كتابان للشيخِ الزّاهِدِ المُـجَدِّدِ: محمد بن أحمد مسكه
الزمان انفو –
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأزواجه أمهات المومنين وذريته الطيبين الطاهرين وأمته أفضل الأمم وسلم تسليما كثيرا أثيرا ما دام له البقاء. الحمد لله الذي بنعمته وجلاله تتم الصالحات…
يَسُرُّنِي أَنْ أُشَنِّفَ أَسْمَاعَكُم بِخَبَرٍ مُفْرِحٍ: ألا وهو قُرْبُ صُدُورِ كتابَيْنِ للشيخِ الزّاهِدِ المُرَبِّي شيخي وأستاذي المُـجَدِّدِ: محمد بن أحمد مسكه بن العتيق اليعقوبي ثُمَّ البَـرَكِيِّ، عنواناهما: “شَرْحُ الصَّدْر بِأَهْلِ بَـدْر رضي الله تعالى عنهم”. و”ضِيَاءُ الغَـسَقْ، بِشَرْحِ لَقَدْ كَانَ خَيْرُ الْخَلْقْ، صلى الله عليه وسلم”.
أما الأول فقد وضعه مَطلع الثمانينات المُنصرمة على نظم أهل بدرٍ الصغير لابن عَمِّهِ العلّامة الرَّبّـاني الوَلِيِّ الصَّـمَدانِيِّ ذي الفتحِ اللّدُنيَّ الشيخ محمد المامِ بن البخاري بن بارك الله فيه بن أحمد بازيد. وأما الثاني فقد شرح به وعَلَّقَ على بائية الطويل العصماء يَتِيمَةِ جِنْسها التي مَطْلَعُها:
لَقَدْ كَانَ خَيْرُ الْخَلْقِ أَبْهَرَ طَلْعَةً…. مِنَ الْبَدْرِ بَلْ مِن شَمْسِهِ هُوَ أَلْهَبُ
لِمُنْشِئِها الإمام سيدي أحمد زَرُّقْ المالكي المغربي رضي الله عنه وأرضاه. إِذْ نَظم بها جملةً من الأوصاف الـخَلْقِيَّةِ والخُلُقِيَّةِ لسَيِّدِ الوجود سَيِّدِنا رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. هذا وقد وجدت في بعض المصادر أن هذه القصيدة تُعْرَفُ ب:”مرآة الوصول في شمائل الرسول” عليه الصلاة والسلام.
فقد كنت قابلت السيد الفاضل الشريف الحُسَيْنِيَّ الدكتور أحمد بن عبد الكريم نجيب في مَحَلِّ إقامته حينها قرب فندق “وِصَالْ” بانواكشوطْ فيما بين صلاتي العصر والمغرب الثالث من شوال 1439هـ موافق 17/ 06/ 2018م. وهذا السيد مؤسس مركز نجيبويه للمخطوطات وخدمة التراث ودار المذهب ساهم في نشر الكثير من أمهات المذهب المالكي والتصانيف الشنقيطية القديمة والحديثة.
ومع أني لم يسبق لي أن التقيتُ به فقد تلَقّى لي ــ من فضله ــ بما لا أنساه من تقدير واعتبار وإعزاز. وتحدثنا بخصوص مشروعه النبيل المعتني بطبع ونشر ما أمكنه من ذخائر التراث الشنقيطي. وكنت قد بعثت إليه سلفاً عبر الشبكة الافتراضية بجزء من سيرة الشيخ ابن أحمد مسكه وجهوده العلمية وأخباره وأعلمته أن له نفائسَ دُرَرٍ لم ترَ نورَ النشر على نطاق عالمي بعْدُ، لكنها فاشية التداول مخطوطةً ومَرْقونَةً بين أيدي العلماء الأفذاذ من الأشاعرة المتصوفة، وتلامذتهم المُعْتَنِين بطلب العلم، ونبهاء المُثَقَّفين…
فطلب مني أن أسرد له جملة عناوينها، وأَرْدَفَ بعد السرد المطلوب، أن أُبْلِغَ الشيخَ عَرْضَهُ عليه طبع كتابين هما: “ضياء الغسق بشرح لقد كان خير الخلق” صلى الله عليه وسلم، وكتاب: ”شرح الصدر بـأَهْلِ بَدْر رضي الله عنهم”. وأن أبلغه منه أزكى سلامه وأرسل معي كتبًا شنقيطية طَبَعَها حديثًا هَدِيةً منه للشيخ ابن أحمد مسكه، من بينها “المباحث الفقهية” للشيخ محنض باب بن امَّيْنْ الدَّيْماني التي أهداني نسخة منها أيضا. ثم رجعت إليه من الغَدِ حاملًا بيدي الإذْنَ المخطوط بموافقة الشيخ.
كَلِمةٌ عن كتاب “شَرْحُ الصَّدْر بِأَهْلِ بَـدْر رضي الله تعالى عنهم”:
أما هذا الكتاب، فيقع في أربع مائة وتسعين صفحة (490) بِعَدِّ صفحات العناوين، وترجمة مؤلِّفه التي جاءت في إحدى وأربعين (41) صفحة فيما بين الصفحتين: 7 و47. ثم تأتي مقدمة الشيخ ابنِ أحمد مسكه التي قال فيها عن الباعث له على هذا الشرح الجليل:
“بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وأصحابه وسلم تسليماً
هذا وإني أيها العبد الضعيف الحقير محمد بن أحمد مسكه قد التجأتُ إلى الله تعالى وتوسلتُ إليه بنبيه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبأصحابه الذين شهدوا معه بدراً، وذلك في أمراض أصابتني وهموم تراكمت عليَّ لم أجد منها مخرجاً ولا عليها مُعيناً؛ فالتجأت إلى الله تباركـ وتعالى وتقربت إليه بشـرح أسماء أهل بدر من نظم وليِّ الله تعالى الشيخ محمد المام بن البخاري اليعقوبي البركي؛ وهو نظمه الصغير لهم”….
وقد فرغ الشيخ من تأليف هذا الكتاب بتاريخٍ في حدود 25/ 07/ 1981م، أي أن له زهاء أربعين سنة هجرية لم يطبعْ بعدُ ولم يَحصلْ عليه ويَنتفعْ بما حوى بين دَفَّتَـيْهِ من علوم وأسرار إلا الخواصّ.
قال الشيخ في خاتمته لهذا الشرح الجليل:
“وقد تم تبييضه بفضل الله وحسن عونه عشية الجمعة لثلاث وعـشـرين من رمضان المعظم سنة 1401هـ. أعاده الله علينا باليمن والخير وبارك لنا فيه وتقبله منا، إنه كريم مجيب.
وإني جدير إذ بلغتكـ بالمنى…وأنت بما أملت منكـ جديرُ
وصلى الله على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.” انتهى.
وقد ترجم الشيخ في هذا التصنيف لِسِّت مائة وخمسة (605)، قال في مقدمته، ص 52:
“وسيرى القارئ أن التراجم في هذا المجموع أكثر بكثير من عدد أهل بدر، إذ بلغت التراجم أكثر من ثمانين وخمسمائة ترجمة، بينما لا يزيد عدد من شهد بدراً من الصحابة على ثلاثمائة إلا قليلا.
وقد اعتذر ابن سيد الناس عن ذكره ثلاثمائة وثلاثة وستين بالخلاف في بعض من ذكر.
وهذا هو عذري، فإني ذكرت كثيرا ممن اختُلِف في شهودهم بدراً وبيَّنت درَجةَ الخلاف، وقد أذكرُ الشخصَ وأتَرْجِمُ له لِمجرد التنبيه على أن ذِكره غلط، وقد دَأبت أنا في الشـرح على ذكر الصحابي الذي ذكرته جالية الكرب أولا، ثم إذا عثرت على صحابي آخر شهد بدراً أو قيل إنه شهدها يوافق اسمُه اسمَ ذلك الصحابي ذكرته بعده مباشرة، ثم أذكر مَن لم تذكره جالية الكرب في ذلك الحرف بعد نهاية الحرف. فجالية الكرب ذكرت أُبَـي بن كعب فأوردته أوَّلا ليُعْلَم أنه الذي ذكرتْه الجالية، ثم أذكر من عثرت عليه بعد ذلك ممن اسمه أُبَـي، وقد ذكرت الجالية ممن اسمه عبد الله ستا وعـشرين فذكرتهم أنا مرتبين على حروف المعجم، ثم ذكرت بعد ذلك أكثر من عـشرة ممن اسمه عبد الله، ورتبتهم أيضا على حروف المعجم، أي أني رتبت آباءهم على ذلك.
وأود أن أُنبه إلى أني أحياناً أذكر صحابيا في ترجمة أخيه أو أبيه مثلاً، فأقول شَهِدَ بدراً، وقد يكون فيه خلاف، أو يكون القول بشهوده لها ضعيفا، فعلى القارئ أن يراجع ترجمة ذلك الصحابي في محلها، فإني سأذكر فيها ما فيه من خلاف أو عدمه.
وقد قمت بإحصاء تقريبي، فوجدت أن المتفق على شهودهم بدراً والذين يقاربون الاتفاق نحو مائتين وأربعين، وأن الباقين مختلف فيهم اختلافا يقوى ويضعف حسب الحالات”.
فقرة من كلام الشيخ ابن أحمد مسكه عن تآليف الشيخ محمد المام في أهل بدر رضي الله عنهم:
قال في فصل “آثار الشيخ العِلْمِيَّة”، ص 126 من المطبوع:
“وله في أهل بدر أربعة أنظام؛ كما في المفاد لمحمد الخضر:
– النظم الأصغر وهو عشـرة أبيات من بحر الخفيف؛ تقدمت في أول الترجمة.(يعني: طال ليلي من بعد طول نهاري…إلخ) تنبيه: (ما بين قوسين من كلامي للإيضاح).
– والأكبر المسمى بـ “وسيلة السعادة” وله عليه شرح جيد حافل؛ وهو خمسمائة بيت دون دعاء الختم.
– والنظم الصغير المأخوذ من جالية الكرب؛ وقد نَصَّ هو في شرح النظم الكبير أنه أخذ الكبيرَ وشرْحَهُ من الاستيعاب لابن عبد البر؛ وأخذ الصغير من جالية الكُرَبِ للسيد البرْزَنْجِيِّ؛ والمتأملُ للكبير يعرفُ أن فيه إضافات ليست من الاستيعاب، وقد ذكر فيه أربعمائة وعشـرة أشخاص؛ أما الصغير الذي بين أيديدنا، والذي عليه هذا الشـرح المبارك إن شاء الله تعالى فهو تسعة وأربعون بيتا؛ وفيه واحد وسبعون وثلاثمائة اسم من أهل بدر.
وذكر محمد الخضر بيتا قال إنه من الصغير وهو:
جمع ثلاثمائة وستين… في سبعة ومائة وتسعين
فلعله من النظم الرابع؛ فيكون أصغر من الوسيلة، وأكبر من الذي بين أيدينا، والله تعالى أعلم.
ترجمة الشيخ محمد المام:
وقد ترجم الشيخُ في صدر الكتاب للشيخ محمد المام بن البخاري في اثنَتيْن وثمانين (82) صفحة فيما بين الصفحتين: 66 و147. وهي ترجمة معتبرة لم يزل عليها اعتماد جل الكاتبين عنه منذ ثلاثة عقود ونيف؛ ويظهر ذلك جليّاً فيما لا أحصيه من مؤلّفات ورسائل جامعية وأطروحات أكاديمية وبحوث ودواوين شعر مختلفة المواضيع والأغراض تم العزو فيها إليه في ذات الموضوع أو فيما مَتّ إليه بصِلة مع أن كتابه لم يطبع طيلة كل تلك السنين.
وفي ترجمته للشيخ محمد المامِ رحمه الله تعالى، ترجم أيضاً لبعض من تلامذته من بني عمومته هم بترتيب ورود تراجِمِهم: الشيخ أحمد يعقوب بن ابنُ عمر ومحنض أحمد بن حبيب وأحمد بن عبد الله بن عبد الدائم والمختار بن البرْناوي ومحمد الامين بن امَّينْ اليعقوبي.
وترجم كذلكـ لأبناء الشيخ محمد المام وأورد العديد من أشعارهم رحمهم الله أجمعين آمين.
قيمة كتاب ترجمة الشيخ محمد المامِ العلمية:
حسب علمي، فإن أول ما وصل إلينا مُدونًا (استقلالًا) عن الشيخ محمد المام ومآثره العلمية وجهوده البَحْثِيَّة هو ما كتبه عنه ابن عَمِّه وتِلْميذُه بالواسطة: (تلميذُ تِلميذِه الشيخ أحمد يعقوب بن ابنُ عمر البَرَكي) / محمد الخضر بن حبيب في مقدمته لشرحه لنظم الشيخ محمد المام لمختصر خليل الذي عنونه ب: ”مُفَاد الطُّولِ والقِصَرْ على نَظْمِ المُخْتَصَرْ” ثم يليه بالترتيب الزمني السيد لمْرابط بن حَمَّانِي عبد العزيز في كتابه حياة الشيخ محمد المام، ثم الشيخ محمد بن أحمد مسكه. أما الأول والأخير فقد كتبا عنه لأن كلاهما كتب مترجما له مقدمةً لشرح على أحدِ كتبِه. مع العلم أن غيرهما من العلماء كتبوا عنه فقرات أو نُبَذًا قيمة في بعض تآليفهم مثل: العلامة زين بن الجمد اليدالي في شرحه لنظم الشيخ الكبير لأهل بدر، والعلامة سيد احمد بن أسمُه الديماني في كتابه: ”ذات ألواح ودسر ”، والأستاذ المختار بن حامد الدَّيماني في موسوعته “حياة موريتانيا”، والشيخ الأستاذ هارون بن الشيخ سيديا وقد ترجم للشيخ محمد المام ترجمة ضافية في كتابه “الأخبار” الذي كتب في ترجمة الشيخ سيديا، والأستاذ محمد المختار بن ابَّاهْ لكن بالفرنسية هذه المَرَّة: راجع الفصل الثالث(Adaptation du Figh aux réalités Mauritaniennes) ص: 82 إلى ص: 96 من كتابه الذي هو في الأصل أطروحة لنيل “الدكتوراه” بعنوان:
(La littérature juridique et l’évolution du Malikisme en Mauritanie) . وأذكر أنني تحدثت ذات مرة ع الشيخ في معلومات مهمة أوردها محمد المختار في كتابه المذكور، فأفادني الشيخ بتعليق طريف قائلا: ”إني كنت قد سألت محمد المختار إبَّانَ إعداده لرسالته لِمَ لا يؤلفها بالعربية فأجابني قائلا إنه إذا كتب بها عن المذهب المالكي وأعلامه في هذا القطر فلن يقرأ له أحد لأنه نوع من حمل الحجر إلى الجبال كما يقول المثل الحساني، أما إذا كتبه بالفرنسية فإنه سيكون على الأقل نوعا من الإتيان بجديد للكثيرين ممن لا يقرؤون إلا بهذه اللغة!!!
ومن ألمع الكُتَّاب عنه بالفرَنْسِيَّة البَحَّاثة الأستاذ عبد الودود بن الشيخ بن أحمد محمود الذي حدثني منذ أشهر أن الشيخ محمد أتحفه بنسخة من ترجمته للشيخ محمد المامِ في الثمانينات وأنها أفادته في كتاباته عنه كثيرا. وقد كتب عن الشيخ محمد المامِ أيضا: الخليل النحوي في المنارة والرباط، ويحيى بن البراء في موسوعته العلمية (جزء التراجم أو: زاد الرُّواة من أخبار المؤلفين والمُفْتين والقُضاة). والعلَّامة الشريف أحمد كوري بن يابَّ بن محماد في تقديماته على الكتب التي صدرت عن زاوية الشيخ محمد المامِ…
هذا وقد سبقَ الشيخُ ابنُ أحمد مسكه إلى ما لم أقف عليه فيما كُتِبَ قبله عن حياة الشيخ، وأذكر من ذلك تنبيها على الأمانة العِلْمِيَّةِ وإهابة بالمُنصفين أن يحترموها فيما يكتبون، مثالين في غاية الأهمية العلمية والتاريخية، هما اكتشافان في علاقات الشيخ بجَبَلين من أشهر جهابِذة عصره علما وصلاحا، هما: البخاري بن الفلالي، والشيخ سيديا بن المختار الهيبة رضي الله عنهما وأرضاهما.
– سَبْقُه بإيراد رسالة بعثها السيخ محمد المام إلى البخاري بن الفِلالي:
ومنهم من بني عمومته البخاري بن الفلالي؛ وابنه محمد عبد الله بن البخاري، أما البخاري؛ فقد رأيت بخط الشيخ؛ فيما أخبرني الثقة رسالة يخاطب فيها البخاري وينعته بأسمى النعوت؛ ويشتكي فيها من ظالم؛ وهذا نص الرسالة:
“الحمد لله الذي أمر بالعدل والإحسان؛ ونهى عن الظلم والعدوان؛ صلى الله على سيدنا محمد المستوجب السؤدد وعلى آله الأعمين والأخصين؛ أما بعد؛ فمن كاتب منكر استحياء خشية أمواج الظلم من ساكن بركم إلى أعرف العارفين وبقية الوارثين الأمكن المتمكـن المكين المحفوف بنصـرة المتين المسور بسور اليقين ما يقصـر عنه لسان القلم من تحايا كاشفة الظّلْم والظّلَم؛ وإن الذي يدعي أنه تلميذكم نكب عن أهل الظلم من بني حسان؛ خوف أن يمنعوه من ظلمه لنا؛ وشن علينا الغارة من عام أول؛ وادعى أن ذوي المغارم المعلومة لا يحصـى نصيبهم من مال الغارمين؛ وهذا أمر لم يسبق إليه؛ كما في كريم علمكم؛ وقد لجأنا في ذلك إلى الله؛ ثم إليكم؛ وكتب تلميذكم ومحبكم مسلما عليكم محمد المام بن البخاري، كان الله له ولوالديه”.
وتقول الحكايات إن ذلك الظالم كان تلميذا للبخاري وإنه مات بعد وصول الرسالة إلى البخاري بقليل لأنه دعا عليه. انتهى. انظر ص: 77.
– سبقُه في البحث في علاقة الشيخ محمد المام والشيخ سيديا بن المختار الهيبه، يقول أيضا في ص83 و84:
“علاقة الشيخ محمد المام بالشيخ سيديا الكبير:
“ومما ينبغي التوقف عنده أيضاً والتساؤل هو علاقة الشيخ محمد المام بالشيخ سيديا فقد عاشا في زمن واحد وبلغت شهرة كل منهما أوجها وطبقت البلاد وكان كل منهما متفتحا على العالم من حوله كثير الاتصال به مسالما محبا لتآلف الناس.
وقد رأينا في بحث في تاريخ مولد الشيخ أن الشيخ سيديا أرسل أحد كبار طلابه وهو محمذ بن اخيار ليأخذ العلم من الشيخ محمد المام فأخذه وعاد إلى شيخه، على أن أحفاد العلامة محمذ يقولون إنه ذهب إلى الشيخ محمد المام من تلقاء نفسه دون أن يرسله شيخه إليه.
وقد سبقني إلى هذا التساؤل عن وجود علاقة ما بين هذين الشيخين المرحوم الأستاذ هارون بن الشيخ سيديا وقد ترجم للشيخ محمد المام ترجمة ضافية في كتابه الذي كتب في ترجمة الشيخ سيديا؛ وكان جد حريص على العثور على وجود تلك العلاقة؛ ولكنه لم يجدها فيما أخبرني به؛ وذلك قبل وفاته بنحو خمس سنوات.
وقد أخبرني أن الشيخ سيديا سافر مرة إلى قبيلة الشيخ محمد المام وأقام عندها شهرا؛ وذلك في قضية كانت بين القبيلتين؛ وكان متكلم أهل بارك الله فيه قبيلة الشيخ محمد المام إذ ذاك: البخاري بن الفلالي؛ والعتيق بن بارك الله بن مولود؛ ولم يَرِدْ ذكرٌ للشيخ محمد المام.
ثم عثرت بعد ذلك على فتوى للشيخ محمد المام؛ كتبها حفيده محمد سعد بوه بن عبد الله بن آد من خطه وهي في جواز قسمة الحبس بَتّاً، ذكر فيها أنه عثر في بهرام أو الأجهوري على ثلاثة أقوال في قسمة البَتِّ؛ وهي جوازها مطلقا ومنعها مطلقا وجواز القسمة الاستغلالية دون البَتِّيَّةِ؛ ثم ذكر أنه بحث عن مقابل “لوْ” في قول خليل في الحبس؛ “ولو حيوانا”؛ فقال له بعض الطلبة إن مقابلها قول الحنفية ببطلان الحبس، ولكنه لم يرض بذلك؛ لأن مقابل “لوْ” في مختصـر الشيخ خليل يكون دائما خلافا مذهبيا؛ أي في مذهب الإمام مالك.
ولأن قول الحنفية ببطلان الحبس عام في الحيوان وغيره؛ وهذا خاص بالحيوان؛ ثم قال ولما ذاكرت سِيدِيَّ في المسألة أخبرني أنه وجد مقابل “لو” في بعض شروح خليل في البلاد الشرقيـة؛ وأنه يكون هِبَة كالصدقة يفعل بها المحبس عليه ما شاء من بيع وهبة، وسيدِيَّ عدل رضى، وبعد ذلك كلمة غير واضحة؛ أظنها: “ثَبْـت”
وذكر في كتاب البادية في باب قسمة الحبس أن اللائق بأهل بلادنا إنما هو قسمة الحبس؛ إما اغتلالا؛ وإما بَتّاً؛ ثم قال وقد وقفت على الأقوال الثلاثة قبلُ في شرح معتمد وسمعتها ممن يوثق به من العدول.
ومن الواضح أنه يعني هنا الشيخ سيديا؛ كما أوضح ذلك في فتواه السابقة؛ فظهر بهذا ما لا يقبل عقل المطلع على سيرة هذين الشيخين غيره، وهو أنهما التقيا وتذاكرا العلم واستفاد بعضهما من بعض؛ وتبادلا التقدير والاحترام”. انتهت فقرة الشيخ”.
كل هذا كان ناتجا عن تساؤلات بحثية واردة طرحها المؤلف على نفسه واستَشْعَرَها فأجاب نفسه بتوفيق من الله.
وسواءً احترم الكُتَّابُ الأمانة العلمية تقديرًا لجهود الشيخ البحثية بالعزو إليه، أم لم يحترموها، فإن هذه المعلومات المذكورة فوق وغيرها من جنسها تبقى من فتح الله عليه. ولم يكن بودي أن أطيل بها كاملة إلا أنني اخترت أن أنبه على هذه النقطة كل من لم ينتبه لها ــ إنصافا للشيخ ــ لعل أن يجدها القارئ في غير كتاب الشيخ من الكتب غيرَ مَعْزُوَّةٍ فيعزوَ للكتاب الذي وقف عليه عن غير قصد بإخلال بالمنهج العلمي.
وممن اعتمد على ما كتبه الشيخ في ترجمته للشيخ محمد المامِ، كُلٌّ من القاضي محمد عبد الله بن محمد محمود بن أحمدُّو البركي في رسالته لنيل شهادة ”المتريزْ” بالمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية عام 1984م بعنوان: ”الشيخ محمد المامِ، حياته وآثاره ”. والعلامةُ الدكتور بومِيَّه بن محمد السعيد بن ابياه الألفغي في تحقيقه لكتاب البادية (وهو الأصل رسالة لِنَيْلِ شهادة الدكتوراه من جامعة محمد الخامس ــ آ ڭدال بالمغرب عام 2009م). كما هو مُثْبَتٌ في مُقَدِّمَتَيْ كِتابَيِهِما.
. ويمكن أن تُعَدَّ هذه الترجمة كتابا مستقلًّا. وصفه الدكتور بوميه بن محمد السعيد بن ابياه، في تحقيقه لكتاب البادية: ج1/ص36 بأنه: “يعتبر أهم ما كتب عن المؤلف حتى الآن من النَّاحية المنهجية”.
كَلِمَةٌ عن كتاب: “ضِيَاءُ الغَـسَقْ، بِشَرْحِ لَقَدْ كَانَ خَيْرُ الْخَلْقْ، صلى الله عليه وسلم”:
وقد سبق أن كتبت إشعاراً مقتضبا بكتاب الضياء الذي ألفه الشيخ بتاريخ: يوم الإثنين المبارك سابع شهر المولد النبوي المبارك 1404هـ موافق: 12/ 12/ 1983م تقريباً.
يقع الكتاب المطبوع في سبع وخمسين صفحة (57) بِعَدِّ صفحات العناوين وترجمة الشارح التي اختصرتها من أصلها لتتناسب مع حجم الكتاب وجاءت في سبع صفحات فِيما بين الصفحتين: 5 و11.
وإليكم نص الترجمة التي كتب عنه الشيخ محمد:
“وقائل هذه القصيدة هو العالم العلامة العارف بالله تعالى سيدي أبو العباس أحمد بن أحمد بن محمد البرنسي الفاسي عُرف بـ”زروق”. أحد كبار الفقهاء وأئمة الصوفية المشهورين في العالم الإسلامي.
ولد سنة 846 ثمانمائة وستة وأربعين بالمغرب الأقصى وتوفي والده قبل سابع ولادته فكفلته جدته وكانت فقيهة صالحة وربته تربية حسنة فحفظ القرآن ثم اشتغل في بعض الصناعات اليدوية لاكتساب المعاش مدة وجيزة ثم تفرغ للتصوف وطلب العلم وسافر إلى مصر وحج عدة مرات وجاور بالمدينة المنورة ثم عاد إلى مصر وكان يلقي دروسه بالأزهر الشريف فيحضر دروسه أكثر من ستة آلاف متعلم ثم زهد في الدنيا وذهب إلى مصراتة بليبيا وأقام بها حتى توفي سنة ثمانمائة وتسع وتسعين 899.
أخذ أحمد زروق العلم عن أشياخ كثيرين من بينهم السراج والثعالبي وابن زكري والسنهوري والحافظ السخاوي والحافظ الديمي. وأخذ الطريقة الشاذلية، وتصوف على يد أبي العباس ابن عقبة الحضرمي وغيره.
وأخذ عنه العلم خلق كثير، ومن أشهر المشائخ الذين أخذوا عنه الإمام القسطلاني والحطاب وناصر الدين اللقاني والشيخ عبد الوهاب الشعراني والعارف أبو الحسن البكري رضي الله عنهم جميعا ونفعا ببركتهم.
وللسيد أحمد زروق تآليف كثيرة مفيدة يميل فيها إلى الاختصار والتحرير وغزارة الفوائد منها: شرح على مختصر خليل وشرحان على الرسالة وشروح على حكم ابن عطاء الله وعلى حزب البحر والحزب الكبير لأبي الحسن الشاذلي، والنصيحة الكافية لمن خصه الله بالعافية، وعدة المريد الصادق، وتعليق على صحيح البخاري وغير ذلك من التآليف.
وكان سيدي أحمد زروق شديدا على أهل البدع كثير الإنكار عليهم وعلى أدعياء التصوف الذين يحاولون التفرقة بين الشريعة والحقيقة، وقد بسط القول في رد البدع في كثير من تصانيفه؛ ولذلك لقبه العلماء بمحتسب العلماء والأولياء رحمه الله تعلى وغفر لنا وله ولإخواننا الذين سبقونا بالايمان آمين”. انتهى.
وقد نظم بعضا من ترجمته فتى وقتِه محمدُ الخضر بن حبيب البركي رحمه الله تعالى، ــ كما أفادني الشريف الباحث المعلوم بن لمرابط السملالي جزاه الله خيرا ــ قال محمد الخضر:
أقولُ باسْمِ الله ثُمَّ الْحمْدُ… لِلهِ أهْلِ الحمد أَمَّا بَعْدُ
فالْآنَ أذْكُرُ الفتى صديقَا…أحمدَ شيخي أحمدًا زَرُّوقا
مَعَ نِداهُ راجِيًا بالذِّكْرِ لَهْ…وبالنِّدا ما لِلْمُريدِ كَفَلَهْ
إذا يُناديه وما إنْ وُجِدَا…”ما للنِّدا يَصْلُحُ نحوُ أحمدا”
وأيضًا احمدُ يُجِلُّه بدا…”وما لَنَا إلا اتِّباعُ أَحْمَدَا”
(زَرُّوقُ أَحْمدُ أبوه أحمدُ…إبْنُ محمّدِ بْنِ عيسى يُسْنَدُ
إلى البَرانِسِ قَبِيلٌ بَرْبَرِي…بِقُرْبِ فاسٍ قُطْبُ ذاكَ الْعُصُرِ
كان اسمُه محمدٌ والْبَلَدُ …َلْحَنُها فاعْتاضَ منها أحمدُ
وجَدُّه ـ لا هُوَ بَلْ ولاَ أَبُهْ ـ …أَزْرَقُ عَيْنَيْنِ فمنه لَقَبُهْ
حَجَّ بِسَبْعِينَ معًا ومِائةِ…مِنَ الدَّنانِير أَوَلَّ حَجَّةِ
وكمْ لَهُ ارْتُضِيَ منْ مُصَنَّفِ…لا سِيما في الفِقْهِ والتَّصَوُّفِ
يَوْمَ “كَحٍ” مِنَ المُحَرّمِ لَدَى…طُلُوعِ شَمْسٍ في الخَمِيسِ وُلِدَا
بِفَاسٍ الْمَحْرُوسِ عَامَ سِتَّةِ…وأَرْبَعِينَ وثَمانِ مِائةِ
وعامَ “ضَغْطٍ” مَاتَ والْقُورِي الْوَلِي…أَخَذَ عَنْهُ الشَّيْخُ في فاسٍ وَلِي:
نَالَ مِنَ الْقُورِيِّ زَرُّوقُ وَنَالْ….أَبْنَاءُ يُوسُفَ وَ غَازٍ وَ هِلَالْ
وجه الشبه بين الكتابين:
الكتابان شرحان لنظمين لعالمين مالكيين مغربيين، أحدهما في أوصافه صلى الله عليه وسلم، والثاني في أهل بدر رضي الله عنهم الذين سَيِّدُهُم سَيِّدُنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم. إذن فإن موضوعهما واحد يتحدث عن مشكاة النبوة وما يَمُتُّ إليها من سيرته صلى الله عليه وسلم وسِيَرِ أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم.
اهتمام الشناقطة بهذه القصيدة:
وقد اعتنى الشناقطة بهذه القصيدة المباركة، فدَرَسوها ودرَّسوها ضمن متون السيرة والشمائل المحمدية، وقد شرحها منهم فيما وصل إليَّ كُلُّ من:
– النابغة الغلاوي بـعنوان: “أنوار البروق بشرح قصيدة زروق”
– وعبد القادر بن محمد بن محمد سالم
– والشيخ عبد الله (گلّاه) بن صلاحي بن المقري بن عبد الله بن محمذن بن بوحُبّيني (ت. 1346هـ/1928م)
– ومحمد الأمين بن خليفة
– ومحمد بن محفوظ بن دهمد
– والشيخ مُحمَّد عَبدَ الله بن الشيخ مُحَمَّدُّ بن أحمَذيَّ (ت. 1390هـ/ 1970م)
– ومُحَمَّد مَولودْ بن بابّاه بن مُحَمَّد لُقمان بن سيدي المختار بن الماون (ت. 1407هـ/1987م) الڭناني.
رحمهم الله أجمعين. كما في موسوعة ابن البراء وغيرها من المصادر…ولا علم لي بأن أيًّا من هذه التصانيف قد طبع بعد. وشرحَها شيخي ابن أحمد مسكه بالكتاب المذكور فوق، شرحًا ماتِعًا مختصرًا.
اهتمام الشناقطة بالتأليف في أهل بدر رضي الله تعالى عنهم:
يبدو أن أغلب ما وصل إلينا من اعتناء قدماء القطر كان نظمًا، نظرًا لازدهار التركيز على الأنظام في القرن الثالث عشـر وما بعده وما لهم في ذلك من عِللٍ وجيهة لَعَلَّ أهَمَّها سهولة الحفظ والتَّلْقين:
– أسماء أهل بدر رضي الله عنهم، لمُحمَّد (اليدالي) بن المختار بن محم سعيد اليَدالي (ت. 1166هـ/1753م).
– نظم لأهل بدر رضي الله عنهم للشيخ المُصطف بن العرَبي بن المُختار بن مَحنض نلَّ الأبييري ت (1237هـ/ 1821م)
– نظم لأهل بدر رضي الله عنهم لعبد الله بن سيدي محمود بن المختار بن عبد الله بن أبجَ الحاجي (ت. 1250هـ /1834م):
– نظم لأهل بدر رضي الله عنهم ل بابَ بن أحمَد بَيبَ بن عثمان بن سيدي مُحمَّد بن عَبد الرحمن العَلَوي (ت. 1276هـ/1859م).
– نظم لأهل بدر رضي الله عنهم لأحمد بن محمد بن محنض بابه الديماني
– اختـصار العلامة محمد بن عبد الله الجكني لرسالة الشيخ عبد اللطيف الشامي وشرحها للسيد الفاضل طه بن مهنى الجبريني؛ المتوفى سنة 1178 هجرية. (نثر)
– نظم لأهل بدر رضي الله عنهم لمحمد الأمين بن أبي المعالي بن حبيبي بن حبَّلَّ بن العربي بن الماح اليعقوبي (ت. 1336هـ/1917م).
– تأليف في أهل بدر رضي الله عنهم(لا أدري هل هو نظم أم نثر) لمُحمدُّ بن أحمدُّ بن الأزهري بن الغزالي بن الحاج الشَّقْرَوي(ت. 1358هـ/ 1939م)
– “حلية الإفادة” في شرح نظم “وسيلة السعادة” زين بن مُحَمَّذِن بن اجَّمد بن أيدوم اليدالي (ت. 1359هـ/1940م)، إلى غير ذلك من الكتب التي أذكرها في محلها.
– شرح لنظم أهل بدر رضي الله عنهم لمُحمَّدُّ بن البَراء بن بَگِّ بن سيدي بن حُرمَ بن المختار الدَّيْماني الفاضِلي (ت. 1361هـ/ 1942م).
– “هالة البدر على أهل بدر” لمُحمَّد محمود بن أحمذو بن زيّاد (ت. 1343هـ/1925مالأبْهُمِيّ من (أهل أعمَر إيدَيقب).
– نظم لأهل بدر رضي الله عنهم لعبد الودود بن الحضرمي المجلسي (ت. 1362هـ/1943م).
– نظم لأهل بدر رضي الله عنهم لگرايْ بن مُحمَّد بابَ بن امُحمَّد بن أحمد يورَ الأبْهُمِي من (أهل المختار أگدَ عثمان) (ت. 1420هـ/ 1999م).
كما ذكر الشيخ بعضا من هذه التصانيف في مقدمته، وذكر البقية الأستاذ يحيى بن البراء في موسوعته. هذا فضلا عن نظم الشيخ محمد المام الكبير لأهل بدر، وشرحه له، وأنظامه الثلاثة المذكورة سلفًا.
ومن اهتمامهم بنظم أسماء البدريين أن أحدهم نظمهم في شبابه إبان دراسته المحظرية ثم لما مرت أعوام نسي أنه نظمهم أصلا وكوشف بذلك خديم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيخنا الشيخ أحمد بمب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، يقول شيخي محمد بن أحمد مسكه في كتابه: “كرامات الشيخ أجمد بمب”، (الباب الثالث: في كرامات الشيخ)، ص 137، 138:
“ومنها ما وقع له مع أحد أصحاب العارف بالله تعالى الشيخ المستعين الكمليلي رضي الله عنه ونفعنا ببركاته. وذلك أن أحد أصحابه من أهل العلم أنكر عليه شيئا فقال له: أترضى أن يكون الشيخ أحمد بنبه حكما بيننا، فقال: نعم. فسافر ذلك الرجل إلى الشيخ أحمد بنبه فلما سلم عليه قال له بديهة قبل أن يكلمه بشيء مما في ضميره: الشيخ المستعين صاحب السنة ومخالف البدعة، وأنت قال الصحابي الفلاني من أهل بدر إنك ألفت في أسماء أهل بدر ولم تذكره فيهم، فقال الرجل: إني لم أؤلف قط في أسماء أهل بدر، فقال الشيخ: بلى، قد ألفت فيهم.
ثم إن ذلك الرجل لما فتش كتبه وجد أنه كان قد نظم أسماءهم في شبابه وأنه لم يذكر ذلك الصحابي رضي الله عنه وعنهم أجمعين” انتهى.
أما عن نظم البَدْرِيين وشرحه فإني مورِدٌ للقرَّاء فقرات من مقدمة الشارح واصطلاحه فيها. ولعل هذا الشرح هو أجمع كتاب في البدْرِيين حتى الآن لأنه جمع أهم كل ما يعنيهم مما سبقه من الصحاح وأمهات السِّيَر. يقول الشيخ:
“وقد بدأت بذكر بعض مناقبهم؛ ثم أتيت بترجمة مختصـرة للناظم رحمه الله تعالى؛ ثم حاولت بعد ذلك جاهداً أن أحقق ــ ما أمكنني التحقيقُ ــ أسماءَ من شهد بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمييز المتفق عليه من المختلف فيه؛ وذكر ما أمكنني ذكره من مآثرهم أو مَرْوِياتهم من الحديث الشـريف مما لا يُخِلُّ بالاختصار ذكْـرُه.
وقد اعتمدت في ذكرهم على الإصابة للحافظ ابن حجر والاستيعاب للحافظ ابن عبد البر، والبداية والنهاية للحافظ ابن كثير، وعيون الأثر للحافظ ابن سيد الناس، وأسد الغابة للحافظ ابن الأثير، وعلى سيرة ابن هشام التي لخص فيها سيرة ابن إسحاق، وعلى ما ذكره الإمام البخاري من البدريين في صحيحه، وعلى طبقات ابن سعد من المصادر القديمة، وما سوى هذه المصادر من المصادر القديمة فإني لم أعثر عليه، وإنما اعتمدت فيه على الحفاظ المذكورين فوق.
وقد لاحظت أنهم لا يحاولون استقصاء كل من ذكر الصحابي؛ لأني وجدتهم يقولون فلان ذكره ابن عقبة، مثلاً، ويسكتون؛ مما يوهم القارئ أنه تفرد بذكره؛ ثم أعثر على ذكر ذلك الصحابي عند ابن إسحاق؛ أو أعثر على عزوه إلى مصدر آخر قديم.
وقد حاولت الرجوع بنـفسي إلى ما عزَوْهُ للإمام أحمد في مسنده، أو إلى أبي داوود في سننه؛ أو إلى أحد الصحيحين أو المستدرك، وغيرها من كتب السنن، وقد أعتمد أحياناً على الحُفَّاظ في ذلك.
وإذا أطلقت الترجمة فهي في الإصابة والاستيعاب معا، وإذا انفرد بها أحدهما بيَّنت ذلك.
وإلى جانب هذه الكتب المذكورة فوق، راجعت مُصَنَّفات عديدة في أسماء أهل بدر أو في السيرة؛ مثل السيرة الحلبية، ورسالة الشيخ عبد اللطيف الشامي وشرحها للسيد الفاضل طه بن مهنى الجبريني؛ المتوفى سنة 1178 هجرية، وقد عثرت عليه مختـصراً؛ اختـصره العلامة محمد بن عبد الله الجكني، وقصيدة في أهل بدر لإبراهيم السنوسي أولها:
باسم الإله وحمده المتجدد….يبدو ضياء الرشد للمسترشد
ونظم السيد محمد بن أبي قاسم السجلماسي الذي أوله:
الحمد لله مجيب الداعي….ومذهب الأسقام والأوجاع
ونظم محمد الأمين بن أبي المعالي اليعقوبي، وأحمد بن محمد بن محنض بابه الديماني لهم، ونظم الشيخ محمد المام الكبير لأهل بدر، وشرحه له، وشرح العلامة زين بن الجمد اليدالي لنظم الشيخ محمد المام المذكور، إلى غير ذلك من الكتب التي أذكرها في محلها.
واعتمدت في تصحيح النظم المشـروح على نسخة من جالية الكرب؛ لأن الشيخ نص في نظمه الكبير لأهل بدر على أنه نَظَمَ نَظْمَه الصَّغِيَر من جالية الكرب وأخذ الكبير من الاستيعاب لابن عبد البر، ولكنه اتبع في ذكر البدريين طريقة خاصة به، لم تسـر عليها جالية الكرب وذلك أنه ذكر الأفراد؛ أي الأسماء التي لا يوجد منها في أهل بدر إلا واحد، ذكرها مرتبة على حروف المعجم، وأما الأسماء التي يشترك فيها اثنان فذكرهم بعد ذلك، ثم ذكر من يوجد منهم بثلاثة، وهكذا، فذكر أولا أُبَيّاً ثم الأرقم… ولما انتهى من الأفراد؛ قال: بباء أوس… إلخ، أي أنه يوجد اثنان كلاهما اسمه أوس… إلخ.. بينما لا يوجد إلا واحد اسمه أبي، وذكر العشـرة المشهود لهم بالجنة في البداية.
وفي ضبط الأسماء أقول أحياناً على وزن كذا، وهي طريقة شائعة عند المصنفين، فإذا قلت مثلاً: عُمَيْر كَزُبَـيْر، أو بالتصغير فمعناه أن العين مضمومة والميم مفتوحة والياء ساكنة، وجَبَلٌ وبَطَلٌ بفتح الباء وفتح الطاء، وقَصَبَةٌ أيضاً بفتح القاف وفتح الصاد وفتح الباء، وقد يقال في مثل هذا محركة أو بالتحريك. وثُمامة بضم الثاء وفتح الميم مخففة، وهكذا، ولا أراعي إلا حركة الحروف دون الزيادة من غيرها، فأقول بَسْبَسَة كمرحلة.
وسميته: شرح الصدر بأهل بدر رضي الله عنهم
إلى أن يقول:
وعدة أهل بدر كما في الصحيح بضعة عشـر وثلاثمائة، ثم اختلفوا في العدد الزائد على ثلاثمائة.
روى البخاري في صحيحه عن البراء بن عازب؛ قال: حدثني أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ممن شهدوا بدراً أنهم كانوا عدة أصحاب طالوت الذين جازوا معه النهر: بضعة عشر وثلاثمائة: لا والله ما جاوز معه النهر إلا مؤمن.
وذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري أن مسلما روى أنهم تسعة عشر وثلاثمائة.
وروى الإمام أحمد والطبراني والبزار أنهم ثلاثة عشر وثلاثمائة.
وروى البزار عن أبي موسى أنهم سبعة عشر وثلاثمائة.
وعند ابن أبي شيبة والبيهقي أربعة عشر وثلاثمائة.
وروى الطبراني والبيهقي عن أبي أيوب رضي الله عنه قال: (خرج رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر فقال لأصحابه: “تعادُّوا”) فوجدهم ثلاثمائة وأربعة عشـر، ثم قال لهم: “تعادوا”، فتعادوا مرتين؛ فأقبل رجل على بكر له ضعيف، وهم يتعادون فتمت العدة ثلاثمائة وخمسة عشر.
ويحتمل أن يكون من جعلهم تسعة عشـر أو سبعة عشـر عد الصبيان ممن لم يخرجوا للقتال.
ثم قال الحافظ: وإذا تحرر هذا؛ فليعلم أن الجميع لم يشهدوا القتال وإنما شهده منهم ثلاثمائة وخمسة أو ستة كما أخرج ابن جرير وبينه ابن سعد.
وكأن من جعلهم ستة أو خمسة وثلاثمائة لم يعد من ضرب لهم بسهم وأجر.
وقد ذكرنا في هذا المجموع من ضرب لهم بسهم وأجر، وهم عثمان بن عفان رضي الله عنه؛ خلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وكانت في مرض الموت.
ومنهم طلحة بن عبيد الله، وسعيد بن زيد، وأبو لبابة، وعاصم بن عدي، والحارث بن حاطب، والحارث بن الصمة، وخوات بن جبير، وسعد بن مالك الساعدي، وجعفر بن أبي طالب، وقيل إنه ضرب لصبيح مولى أبي أحيحة معهم رضي الله عنهم جميعا، وذلك لأسباب مختلفة مذكورة في تراجمهم.
وأما صاحب “جالية الكرب بأصحاب سيد العجم والعرب” في أسماء البدريين والأُحديين فهو السيد جعفر بن حسن بن عبد الكريم؛ زين العابدين البرزنجي مفتي الشافعية بالمدينة المنورة.
ولهذا السيد تآليف عديدة منها قصة المولد النبوي، وقصة المعراج، والبرء العاجل بإجابة الشيخ محمد غافل، والجنى الداني في مناقب الشيخ عبد القادر الجيلاني.
وقد توفي السيد البرزنجي سنة 1177هـ موافق 1764م رحمه الله تعالى ونفعنا ببركته.
والكِتابان قيد الطَّبع بمصر، فلما يُشْحَنا بعد إلى البلاد.
أطال الله في عمر شيخ الإسلام محمد بن أحمد مسكه ومتعنا به والأمة الإسلامية ومتعه بنا عمرا مديدا، وجزى الله عنا الدكتور أحمد نجيب خيرا.
نفعنا الله ببركة سيد البدريين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وببركاتيم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وببركة الشيخ محمد المام، وبركة شيخي المجدد محمد بن أحمد مسكه وبركات آبائهما. وكلها من بركة سيد الوجود سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
نهاركم سعيد.
كتبه مريد شيخه محمد بن أحمد مسكه، عُبَيْدُ رَبِّه القريب المُجِيب، البشير بن أحمد مسكه بن حبيب.
انواذيبُ، 05/ 09/ 2018م. ولله الحمد من قبل ومن بعد، وصلّى الله على سيِّدِ المرسلين ورَضِيَ عن أصحابه وآله وأُمَّتِه أَجْمعين آمين آمين آمين.