقاتها التبادلية مع البنوك الربوية بالدولار و اليورو و الين و اليوان و استرلين؟

كما كان الحال أول مرة
عندما ينخر النفاق جسم أمة فلا تطمع لها إلا بمزيد من السقوط في براثين الهوان.. و عندما تبيع قبائل أعدادها الكبيرة و نخوتها المخاطية و كرامتها الهلامية لشيطان التزلف النفعي و السبق الاستنزافي ـ لماء الوجه ـ إلى عابر و هامشي الحضور في دروائر المال و القوة، و عندما يزحف المثقف ـ نعتا جائرا ـ من الجحور المظلمة إلى عتبات قهره النفسي و ذله الوجودي و مستنقع خيانته العظمى، و عندما يبيع الضالعون في المعارف الدينية شرف العلم و هيبته و مكانته في النفوس بحرف باء على لوائح الترشح و لا يخشون انقلاب سره عليهم و هم الأعلم بعظمته، فاعلم أن البلد مصاب بداء التقهقر الاخلاقي و الضياع المعتقدي و الانحراف النفسي و أنه في مهب الرياح كما كان أول مرة أيام السيبة الأولى.

العمامة و السياسة و الحمار النافق
في الوقت الذي تعلوا فيه الأصوات السياسية بكل ألوان طيفها المعارض و الموالي و الطفيلي، تخفت أصوات المتدثرين استئثارا بالدين و كأن على رؤوسهم الطير. كيف يمكن تفسير هذا الصمت أمام تشابك النوايا المستجدة خيرها و شرها؟ و بماذا يمكن تفسير هذا التخلف عن قوي الخطاب، منيره، موجهه و ناصحه علما، و ذا الوجه الآخر للمرآة، أن كل ذي عمامة أو لحية بيضاء آثر الترشح على الترشيح و حمل المسؤلية النيابية و البلدية و الجهوية على نصح أهلها و إنارة سبيل الحق و العدل لهم من على كرسي الإمامة الوثير بالعلم و الإجلال و التبليغ و الإصلاح و النصح و الإرشاد. أم هل إنراهم قرأوا ثم تأثروا بقصة الدب مع أهله بعد عودته إليهم من غيبة طويلة خالي الوفاض فقال لهم: هل ترون تلك الشجرة البعيدة نسبيا؟ قالوا بلى إنا نراها! قال: لقد خانني الإعياء فتركت تحتها جيفة الحمار التي حملت لكم. و لم يكد ينه كلامه حتى انفضوا من حوله في سباق أثار نقعا كبيرا. نظر الدب إلى أعقابهم فهاله كم الغبار المثار، فقال في نفسه : و إذا حدث و كنت صادقا أفأحرم نفسي من الجثة الضخمة. و لم يكد ينه حديثه مرة أخرى إلى نفسه الأمارة بالسوء حتى وجدها أمام الجميع تحت الشجرة.

هل في التاريخ ذكر لقصر حكم أو عدل

قصر “لا بلوا” في فرنسا عمره ألف عام و ما زال ينبض بالحياة. عمارته ثابة كأنها جبل راسخ، و طوابقه شامخة تتحدى بهندستها المستقيمة الجميلة أقوى عمارات الصلب الحديثة.
كل عام يحدث هذا القصر، الزوار و السياح و المؤرخين و الفضوليين عن تاريخ فرنسا و ملوكها و شعرائها و كتابها و مهندسيها و إشعاعها و فتوحاتها و ثوراتها التي غيرت وجه العالم، في شبه مهرجان من الألوان و الأشرطة الوثائقية التصويريةالتي تروي على جدرانه حقب التاريخ. إنه تاريخ مجيد يتم إحياؤه بوسائل الإيضاح العلمية فيجمع بين الفائدة و المتعة و يحقق لاستمراريته دخلا ماليا معتبرا لا تطاله يد الفساد و السرقة و النهب.
فهل ذكر في كل صفحات تاريخنا لقصر شهد ذات حقبة حكما حازما للبلد أو آخر وزع عدلا على الناس فخفف من وطأة “السيبة” التي لم تتوقف يوما؟ و من لنا بمحي للتاريخ يستخدم منطق العصر و وسائله فيعين على جمع التاريخ و حفظه و تسويقه لفائدة البلد و أهله؟

من وحي حريق
في الوقت الذي يبكي الشعب البرازيلي كله بحرقة بالغة،بعيدا عن الاعتبارات السياسية الأنانية، النفعية الضيقة، ضياع قرنين من التاريخ إثر حريق متحف ريو دي جانيرو، لا أجد لمتاحفنا، و التاريخ الذي يفترض أن يضمه، ذكرا على الألسن و لا وقعا في تضاريس تعليمنا المتعثر أو علامات تنبيه في السلوك العام المضطرب، و لا تعنيما لأهميتها في ترسيخ الوعي الجمعوي الذي تمليه ضرورة حب الوطن و الحفاظ عليه.. و إن أمة بمثل هذا الجفاء للثقافة و روافدها في هذا العصر و تجهل تعرف قيمة المتاحف و لا تقدر أهميتها أو تحافظ على محتوياتها هي أمة لا تعرف معنى لكيانها و لا قيمة لجوهره، و لا تسكنها روح الوطنية فتكترث لمكانته وتسمو به بين الأوطان و تحفز على تقوية أواصر القربى بين ساكنته بكل ألوان طيفه بعيدا عن التقسيمات المتخلفة و ما يكتنفا من تفاضلية ظالمة يلعب عليها من لا يكترثون للعدالة و لا يهمهم سوى بقاء النظم المجتمعية التي تكفل لهم هذه الهيمنة كما هو الحال في هذا البلد، الذي سخر أهله السياسة منذ الاستقلال كنهج وافد لإدامة الأوضاع على ما هي عليه خدمة للعقلية السيباتية الكافرة بالعدالة و الدولة و الحداثة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى