الاقتصاد العالمي على أعتاب أزمة سيولة / نهى النحاس
في أكتوبر 1997 تهاوى مؤشر الأسهم الأمريكية “ستاندرد آند بورز” 7% عند انتشار عدوى أزمة العملات الآسيوية عالمياً.
وبعد حوالي عام تأثر المؤشر الأمريكي بتعثر روسيا عن سداد الديون ثم انهيار صندوق التحوط “لونج تيرم كابيتال” ليتراجع على إثر تلك الأحداث بنحو 20%.
وفي أغسطس 2015، تسببت مخاوف تباطؤ اقتصاد الصين في أعقاب عملية خفض قيمة اليوان المفاجئة بنسبة 2% في دخول “ستاندرد آند بورز” إلى منطقة تصحيح.
وفي مقال نشرته صحيفة “فايننشال تايمز” ذكرت أن مع كل تلك الأحداث فإن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي كان يبتعد عن رفع معدل الفائدة، بل في بعض الأوقات كان يخفضها.
وبالتأكيد فإن العوامل المحلية كانت تلعب دوراً في كل تلك السيناريوهات لكن أي كان ما يحدث في الخارج فهو بالتأكيد عامل مؤثر.
وشهدت الأسابيع القليلة الماضية تكهنات بأن الاضطراب المستمر في الأسواق الناشئة قد يتسبب في نتائج مماثلة، لكن محضر الفيدرالي الأمريكي الأخير كشف عزمه رفع الفائدة ربما خلال سبتمبر المقبل.
وتعتر هذه خطة الفيدرالي التي يعمل على تنفيذها خلال الفترة الأخيرة، لكن مع حقيقة أن البنوك المركزية حول العالم تتجه أيضاً لتشديد السياسة النقدية فإن السيولة العالمية تُستنزف بوتيرة أسرع بكثير، وهو اتجاه قد يورط بعض الأسواق الناشئة المحملة بديون الثقيلة بل والولايات المتحدة نفسها.
ووفقاً لإحصائية بـ”بنك أوف أمريكا ميرل لنش” فإنه منذ يناير الماضي وعدد عمليات رفع معدل الفائدة تزايد، ليصل إلى مستويات تقترب من نظيرتها قبل الأزمة المالية العالمية.
وبالنظر إلى هذا التشديد الذي يعود جزء كبير منه إلى الأسواق الناشئة التي تحاول تقويض هزات العملة أو إدارة الضغوط التضخمية فإن السيولة العالمية قد تقلصت إلى حد كبير.
وباستخدام مؤشرات تقيس المعروض النقدي الواسع لأهم 30 اقتصاد رئيسي تم تحويلها إلى دولارات نسبة إلى المعروض النقدي الأمريكي فإنه وُجد أن معروض الدولارت أصبح نادر بشكل متزايد.
ويرجع ذلك جزئياً إلى قوة الدولار والاقتصاد الأمريكي وتباطؤ نمو الائتمان في الصين، إلى جانب الحمائية والتحركات الصريحة من جانب الفيدرالي لتقليص الأموال في النظام المالي.
وتعد السيولة المالية الأمريكية هي الأهم لأن الدولار هو عملة الاحتياطي النقدي الأولى في العالم، كما أن أغلبية الديون العالمية مقومة بالورقة الخضراء.
وتفضل البنوك المركزية في العالم حيازة الدولار عن أي عملة أخرى بفارق كبير، كما يتم إجراء يومياً تداولات بأكثر من 4.4 تريليون دولار.
وتثير تقلبات السيولة الدولارية القلق بالنسبة للأسواق الناشئة بشكل خاص، لأنه خلال سنوات الأموال الرخيصة والتي اعقبت الأزمة المالية تكدس المستثمرون في تلك الأسواق للتعويض عن العوائد المنخفضة المتاحة في الاقتصادات المتقدمة.
وعلى الرغم أن السيولة المنخفضة وهدوء النمو الاقتصادي العالمي من شأنه أن يؤثر على كافة اقتصاديات الأسواق الناشئة إلى حد ما إلا أن بعض الدول في وضع أفضل من غيرها.
وعكست موجة التراجع التي أصابت عملات تركيا والأرجنتين مشاكل داخلية لديهم لكن أيضاً يمكن توقع نوبات اضطراب مشابهة داخل دول تعتمد بشدة على الديون الخارجية وتفتقر إلى الصادرات أو احتياطيات النقد الأجنبي لتغطية تراجع السيولة.
ووفقاً لإحصائيات بنك “أر.بي.سي” كابيتال فإن إندونيسيا والهند وماليزيا هم الأكثر عرضة للخطر في آسيا وكذلك الفلبين وجنوب إفريقيا يعتبران مصدر للخطر.
وفي النهاية قد يكون تعود هذه التطورات كلها لتضرب الولايات المتحدة التي تعيش بورصتها الآن أطول موجة صعود في تاريخها.
وكان “هانس ريديكر” المحلل ببنك “مورجان ستانلي” حذر في يونيو الماضي من أن هذا الارتباط الديناميكي الناتج عن السيولة يتحول إلى تقلب عالمي يجب أن يفيد عملات الدول التي تسجل فائضاً تجارياً مثل الين واليورو.
ومن المرجح أن يشهد أكتوبر المقبل وصول وتيرة التشديد الكمي للاحتياطي الفيدرالي إلى مستوى 600 مليار دولار أمريكي سنوياً، ما يعني زيادة الرياح المعاكسة للأسواق الأمريكية.
وكان الاحتياطي الفيدرالي قد أقر خطة يقلص بمقتاضها حيازته من السندات التي اشتراها بعد الأزمة المالية العالمية في إطار برنامج التيسير الكمي.
واستمرار ضغوط البيع من الأسواق الناشئة يوفر للأسواق الأمريكية تدفقات مؤقتة من السيولة لكن هذا يشير إلى أن نمو الأسواق الناشئة سيتباطأ بشكل أسرع ما يقلل من ربحية الشركات الأمريكية والنمو الاقتصادي في نهاية المطاف أيضاً.
ويشير تسارع وتيرة التشديد النقدي للاحتياطي الفيدرالي والآفاق الضعيفة لأداء الشركات إلى أن الأصول الخطرة الأمريكية وصلت إلى ذروتها.